العمامة ودفتر الشيكات الاقتصاد السياسي للنخبة الدينية السورية
"أعظم قيمتَيْن في المجتمع الدمشقي: أن يكون لديك مال، وأن يكون لديك شيخ"
تاجر سوري، دمشق، ٢٠٠٧م
لقد التقينا في السابق نعيم العرقسوسي، أشهر شيوخ دمشق رغم صغر سِنه النسبي (كان لا يزال في الخمسين من عمره في العقد الأول من الألفية). يشبه برنامجه اليومي -بسبب شعبيته الجارفة- برنامج أحد مسؤولي الدولة الكبار: حيث يقضي معظم وقته في مكتبه يتلقى طلبات الوفود المختلفة، التي تتعلَّق أحيانًا بتحكيم عائلي أو نزاعات تجارية، وتلك هي الصلاحيات التقليدية للشيوخ[1]، وأحيانًا تكون الطلبات مالية، وذلك بوصفه بديلًا للنظام المصرفي الذي تُديره الدولة، والذي تردَّد كثير من السوريين عليه. ذَكَر رجل حديث عهد بزواجٍ كيف أنه لجأ إلى العرقسوسي ليُقرضه مالًا حتى يشتري منزلًا، فاتَّصل الشيخ بداعميه من التجار ليكفل صاحب الطلب[2].
رغم أن هذه المعاملات المالية كانت تُجرى في سِريَّة نسبيَّة، فإن ثمة مناسبات عُرضت فيها إسهامات العرقسوسي علانية بوصفه وسيطًا بين الأغنياء وأصحاب الحاجة. ففي أثناء الاحتفال بالمولد مثلًا، نظم العرقسوسي "مزادات" تبرَّع بأرباحها لمشروع خيري اسمه "صندوق المودة والرحمة"، وهو مشروع يستهدف إعانة الشباب على الزواج بدفع المهور اللازمة. واستجابةً لمواعظ هذا العالم، يرفع الحاضرون أيديهم، ويشيرون بأصابعهم إلى ما يرغبون في تقديمه من عدد منح الزواج، وذلك بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية لكل منحة (أي حوالي ألف دولار تقريبًا [حينها]). وقد جُمعت في عام ٢٠٠٧م حوالي ٧.٥ ملايين ليرة في أمسية واحدة[3].
يتضح في هذا المثال كم كان رجال الدين مفيدين في النمو غير المسبوق للرعاية الاجتماعية الخاصة[4] التي شهدتها سوريا منذ نهاية التسعينيات، في سياق أوسع من اللبرلة الاقتصادية والإفقار[5]. وبدلًا من تهميش العلماء، وفَّرت عولمة رأس المال لهم فرصًا جديدة لإظهار ارتباطهم بالمجتمع.
يتطرق الجزء الأول من هذا الفصل إلى أصول التحالف بين العلماء والقطاع الخاص. يرجع هذا التحالف في شكله الحالي إلى الحقب الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في أولها. لقد شكَّلت الجمعيات التي تأسَّست في ذلك الوقت أسس إحياء القطاع الخيري المشهود في مطلع القرن الحادي والعشرين، بعد حقبة طويلة فاصلة من الاشتراكية البعثية.
ويُلاحظ أن ذلك قد أفاد جماعة زيد إفادة عظيمة، وهي الجماعة التي طالما ارتاب النظام فيها، وإنني لأزعم أن نجاح تمويل الجمعيات الإسلامية كان مرهونًا برأس المال الاجتماعي للعلماء المشاركين بها، وهو العامل الذي لم تكن الدولة تملك السيطرة الكاملة عليه. فقد استندت قدرة العلماء على جمع التبرعات إلى شعبيتهم لدى رجال الأعمال الصغار والمتوسطين، فأولئك هم أصحاب الفضل في توفير معظم الموارد الاقتصادية للجمعيات الإسلامية السورية.
ورغم ذلك، تكشف دراسة حملة انتخابات مجلس الشعب في عام ٢٠٠٧م عن أن رجال الأعمال الكبار شاركوا مشاركة قوية في تمويل تلك الجمعيات لينالوا مباركة رجال الدين الكبار وحفاوتهم علانيةً. كما أدت التحولات الاقتصادية الراهنة إلى تحوُّل في علاقة الدولة والعلماء، وربما رجع ذلك إلى أن الأداء المثمر للقطاع الخيري كان يتطلب زيادة التعاون بين الطرفين، وإلى أن بعض شركاء الظل الجدد في المشيخة متصلون اتصالًا وثيقًا بالنخبة السياسية-العسكرية.
ويركِّز القسم الأخير من هذا الفصل على الأخلاقيات الاقتصادية للعلماء السوريين، التي تعكس بوضوح علاقتهم بالمجتمع التجاري، وهي علاقة تتَّسم بسمات برجوازية.
جذور تحالف العلماء-التجار
ترافقت ثلاثة عوامل منذ الانتداب الفرنسي لإضفاء الطابع الحالي على العلاقة بين العلماء والتجار، وهي: ارتقاء العلماء التجار إلى ذروة النخبة الدينية، وتحالفهم مع العائلات البرجوازية-الوسطى، وبفضل الدعم المالي لهذه العائلات، كان انتشار الجمعيات الإسلامية.
"النهضة الدينية" وظهور العلماء التجار
في دمشق في مطلع القرن الحادي والعشرين، يمكن أن يميز بعض رجال الدين الكبار أنفسهم عن العامَّة بارتداء وشاح مُلوَّن ملفوف حول طربوش أحمر. لم يكن لباس الرأس هذا حتى الحقبة الاستعمارية مميزًا للعلماء، الذين كانوا يرتدون العمائم، وإنما مميزًا للتجار. إن هذا التغيير الرمزي (semiotic) في هيئة اللباس يعكس الدور المهم الذي يلعبه العلماء التجار في تجديد المشيخة الاجتماعي المذكور آنفًا في النصف الأول من القرن العشرين.
كان العلماء الكبار يحصلون على رواتبهم في ظل حكم العثمانيين من الأوقاف، وكذلك من ملكية الأراضي والتجارة[6]. لقد استطاع أفراد من بيوت العلم المرموقة بناء ثروات طائلة، فعلى سبيل المثال: شارك سعيد الحمزاوي (١٨٩٥-١٩٧٨م)، آخر نقيب للأشراف، في تأسيس عدَّة شركات بطريق المساهمة[7]، وانتخب عبد القادر الخطيب (١٨٧٤-١٩٣٢م)، خطيب المسجد الأموي وجدّ أحمد معاذ، رئيسًا لغرفة تجارة دمشق عام ١٩١٤م[8].
أوضحتُ في الفصل الأول كيف استُبدل بالنخبة الدينية القديمة، في النصف الأول من القرن العشرين، المستجدون الذين انتسب كثير منهم إلى الطبقة الصغرى من الشيوخ التجار. كان بعض هؤلاء صناعًا وتجارًا متوسطي الحال، مثل علي الدقر وشريكه عبد الحميد الطباع (١٨٩٨-١٩٥٢م)[9]، وكان بعضهم من أصحاب المحلات وأهل الحرف، فقد كان حسن حبنكة يعمل في تجليد الكتب، وكان صالح الفرفور يعمل نجارًا، وشريكه رمزي البزم (١٩١٧-١٩٩١م) كان حلوانيًّا[10] في حلب، أما عبد الله سراج الدين فكان سليل أسرة تبيع الخشاف بالجملة[11].
