دعوة للاستكتاب في الملف البحثي: ما بعد الإسلاموية قراءة في التاريخ والواقع الراهن والمستقبل

استكتاب في ملف ما بعد الإسلاموية

مقدمة:

يشهد عالمُنا العربي تقلُّباتٍ شديدةً وسريعة التغيُّر على أصعدةٍ شتَّى، وبخاصةٍ السياسي والاجتماعي والثقافي منها. ويترافق مع هذه التغيرات السريعة ارتفاعُ الكثير من المقولات والحركات والنظُّم الفكرية وهبوطُها.

ولا شكَّ أن الحركات الإسلامية المتصدِّرة للتعامل مع الشأن السياسي – ما اصطُلح على تسميته بـ «الإسلام السياسي» أو «الإسلاموية» – قد شكَّلت جزءًا أساسيًّا من المشهد السياسي والثقافي العربي لعقودٍ طويلة تربو على القرن من الزمان. وقد تأثَّرت هذه الحركاتُ السياسية بذلك الواقعِ وتقلُّباته المتوالية على المستوى الفكري والحركي كما أثَّرت فيه أيضًا.

ولربما كانت الثورات الشعبية العربية التي تزامنت بصورة متتالية منذ أواخر (2010م) – ما اصطُلح على تسميته بـ «الربيع العربي» – قد أذِنت بالبزوغ الأكبر لحركات الإسلام السياسي في العصر الحديث، حيث ارتقى كثيرٌ من هذه الحركات إما إلى سُدَّة الحكم السياسي، أو النفوذ المجتمعي، أو كليهما، بصورة غير مسبوقة، مع أجواء الانفتاح النسبي للحرية عقب هذه الثورات.

انفتحت على تلك الحركات الإسلامية، بشتَّى اتجاهاتها – نظرًا لكونها أحد أكثر العناصر الفاعلة في المجتمع – سؤالاتُ الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، من كل حدبٍ وصوب، ووضعتْ كثيرًا من تنظيراتها المجمَلة موضع الاختبار التفصيلي والتطبيقي، مع ضغط المطالب والمقتضيات التي لا ترحم، فضلًا عن التحدي الأساسي الهائل المتمثِّل في القوى المترسبة في بنيات الحكم ومؤسساته، أي التي اصطلح على تسميتها بـ”الدولة العميقة”.

وبهزيمة «الربيع العربي» – الحالية على الأقل – أو انحساره، برزت مقولة «ما بعد الإسلاموية» على السطح، مُؤذِنةً بحسب كثيرين بأفول تيار الإسلام السياسي، ليس على مستوى التنظيم أو الحركة أو النفوذ فحسب، ولكن على مستوى الأفكار والأُسس النظرية أيضًا. في الحقيقة، لقد برزت مقولة «فشل الإسلام السياسي» قبل ذلك بمدَّة، على الأقل في كتاب الباحث الشهير في الإسلام السياسي «أوليفيه روا» بالعنوان نفسِه عام (1992م)، إلا أن الظرف الراهن في البلاد العربية قد عمِل على إحيائها من جديد.

ومع ذلك، فثمَّة وجهٌ آخر بنائيٌّ لمفهوم «ما بعد الإسلاموية» أخذ يزاحم المفهوم السلبي السابق. إنه المفهوم الذي يريد الخروج بالعمل الإسلامي من الأيديولوجية إلى المفهوم الحضاري، ومن احتكار الحقيقة والحصرية إلى التعدُّدية والمرونة والاستيعاب، ومن التركيز على الواجبات إلى التركيز على الحقوق، ومن الدولة إلى المجتمع. إنه الخطاب الذي برز في مشروع آصف بيات – المفكِّر الإيراني الأمريكي – بصورة أساسية، في كتابه: «صناعة الإسلام الديمقراطي: الحركات الاجتماعية والانعطافة ما بعد الإسلاموية» (2007)، ثم في الكتاب الأشمل الذي حرَّره هو نفسُه، وصدر بعنوان: «ما بعد الإسلاموية» (2013)، وتتمته المهمَّة في كتاب: «الحياة سياسة: كيف يغيِّر بسطاء الناس الشرق الأوسط؟» (2014)، والذي وإن بدأ كتشخيصٍ وعلاجٍ للحالة الإيرانية في الحكم الديني، إلا أنه غدا خطابًا قابلًا لأن يُستعمل لوصف الظاهرة الإسلامية في عمومها وليس خطابًا مقصورًا على التجربة الإيرانية.

