الإسلام إلى أين؟ حركة الإصلاح الإسلامي في الغرب والكثافة الخطابية
تتطلَّب التحديات الوجودية الهائلة للعالم الحديث -ولا سيما حقائق العلم الحديث، والاقتصاد والسياسة، والأزمات المتفاقمة نتيجة انعدام المساواة عالميًّا، وعمليات النهب البيئي- من المسلمين تطويرَ تقليدٍ فكريٍّ صحيٍّ بصفة عاجلة، بحيث يمكن من خلال هذا التقليد فَهم تلك التحديات والاستجابة لها. ولأنه بات يُنظَر إلى العالم الحديث على أنه قد نشأ -أساسًا- نتيجة الانتصار في الصراع ضد الدين، لا سيما المسيحية، يرى معظم المراقبين من الخارج، فضلًا عن عدد كبير من المسلمين، في الإسلام عقبة -ينبغي تجاوزها- في طريق التقدُّم والحداثة. ومع ذلك، فإن ما يسميه الحداثيون «الدين» (religion) قد حافظ على وجوده بقوة في العالم المعاصر. وأبرز الأمثلة في هذا الصدد صمودُ الإسلام ثم صعوده، وكذلك عودة المسيحية مجددًا[1].
ومع أن معظم المسلمين في العالم قد أبدوا افتتانًا بمنجزات الحداثة، فإنهم لم يُبدوا أيَّ استعداد للتخلّي عن الإسلام. بل انتشرت بين المثقفين المسلمين محاولاتٌ للتوفيق بين الإسلام وجوانب من الحداثة، مثل الديمقراطية والدولة القومية والرأسمالية والعِلم والصعود العام للمادية. ويُنظَر إلى فشل هذه الجهود في خلق تقليد فكري مستدام، يحظى بشرعية واسعة بين المسلمين، على أنه أكبر أزمة تواجه الإسلام، وغالبًا ما تُوصَف بأنها «أزمة المرجعية» (crisis of authority)[2]. ويرى ريتشارد بوليت (Richard Bulliet) وهو باحث غربي مرموق في تاريخ الإسلام -متفائلًا- أن «أزمة المرجعية» الحالية هي واحدة من أحدث ما أسماه «الانفجارات الكبيرة» (big bangs) في التاريخ الإسلامي، كما رجَّح أن يتبعها «انسحاق كبير» (big crunch)[3]. ووَفقًا لهذه الرؤية، قد يجري حلّ كلٍّ من التحديات والفُرص المتاحة في عصرنا من خلال مزيج من التفكيك والتوليف، تمامًا كما حدث في الماضي مرارًا وتكرارًا.
ومع ذلك، فإن شكل «الانسحاق الكبير» التالي وطبيعته عصيَّان على الإدراك. وفيما يلي بعض التأملات حول شروط تأسيس تقليد خطابي إسلامي يمكن أن يحقِّق مثل هذا الهدف، وطريقة تفعيل هذا الخطاب. وتجدر الإشارة إلى أن أولى أعمال بوليت أكَّدت أيضًا على دور التخوم الجديدة للإسلام -بعكس مراكزه الحضارية القديمة- في إحداث تغييرات مبتكرة -ولكن أساسية- في الحضارة الإسلامية. ويمكن القول إن الغربَ أهمُّ هذه التخوم اليوم.
من خلال هذه المقدمات، وبوصفي مؤرخًا أمريكيًّا مسلمًا له إسهامات في الفكر الإسلامي، فقد حدَّدتُ بعض التحديات والفرص الخطابية التي تُرافِق عملَ الأكاديميين المسلمين في الدراسات الإسلامية في الغرب. وما يُميز هؤلاء الأكاديميين هو اهتمامُهم بإصلاح المنهج الذي يَفهم به المسلمون الإسلام ويمارسونه؛ وقيامُهم بذلك بتقدير نقدي للتقليد الإسلامي. وينطبق هذا على كتاباتهم الأكاديمية -التي تأتي بشكلٍ أو بآخر ضمن حدود تخصُّص أكاديمي- وعلى كتاباتهم العامَّة، التي تكون فيها اهتماماتُهم الأخلاقية والإصلاحية أكثر وضوحًا.
وأرى أن الشرط الحاسم لإعادة بناء تقليد خطابي إسلامي شرعي وحيوي وصارم فكريًّا ورؤيوي (أي استشرافي ومُلهِم واستباقي) هو تحقيق ما يكفي من «الكثافة الخطابية» (discursive density). وقبل أن أشرع في شرح هذ الاصطلاح الجديد، ينبغي عليَّ أن أذكر ما عندي من مقدمات منطقية رئيسة. إن أفضل تصوُّر للبُعْد الفكري في الإسلام هو أنه تقليدٌ خطابيٌّ. والوظائف الرئيسة لأي تقليد خطابي هي البحث عن الإجابة -أو مجموعة الأجوبة- المعيارية على ما يواجهه أتباع ذلك الخطاب من أسئلة، سواء في النظرية أو الممارسة، والسعي إلى تحقيق التماسك في إطار هذا التقليد. وفي المقابل، فإن التقليد الخطابي ليس سوى سجلٍّ تراكميٍّ لمثل هذه الأجوبة. وأخيرًا، فإن آلية البحث عن مثل هذه الأجوبة في الإسلام السُّني (وفي الإسلام الشيعي أيضًا إلى حدّ كبير) هي آلية خطابية في المقام الأول (وليست مؤسسية أو اجتماعية أو سياسية)، وعادة ما تكون متعدِّدة الأجيال[4].