لا ينبغي تفسير الدعم المالي التجاري لشيوخ النهضة على أنه تحالف بين مجموعتين اجتماعيتين متمايزتين، وإنما هو تعاون بين فاعلين يتشاركون في كثيرٍ من الخلفيات الاجتماعية والثقافية. أحد أدلَّة هذا التحالف أن بعض التجار لم يكتفوا بدعم الشيوخ المؤسسين، وإنما أوكلوا إليهم مهمة تعليم أبنائهم. إن مصطفى البغا، التلميذ الرائد لحبنكة، كان ابن نقيب اللحامين[12]، وجمال الدين السيروان، أقرب أتباع عبد الكريم الرفاعي إليه، كان سليل كبار مصنعي المنسوجات[13].
ومع ازدياد شعبية شيوخ النهضة، ومع "العودة الرمزية" للتبرعات إليهم، ظهر لاعبون اقتصاديون أقوى في المشهد، فقد بنى حسن حبنكة المقرَّ الجديد لمعهده في مطلع الستينيات بفضل شخصيات مرموقة تعمل في التجارة الدولية (مثل: سلطان عجمي، وعزت الدبس) وفي الصناعة (مثل: نوري الحكيم)
يُضاف إلى ذلك أن أهل السوق كانوا يواظبون على دروس العلماء، حتى إن الشيخ الرفاعي نظم دروسًا خاصة لهم، تُعقد كل أسبوع في منزل أحد التجار. لقد كانت هذه الدروس ميسرةً يحفُّها الأنس والودُّ، ولم تكن صارمةً صرامة حلقات العلم:
"كان فيهم رجل كبير حسن الصوت، اسمه أبو صياح السعد، يقوم أبو صياح في نهاية الدرس ليصدح مادحًا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم يرددون وراءه اللازمة عقب كل بيت أو بيتين، وينتهي الدرس وهم في غاية المتعة بعد أن تناولوا الشاي الذي أتقن صناعته أبو صياح"[14].
لقد استهدفت هذه اللقاءات إنشاء روابط اجتماعية بقدر سعيها إلى تعليم أركان الدين. وكما جاء في سيرة الرفاعي، فقد كانت الثمرة المرجوَّة من كل هذا هي جمع المال لدعم مشاريع حركته[15].
لم يكن المستهدف بهذه "الدعوة الخاصة" رجال الأعمال الكبار، وإنما التجار المتواضعين في أحياء المدينة القديمة. ومع ازدياد شعبية شيوخ النهضة، ومع "العودة الرمزية" للتبرعات إليهم، ظهر لاعبون اقتصاديون أقوى في المشهد، فقد بنى حسن حبنكة المقرَّ الجديد لمعهده في مطلع الستينيات بفضل شخصيات مرموقة تعمل في التجارة الدولية (مثل: سلطان عجمي، وعزت الدبس) وفي الصناعة (مثل: نوري الحكيم)[16].
الجمعيات الخيرية الإسلامية قبل البعث
شهدت الجمعيات الخيرية، التي تضاعفت في سوريا منذ عشرينيات القرن الماضي[17]، عصرًا ذهبيًّا في الخمسينيات، فعلى سبيل المثال: ارتفع عددها ما بين أعوام ١٩٥٢-١٩٥٤م من ٧٣ جمعية إلى ٢٠٣ جمعيات[18]. ثمة عوامل متعدِّدة أدت إلى هذه الظاهرة، مثل: وجود نظام اقتصادي ليبرالي يدفع إلى التضامن مع المجتمع المدني لا مع الدولة، ونظام تشريع مرن يستجيب للنظام الاقتصادي، والحزم القوي لجيل جديد من الزعماء الدينيين هم رجال النهضة.
لقد عملت معظم الجمعيات التي أُنشئت بعد الاستقلال في حيٍّ واحد، غالبًا ما تُنسب إليه، فعلى سبيل المثال: أسَّس الشيخ سعيد البرهاني "جمعية العقيبة الخيرية"، وأسَّس زميله حسن حبنكة "جمعية الميدان المجتهد الخيرية"[19]. فقد كانت حدود الحي هي المساحة الأساسية للتواصل الاجتماعي والتضامن، وتتوافق حدوده عادةً مع محيط المنطقة التي يشتهر فيها العالِم المحلي، وكذلك قدرته على جمع التبرعات.
بدأت الجمعيات السورية في الخمسينيات في تنظيم نشاطها وتنويعه، وتأسس "اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق"، الذي هيمنت عليه الجمعيات ذات التوجُّه الإسلامي في عام ١٩٥٧م[20].
وبالإضافة إلى القيود الأمنية، أدى صعود الاشتراكية إلى جعل مفهوم العمل الخيري نفسه مفارقة تاريخية.
وقد أخذ هذا الانفتاح بُعدًا دوليًّا مع نمو شبكة النهضة الإسلامية، التي انتشرت من حماة إلى جميع أنحاء البلاد منذ عام ١٩٥٤م. فقد اتسمت النهضة الإسلامية بالجدَّة من وجهين. أولًا: عمل الفروع المحلية على مستوى المدينة كلها لا على مستوى الحي فقط. ثانيًا: رغم أن كل فرع له مجلس إدارته الخاص، فقد كان هناك مؤتمر وطنيّ جامع يُعقد في كل عام لفروع الشبكة جميعًا. وحرصًا على جذب التبرعات في المدينة، فقد رعى الفروع المحلية أشهر العلماء في ذلك الوقت، مثل: محمد الحامد (١٩١٠-١٩٦٩م) في حماة، وعبد الكريم الرفاعي في دمشق، ومحمد النبهان في حلب[21].
لقد تميزت النهضة الإسلامية بتصورها الواسع للعمل الاجتماعي، الذي لم يعُد يقتصر على التوزيع؛ بل صار يعتمد على الإنتاج كذلك، وذلك برعاية التدريب المهني وإنشاء الورش[22]. ومن الحوادث الدالَّة على هامش الحركة الذي تمتَّع به القطاع الخيري في الحقبة الليبرالية والأخلاقيات الاجتماعية البرجوازية للنخبة الدينية في ذلك العصر: أن شبكة النهضة الإسلامية قد أسَّست دوريات لملاحقة المتسولين؛ لأنهم "يسيئون إلى سمعة البلد وأغنيائها الذين لم يقصروا في سدِّ حاجات الفقراء"[23].
لقد انتهى العصر الذهبي للقطاع الخيري مع الانقلاب البعثي عام ١٩٦٣م رغم أن المنظمات الإسلامية القائمة واصلت عملها، بل سُمِح لها -بفضل الصبغة الليبرالية المحدودة للأسد في مطلع السبعينيات- بتلقي تمويل سعودي[24]. لقد صار التحدي الكبير هو إطلاق مشروعات جديدة. وبالإضافة إلى القيود الأمنية، أدى صعود الاشتراكية إلى جعل مفهوم العمل الخيري نفسه مفارقة تاريخية.
بالنظر إلى الماضي، لم يكن العقدان الأولان في الحقبة البعثية سيئين تمامًا على علاقة العلماء بالتجار. فلما تفكَّكت الطبقة الرأسمالية في أثناء الستينيات، أفاد الانفتاح الاقتصادي الأول الذي قام به الأسد عقب استيلائه على السلطة بلا شكٍّ "طبقة جديدة" من رجال الأعمال الطفيليين، وكذلك العائلات القديمة من "الطبقة التجارية الوسطى الميسورة" -الشركاء الصامتين التقليديين للمشيخة- أولئك الذين وضعوا أيديهم على قطاعٍ كبيرٍ من التجارة الداخلية والخارجية، وطوَّروا صناعات متوسطة الحجم[25].
وعلى النقيض، أدى إنهاء الانتفاضة الإسلامية في مطلع الثمانينيات إلى إجراءات جديدة كانت موجَّهة ضد القطاع الخيري، أبرزها تأمين فروع "النهضة الإسلامية" وتحويلها إلى "مكاتب رعاية اجتماعية" (Welfare)[26].
