
يُعَدُّ هذا الكتاب من أولى الدراسات التي نقدت الدرس الاستشراقي في الفقه الإسلامي، لا سيما أطروحات جولدتسيهر وجوزيف شاخت، الذي زعم أن الفقه الإسلامي لم يتشكَّل إلا متأخرًا تحت تأثيراتٍ سياسية واجتماعية. وقد تصدى المؤلف لهذه الفرضية بتحليلٍ دقيقٍ لمصنفات أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، ليبرهن أن الفقه نشأ منذ بواكير الإسلام في سياقٍ تشريعيٍّ أصيل، متصلٍ بتعاليم النبوة، لا محاكاة لتشريعات رومانية أو شرقية كما ادَّعى شاخت.
ويتناول المؤلف التطور المبكر للفقه الإسلامي بالكوفة، بالنظر في مصنفات أبي يوسف والشيباني، اللذين نقلا فقه الكوفة من دائرة الرواية الشفوية إلى دائرة التدوين والتأصيل، وكان لهما أَثَرٌ بعيدٌ في بناء النظرية الفقهية الإسلامية، ولا يقتصر على تتبُّع اجتهاداتهما، بل يسعى إلى فهم المناخ الفقهي العام في الكوفة، ومحدداته الفكرية، وصلته بالنزاعات الكلامية والتطورات السياسية التي عصفت بتلك الحقبة. وفي ذلك يرى المؤلف أن الكوفة -بثرائها الفكري وتعدُّد تياراتها- كانت أشبهَ بمعمل فكري تخلَّقت فيه معالم الفقه الإسلامي قبل أن تأخذ مذاهبه الكبرى صورتَها المكتملة، وكانت ملتقى الحركات الفكرية والسياسية التي صنعت كثيرًا من أحداث التاريخ الإسلامي المبكر.
ظفر إسحاق الأنصاري: أحد أهم الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي، ومن روَّاد النقد العلمي للاستشراق؛ إذ تصدى لأطروحات المستشرقين حول الفقه الإسلامي وسعى إلى تقديم قراءة أصيلة للتاريخ والفكر الإسلامي. حصل على درجة الماجستير من جامعة مكجيل الكندية، ثم واصل دراسته فيها حتى حصل على درجة الدكتوراه بهذا الكتاب. شغل مناصب أكاديمية مرموقة، إلى جانب إسهاماته في تحرير مجلة "الدراسات الإسلامية"، ومشروع "موسوعة ثقافة الإسلام" الصادر عن اليونسكو.