لقد ظل الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، منذ عقود، يشتغل بالأخلاق، معتبرًا هوية الإنسان هوية أخلاقية؛ ولم يزل كذلك إلى أن توصل إلى إنشاء نظرية أخلاقية غير مسبوقة تُعرّف الإنسان بكونه كائنًا ائتمانيًا، جاعلةً «أخلاقية الإنسان» تتحدَّد بتحمُّله مسؤوليةً تتسع للكون كله؛ وقد بسط، في هذا الجزء الأول من الكتاب الذي بين يديك، صورة متكاملة ومتناسقة لهذه النظرية الائتمانية المتميزة؛ فعرَض مجموعة من مفاهيمها الأساسية وهي: «الميثاق» و«الفطرة» و«الأمانة» و«الرسالة» و«التربية»، مبينًا كيف أن هذه المفاهيم ذات أبعاد كونية؛ ثم ألّف بينها في جملة من المبادئ الكلية، فاستنتج منها حقائق أخلاقية تتعلق بـ «المجتمع العالمي»، كاشفًا المدى البعيد لمعضلاته الأخلاقية، حقائق توجب المبادرة إلى إحداث مُنعطف أخلاقي جديد في العالم يجعل الإنسان يرتقي بشعوره الأخلاقي إلى أوسع دائرة تعاملية ممكنة، فلا يستثنى أي شيء، مهما تدنّى مقامُه، ولا يفصِل شيئًا عن شيء، مهما بعد مكانه.