«ليست هناك أرضية ثابتة، ولا حيِّز للتحقيق، ولا طريقة للانخراط في ممارسة تقديم الحجة المنطقية وتقييمها وقبولها أو رفضها، بمعزلٍ عن تلك التي يوفّرها تقليدٌ بعينه أو غيره»
ومن خلال «الكثافة الخطابية»، أودُّ أن أسجِّل الافتراض القائل بأن العملية الخطابية لا تنجح في تعزيز سُلطتها وشرعيتها وتطويرهما إلا من خلال التقارب التراكمي لعددٍ كافٍ من الأصوات «الداخلية» التي تشترك في لغةٍ مشتركةٍ وفي بعض المجموعات المتداخلة من الالتزامات التقليدية الأساسية، التي لا يكون هذا التقارب ممكنًا بدونها[5]. وأستنِد هنا إلى قول ألسدير ماكنتاير (Alasdair MacIntyre) بأنه «ليست هناك أرضية ثابتة، ولا حيِّز للتحقيق، ولا طريقة للانخراط في ممارسة تقديم الحجة المنطقية وتقييمها وقبولها أو رفضها، بمعزلٍ عن تلك التي يوفّرها تقليدٌ بعينه أو غيره»[6]. وبالإضافة إلى هذا، ولكي نضع هذه الحجَّة في إطار استعارة علمية، فإن منطق السلطة الخطابية الحرة يفترض أنه كلما زاد عدد النقاط المرجعية المستقلة، زاد احتمال ظهور النمط، طالما أن هناك توافُقًا بين الافتراضات المنهجية والأدوات المتعلِّقة بالسعي لاكتشاف الأجوبة.
وكي لا يُعَدّ فهمي للتقاليد الإسلامية عقلانيًّا صرفًا، ينبغي عليَّ أن أشير إلى أن أهمَّ أداة للتفكير -وفقًا للمنطق القرآني- هي القلب؛ فهو ذلك الموضع الذي يعرف الله ويحبُّه ويخضع له ويطلب الهداية منه، أو قد يضل عن ذلك كله. وتؤثر الاختلافات في هذا الصدد كثيرًا في الحجج التي يجدها المرء مُقنِعة، وفي طريقة صياغة أسئلته، ومعالجتها، بيد أن هذا الأمر -في حدِّ ذاته- ليس له دورٌ مباشرٌ في العملية الخطابية.
ويمكن القول إن الكثافة الخطابية تتحقَّق خلال البحث عن حلول لمشكلات التقليد الخطابي عند استيفاء شرطَيْن: أولهما وجود عدد كافٍ من الأنصار والنقاد المستقلين يشاركون في البحث عن إجابات متماسكة للمشكلات التي تواجههم، وثانيهما وجود أرضية مشتركة كافية (أعني الحد الأدنى من المفردات المشتركة، والمنطلقات التأسيسية، والأهداف) لبحثهم ونقدهم المتبادل ولخلافاتهم؛ وذلك لكي تكون مفهومةً للجميع، بما يؤدي إلى التوصل إلى حلّ بنّاء. ومما تحققه الكثافة الخطابية توضيحُ الخلافات اللفظية (أو الدلالية)، وتبديدُ الغموض المفاهيمي، والأهم عرض المقدمات والافتراضات الضمنية لمختلف المشاركين وفحصها؛ حتى تغدو خطوط الصدع بين مساحات الاتفاق والخلافات الدائمة أكثر وضوحًا.
