مؤلف هذا الكتاب هو القاضي الفرنسي لويس بورال، عمل بمحكمة الاستئناف بمقاطعة أكس أون بروفانس بفرنسا، وقد قام بالعديد من البحوث والدراسات العلمية الفكرية والقانونية رغبة منه في تطوير نظريات وقواعد علم الجريمة والعقاب، كما اهتم بالصور المختلفة للجريمة بالإضافة إلى اهتمامه بالدراسات البينية بين علم الإجرام والعقاب وبين علم النفس الجنائي، ويعد لوريس بورال أحد امتدادات بعض مدارس الثورة الفرنسية في السياسة والقانون حيث تأثر بمبادىء الثورة الفرنسية مثل الحرية والعدالة والمساواة والتاسمح وإعلاء شأن القيم الأخلاقية في مواجهة مناخ سياسي كانت تسيطر عليه الأطروحات الميكافيلية والنفعية ومبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة .
يعد هذا الكتاب أحدَ أهم أمهات الكتب المؤسسة لمفهوم تنظيم حرمة الاعتداء على حقوق وكرامة الشعوب من الأنظمة، كنوع من إحداث التوازن المطلوب لمفهوم الجريمة السياسية بين الأنظمة والشعوب، وليس فقط من قبل الشعوب في مواجهة الأنظمة،كما تنبع أهميته في تأكيده المبكر على ضرورة تنظيم وتأطير العلاقة بين الأخلاق والسياسة، حيث رأى بورال أن ظاهرة الإجرام السياسي يتحتم سبر أغوارها بوصفها إحدى المعوقات الأساسية التي تحول دون كفاءة العملية السياسية، وبالتالي فمن المهم إكساب الممارسة السياسية مسحة أخلاقية إنسانية عامة تجعلها أكثر انضباطًا بقيم الصدق والتسامح والعدالة وغيرها من القيم والمثل العليا.
ارتبط تطور الجريمة السياسية في العصور الحديثة بالثورة الفرنسية التي اعتبرت الحكم المطلق والنظم الاستبدادية جريمةً سياسية، وأعطت الشرعية القانونية والأخلاقية والسياسية لمناهضة هذا النوع من الأنظمة كحق للشعوب، وهو ما يعد مناقضًا لمفاهيم وفلسفة الجريمة السياسية في معظم الحضارات القديمة، ومن ثم سعت إلى صياغة نظرية أخلاقية وقانونية وسياسية من شأنها تحقيق التوازن في فلسفة الجريمة السياسية بين الأنظمة والشعوب، عبر تطوير نظرية العقد الاجتماعي لتصبح في شكل مواثيق دستورية واضحة المعالم.
في هذه الصفحات القليلة القادمة يحاول المؤلف سبرَ أغوار أبعاد تلك الإشكالية بشكل أكثر عمقًا، من خلال تناول هذا الكتاب الذي خصصه مؤلفه لإلقاء الضوء على ظاهرة الإجرام السياسي كظاهرة تجسد الانفصال السياسي والأخلاقي، من خلال طرح عدد من التساؤلات المركزية التي تُبرز أهمية قيام مركز نهوض للدراسات والنشر بدعم من وقف نهوض بإعادة نشر هذا الكتاب، ولماذا الآن تحديدًا؟ وما القيمة التي تضمها دفتاه -بخلاف قيمته التراثية؟
فهل به من الأطروحات ما يمكنها أن تقدم إجابات شافية لإشكاليات واقعنا السياسي الراهن؟ أو حتى بدايات تأسيسية يمكن البناء عليها ومن ثم تطويرها لتتلاءم وتعقيدات هذا الواقع الجديد؟ وهل هناك في التراث السياسي العربي والإسلامي وكذلك الممارسة السياسية الإسلامية تاريخيًّا ما يتفق مع الطرح الذي قدمه بورال حول ظاهرة الإجرام السياسي، وهل هي -أي تلك الإسلامية التراثية- مقننة في شكل قوانين ومواد دستورية أم لا زالت مجرد اجتهادات ونصوص بحاجة إلى تقنين؟
ذلك ما يحاول هذا الكتاب استقصاءَه كما يحتوي على دراسة تحليلية، تربط بين أفكار هذا الكتاب ووجوه الاستفادة المعاصرة منه في واقع اليوم.