نقد الحقيقة والمنهج في تقويم التراث
الملخص
مناط هذا العمل مراجعة نقدية لدعوى تجديد المنهج لتقويم التراث التي صاغها طه عبد الرحمن في كتاب بذات العنوان؛ وقبل المضي في استجلاء مظاهر الانغلاق في الرؤية والانسداد في الأفق لابد أن أُبديَ جملة من الاعتبارات التي حدت بي إلى تناول مشروع تجديد المنهج لدى طه.
وسأعرض بعض المقاربات الأخرى للتراث؛ حتى أبرز خصوصية تفاعلها مع التراث وتعاطيها له حقيقةً ومنهجًا؛ كما أصرح بأنني أصادر على دعوى أساسية مفادها ضرورة الإقرار بالحاجة الماسّة إلى الانفتاح، الذي ينبغي أن تترجمه حقيقة "التداخلات المضمونية المعرفية"، أي مفاهيم وتصورات المواد العلمية، ومنهج التفاعلات الآلية لا بوصفها أدواتٍ جاهزةً وناجعة بصورة مطلقة، بل بوصفها موازين تقترن بطبيعة الموضوعات التي تزنها. وليس يصار إلى ذلك من غير استحضار السياق الكوني الذي بات من اللازم الانخراطُ فيه والاستجابة لمستلزماته، التي لا نعدها إكراهاتٍ خارجيةً تسلط على فكرنا، بل نعتبرها سنة حضارية كونية تدعونا إلى التعارف الأمثل.
لذلك سنتولى البحث تحدونا فيه الرغبة في فتق مجالنا التداولي العربي الإسلامي؛ بمناهجه ومضامينه على أشكال التفاعل المفضي إلى المشاركة في الإنتاج الفكري الكوني، والإفادة منه بما يجعل التفاعل الخارجي شرطَ إمكانٍ لحصول التكامل الداخلي، وليس العكس؛ على اعتبار أننا نفهم من الكونية ما يخالف التجدد الذي يعتري الوضع الإنساني في كل عصر، ينتمي فيه هذا الإنسان انتماءً جديدًا للزمان. ومن هنا لا يرادف الكوني المطلق بقدر ما يرادف ما نتعارف عليه في عصر محدودٍ إزاء ما يزال مُشرعًا أمام ما في أيدي البشر من إمكان.