إذن فالتقليد -بهذا المفهوم- هو علاقة خاصة بماضٍ لا يمكن تجاهله؛ إذ إن التقليد يتنفَّس من خلال «شهيق الماضي وزفيره»، بعكس الحداثة التي تفترِض أن بالإمكان -بل من الواجب- تجاوز الماضي من جميع النواحي[7]. والشغل الشاغل للإسلام -كما هو الحال بالنسبة إلى التقاليد الإبراهيمية الأخرى- هو الحفاظ على تلك اللحظة التي لا يمكن تجاوزها من اتصال الأرض بالسماء، والتي تتجلَّى -في حالة الإسلام- في الوحي وتعاليم النبي [ﷺ]، الذي جسَّد تلك اللحظة. وعلى الرغم من التحامُل التنويري ضد التقليد، حيث يرى فيه نقيضًا للعقل والتغيير العقلاني معًا، فإن الجدل حول ما هو أساسي (غير قابل للتغيير، وثابت) مقابل ما هو عَرَضي (ومن ثَمَّ مُتغيّر) هو النشاط المميِّز للتقاليد الخطابية. والأسئلة المتعلِّقة بما هو ضروريّ لتقليدٍ ما، وما الذي يجعل المرء من أتباع هذا التقليد، وكيف يحري تحديد العقائد أو الممارسات الصحيحة في مسألة بعينها، هي أسئلة تمثِّل جوهر التقليد الخطابي، وحاسمة في مسألة توزيع السلطة والشرعية في مجتمع المنتمين لهذا التقليد.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام يُعَدُّ أكثر من مجرَّد تقليد خطابي؛ فهو تقليد متجسِّد، يستقبله المسلمون ويعيشونه. ولكن ربما كان المسلمون عاجزين عن التعرُّف على معتقداتهم وممارساتهم أو التعبير عنها أو تحليلها، أو غير مستعدين لذلك. وقد يتناغم كلا البُعدَين -كما أشار طلال أسد- أو يتناقَضان، وقد يغفل أحدهما عن وجود الآخر[8]. وربما كان للبُعْد المعيش من الإسلام دورٌ حاسمٌ في حلّ النزاعات الخطابية. فعلى سبيل المثال، قد يكون دعم العوام لرأيٍ علميٍّ أو غيره حاسمًا في تحديد مصيره، على الأقل لبعض الوقت. إذ عادةً ما يُنظَر في كتب التراجم إلى قبول أعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين المتدينين لرأيٍ ما أو إعجابهم به على أنه علامةٌ دالةٌ على القبول لدى الله، وهو شعورٌ يلخّصه جيدًا قولٌ منسوبٌ إلى أحمد بن حنبل، الذي رُويَ أنه قال لخصومه من الطغاة: «بيننا وبينكم الجنائز»، قاصدًا بذلك أن عدد مَن يحضرون صلاة الجنازة سيغدو شاهدًا على قبول الأُمَّة لمذهبه[9].
وفي الإسلام السُّني، كما أشرنا آنفًا، لا تجري صيانة العقيدة الصحيحة من خلال عِصمة فردية أو مؤسسية (كما هو الحال -مثلًا- في الكاثوليكية على مدار التاريخ)، بل من خلال عمليات خطابية ديناميكية نسبيًّا. وقد استعصت دقَّة هذه الآليات على فهوم كثيرٍ من المراقبين؛ وكما أشار شيرمان جاكسون، فقد نظر العلماء في الغرب إلى اختلافات الإسلام عن المسيحية في آليات تنظيم الخطاب الديني، ليخلصوا منها إلى أن الإسلام ليست فيه مثل تلك الآليات[10].
ولا يتحرك التقليد الخطابي عبر الزمان فحسب، بل يتوسَّع في المكان أيضًا. ويعمل هذان النوعان من النمو -في الإسلام- بطرق متشابهة من بعض النواحي، ومن أمثلة ذلك أن عقيدةً أو ممارسةً ما قد تكتسب حُجّيةً إذا جرى تبريرُها على مدى أجيال عدَّة، أو جرى دعمها على نطاقٍ واسعٍ في عددٍ من المراكز العلمية المستقلة. ومع ذلك، فليس الزمان والمكان عنصرَيْن متجانسَيْن؛ إذ تتبنَّى جميع الفِرق السُّنية فكرةَ أفضلية السلف، ولكن كل فرقة على طريقتها[11]. وقد عبَّر العلماء المعاصرون عن الامتداد المكاني للإسلام عبر التاريخ من خلال وصفه بأنه «حضارة شبكية» (networked civilization). فقد رأى جون فول (John Voll) أنه بعيدًا عن مفهوم «الحضارة» العسير، قد يكون من المثمر فهمُ الإسلام على أنه «نظام-عالم خاص» (Special World-System)، وهو مجازٌ استقاه من نظرية إيمانويل والرشتين (Immanuel Wallerstein) المؤثرة في السياسة والاقتصاد[12]. على أية حال، كنتُ -في دراسة أخرى- قد أسهبت في الحديث عن كيفية إثراء اقتراح فول من خلال تفسير طلال أسد للإسلام بوصفه تقليدًا خطابيًّا، وخلصتُ إلى أن الجوانب الرئيسة للإسلام في التاريخ تتجلَّى عندما يُنظَر إليه على أنه تقليدٌ خطابيٌّ متشابك عالميًّا[13]. وقد أصبح التقليد الإسلامي -مع الموجة الأخيرة من العولمة- أكثر تشابكًا على المستوى العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المسلمين في الغرب ربما كانوا قليلي العدد، بيد أن الهيمنة الغربية تضمن جذبَ اتجاهات الإسلام الغربي ومُشكلاتِه (أو مشكلات الغرب مع الإسلام) قدرًا من الاهتمام العالمي لا يتناسب مع أهمية تلك النسخة من الإسلام، كما تضمن هذه الهيمنة في الوقت نفسِه اهتمامَ المرجعيات التقليدية في العالم الإسلامي بصورتهم لدى المسلمين في الغرب[14].
