مراجعة لكتاب "ثورات الشعوب الأوروبية 1848"

ثورات الشعوب الأوروبية ١٨٤٨م إبراهيم ماجد شاهين

صدر كتاب «ثورات الشعوب الأوروبية 1848» في طبعته الأولى عام 2019م عن مركز نهوض للدراسات والنشر لمؤلِّفه إبراهيم ماجد الشاهين، وقد جاء في 432 صفحةً من الحجم الكبير. ولا شكَّ أنه يُعَدُّ إضافةً نوعيةً للمكتبة العربية؛ نظرًا لقلَّة المراجع التي قاربت هذا الموضوع باللغة العربية مقارنة باللغات الغربية.

يختصُّ الكتاب بموضوع ثورات الشعوب الأوروبية في عام 1848م، حيث يقدِّم مادةً معرفية وتاريخية غنية حول أسبابها والسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية المرافقة لها، في رحلةٍ مختصرة ومركَّزة حول التحول التاريخي في أوروبا قبل تلك الثورات وبعدها. وعلى الرغم من أنها لم تستمر طويلًا، "فإنها هزَّت عروش أوروبا ومهَّدت الطريق التي جاءت فيما بعد، ووضعت أوروبا على طريق الحداثة والاستعداد للتحول الكبير الذي حدث في القرن العشرين". وجلُّ معطيات الكتاب التاريخية مستقاةٌ من مراجع غربية، وقد استطاع الكاتب أن يزاوج بين التتبُّع التاريخي، والتحليل المنهجي، والتنبيه من حينٍ لآخر على آراء وخلاصاتٍ حول قواعد تحكم سيرورة التغيُّر الحضاري والتي تتكرَّر من زمنٍ لآخر بحسب شروط كل واقعٍ وخصائصه.

في السياق الأوروبي، كانت الثورات المدروسة قاسمًا مشتركًا بين عددٍ من الدول الأوروبية في فترة تاريخية حاسمة. ورغم الخلاف التاريخي بينها، واختلاف اللغات وتعدُّدها، واختلاف المذاهب الدينية بين الكنائس وبغضها لبعضها، فضلًا عن الصراع الاقتصادي بينها، فإن الشعوب في تلك الفترة استطاعت استلهام قيم الحرية والنهوض، والتقاط إشارات التغيير ورسائله الممكنة من التجارب المجاورة لبعضها بغية إتمام قيم النهضة والأنوار وتمهيدًا لعصر الحداثة.

فقد كانت تلك الثورات الشعبية (عام 1848م) حالةً فريدةً في تاريخ شعوب العالم، فلم يسبق أن شهد العالم انتقال ثوراتٍ شعبية بمطالب متشابهة من دولةٍ إلى أخرى بهذا الزخم وهذه السرعة، ولا شكَّ أن التطور الصناعي الذي شهدته أوروبا في القرن التاسع عشر قد مهَّد لإمكانية انتقال الأفكار الثورية بالسرعة التي لم تكن ممكنةً في القرون السابقة، وهو الأمر الذي تطور فيما بعد ليصبح أكثر سرعةً في الزمن الحالي مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية والإعلامية.

 وقد حدَّد المؤلف الهدفَ من دراسة الموضوع بشكلٍ واضحٍ في تمهيد الكتاب، وهو "استخلاص العِبر والدروس"، وأن "من متطلبات قراءة المستقبل أن يقرأ المرء الماضي، حتى وإن كانت الأحداث موضوع البحث قد وقعت في مناطق جغرافية بعيدة، وحضاراتٍ مختلفة". فخدمة المستقبل في هذا الكتاب تكْمُن في تقديم الدروس من الماضي، ماضي فترة تاريخية معينة، بانتقاء الأحداث المفصلية بقضاياها وإشكالياتها وتطابقاتها الممكنة مع ما يجري من أحداثٍ في وقتنا الحاضر، مع التنبيه إلى قواعد سُننية حاكمة للتغيير والإصلاح. وفي ذلك يؤكِّد المؤلف أنه "عندما نرى اليوم العدالة والنظام والديمقراطية السائدة في مختلف دولها وأنظمتها، سواء أكانت جمهورية أم ملكية، فإننا نعجب من التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتقني الذي مرت به تلك الدول، وفي مدَّة زمنية تعتبر قصيرةً في عمر الشعوب، وتصبح بذلك تجربة تلك الدول أكثر ضرورةً للدراسة واستخلاص العبر والدروس".

وسنحاول أن نعرض خلاصاتٍ مركَّبة لكل باب، مركِّزين على أهم القضايا والإشكالات المعرفية والمنهجية التي عالجها الكاتب مع ملاحظاتٍ نقدية لبعض القضايا المعرفية والتاريخية.

الكلمات الدلالية