تعاني الحضارة الغربية المعاصرة اختلالًا عميقًا في فلسفة القيم والأخلاق، فقد سادت مجتمعاتها المنظورات الأداتية والنفعية والوضعية، التي فصلت بين الأخلاق وأحكام القيمة، وبين العلم الموضوعي والعقل العملي، حتى صار العقل والقلب مجالَيْن منفصلين أشدَّ الانفصال، وصار عصرنا يُوصَف بعصر "ما بعد الأخلاق".
وعلى الرغم من نموّ الفلسفات الأخلاقية وتنوّع نماذجها (الاعتراف والتواصل والتسامح)، فإنها أخفقت في معالجة الأمراض الاجتماعية للإنسان الحديث، بل إن تكاثر هذه النماذج دليلٌ على عمق هذه الأزمة الأخلاقية، وعلى الحاجة الملحَّة لتطوير نموذج أخلاقيّ بديل لا يفصل بين الإيمان والعمل، ولا بين القلب والعقل والروح، فالذاتية الإنسانية لا تتقوَّم إلَّا بتكامل مَلَكَاتها وقواها.
يتناول هذا الكتاب مباحث "التربية الفكرية"، ويستدعي المعاني الروحية النافعة لعلاج أمراض الفكر والنَّفْس، مستهدفًا تزكية النَّفْس وتحريرها من الصوارف التي تعيق كمال الاستعداد العقلي والفكري للإنسان فردًا ومجتمعًا. وفي هذا المسعى الجليل، يرسم الكتاب مسالكَ المنهج الضرورية لمعالجة أسئلة الفلسفة الأخلاقية، وأثر ذلك في تعيين منزلة الإنسان في هذا العالم.