إن الهدف التعليمي هو الغالب في ما تصدره دور النشر المعاصرة من مؤلفات في أصول الفقه، وقد لا يتطلب تحقيق هذا الهدف سوى سرد المباحث والمفاهيم المألوفة التي درج الأصوليون الأوائل على ترديدها بلغة مماثلة، وبالأمثلة ذاتها. ولا حاجة مع سيطرة هذا الهدف إلى التحليل أو النقد أو المقارنة، أو رصد تطور هذه المفاهيم، أو النظر إلى تطبيقها في الواقع وتقويم عملها.
ولذا، فإن الهدف من هذا الكتاب هو تجاوز العملية التعليمية للانطلاق بأصول الفقه إلى أن يقدّم إطارًا يفسر عمل النظام القانوني الإسلامي في الماضي، ويقدّم للعمل القانوني الراهن ما عساه أن يشكّل فلسفته القانونية التي ترشده إلى تحقيق قيم العدالة والحرية، والمساواة، والكرامة الإنسانية.
فالهدف الذي يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه هدف مزدوج من كل من الرغبة في تقديم ما ييسر فهم البناء الفقهي والقضائي والتشريعي التليد، والمستقر في تلافيف تاريخنا الحضاري والقانوني؛ ومن الرغبة -في الوقت نفسه- في تقديم انعكاسات هذا البناء في النظم القانونية المعاصرة، إسهامًا في تطوير هذه النظم، وربطًا لها بذاكرتها التشريعية بما يمدّها بالقوة اللازمة للتطوّر والتقدّم على الأصعدة السياسية والقانونية.