الإشكالية البحثية:

تقابِلُ الباحثَ إشكاليةُ تعدُّد أوجه مقولة «ما بعد الإسلاموية»، بما يُدرج فيها من حمولاتٍ متباينة قد تصل إلى حدِّ التناقض. وينبغي أن يفصِّل الباحثُ في مقصوده من تلك المقولة قبل أن يتعرَّض لها بالتحليل ومن ثَمَّ النقد، أو الاستشراف. كما أن ذلك يتيح للباحثِ التعاطيَ البحثي مع وجهٍ واحدٍ لتلك المقولة بصورة تاريخية أو تحليلية أو نقدية، أو أكثر من وجهٍ بصورة مقارنة أو نقدية.

نستهدف في هذا الملفِ التركيزَ على أربعةِ أوجهٍ لمفهوم «ما بعد الإسلاموية» كإشكالياتٍ بحثية أساسية لهذا الملف، ولا يمنع هذا من استيلاد المزيد من الإشكاليات التأسيسية أو الفرعية.

 أولًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» كسمةٍ لخطاب ثورات ما يُعرف بـ «الربيع العربي».

ثانيًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» كوصفٍ لمأسسة الإسلاموية وانتقالها من سلوك الجماعة والتنظيم إلى سلوك الدولة والمؤسسات.

ثالثًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» السلبي، الذي يعني: فشل المشروع الإسلاموي وخطابه.

رابعًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» البنائي، الذي يعني: خطابًا إسلاميًّا جديدًا ومنفتحًا، يقطع مع الإسلاموية، أو يتجاوزها.

ولتفصيل الإشكاليات البحثية الأربع السابقة، نسوقُ الأسئلةَ البحثية التي يمكن أن تشكِّل البناء العام للبحث فيها، وَفْقَ الترتيب نفسِه الوارد أعلاه.

أولًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» كسمةٍ لخطاب ثورات ما يُعرف بـ «الربيع العربي»

يبدو ظاهرًا لدى كثيرٍ من المحلِّلين أنَّ الثوراتِ العربيةَ الحالية قد رفعت شعاراتٍ «غير إسلاموية»، حيث تبنَّت خطاب المظلومية الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى، والمطالب السياسية بالدرجة الثانية؛ لكنها لم تطالب بالمطالب الإسلاموية المباشرة، كالمرجعية الإسلامية، أو تطبيق الشريعة. ويجادل محلِّلون آخرون في هذا الصدد. ومن هنا يمكن صياغة الأسئلة الآتية:

هل كانت الثورات المكوِّنة لما يُعرف بالربيع العربي: «ما بعد إسلاموية»؟ وما معنى ذلك بالتحديد إن كانت الإجابة بنعم أم لا، وما تجليَّاته؟

وعلى فرض كون الثورات المكوِّنة لما يُعرف بالربيع العربي: «ما بعد إسلاموية»، وعلى فرض أنَّ معنى ذلك أنها تجاوزت في خطابها ومطالبها خطابَ الإسلام السياسي، فهل يمثِّل ذلك فشلًا للإسلاموية؟ وما أسباب ذلك، وما تجليَّاته؟ وفي تلك الحالة: هل في تلك المضامين الثورية ما يتقاطع مع خطاب الإسلام الأوسع؟ وإلى أيِّ مدى؟ وهل يطرح ذلك تأسيسًا لمفهوم «ما بعد الإسلاموية» بالمعنى البنائي؟

ثانيًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» كوصفٍ لمأسسة الإسلاموية وانتقالها من سلوك الجماعة والتنظيم إلى سلوك الدولة والمؤسسات

من الصحيح أن تجربة حكم «الإسلامويين»، أو مشاركتهم الفاعلة في السلطة والنفوذ السياسيين والمجتمعيين؛ قد أُجهِضت في أغلب التجارب العربية، كما في مصر والسودان وفلسطين (غزة) على سبيل المثال، لكنها لا تزال فاعلةً (ولو في مستوًى معيَّنٍ) في التجربة التونسية، وإلى حدٍّ ما في التجربة المغربية، وبصورة مغايرةٍ نظرًا لاختلاف الأُسس البنيوية للإسلاموية في التجربة الإيرانية. وعلى كلِّ تقدير: فحتى التجارب المجهَضَة قد قدَّمت بعضَ الملامح التي يمكن الوقوفُ عندها للتقييم والأشكلة. ومن هنا يمكن صياغة الأسئلة الآتية:

هل يمكن رصدُ تغيُّرات فكرية أو سلوكية في الخطاب الإسلاموي ما بعد وصوله إلى السلطة أو مشاركته فيها؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما أهم تلك التغيرات، وما أسبابها، وما آثارها، وما آفاقها المستقبلية؟ وإذا كانت الإجابة بـلا، فما تجليات ذلك، وأسبابه، وآفاقه المستقبلية؟

وبعبارة أخرى، هل دشَّن وصول الإسلامويين إلى السلطة أو مشاركتهم فيها، ما يمكن تأطيره باعتباره «ما بعد إسلاموية»؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما معالم ذلك الخطاب «ما بعد الإسلاموي» بهذا المعنى؟ وأخيرًا: ما تقييم تجربة الإسلاموية في السلطة أو المشاركة فيها، وبخاصة على صعيد مرتكزات خطابها وأركانه وآفاقه المستقبلية؟

ثالثًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» السلبي، الذي يعني: فشل المشروع الإسلاموي وخطابه

في الواقع، لم يخلُ تاريخُ الإسلاموية من انتكاساتٍ متتابعة. لقد واجهت الإسلامويةُ في كثيرٍ من الأحيان تحدياتٍ أكبر من طاقتها سواء على الصعيد الفكري أو التطبيقي أو حتى التنظيمي. ومع ذلك، ورغم تكرُّر حالات أفول الإسلاموية لأسبابٍ بعضها قهري، فإنه من الجهة التنظيرية لم تبرز مقولة «ما بعد الإسلاموية» قبل تسعينيات القرن العشرين، كما أشرنا إلى كتاب أوليفيه روا. وربما قد أجاب الزمن على روا، حيث استأنفت الإسلاموية نشاطَها بعد ذلك التاريخ، بل بلغت ذروةَ بزوغها مع أحداث الربيع العربي. ثم ما فتئت الإسلاموية أن تعرضت لانتكاسةٍ جديدةٍ أثَّرت في خطابها وقواعدها التنظيمية، لتبرز مقولة «ما بعد الإسلاموية» من جديد. ومن هنا يمكن طرح الأسئلة الآتية:

ما مدى إمكانية تقديم تأريخ نقديٍّ لعددٍ من حالات – ربما أطوار؟ – «ما بعد الإسلاموية» بهذا المعنى المقصود هنا؟ وما ملامح تلك الحالات المشتركة؟ وما خصوصياتها؟ وإلى أيِّ حدٍّ تشكّل الحالةُ الراهنة لمقولة «ما بعد الإسلاموية» حالةً جديدةً أو محورية؟ وما أبرز أسبابها، وملامحها، وآثارها؟ وما الآفاق المستقبلية لهذه المقولة؟ وهل يمكن أن تستأنف الإسلاموية خطابها؟ وفي أي صورة؟ وما الظروف والشروط الموضوعية والسياقية اللازمة لذلك؟

رابعًا: مفهوم «ما بعد الإسلاموية» البنائي، الذي يعني: خطابًا إسلاميًّا جديدًا ومنفتحًا، يقطع مع الإسلاموية التقليدية، أو يتجاوزها

طرح العديدُ من المنظِّرين مفاهيمَ إسلامويةً تتجاوز الخطاب الإسلاموي التقليدي، بمرتكزاته المفاهيمية، ومقولاته النظرية، وتشكيلاته وآلياته التنظيمية. ويطرح هذا العديدَ من الأسئلة:

ما أبرز الظروف الموضوعية والسياقية التي نجم عنها خطاب – أو خطابات – «ما بعد الإسلاموية»؟ وما ملامح خطاب – أو خطابات – «ما بعد الإسلاموية»؟ وما دلالة البَعْدية فيه؟ وما أوجه الفرق الأساسية بين خطاب «ما بعد الإسلاموية» والخطاب «الإسلاموي»؟

وهل يمكن القول إن خطاب «ما بعد الإسلاموية» خطابٌ مؤطر بسياقاتٍ محليَّة (إيران – تركيا، على سبيل المثال) أم لا؟ وما تجليات ذلك في حالة ثبوته، وما تأثير هذه السياقات فيه عمومًا على كل حال؟ وما أوجه التأثير والتأثُّر بين هذا الخطاب وغيره من الخطابات الأيديولوجية، كالقومية، والحداثة، والليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، وغيرها؟ وهل ثمة «ما بعد إسلاموية» واحدة أم أن هناك العديد من الـ «ما بعد إسلامويات»؟ وإن كانت هناك خطاباتٌ متعدِّدة فما أوجه المقارنة بينها؟ وما الآفاق المستقبلية لخطاب «ما بعد الإسلاموية»؟

