لقد تقلَّبت "الفلسفة" في أطوار مختلفة جعلتنا ننسى أصلها الأول، وهو أن الفلسفة ليست فكرًا مجردًا، وإنما هي "سيرة حيَّة"؛ وقد أراد طه عبد الرحمن، بتذكيرنا بهذا الأصل الـمَنْسي، أن يجدِّد نظرتنا إلى "الفلسفة"، بل أن يبعث فينا القدرة على الإبداع الفلسفي؛ فقام بتحديد أركان السيرة الفلسفية، مبرزًا ما ينطوي فيها من عناصر الائتمان وأسباب الإبداع؛ ثم بيَّن كيف أن هذه الأركان الفلسفية لم تُحفَظ على وجهها الائتماني الأصلي، وإنما تعرَّضت لتحريفات متتالية من لدن "المتفلسفة" أنفسهم، زادها سوءًا تقليدُ "فلاسفة الإسلام" لهم، مـمَّا حال دون قيام فلسفة إسلامية حقَّة؛ ومن خلال بيانه لهذه التحريفات المتعاقبة، أثبت أن الرجوع إلى السيرة الفلسفية يوجب أن نُعيد وَصْل الفلسفة بـ"أسسها المأخوذة من الحكمة"، وأن هذه الأُسُس ارتبطت بالدين، منهجًا، ولم تنفكّ عن مضامينه أبدًا؛ ومن هذه الأُسُس ما يسميه بـ"الرتبة الصِّدِّيقية" و"الروح الإبراهيمية"؛ لذلك يرى هذا الفيلسوف المجدِّد أنه لا سبيل إلى إبداع فلسفة إسلامية حقَّة، بل إبداع الفلسفة الحقَّة، إلا بتحصيل سيرة فلسفية مبنية على هذه الأُسُس الحِكمية.