العودة إلى الليبرالية الاقتصادية: فرص جديدة.. شركاء جدد
هيأت أزمة مالية حادة في عام ١٩٨٦م الأجواءَ للانفتاح الثاني، الذي دعم أهمية القطاع الخاص دعمًا قويًّا. فبعد توقف قصير في التسعينيات، استُعيدت الإصلاحات الاقتصادية تحت حكم بشار الأسد. وأعلن "المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث عام ٢٠٠٥م تحوُّلَ سوريا رسميًّا إلى "اقتصاد السوق الاجتماعي".
ورغم أن هذا التحول لم يتضمَّن التخلي الكُلي عن سياسات إعادة التوزيع، فقد اجتاح الدولة السورية نمو سكاني سريع حتى صار عُشر السكان بحلول عام ٢٠٠٤م يحيون بدولارين يوميًّا[27]. ولكي يخفف النظام من آثار الفقر المحتملة التي تهدِّد الاستقرار، حرَّر سياسته تجاه القطاع الخيري، مما أدى إلى انتعاش ملحوظ فيه. وبإيجاد فرص جديدة للتعاون بين المشيخة والقطاع الخاص، وضع هذا التطور العلماء على صلة باقتصاديين مؤثرين جدد، فلم يقتصروا على شركائهم التقليديين في الطبقة الوسطى التجارية الميسورة.
نهضة القطاع الخيري
لقد تضاعف عدد الجمعيات المسجلة في سوريا بين عامي ٢٠٠٤-٢٠٠٦م، ليصل إلى ١٢٠٠ جمعية، وكان لنصف هذه الجمعيات أهداف خيرية، وفي هذه الفئة كانت الغلبة للمسلمين من السُّنة. وعلى التوازي، عزَّزت مجموعة من العوامل الاقتصادية الإيجابية أدوات هذه الجمعيات الخيرية؛ إذ ضاعفت جمعيات خيرية معينة نفقاتها السنوية بين عامي ٢٠٠٢-٢٠٠٦م. ورغم غياب الإحصاءات الرسمية، فلا شكَّ أن الرعاية الاجتماعية الخاصة أفادت مئات الآلاف مع نهاية العقد[28]. ومما يثير الدهشة أن المنتفع الأكبر من هذا التوجُّه هو "جماعة زيد"، العدو السابق للنظام.
أطلق سارية الرفاعي في عام ٢٠٠٢م، بناءً على شبكة جمعيات الأحياء التي أسَّسها والده، مشروع "حفظ النعمة"، الذي يجمع الغذاء والدواء والكساء والأثاث ويوزعه على آلاف العائلات المحتاجة. وفي أثناء ذلك، سيطرت جماعة زيد على "اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق"، بعد أن انتُخب رجال أعمال من أتباع الحركة لمناصب قيادية في مجلس إدارتها. وبهذا وجدت الحركة نفسها في قلب مشروعين كبيرين أطلقهما الاتحاد في نهاية التسعينيات: "صندوق العافية"، الذي يغطي تكاليف العمليات الجراحية، و"صندوق المودة والرحمة" الذي ذكرناه آنفًا[29].
لم يكن صعود جماعة زيد في القطاع الخيري أمرًا يريده النظام، وإنما أثمرته القدرة على جمع التبرعات الخاصة، وهو ما لم تستطعه الشبكات الأخرى الخاملة. فقد تأثرت "جمعية الأنصار"، التي تموِّل نشاط "مجمع كفتارو"، كما أقرَّ مديرها صلاح الدين كفتارو، تأثرًا شديدًا بتقلبات التبرعات الممنوحة من الإمارات والكويت، وهي المصادر التي ظلت محظورة على الجماعات الإسلامية الأخرى[30]. ولا أدلّ على ذلك من سعي معهد الفتح إلى حيازة أرض لبناء مقر جديد، فكان أن جمع المعهد ٢٠ مليونًا فقط من أصل ١٥٠ مليونًا مطلوبة. يقول الصحفي شعبان عبود: "لقد أُجبرت إدارة الفتح على طلب العون من جماعة زيد، فحشدت الجماعة كثيرًا من متبرعيها لدعم هذه القضية"[31]. إن اختلال التوازن هذا يصبح أكثر وضوحًا على مدار العقد، حيث تمكَّنت جماعة زيد من "اتخاذ" داعمين من تجار الجماعات الأخرى. يقول رئيس إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية: "لقد كان التجار يبحثون عن مرشد، فوجدوه في سارية الرفاعي"[32].
اعتمدت شعبية جماعة زيد بين برجوازيي العاصمة على عوامل لم تكن الدولة تملك التحكُّم فيها؛ وذلك لتوجُّهها السياسي المستقل نسبيًّا، وجهدها المتصل الذي قامت به على مدى سنوات. لقد كانت الدعوة إذن سبب نجاح مشاريع زيد، ولم تكن ثمرتها، ويبدو أن هذه المشاريع لم تُستغل في التجنيد من قِبَل الجماعة، التي ظلت راسخة بقوة في البيئة الاجتماعية التي نشأت فيها[33].
الانتخابات وتقارب العلماء مع رأسمالية المحاسيب (Crony Capitalism)
تكمُن أهمية الانتخابات البرلمانية -في رأي هذا الكتاب- في أنها من أكثر التجليات الدراماتيكية للتقارب بين العلماء والرأسمالية الطفيلية (parasitic capitalism) التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على النخبة السياسية-العسكرية.
لا ينبغي التغافل عن الجانب الديني في التبرعات التي يقدِّمها التجار للجمعيات الخيرية الإسلامية؛ فإن كثيرًا منهم يؤمنون حقًّا بأنها مفتاح نجاتهم وفلاحهم في الآخرة؛ لكن من السذاجة إغفال الجانب الوظيفي في تلك الصفقة. ففي مقابل المهارات الإدارية والدعم المالي لرجال الأعمال (وهي التبرعات بمعناها الصرف، وكذلك الرشا التي تحرِّك مفاصل بيروقراطية الدولة والمخابرات حتى تدعم النشاطات الدينية والخيرية)[34]، يحافظ العلماء على سمعة شركائهم الصامتين أو يحسنونها بمشاهدتهم في رفقتهم.
يُكرَّم المتبرعون تكريمًا خاصًّا في أثناء الاحتفال بالمولد، فكلما كانوا أكثر سخاء، كانوا أقرب إلى الشيخ[35]. وكثيرًا ما يدعو رجال الأعمال الأثرياء العلماء المسلمين إلى احتفالات الموالد "الخاصة" التي يقيمونها في مزارعهم (وهي منازل ريفية فارهة ذات حدائق) وذلك في حضور المئات من الضيوف[36]. لقد كان هذا المورد الرمزي يُستخدم في مطلع القرن الحادي والعشرين استخدامًا واسعًا من قِبل رجال الأعمال المرشحين للانتخابات البرلمانية.
قد يتعجب القارئ لوقوفه هنا على حديثٍ عن دور العلماء في الحملات الانتخابية؛ إذ يندرج هذا الأمر -كما يتصور المرء- في حقل السياسة بمعناها الخالص. والحقُّ أن القيمة السياسية الملائمة للانتخابات البرلمانية السورية كانت متواضعة؛ لأن ما يُسمَّى بـ"مجلس الشعب" ما هو إلا برلمان سيئ، فإن ثلث أعضائه ممن يُعرفون بـ"المستقلين" فقط هم المنتخبون. تكمُن أهمية الانتخابات البرلمانية -في رأي هذا الكتاب- في أنها من أكثر التجليات الدراماتيكية للتقارب بين العلماء والرأسمالية الطفيلية (parasitic capitalism) التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على النخبة السياسية-العسكرية.