ويمكن تصوير كل موقع جغرافي يتجذَّر فيه التقليد الخطابي الإسلامي على أنه عُقدة في شبكة معقَّدة وعالمية وممتدَّة تاريخيًّا. بيد أن هذا لا يعني إنكارَ أن كل عقدة تتشكَّل إلى حدٍّ كبيرٍ من خلال سياقها الجغرافي الخاص، وإنما يعني ببساطة أن تأثيرات العُقَد الأخرى لا يمكن تجاهلها. وإذا أصبحت العقدة تمتلك قدرًا من الاستقلال، فإن هذا الاستقلال عابرٌ بشكلٍ أو بآخر؛ لأن الطبيعة الشبكية للتقليد الإسلامي هي مصدر دائم للتحديات والتغيير. فهي شبكة لا تكون عُقدها مستقرة إلا إذا كان بوسعها الحفاظ على تلك العُقَد في عملية نشاط خطابي، يجري تصنيفها -في النهاية- ضمن مجال الرأي المجتمعي ككلّ، على الرغم من أن تلك العملية لا تجري على نحوٍ عادلٍ دائمًا[15].
دعونا ننتقل الآن إلى تقييم العُقدة الغربية الناشئة في هذا التقليد الخطابي الشبكي. بوسعنا تصنيف النماذج الخطابية الرئيسة في المجتمعات المسلمة الغربية اليوم إلى الأنواع النموذجية التالية: التقليدية (traditionalism)، والتقدُّمية (والحداثية)[16]، والخطاب الإسلامي الأكاديمي عن الإسلام والمسلمين. وتعكس هذه الفئات أيضًا -على نحو أو آخر- تلك الفئات الموجودة في العالم الإسلامي عمومًا، ربما باستثناء الفئة الأخيرة، وهي فئة مُحدَثة، ويمنحها موقعها داخل الأكاديميا الغربية مكانًا غير مسبوق في الخطاب الإسلامي. ولا يزال أثرها على المدى الطويل غيرَ واضح، بيد أن تأثيرها المتزايد في المجتمعات المسلمة الغربية وما وراءها أمرٌ واضحٌ للعيان. ونظرًا لأن من الممكن تصنيف الأكاديميين في إطار الفئتين الأُوليين، اللتين تشتملان على التقليديين والتقدُّميين، فقد يكون النظر إلى هؤلاء الأكاديميين بوصفهم فئةً مستقلةً أمرًا قابلًا للنقاش. ومع ذلك، فإن وضعهم في الأوساط الأكاديمية الغربية يجبرهم على تخصُّص محدَّد، وتوقعات معيَّنة للمشاركة الواسعة، فضلًا عن بعض القيود التي يتشاركونها بصرف النظر عن المعسكر الأيديولوجي أو التأويلي الذي ينتمون إليه.
ويُبدي خريجو أقسام العلوم الإنسانية العلمانية -في العالم الإسلامي- ميلًا إلى الحداثة والعلمانية، سواء من منظور ليبرالي أو من منظور ماركسي، مع تأثيرٍ محدود؛ إذ يُنظَر إليهم على أنهم امتداداتٌ فكرية للأيديولوجيات الغربية. ومع ذلك، وبينما يتبع النمط السائد للدراسات الأكاديمية الإسلامية في أمريكا الشمالية النمطَ نفسه الذي يتبعه الأكاديميون العلمانيون في العالم الإسلامي، قد تَظهَر إمكاناتٌ خلَّاقة فريدة وأشكال جديدة من العلاقة مع التقاليد الفكرية الإسلامية. ونظرًا للامتداد غير المسبوق للتأثير الفكري الغربي المعولم (بكل تنوعاته وتناقضاته) في العالم الإسلامي، فإن المخاطر والعواقب المترتبة على اتجاه الدراسات الإسلامية الأمريكية قد تكون كبيرة. ومع ذلك، فإن قيمتها التقليدية ستعتمد على ما إذا كانت قادرةً على حشد كثافة خطابية كافية، والحفاظ على قوتها في مواجهة التحديات القادمة من العُقد الأخرى.
أنتقل الآن إلى تأطيرِ مقترحاتي وتبريرها بإزاء الأنماط الحالية لمقاربة الإسلام في الجامعات الغربية، وضمن حوار نقدي مع الخطاب الإسلامي الغربي الوليد.
أزمة الأكاديميا الغربية
تتيح البيئة الجامعية (الغربية الليبرالية) لدراسة الإسلام انفتاحًا هائلًا -وتاريخيًّا بالفعل- من حيث إمكانية تحقيق الصرامة النقدية، والإبداع في التفكير حول التقاليد الإسلامية ومن خلالها وضدها. كما أن الكتلة الهائلة من المعرفة الوقائعية (factual knowledge) المتراكمة في الجامعة الحديثة[17] -وهي المعرفة التي تتوِّج الآن التراث الفكري الإنساني المشترك- تُشكّل نقطة انطلاق لا غنى عنها لأي تقليد فكريّ معاصر جادّ وصارم؛ وذلك على الرغم من النقاشات المحتدِمة التي لا يمكن الوصول فيها إلى حلّ، سواء فيما تعلَّق بطبيعة تلك المعرفة أو بعواقبها الأخلاقية وبأوجه الهيمنة والغَبن التي أتاحها امتلاكها وإدارتها.