محاور المشروع البحثي:

يتضمَّن المشروعُ البحثي حول «ما بعد الإسلاموية» العديدَ من المحاور، التي يمكن أن تندرج فيه نشاطاتُه البحثية، كالمقالات والدراسات والترجمات وعروض الكتب، مع التنبيه إلى إمكان تقاطعِ المواد البحثية مع أكثر من محورٍ من هذه المحاور. كما ندعو السادة الباحثين والأكاديميين المشاركين في هذا الملف إلى تفعيل الإجابة عن الأسئلة البحثية التي تقدَّم ذكرها ضمن الإشكالية البحثية، من خلال هذه المحاور.

المحور الأول: التأريخ النقدي للحركات الإسلاموية وصولًا إلى ما بعد الإسلاموية

والمقصود من ذلك المحور التأريخ النقدي لنشأة خطاب «ما بعد الإسلاموية»، وظهوره، وبيان صلته التاريخية بالخطاب الإسلاموي، ثم القطع معه أو تجاوزه. فليس المقصود من هذا المحور التأريخ المجرَّد للحركات الإسلاموية، فهذا مجال زاخر بالكتابات؛ ولكن التأريخ النقدي للحركات الإسلاموية بالقدر الذي يكشِف عن السياقات والظروف التي ظهر من خلالها خطاب «ما بعد الإسلاموية»، سواء أكان ذلك التأريخ مقارنًا، أم دراسة حالة لبلد معيَّن، أو حركة معيَّنة.

المحور الثاني: «ما بعد الإسلاموية» في بُعْدها المفاهيمي والواقعي

والمقصود من ذلك الدراسة المفاهيمية التنظيرية لخطاب «ما بعد الإسلاموية»، وتطبيقاتها الواقعية، في أية صيغةٍ من صِيغها التي تقدَّم ذكرُها، أو بصورة مقارنة بين أكثر من صيغة، مع الرجوع في ذلك إلى مصادرها الأساسية، والأحداث الواقعية المجسِّدة لخطابها، وتجاربها، وأبرز رموزها، ومقولاتها، وأسسها النظرية، وأوجه نقدها للخطابات الإسلاموية التقليدية، وأوجه تأثيرها وتأثرها بغيرها من الخطابات والمشاريع الأيديولوجية.

المحور الثالث: نقد مقولة «ما بعد الإسلاموية»

ويتنزَّل ذلك المحور في إمكانية تقديم نقدٍ موضوعيٍّ وتاريخيٍّ لمقولة «ما بعد الإسلاموية» على أي صعيدٍ من أصعدتها المتعدِّدة، التي تقدَّم ذكرها، سواء أكان ذلك النقد مفاهيميًّا أم تطبيقيًّا أم مقارنًا.

المحور الرابع: الآفاق المستقبلية لخطاب «ما بعد الإسلاموية»

ويبحث في مستقبل خطاب «ما بعد الإسلاموية»، وملامحه المتوقَّعة، واحتمالات امتداده أو تقلُّصه، وأبرز التحديات التي يواجهها.

تواريخ مهمَّة:

إعلان الملف البحثي بتاريخ 08 /10/ 2019م

استقبال استمارة ملخص المشاركة إلى غاية 15/ 12/ 2019م

الرد على أصحاب الملخصات المقبولة 30 / 12/ 2019م

إرسال البحوث كاملة 30 / 03/ 2020م

الرد على أصحاب البحوث المقبولة 30 / 04/ 2020م

أشكال المشاركة:

-البحوث والدراسات من 4000 كلمة إلى 10000 كلمة.

-المقالات 3000 كلمة.

-ترجمة أوراق علمية أو مقالات رصينة تتناول الإشكالات المؤطرة في هذه الأرضية أو أحد محاورها، على أن يقدِّم الباحث نسخةً من المقال للمركز لإبداء الرأي فيها قبل الشروع في ترجمتها بعد إقرارها من المركز.

ملاحظة: يشترط في جميع الأعمال المقدَّمة للمشاركة في الملف البحثي، أن تلتزم بالضوابط العلمية والأكاديمية المتعارَف عليها.

  • ترسل البحوث إلى البريد الإلكتروني:

[email protected]