إن فتح باب مجلس الشعب السوري للنواب "المستقلين" في مطلع السبعينيات كان يستهدف توسيع مصالح الشركات، بالسماح بدخول ممثلي جماعات مصالح بعينها، وبخاصة القطاع الخاص[37]، والسماح بدخول المشيخة على نحو أقل. وبينما ظهرت شخصيات -مثل رياض سيف- لا توافق توجهات أقرانها من رجال الأعمال-النواب في أثناء التسعينيات، كان أكثر العلماء الذين انتخبوا بعد انتخابات عام ١٩٧٣م (المفتوحة مقارنة بغيرها) من الكفتارية والنبهانية، وقد تمتعوا بدعم قوي من المخابرات.
ولمَّا كان المرشحون المستقلون غير مسموح لهم بتأسيس الأحزاب، وكانوا أقلية في مجلس الشعب، لم يستطيعوا أن يتظاهروا بامتلاكهم برامج يسعون في تحقيقها؛ فقد هيمن الوجهاء -وبخاصة رجال الأعمال- على الحملات الانتخابية هيمنة واسعة؛ إذ كانوا الفئة الوحيدة التي تملك المال الذي تنفقه في الدعايات المكلفة، وفي التبرعات السخيَّة من أجل الحصول على دعم النُّخَب الاجتماعية المؤثرة (كما سأُظهر في حالة المشيخة)، أي تنفقه في شراء الأصوات.
ولما كانت القاعدة الانتخابية "الطبيعية" محافظة، كان على المرشحين تحسين سمعتهم بإظهار أنفسهم رجالًا ملتزمين. ففي إبريل/نيسان ٢٠٠٧م، تعهدت "قائمة الشام" للقطب التجاري هاشم العقاد بـ"الحفاظ على هوية سوريا أرض الشام الشريف، وقِيَم الأنبياء التي أغنت تاريخنا الحضاري"[38]. وقد حملت الملصقات الدعائية لعمر الحلاق، تاجر التوابل في السوق القديم وأحد مديري الفتح، شعار: "سوريا الله حاميها، راعيها، غانيها". وثمة ملصقات دعائية أخرى ظهر فيها المسجد الأموي في الخلفية مع مرشحي قائمة "الفيحاء"، وعلى رأسهم عملاق الاتصالات محمد حمشو، وقد سلكت هذه القائمة مسلكًا في التأثير اللاشعوري بطباعة دعاياتها على لون أخضر زمردي يستقرُّ في وعي الناس أنه لون الإسلام.
وقد حظيت "القائمة الخضراء" باحتفاء بالغ في هذا الحدث العظيم؛ لأن أحد أفرادها كان شيخًا محليًّا، ولأن حمشو كان متبرعًا كبيرًا للمعهد حتى إنه عُين في اللجنة الإشرافية للأكاديمية بعد موت أحمد كفتارو عام ٢٠٠٤م
وقد أكَّد مرشحون آخرون صلتهم العائلية برجال دين محترمين. فقد كان شارع الحلبوني، معقل المكاتب الإسلامية في دمشق، تغطيه إعلانات أنس البغا، التي نُشرت باسم "أنس مصطفى البغا"، حيث يعرف الناس أنه ابن التلميذ المعروف لحسن حبنكة. أما في حلب، فقد دعت اللافتات الناس صراحةً إلى التصويت لشقيق مفتي المدينة وتقديمه على أنه "عبد الرحمن السلقيني، ابن الشيخ محمد"[39].
أما المشروع الانتخابي الأفضل فهو الذي ضمَّ عالمًا من العلماء في قائمته. فقد جند التحالفان الرئيسان لرجال الأعمال في دمشق: الشيخ عبد السلام راجح (ولد عام ١٩٦٩م)، أحد عمداء "مجمع كفتارو" وابن أحمد راجح، التلميذ البارز للمفتي العام الراحل الذي انضمَّ لقائمة "الفيحاء"، أما الإصلاحي محمد حبش فقد اجتمع مع القائمة الثانية (قائمة "الشام") بخمسة نواب. وكان أكثر الفائزين أصواتًا وفقًا للأصوات الفردية هم راجح وزميله محمد حمشو، وذلك بـ ٨٠ ألف صوت لكليهما، والذي تمتع -إلى حد ما- بدعم كبار المشيخة المحلية وتأييدهم.
ومن سعدِ المرشحين المستقلين أن صادفت حملة عام ٢٠٠٧م موسم المولد، مما أتاح فرصًا عظيمة للدعاية الانتخابية. فقد دعا مرشحو "الفيحاء" إلى الفعاليات التي تنظمها المعاهد الدينية التي موَّلوها منذ سنوات.
وكان من المفاجآت السارة أن عُقد مولد "مجمع كفتارو" قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات، وذلك في حضور ضيوف كبار مثل سفيري إندونيسيا والسودان، بل كان فيهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل. وقد حظيت "القائمة الخضراء" باحتفاء بالغ في هذا الحدث العظيم؛ لأن أحد أفرادها كان شيخًا محليًّا، ولأن حمشو كان متبرعًا كبيرًا للمعهد حتى إنه عُين في اللجنة الإشرافية للأكاديمية بعد موت أحمد كفتارو عام ٢٠٠٤م[40]. وقد دُعي مرشحو "الفيحاء" الستة إلى الجلوس في أماكن التشريف، وأعلن مسؤول الفعالية، صلاح الدين كفتارو، مباشرةً بالعامية الشامية قائلًا: "رح كون أول واحد يصوتلكم... بعد ما صوت للجبهة الوطنية التقدمية". لقد كان هذا هو الخطاب الانتخابي العلني الوحيد في هذه الأمسية، لكن المرشح عبد السلام راجح، الذي يرتدي العمامة، دُعي لاحقًا للمنصة ليخطب عن الخلق العظيم للنبي [صلى الله عليه وسلم][41].
أما في مسجد عمار بن ياسر (بمنطقة البرامكة)، الذي أُعيد بناؤه بناءً باذخًا على نفقة "الحاج محمد صابر حمشو"، كما يُظهر النقش الرخامي في مدخله، فإن السيناريو لم يختلف هناك إلا قليلًا. لقد كان معظم العلماء الحاضرين تابعين لمسجد التوبة ومعهد الفتح[42]. لم يكن ثمة شعار انتخابي واضح في هذه الأمسية؛ لكنَّ مسؤولي الفعاليات اكتفوا بالترحيب بزيارة "وفد من أعضاء مجلس الشعب"، "الوفد" الذي لم يكن في الحقيقة سوى قائمة "الفيحاء" الكاملة. وقد دُعي عبد السلام راجح -مرة أخرى- بصفته عالم دين (رغم أنه ارتدى بذلة رسمية في هذه المرة)، ليُحاضر الناس في أخلاق النبي الكريمة[43].
أما جماعة زيد، فقد أسهمت في حملة حمشو ورفاقه المرشحين، وكانت في إسهامها أكثر تكتمًا. ففي مولد أُقيم بسوق "باب سريجة" القديم برعاية سارية الرفاعي، لم يُدع المرشحون إلى الحديث، ولم يُذكَروا في الخطب؛ لكنَّ الجمهور استطاع أن يلمح الترحيب الحار الذي لقي به الرفاعي الزوَّار[44].
لقد استُقبل أعضاء القائمة استقبالًا مناسبًا مثلما استُقبلوا في كثير من المناسبات الأخرى، لكرمهم وإنفاقهم في وجوه كثيرة. فقد أنفق حمشو مثلًا على إعادة بناء مسجد لالا باشا (مبلغًا قدره ١٠٠ مليون ليرة)، وتبرع اثنان من رفاقه، هما المرشحان: بهاء الدين حسن، وعدنان دخاخني، وكذلك أعضاء من جمعيتي الفتح والشيخ بدر الدين الحسني[45].