وهناك الكثير مما يمكن قوله عن الاستجابة الباردة والمؤسفة لدى الأنماط التقليدية للتعلُّم الإسلامي في غربلة هذه المجموعات الجديدة من المعرفة وتقييمها نقديًّا ثم تبنّيها. ومع ذلك، سأحصر تركيزي في التحديات التي تواجه دراسة الإسلام في الغرب، وتحديدًا في الجامعات العلمانية الأوروبية الأمريكية. فقد فرض التباين المادي الهائل بين الغرب والعالم الإسلامي نفسه على جميع الإصلاحيين المسلمين -تقريبًا- بوصفه نقطة انطلاقهم وأهمّ حقيقة ينبغي التوفيق بينها وبين التفكير في الإصلاح والنقد. ويُقِيم هذا الإدراكُ الخطابَ على نحو يجعل الإسلام -حتمًا- هو موضوع الإصلاح والنقد، في حين أن الغرب هو مصدر التاريخ والنموذج الذي تتعيَّن محاكاته (وإن كانت محاكاةً «حذرة»). ومع ذلك، فإن عالم الفكر الغربي يعاني اليوم أزمة معرفية شاملة، وعدمية أخلاقية (moral nihilism). ومع أن هذه الحالة من اللاأدرية (agnosticism) والعَمَه[18] (agnosia) فيما يتعلَّق بالحقائق والغايات النهائية -وهي الحالة التي يسمِّيها بعضُ الباحثين «ما بعد الحداثة» (post-modernity)- قد أتاحت تسامحًا مع تعدُّد الأصوات داخل الأوساط الأكاديمية (بما في ذلك الأصوات الإسلامية)، فإنها ثبَّطت -في الوقت نفسِه- أيَّ تطلع إلى رؤية أخلاقية أو عقلانية ضد «إرادة القوة» (will to power) لدى الرأسمالية والقوى العسكرية التي أنتجتها الحداثة أيضًا. فهذه الحالة لا تعجز فقط عن موازنة فروق القوة بين الرؤى المختلفة غير المتقايسة وتخفيف حدَّتها، بل ليس لديها أيضًا التزامات عقلانية جماعية لتصوُّر آلية يمكنها من خلالها إحداث ذلك التوازن؛ ومن ثَمَّ تترك المجالَ الأكاديمي غارقًا في فوضى ووضع ضبابي مظلم، والساحةَ العامَّة مقيَّدة بأغلال الرأسمالية[19]. ويمتدُّ خطر هذه الفوضى المعرفية -التي لا يمكن لأي يقينيات عقلانية، ناهيك عن اليقينيات الدينية، السيطرةُ عليها- ليشملَ بقية العالم من خلال قوى العولمة والإمبريالية الخارجة عن سيطرة أي أحد. وقد بات هذا الصعود العظيم للاقتصاد على حساب جميع المجالات الأخرى، بما في ذلك المجال السياسي، يهدِّد بـ«تسطيح» عالمنا، على حدِّ وصف أحد أنبياء النيوليبرالية الجديدة (neo-liberalism) مؤخرًا. وهذا العالم المسطَّح الذي تحكمه مبادئُ النيوليبرالية سيدمر جميع «الآخرين» فيه [ممن لا يعتنقون النيوليبرالية].
ومن المحتمل أن يكون النموذج الفكري للجامعة العلمانية -على الرغم من كونه مصدرًا فريدًا لدراسة التاريخ الإسلامي والمجتمع، وكذلك أساليب عمل العالم الحديث- مدمِّرًا للتقليد الإسلامي[20]. وقبل المضي قدمًا في وصف التحدي الذي تطرحه الجامعة الليبرالية، قد يكون من المفيد تناول نقدٍ مماثلٍ فيما يتعلَّق بالدراسات اليهودية طرحه المؤرخ اليهودي وعالم اللاهوت المبرِّز جاكوب نويزنر (Jacob Neusner). إذ رأى نويزنر أن على اليهود أن يدعموا المعاهد الدينية اليهودية بدلًا من السعي إلى تأسيس الكراسي العلمية في الجامعات الليبرالية، قائلًا:
«عندما يقرّر اليهود المتدينون والملتزمون مَن سيُدرِّس ماذا ولمن، فإنهم يرون من المُسلَّم به أن بعضَ المسائل أهمُّ من بعض… ويستمدُّ الرعاة اليهود لمعاهد التعليم اليهودية مقياسَ القِيم من الشريعة والتقاليد المتعارف عليها. أما الجامعات، بعكس ذلك، فليس لها مصلحة في منح التوراة أو المِدْراش والتلمود مكانةً أسمى في المناهج الدراسية… لذا فإن تلك المناهج مزيجٌ من هذا وذاك؛ وتفصيلات مُنفصلة لنقطة رئيسة لا تُستوعَب».
