تدّعي النظريات الأخلاقية المعاصرة أنها نظريات علمانية خالصة، وأن بإمكانها أن تُحدّد مقتضيات «التحول الأخلاقي» الذي يستدعيه وضع «المجتمع العالمي»؛ غير أن الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن يعترض على هذا الادعاء المزدوج؛ إذ يرى أن هذه النظريات لا تنفك، عن وعي أو بغير وعي، تتوسل بالمعاني الإيمانية في بلورة مفاهيمها وصياغة مسائلها، كما أنها لا تملك القدرة على الارتقاء بتنظيرها إلى الأفق الأخلاقي الكوني الذي يوجبه التحول العالمي في الشعور الأخلاقي؛ فأخذ، في هذا الجزء الثاني، يحاور هذه النظريات، مناقشا المفاهيم الأخلاقية التي اعتمدتها من أجل هذه الغاية، وهي: "المعيارية" و"الأمرية" و"القيمة" و"الثقة" و"المسؤولية" و"العدالة"؛ فبيّن كيف أن هذه المفاهيم، في جوانب هامة منها، عبارة عن علمنة للمعاني الإيمانية، وأن النتائج المترتبة عليها لا ترقى إلى الأفق الأخلاقي الكوني المطلوب؛ كما وضَّح، في مقابل ذلك، كيف أن العودة الائتمانية إلى هذه المعاني، في أصولها وحقائقها، تُمكن من تدارك ما فات هذه النظريات المعاصرة، تحصيلًا للشعور العالمي، وتوسيعًا لأفق التعامل، وإدراكًا لأغوار المسؤولية وتوعيةً بالعدالة الكونية.