إن تبادل الهدايا المادية والرمزية لا يعدو عند كثيرٍ من العوام السوريين إلا أن يكون نفاقًا خالصًا. أما المهم فهو أن العناصر الأساسية للمشيخة تستعرض -من خلال هذا الأمر- تحالفها مع رجال الأعمال الذين لم يعودوا التجار "المحترمين" متوسطي الحال الذين كانوا داعميهم التقليديين في عقود عدَّة، وإنما باتوا الممثلين البارزين لـ"رأسمالية المحاسيب" (crony capitalism)، من خلالهم، ومن خلال النخبة السياسية-العسكرية. فحمشو مثلًا -وهو صهر ماهر الأسد[46]، شقيق بشار وقائد الحرس الجمهوري، وواجهته- وافد جديد على عالم الأعمال، حيث إنه لم يكن معروفًا قبل ظهوره المفاجئ وقبل بضع سنوات من انتخابه الأول في عام ٢٠٠٣م[47].
وقد تمتَّعت قائمة واحدة في حلب، هي "حلب الشهباء"، بدعم السلطات؛ ولذلك فازت بالمقاعد كلها هناك. لقد كان تكوينها مشابهًا لقائمة الفيحاء، حيث ضمَّت رجال أعمال كبارًا (مثل: صالح الملاح، رئيس غرفة تجارة حلب، وخالد علبي، العضو المؤسس في "شام القابضة")، كما ضمَّت شيخًا مؤيدًا للنظام، هو عبد العزيز الشامي؛ لكنْ لملابسات خاصة بالسياق المحلي الحلبي، ضمَّت القائمة اثنين من الأعيان المسيحيين، وزعيمًا عشائريًّا من عائلة بري في باب النيرب.
بينما دعمت كبار المشيخة قائمة الفيحاء في العاصمة، كانت الحالة في حلب أشد تعقيدًا. فقد دعم مفتي المدينة ذو التوجُّه المستقل إبراهيم السلقيني قائمة "محبي حلب"، والذي أُزيح شقيقه عبد الرحمن، النائب في الدورة السابقة، من قائمة "حلب الشهباء" على يد المخابرات. وقد تمتعت قائمة "محبي حلب" أيضًا بدعم غسان النجار، الزعيم المحلي لـ"التيار الإسلامي المستقل"[48]، مما يؤكد قرار المخابرات بمنع "محبي حلب" من الحصول على أي مقعد.
لقد وقع سيناريو مشابه في عام ٢٠٠٣م بترشح هالة الزعيم، ابنة رجل الأعمال المحافظ الذي ذكرناه آنفًا حمدي الزعيم، وقد تمتعت بدعم السلقيني؛ لكنها اضطرت إلى الانسحاب بعد ضغوط تعرضت لها[49]. لقد أظهرت أول انتخابات تشريعية في حقبة بشار الأسد أن النخبة المدنية القديمة لحلب لم تتوقف عن مقاومة قبضة شركاء النظام المدعومين، لكن هذه الانتخابات أظهرت أن هذه المقاومة ضعيفة جدًّا، وأنها تخوض معركة بائسة.
أخلاقيات العلماء البرجوازية
إلى جانب أن التراث السُّني المهيمن لم تكن لديه مشكلة مع الثروة على عكس الكاثوليكية[50]، فإن الأخلاقيات (Ethics) البرجوازية المميزة للعلماء السوريين تنبثق مباشرةً من ظروف حياتهم المادية. لقد وُلدت النخبة الدينية السُّنية الحديثة للبلاد في السوق، ولم تقدِّم لها الدولة أيَّ موارد تتيح لأفرادها أن يصبحوا مستقلين عن مجتمع التجار.
أحلِّل في القسم التال الخطاب الاقتصادي للعلماء السوريين في ثلاث قضايا مختلفة: العلاقة بين رجال الدين والعمل والمال، وثروة العامَّة، والتنظيم الكُلي للاقتصاد.
فضائل الاستقلال
يتمتَّع العلماء السوريون الآن بمصادر أخرى غير التجارة، كالأوقاف وإن بدرجة أقل، والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة بدرجة أكبر. لكنهم ظلوا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالقطاع الخاص: وذلك من خلال رجال الأعمال الذين يمولون معاهدهم، وينمون أصولهم بربطها مباشرة باستثمارات أولئك الرجال، في بلاد لم يكن بها بورصة قبل عام ٢٠٠٩م، ومن خلال أولئك الذين يعمل أبناؤهم في وظائف تجارية، وهي حالة شائعة جدًّا، ولأن كثيرًا من العلماء المسلمين -وبخاصة رجال الصف الثاني- ما زالوا يمارسون التجارة.
وانعكاسًا لهذا الواقع الاجتماعي، يقع العمل الحُر على رأس هرم قيم العلماء الاقتصادية. ويُعَدُّ جلب الرزق عند رجل الدين على هذا النحو دليلًا على النزاهة في السعي إلى إرضاء الله. حيث تؤكِّد سيرة رمزي البزم، أحد مؤسسي معهد الفتح، أن وقته كان مقسمًا بين "الدعوة إلى الله تعالى (تدريسًا، وخطابةً، وإمامةً) وبين العمل التجاري، وهو في ذلك يحقِّق منهجه في أن تظل الدعوة إلى الله تعالى خالصةً لوجهه الكريم لا يبتغي منها مالًا ولا جاهًا"[51]. ثانيًا، إن العمل الحر يضمن الكسب الحلال، كما وضح الشيخ هشام البرهاني لطلابه: "هو أفضل الأعمال؛ لأنك حين تعمل للدولة، فأنت لا تستطيع أن تضمن أبدًا أن راتبك لم يختلط بمالٍ من أصل محرم"، كأن يكون من الضرائب المفروضة على الكحول[52].
وأخيرًا، فإن العمل الحر محمود وفقًا لقيم مثالية سُنية راسخة؛ لأنه يحافظ على الاستقلال السياسي للعالِم[53]. وقد عبَّر أسامة الرفاعي عن هذه الفكرة في مدحه الشيخ علي الدقر الذي رفض قرار الدولة في أثناء الانتداب، وهو قرار ينصُّ على دفع رواتب الشيوخ؛ وذلك لأنه خشي أن يتيح القرار للحكومة أن "تُملي عليه أفعاله وأقواله". وتحت ضغطٍ من الإدارة وإلحاحها، قَبِل الدقر راتبه؛ لكنه امتنع عن إنفاقه على نفسه: "كان له مقعد صغير له درج فكان يُؤتى بالراتب فيفتح الدرج ولا يمسّ هذا الراتب. يقول الشيخ لمن يأتيه بالراتب: ضعه في الدرج، فيضعه ويغلق الدرج. كلما أراد أن يُعطي أحدًا شيئًا فتح الدرج وقال له: خذ كذا وكذا"[54].
ولذلك شجَّع الرفاعي معاصريه على العمل في المساجد حسبة[55]، ولكن الذين استطاعوا أن يعملوا بلا رواتب فضَّلوا قبولها؛ لأن عدم كونهم موظفين "فعليين" يجعلهم أكثر ضعفًا أمام الإدارة. وقد كان هؤلاء الموظفون مثل الشيخ الدقر قبل سبعين عامًا يدفعون هذا الراتب "الملوَّث" إلى صناديق مساجدهم[56].
"اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" (حديث نبوي)
إن الزهد نمط حياة محترم؛ لكنه ليس مُلزِمًا عند العلماء السوريين. والدليل الاستثنائي على ذلك هو الإمام الجامع للقراءات العشر والشيخ الشاذلي شكري اللحفي (١٩٢٠ [-٢٠١٥م])، الذي كان يرتدي ثيابًا متواضعة، ويقدِّم القهوة لتلاميذه[57]. أما العلماء الآخرون، وفيهم ممثلون بارزون للطريقة الصوفية نفسها (مثل: هشام البرهاني في دمشق، ومحمود الحسيني في حلب، وعدنان السقا في حمص)، فإنهم يحيون حياة مريحة. ولا يُعَدُّ هذا تناقضًا عند الأتباع ما داموا "يزكون" مالهم بالتصدُّق[58].
ثمة إجماع عام على تشجيع العامَّة على إثراء أنفسهم بناءً على مبدأ أن "الأُمَّة تحتاج إلى أغنياء وأثرياء، وأسخياء وكرماء"[59]. وليست تقوى التاجر سببًا في ازدهاره فحسب[60]، بل هي ثمرة لها كذلك. لقد حذر سارية الرفاعي في خطبة ألقاها في حفل المولد بسوق باب سريجة من التخلي عن "حب المال"؛ لأنه -كما ألحَّ- "عملك في السوق عبادة لله"[61].
إن توجُّه الرفاعي نفسه تجاه الفقراء (الذين يساعدهم بمشاريعه الخيرية) يضعه في سياق غربي ضمن اليمينيين المتشددين. لقد هاجم في أحد خطبه المتسولين الذين يكسبون في أسبوع واحد ما يوازي راتبًا شهريًّا لموظف. ولهذا وعد "شيخ التجار" المسلمين، الذين أقلقهم أن يكونوا قدا أفادوا بصدقاتهم هؤلاء الأفَّاكين، بأن يستبدل بالجمعيات الخيرية التي توزع المعونات نظام رفاه اجتماعي مشروطًا بالعمل:
"لقد طلبت من وزارة الشؤون الاجتماعية... أن ترعى ذلك في المستقبل، وأن يكون التبرع للعائلات في مقابل عمل منتج. إن المرأة المعوقة التي لا تستطيع العمل أو الحركة يسعها أن تعمل بيديها... دع المرأة تعمل ودع الرجل يعمل بدلًا من أن يدعيا أنهما من المرضى! حتى الرجل المريض يستطيع أن يعمل، وهو على سريره إن اقتضى الأمر!"[62].
من الاشتراكية إلى التمويل الإسلامي
لقد كان تمجيد العلماء السوريين للعمل والازدهار ظاهرًا ظهورًا بيِّنًا في مسعاهم الليبرالي لتنظيم الاقتصاد الوطني. فبعد الاستقلال، رفض علماء كبار مثل محمد الحامد وحسن حبنكة -انطلاقًا من احترام الملكية الخاصة- "الاشتراكية الإسلامية" للإخوان المسلمين، التي كانت برنامجًا اجتماعيًّا-ديمقراطيًّا غاية في الاعتدال حقًّا، اتخذوه ليتعاطوا مع النقاش السياسي في ذلك الزمان[63].
كان للمشيخة السورية من باب أَوْلَى أن ترفض الاشتراكية البعثية رفضًا تامًّا. ففي عام ١٩٦٥م، أوضح الشيخ كريم راجح، الذي مثَّل مع آخرين من جماعة حبنكة أشدَّ منتقدي التأميم، رأيَهُ لضابط بعثي، فاجأه التوجُّه المعادي للاشتراكية من رجل متواضع. وفي خطابه المطوَّل، خلط راجح في خطابه اللاذع بين الحجج الليبرالية وتلك المخاوف التي تخشى أن يقوّي التأميم سيطرة الدولة على المجتمع:
"الاشتراكية من الأسباب التي تهرب بها رؤوس الأموال والعقول الاقتصادية إلى الخارج، وتقتل الدافع الفردي عند العامل، وتضرب على العمال رقًّا لا يفكرون معه أن يكونوا أرباب عمل، ولا تترك لهم ملجأ يلتجئون إليه إذا ظلموا؛ لأن السلطة كلها ستكون بيد الدولة المؤممة، مع ما يكون فيها من استغلال المفوضين بالإدارة"[64].
إن دفاع العلماء السوريين عن الليبرالية الاقتصادية لم يرق أبدًا للموافقة الرسمية على الرأسمالية، حتى بعد انتصارها على خصمها الاشتراكي في نهاية القرن الماضي. وردًّا على "طغيان مادية" الرأسمالية، كانوا يطرحون "إنسانية الإسلام" التي تضمُّ مبادئ أخلاقية وقانونية يفترض فيها أن تضمن التعايش المشترك المتناغم بين الطبقات الاجتماعية[65].
إن تقديم الاقتصاد الإسلامي بوصفه بديلًا عن كلٍّ من الاشتراكية، التي وجهت السياسات الاقتصادية للنظام البعثي طويلًا، وعن الرأسمالية، التي صارت مكونًا أساسيًّا في "اقتصاد السوق الاجتماعي" السوري؛ بدا معه الاقتصاد الإسلامي موضوعًا تخريبيًّا؛ لكنه كان عمليًّا موضوع محاضرات قدَّمتها أهمُّ القيادات الدينية الرسمية، مثل: وزير الأوقاف، والمفتي العام[66].
لم يكترث النظام كثيرًا لحماسة العلماء للاقتصاد الإسلامي؛ لأن الشيوخ قد استقروا على طرح رأسمالي منه. وقد منحت الحكومة -بسعيها في جذب الأموال الخليجية وتشجيع الإيداعات الخاصة- الضوء الأخضر لافتتاح مصارف وشركات تأمين إسلامية في عام ٢٠٠٥م.
لم ينشغل العلماء بأن يكون التمويل الإسلامي أحد وجوه العولمة الرأسمالية، أو أن يكون بديلًا حقيقيًّا لها[67]؛ لأن تطور هذا القطاع كان يمثل انتصارًا رمزيًّا وفرصة جديدة لهم لإظهار أهميتهم الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين[68]. وقد دعت المصارف الإسلامية التي أُسست حديثًا علماء أفذاذًا في بحثها عن الخبرة الفقهية، والمكانة المرموقة، لينضموا إلى مجالس إدارتها: منهم الخبير الحلبي المعروف المستقر بالخليج عبد الستار أبو غدة (١٩٤٠ [-٢٠٢٠م])، ابن أخي الراحل عبد الفتاح أبو غدة، وكذلك وهبة الزحيلي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومفتي دمشق عبد الفتاح البزم. لم يكن الأخيران خبيرين حقًّا بالمصارف الإسلامية، لكنهما قد عُيِّنا بلا شكٍّ من أجل الدعاية[69].
خاتمة
تحالف علماء النهضة -لكونهم تجارًا وأصحاب حِرف في الغالب- مع الطبقة الوسطى التجارية الميسورة، التي موَّلت المعاهد الشرعية والمساجد والجمعيات الخيرية بعد الاستقلال.
وبينما كان هذا التحالف سلسًا في الحقبة الليبرالية، فقد حدَّت القيود السياسية والسياسات الاقتصادية في حقبة البعث من إمكان التعاون بين العلماء والتجار. ولما كان تحوُّل المشيخة نحو البيروقراطية تحولًا ظاهريًّا فقط، فقد ظلَّت المشيخة تعتمد على القطاع الخاص اعتمادًا أساسيًّا. يُضاف إلى ذلك أن إنهاء رؤوس الأموال الكبيرة في الستينيات وما تبعه من موجات تحريرٍ اقتصادية كان في صالح التجار متوسطي الحال، الشركاء الصامتين لرجال المشيخة التقليديين.