بيد أن نويزنر يقرُّ أن «وجهات النظر الجديدة، مع مجموعة واسعة من الاهتمامات، قد أضفت حيويةً على عملية التعليم اليهودية. وصارت لمجموعة جديدة كاملة من الموضوعات مكانتُها وأصبحت مجالًا للتخصُّص… ومع ذلك، فعمومًا يشير تغيُّر المكان[21] إلى تراجع التعلُّم وَفق المنهج الكلاسيكي».
ويخلص من ذلك كله إلى أنه «حتى في ظل معاناة مراكز التعلُّم الكلاسيكية، تظل ضرورية لضمان مستقبل اليهودية. فهذا هدف لا تطمح إليه جامعات ييل (Yale) وستانفورد (Stanford) وبرينستون (Princeton) وبراون (Brown) وبوردو (Purdue) وميتشغان (Michigan)». وفضلًا عن ذلك، فإن «الأساتذة الأكاديميين لا يُجسِّدون قدوةً لطلابهم في التقوى، ولا يُتوقَّع منهم ذلك». ويخلص في النهاية إلى أن «الكُلفة الواقعة على مستقبل اليهودية -بوصفها تقليدًا للتعليم الديني والممارسة الدينية- تفُوق تلك النتيجةَ الإيجابية المتمثلة في حيوية البحث»[22].
وقد جرى تناول المخاوف الواردة في هذا الكلام الواضح والموجز وإثباتُها من خلال عدد متزايد من البحوث التي أُجريت -على مدى نصف القرن الأخير- في مجالَي الفلسفة والأنثروبولوجيا وغيرهما من المجالات. فقد قدَّم ألسدير ماكنتاير في كتبه، مثل كتاب بعد الفضيلة (After Virtue)، وصفًا للفكر الغربي في حقبة ما بعد التنوير، أكثر إقناعًا من السردية التنويرية المنتصرة في شرح الأزمة الحالية. فقد استهلَّ ماكنتاير حديثه بالقول إننا نلحظ عادةً أنه ليس هناك نقاش حول أي قضية أخلاقية يمكن حلُّه بطريقة عقلانية، وهي حالة نتجت عن تغلغل النسبية (relativism) أو المنظورية (perspectivism)، وتؤدي إلى انتشارهما أيضًا (ويشير آلان بلوم [Allan Bloom] في كتابه انغلاق العقل الأمريكي [The Closing of the American Mind] إلى أن هذه النسبية هي الدِّين الافتراضي لطلاب الجامعة الأمريكيين)[23]. ومع ذلك، كما يقول ماكنتاير، ينخرط الغربيون باستمرار في جدلٍ حول هذه القضايا، كما لو أن هناك أُسسًا عقلانية متفقًا عليها يمكن أن يستند إليها البتُّ في هذا القضايا. ويزعم الجميع -من الأوساط الأكاديمية إلى وسائل الإعلام والتلفزة- أن الوصول إلى توافق أمرٌ ممكنٌ من خلال النقاش العقلاني، مع أن الجميع يقرّون تمامًا بأنه لا توجد أُسس مجمَعٌ عليها يمكن من خلالها التوصل إلى اتفاقٍ بشأن أي قضية جادة. وتغصُّ لغتنا اليومية بكلماتٍ من قَبيل الخير والحقيقة والجمال، ومرادفاتها، في حين أن تفكيرنا الفلسفي الرصين لا يمكن أن يُسفر عن أي أساس عقلاني جمعي يؤسس لهذه المفاهيم.
لم ينتج هذا الفِصام عن تدنّي مستوى التعليم أو التفكير (كما قال آلان بلوم)، بل هو نتيجة حتمية لمشروع التنوير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فقد اختلف مفكّرو عصر التنوير في جميع القضايا سوى واحدة، وهي رفضهم القاطع للتقليد وتفضيلهم للعقل. وكان يُعتقد أن أي شخص عقلاني -بغضِّ النظر عن معتقداته وحساسياته واهتماماته السابقة- قد يقتنع بحقيقة واحدة جرى التوصل إليها من خلال العقل. وسرعان ما أفسح هذا الاعتقادُ الطريقَ للسخرية من العقل وانتقاده. فلماذا إذن يستمر الحداثيون في التظاهر بخلاف ذلك؟ لأن الغربيين -وفقًا لتحليل ماكنتاير- قد ورثوا كثيرًا من مفرداتهم وثقافتهم وفكرهم، ومن ثَمَّ ذكرياتهم ورغباتهم، من عالَم ما قبل التنوير. وهو عالم كانت فيه الحقائقُ الأخلاقية العقلانية ممكنةً وجذابةً. ثم نشب الجدل العقلاني في إطار تقليدٍ[24]، وكانت دائمًا هناك إمكانية للحلِّ في ظلِّه، ومن ثَمَّ توجيه الحياة نحو الفضيلة. بيد أن هذه الإمكانية لم تعُد قائمةً في عالم ما بعد التنوير، الأمر الذي أدى إلى نشأة النظام السياسي الليبرالي، ونموذجه النهائي ومنطقه الحاكم في مجال الاقتصاد، أَلَا وهو رأسمالية السوق الحرة. وتسعى الليبرالية -المفتقرة إلى اليقينيات الأخلاقية- إلى وضع أُسسٍ للقانون والسياسة دون اللجوء إلى حقائق متعالية أو أي يقينيات، سواء كانت قائمة على العقل أو التقليد. وفي ظل عالَم كهذا -وهذه هي النقطة الرئيسة عند ماكنتاير- تختفي «الفضيلة»؛ لأن تطور الفضيلة مشروعٌ يتم داخل مجتمع له معتقدات ومعايير مشتركة. وليست التربية على الفضيلة بالأمر الهيّن؛ فهي شاغلٌ أساسيٌّ لدى جميع التقاليد في عصور ما قبل الحداثة، ومنها الإسلام بطبيعة الحال[25]. فقد كانت الرؤية الأساسية في تقاليد ما قبل الحداثة منذ الإغريق على الأقل -بما فيها التقاليد المسيحية والإسلام- أن البشر ينبغي أن يُربّوا على الفضيلة؛ لأن الإنسان لا يولد فاضلًا، بل ينشأ على ما نُشّئ عليه.
وفي التقاليد الإسلامية، ينبغي العمل على تعزيز فضائل من قبيل التقوى والشجاعة والصبر والحمد والتواضع والفروسية...إلخ، وذلك من خلال الممارسة والتأهيل وتبادل النصيحة والتقويم. وهذه الفضائل مُضمَّنةٌ في الواجب الأهم، وهو «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». لذا من أجل اكتساب الفضائل على نحو سليم، يحضُّ التقليد الإسلامي على التأديب، سواء كان ذلك من خلال المجتمع -لا سيما الشيوخ والعلماء- أو الدولة، حيث يُعَدُّ تمتُّع الحاكم والمسؤولين في إدارته بالفضائل جزءًا أساسيًّا من جودة النظام السياسي. ويتنوع التقليد الإسلامي داخل نفسه، ويختلف عن التقاليد الأخلاقية الأخرى في الشرق الأدنى في نقاطٍ أخرى حول تنمية الفضائل، مثل توزيع الإمكانات بين البشر والوسائل المناسبة لاكتساب الفضيلة، فضلًا عن قائمة الفضائل المقصودة نفسها. ولكن هناك نقطتان مشتركتان: الأولى غرسُ الفضيلة من خلال التأديب واتخاذ القدوة والتأهيل، بدلًا من رؤية الفضيلة بوصفها التزامًا داخليًّا متعلقًا بمبدأ ثابت أو واجب قطعي؛ والثانية هي الحاجة إلى أن يكون التوجيه لهذا الغرض في إطار مجتمعي. ولم تعُد ظروف النمو الأخلاقي أو الروحي متوفرةً اليوم، ليس نتيجة نوع معيَّن من الفلسفة الأخلاقية الليبرالية فحسب، ولكن -كما يؤكِّد ماكنتاير- بسبب الفوضى الأخلاقية والعقلانية التي هي نتاجٌ حتميٌّ لعالم فكري قائم على مشروع التنوير، الذي بدأ برفض التقاليد لصالح رؤية عقلانية عالمية، ثم انتهى به المطاف إلى رفض كليهما.
ومن المرجَّح أن يُعاني أيُّ تقليد تجري دراسته وفقًا لشروط التنوير المصيرَ نفسَه الذي لقيه مشروع التنوير؛ وهو الموت بالعدمية.
ومن ثَمَّ فإن التحدي الرئيس الذي تطرحه الأكاديميا الغربية الليبرالية أمام التقليد الإسلامي لا يُعزى إلى مشكلاتٍ طويلة الأمد -ولكنها عابرة ربما، مثل الاستعمار أو الإسلاموفوبيا أو الاستشراق- بل إلى تأثير تاريخ تشكُّل هذه الأكاديميا وبنيتها ومقدماتها المنطقية. ومن المرجَّح أن يُعاني أيُّ تقليد تجري دراسته وفقًا لشروط التنوير المصيرَ نفسَه الذي لقيه مشروع التنوير؛ وهو الموت بالعدمية. ومن ثَمَّ يمكن تجزئة الإسلام وتحليله وتفكيكه من قِبل عدد لا يحصى من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا والفيلولوجيا الذين يتبعون المنهج النقدي، ويحسبون أن من فضائلهم تحييد الولاءات أو الالتزامات الأخلاقية في دراساتهم. ولكن إذا كانت هذه هي أسس المعرفة الجديدة، فينبغي أن نقطع الرجاء في أي نموٍّ أو تطور متماسك، أو حلٍّ للمشكلات الكبرى أو لأزمة المرجعية التي كثُر الحديث عنها[26].