تصدَّر العلماء منذ نهاية التسعينيات إحياء القطاع الخيري، وقد حفزهم إلى ذلك عوامل الإفقار والتحرُّر الاقتصادي. وقد ظهرت جماعة زيد بوصفها فاعلًا رائدًا في هذه العملية، فرغم انحسار الجماعة اللحظي بعد انتفاضة الثمانينيات لم تستطع الشبكات الدينية المدعومة من الدولة أن تتغلب على قاعدة دعمها التجارية. ولهذا تقف إمبراطورية زيد الخيرية على أرض صلبة؛ لأن عقودًا من الدعوة أتاحت لها عقد صلاتٍ قوية مع عدد لا نظير له من التجار الصغار والمتوسطين في العاصمة.
وبالإضافة إلى الشركاء الصامتين التقليديين، تودَّد مؤخرًا ممثلو رأسمالية المحاسيب، الذين موَّلوا المعاهد الدينية لاستخدامها منصات انتخابية، إلى فئات مختلفة من المشيخة. إن وصول الشركاء الانتهازيين الجدد لم يؤثر في العلاقة التي ربطت بين العلماء والتجار والتي امتدت إلى عقود فحسب، وإنما أثَّر كذلك في موقف المشيخة داخل النظام السياسي، حيث صارت المؤسسات الدينية أكثر اعتمادًا على رجال أعمال يعملون بوصفهم ستارًا وواجهة لأعضاء من المؤسسة العسكرية.
لقد صار العلماء السوريون في هذا السياق لا يملكون أسبابًا كافية كما مضى للتخلي عن الأخلاقيات البرجوازية التي تمجِّد العمل الحر، والإثراء، والتحرُّر الاقتصادي. وفي رأيهم أن التحوُّل التدريجي للاقتصاد السوري عن الاشتراكية تكمُن قيمته في كونه ترافق مع تعيين علماء مسلمين في مجالس شرعية للمصارف الإسلامية المؤسسة حديثًا.
ولذلك عززت التحولات الاقتصادية الحالية في سوريا التحالف بين النُّخَب: السياسية العسكرية، والاقتصادية، والدينية. لقد اتسم هذا التحالف باختلال التوازن الجوهري لصالح العنصر السياسي-الاقتصادي، ولكنه أتاح مع ذلك نمو مساعي كل هذه النُّخَب. وقد هاجم الإسلامي المستقل ياسر العيتي هذا التحالف واصفًا إياه بأنه "الثالوث المدمر" الذي يضمن استمرار النظام:
"الشيخ يعتقد أنه بتحالفه مع رجل الدولة يحمي جماعته، وبتحالفه مع التاجر يؤمّن المال اللازم للأعمال الخيرية التي يرعاها. رجل الدولة يعتقد أنه بتحالفه مع الشيخ يبقي الأمور تحت السيطرة، وبتحالفه مع التاجر يؤمّن النصيب الذي يتقاضاه مقابل مساهمته في تمرير الأمور غير القانونية التي يقوم بها التاجر. التاجر يعتقد أنه بتحالفه مع رجل الدولة يؤمّن الدعم اللازم لتجاوزاته القانونية، وبتحالفه مع الشيخ يؤمّن آخرته، ولأن عقلية الراشي تسيطر عليه فهو يعتقد أنه كما استطاع أن يرشي رجل الدولة ليغضي عن تجاوزاته القانونية، فباستطاعته أن يرشي الله بالتبرعات التي يقدمها للشيخ ليغضي الله عن الحرام الذي يأكله بدفع الرشاوى"[70].
يُظهر هذا المنشور مجموعةً من المعاملات البراجماتية التي كفلت تضامن النُّخَب السورية، مهما كان الارتياب والازدراء القائم بينها. وربما كان هذا سببًا للصمود العجيب للنظام السوري في أثناء أزمة السياسة الخارجية خلال الأعوام ٢٠٠٤-٢٠٠٦م، التي دفعت بعض المراقبين إلى إعلان السقوط الوشيك لعائلة الأسد. وسوف نتطرق لهذه الحقبة في الفصل التالي.
- الهوامش
-
[1] انظر:
Salwa Ismail, ‘Changing Social Structure, Shifting Alliances and Authoritarianism in Syria’, in Demystifying Syria, ed. Fred Lawson (London: Saqi, 2009), 13–28, at 25
[مترجم إلى العربية في: سلوى إسماعيل، "تغيير البنية الاجتماعية، تغيير التحالفات، والاستبداد في سوريا"، كشف الغموض عن سوريا، تحرير: فريد اتش. لاوسن، ترجمة: فاتن شمس (غازي عنتاب: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ٢٠١٨م)، ص٧٩-٩٨. (المترجم)].
[2] مقابلة مع مصدر مجهول، دمشق، مايو/أيار ٢٠٠٧م.
[3] انظر:
Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 595–6.
[4] (private welfare) أي القيام بمهمات الرعاية الاجتماعية، من تعليم وصحة ومعونة وغيرها، من القطاع الخاص، بدلًا من تولي الدولة لهذه المهمات، خصوصًا فيما يُعرف بدولة الرفاه (welfare state). (المترجم)
[5] انظر: المصدر السابق؛
Laura Ruiz de Elvira, ‘L’état syrien de Bachar al-Assad à l’épreuve des ONG’, Maghreb – Machrek, no. 203 (2010), 41–58.
[6] Schatkowski-Schilcher, Families in Politics, 115, 127–9.
[7] الحمصي، الدعاة، م١، ص٢٩٦.
[8] أباظة والحافظ، تاريخ علماء دمشق، م١، ص٤٦١.
[9] المصدر السابق، م٢، ص٦٥٠.
[10] أباظة، علماء دمشق، ص٢٠٤-٢٠٦.
[11] عبد الله سراج الدين، حول ترجمة المرحوم الإمام العلامة الشهير والعارف الكبير فضيلة سيدي الوالد الشيخ محمد نجيب سراج الدين الحسيني (حلب: دار الفلاح، ٢٠٠٢م)، ص٨.
[12] الصواف، معجم الأسر، م١، ص١٤٧.
[13] المصدر السابق، ص٤٨٠-٤٨١.
[14] "الشيخ عبد الكريم الرفاعي ومسيرته"، رقم ٥ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3ETpvOt].
[15] المصدر السابق.
[16] حبنكة، الوالد الداعية، ص١٦٥.
[17] Reissner, Ideologie und Politik, 80–5.
[18] OFA, 5–8 January 1952, no. 393, VI; 2–5 April 1955, no. 711, VI.
[19] لم أستطع الوقوف على جمعية بهذا الاسم، وإن كانت الجمعية التي أسَّسها الشيخ حسن حبنكة، "جمعية أسرة العمل الخيري"، عاملة في الميدان بحسب توجيهات الشيخ وتأكيده لمنطقتها. انظر: حبنكة، الوالد الداعية، ص١٧٣-١٧٤. (المترجم)
[20] الحمصي، الدعاة، م١، ص٢٦٧.
[21] OFA, 29 August–1 September 1959, no. 1141, VII and 28–30 September 1960, no. 1249, V;
"الشيخ محمد سليم الأحدب" (www.islamsyria.com، ٢٣ يناير/كانون الأول ٢٠٠٨م) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3S9RGM9]؛ "الشيخ عبد الكريم الرفاعي ومسيرته"، رقم ١٤ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3VGqBD8].
[22] "الشيخ محمد النبهان: من إنجازاته" (www.alkeltawia.com، ١٩ ديسمبر/كانون الثاني ٢٠٠٧م) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3MGV4gk].
[23] المصدر السابق؛ مقابلة مع المالح؛ "الشيخ عبد الكريم الرفاعي ومسيرته"، رقم ١٤ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3VGqBD8].
[24] الجزيرة (الرياض)، ٤ فبراير/شباط ١٩٧٣م.
[25] Volker Perthes, The Political Economy of Syria under Asad (New York: I. B. Tauris, 1995), 109–15; Philippe Droz-Vincent, Moyen-Orient: pouvoirs autoritaires, sociétés bloquées (Paris: PUF, 2004), 240–3.
[مترجم إلى العربية في: فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سوريا تحت حكم الأسد، ترجمة: عبد الكريم محفوض (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ٢٠١٢م). (المترجم)].
[26] مقابلات مع المالح والبرهاني؛
Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 602.
[27] Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 601.
[28] المصدر السابق، ص٦٠١-٦٠٢.
[29] المصدر السابق، ص٦٠٣-٦٠٤.
[30] Stenberg, ‘Préserver le charisme’, 70;
الثورة، ٢ فبراير/شباط ٢٠٠٧.
[31] النهار، ١٩ يونيو/حزيران ٢٠٠٦.
[32] مقابلة مع مصدر مجهول، دمشق، إبريل/نيسان ٢٠٠٨م.
[33] Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 607.
[34] مقابلات مع رئيسي جمعيتين خيريتين إسلاميتين دمشقيتين، يونيو/حزيران ٢٠٠٧م، وإبريل/نيسان ٢٠٠٨م.
[35] ملاحظات من الكاتب، دمشق، ٢٠٠٦-٢٠٠٨م.
[36] للوقوف على وصف حفلة مماثلة، حضرها كل شيوخ دمشق المؤثرين، انظر:
Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 600.
[37] Perthes, The Political Economy of Syria, 167.
[38] (www.vote3sham.com)، إبريل/نيسان ٢٠٠٧م (رابط تالف) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3EST5DX].
[39] ملاحظات، إبريل/نيسان ٢٠٠٧م.
[40] مجمع الشيخ أحمد كفتارو، ص٢٩.
[41] ملاحظات، دمشق، ١٥ إبريل/نيسان ٢٠٠٧م.
[42] كان معهد الفتح ممثلًا في الحملة بشيخين شابين (هما: محمود دحلا [وليس محمد كما ورد في النص الأصلي] وبسام ضفدع)، حيث ترشحا في ريف دمشق دون أن ينجحا.
[43] ملاحظات، دمشق، ٩ إبريل/نيسان ٢٠٠٧م.
[44] مولد سوق باب سريجة، ٤ إبريل/نيسان ٢٠٠٧م (دي في دي).
[45] الثورة، ٢٣ فبراير/شباط ٢٠٠٧م؛ "قائمة أعضاء الهيئة العامة لجمعية الفتح الإسلامي في سنة ٢٠٠٥م" (www.alfatihonline.com، بلا تاريخ) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3yYHXl7]؛ جمعية المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني (دمشق: بلا طبعة، ٢٠٠٧م)، ص٣.
[46] رغم انتشار هذه المعلومة وتداولها (حتى إن الاتحاد الأوروبي استخدمها فأدرج حمشو في قائمة العقوبات الأوروبية)، فإنه لا توجد قرابة دم أو نَسَب بين حمشو (المتزوج من رانيا الدباس) وماهر الأسد (المتزوج من منال جدعان). ولا يعني هذا أنه لا توجد علاقة شخصية بينهما، عدا عن كون حمشو كان حقًّا واجهة مالية واقتصادية لأعمال ماهر الأسد. انظر وصف حمشو بأنه صهر ماهر الأسد في قائمة العقوبات الأوروبية على هذا الرابط: https://bit.ly/3Tpx0Bu (المترجم)
[47] Caroline Donati, L’Exception syrienne: entre modernisation et résistance (Paris: La Découverte, 2009), 232.
[مترجم إلى العربية في: كارولين دوناتي، الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة، ترجمة: لمى العزب (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ٢٠١٢م)]؛ مقابلة مع رجل أعمال، دمشق، يونيو/حزيران ٢٠٠٧م.
[48] غسان النجار، "لو يثبتوا نزاهتهم!" (www.annidaa.org؛ ١٤ إبريل/نيسان ٢٠٠٧م).
[49] [غسان النجار]، سوريا الأحرار، ٤ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٨م [يمكن الوصول لمضمون المادة على الرابط: https://bit.ly/3gksSnw].
[50] Éric Chaumont, ‘Pauvreté et richesse dans le Coran et dans les sciences religieuses musulmanes’, in Pauvreté et richesse dans le monde musulman méditerranéen, ed. Jean-Paul Pascual (Paris: Maisonneuve et Larose, 2003), 17−38, at 26; Denis Gril, ‘De l’usage sanctifiant des biens en islam’, Revue d’histoire des religions 215, no. 1 (1998), 59–89.
[51] "ترجمة العالم الشيخ رمزي البزم" (www.alfatihonline.com، بلا تاريخ) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3DfjOJs].
[52] ملاحظات، دمشق، ٥ مايو/أيار ٢٠٠٦م.
[53] للعصور الوسطى، انظر:
Daphna Ephrat, A Learned Society in a Period of Transition: The Sunni ‘Ulama’ of Eleventh Century Baghdad (Albany: SUNY Press, 2000), 131–5.
[54] الرفاعي، "دروس من حياة.."، رقم ٣ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3EWAh6P].
[55] المصدر السابق.
[56] مقابلات مع خطيبين دمشقيين، مايو/أيار ويوليو/تموز ٢٠٠٧م.
[57] ملاحظات، دمشق، ٢٠٠٦-٢٠٠٨م.
[58] مقابلات، حلب، نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٦م، حمص، يوليو/تموز ٢٠٠٧م. حول رفض الشاذلية للزهد المفرط في الدنيا، انظر:
Éric Geoffroy, Une voie soufie dans le monde: la Shadhiliyya (Paris: Maisonneuve et Larose, 2005).
[59] "الشيخ عبد الكريم الرفاعي ومسيرته"، رقم ١٧ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3ev0kHh].
[60] المصدر السابق، رقم ٢٠ [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3eLzNWk].
[61] Pierret and Selvik, ‘Limits of “Authoritarian Upgrading”’, 607.
[62] خطبة جمعة، ١ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٦م (www.sadazaid.com، ٢ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٦م).
[63] Reissner, Ideologie und Politik, 300–15;
محمد الحامد، "عن اشتراكية الإسلام" [لمصطفى السباعي]، في: حضارة الإسلام ٣، رقم ١٠ (١٩٦٣م)، ص١١٢٨-١١٣١؛ زرزور، مصطفى السباعي، ص١٤٦-١٤٧.
[64] حبنكة، الوالد الداعية، ص٢٤٨.
[65] انظر مثلًا: سارية الرفاعي، "الاقتصاد بين إنسانية الإسلام وطغيان المادية" (www.sadazaid.com، ٤ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٨م).
[66] الثورة، ٣٠ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٧؛ التلفزيون السوري الوطني، ٢٩ أغسطس/آب ٢٠٠٧م.
[67] Charles Tripp, Islam and the Moral Economy: The Challenge of Capitalism (Cambridge: Cambridge University Press, 2006), 133–49.
[68] Monzer Kahf, ‘Islamic Banks: The Rise of a New Power Alliance of Wealth and Shari‘a Scholarship’, in The Politics of Islamic Finance, ed. Clement Henry and Rodney Wilson (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2004), 17–36.
[69] "الهيئة الشرعية للبنك" (www.chambank.com، [٢٠٠٧م]) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3MWbqlt]؛ "هيئة وجهاز الرقابة الشرعية" (www.siib.sy، [٢٠٠٧م]) [يمكن الوصول للمادة على الرابط: https://bit.ly/3TG70Bi].
[70] ياسر العيتي، "الثالوث المدمر: الشيخ - التاجر - رجل الدولة" (www.annidaa.org، ٢٦ مارس/آذار ٢٠٠٧م) [يمكن الوصول لمضمون المادة على مدونة الدكتور ياسر العيتي على الرابط: https://bit.ly/3grxGHC].