في كتاب عدالة مَن؟ (Whose Justice?)، يؤكد ماكنتاير أن وجودَ تقليد فكري قائم شرطٌ ضروريٌّ لأي تحقيق في مسألة الأخلاق. ومن الضروري تقاسم بعض الأرضيات المشتركة للمواقف المختلفة، ليكون الاختلاف مثمرًا (ص351). وعلاوةً على ذلك -وكما لا يحتاج الإسلاميون إلى مَن يذكرهم بذلك- فإن التقليد:
«أكبر من مجرَّد حركة فكرية متماسكة. فهو حركة يكون خلالها المنخرطون فيها على درايةٍ بها، وبتوجُّهها، ويحاولون بوعيٍ ذاتيٍّ منهم الانخراطَ في نقاشاتها، والمضي قدمًا في دراساتها. وتتباين العلاقات التي قد تنعقد بين الأفراد وتقليدٍ ما على نحو كبير للغاية، متراوحةً بين الاتباع دون إثارة إشكاليات، وبين محاولات الاستدراك على التقليد أو إعادة توجيهه، وصولًا إلى المعارضة التامَّة لما كان يُعَدُّ -حتى لحظة المعارضة تلك- مزاعم أساسية في هذا التقليد. بيد أن هذه العلاقة الأخيرة[27] قد تمثِّل بالفعل علاقة تكوينية ومهمة بالتقليد، تمامًا كأي علاقة أخرى» (ص326).
والواقع أن التقاليد تنضج من خلال النجاح في معالجة الخلافات الداخلية والتحديات الخارجية (ص327). ومع ذلك، وبينما تشهد التقاليد الخطابية -إلى حدٍّ ما- تحولاتٍ استجابةً للتحديات الخارجية، فإنها إذا أخفقت في معالجة التحديات والتمزقات والتحولات الجديدة وَفق مجموعة أدواتها المفاهيمية، فستفقد هويتها وقوتها (ص356).
وقدَّمت دراسة طلال أسد البارزة إسهامات مهمَّة لفهمنا للتقاليد من خلال نقل الدراسات المعنيَّة بالتقليد من حقل الفلسفة إلى الأنثروبولوجيا والدراسات الإسلامية بصفة عامَّة. وقد اشتهر عن أسد اقتراحُه دراسةَ الإسلام بوصفه تقليدًا خطابيًّا، بدلًا من كونه شيئًا في متحف الأفكار التي يمكن تعقبها في كتب التراث الكبرى، كما دأب المستشرقون على فعل ذلك، أو بوصفه ظاهرةً ثانويةً للقوى الاجتماعية والسياسية، كما يميل المتخصِّصون في العلوم الاجتماعية إلى دراسة الإسلام من خلال هذا المنظور. بيد أن الأهم من ذلك هو اهتمام أسد بالسلطة، حيث أخرج مفهوم التقليد الخطابي من ظروف «الغرف الدراسية» -التي يفترضها كثير من الفلاسفة والمنظرين، مثل ماكنتاير و[يورغن] هابرماس ([Jürgen] Habermas)- إلى العالم الواقعي، حيث يكون للخطاب أثرُه في الممارسات كما تؤثّر هي فيه، ويجري التعبير عنه حتمًا في سياق علاقات السلطة التي هي ضرورية لفهم التقاليد[28]. فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم الخطاب الأمريكي المسلم حول الإرهاب والعنف والجهاد والحرب والإصلاح الإسلامي -خلال السنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر 2001م- فقط على أساس الموارد الفكرية للإسلام أو النقد العقلاني أو إسهامات الدراسات الأكاديمية في هذا الخطاب. ومع ذلك، غالبًا ما لا تكون طرق التأثير المتبادل بين علاقات السلطة والخطابات واضحةً تمامًا، وتتطلب تحقيقًا دقيقًا.
وفي سياق الأزمة المعرفية للعالم الحديث، وشكوكه الأخلاقية البارزة التي عرضنا لها آنفًا، أضحت علاقات القوة -المدعومة اليوم بتلك العظمة العسكرية والاقتصادية المذهلة- أكثر انتشارًا وتطبيعًا من ذي قبل، الأمر الذي يجعل المُثُل المعيارية أقلَّ أهميةً من أي وقتٍ مضى. لذا، فإن أي مشروع للإصلاح الإسلامي لا بدَّ أن يستجيب للتحدي المزدوج المتمثِّل في الأزمة المعرفية الحديثة واختلال توازن القوى الذي بات يميز العالم الحديث، وأن يكون دائم اليقظة أمام هذا التحدي. وبالنظر إلى الصعاب، قد لا يعدو الأمرُ -بالطبع- أن يكون إفراطًا في التفاؤل، للإشارة إلى أن التقليد الإسلامي المعاد تشكيله قد يوفِّر للمسلمين طريقةً لمواجهة هذه التحديات المتعدِّدة الأنماط. ومع ذلك، فإن هذا الفصل دعوةٌ إلى إجراء تحقيقٍ مستدامٍ في الظروف التي يمكن فيها للتقليد الخطابي الإسلامي أن يستمر، أو -بعبارة أدقَّ- أن يُعيد إحياء نفسه، بدلًا من كونه مجرَّد ظاهرة ثانوية تعكس طريقة عمل هذا الخطر المزدوج.
ومن المؤكَّد أن المعاهد الدينية الإسلامية في الغرب -إذا ما جرى إنشاؤها وخلال إقامتها- سيكون لها دورُها في ترسيخ التقاليد الإسلامية في الغرب، ولكن سيتعيَّن عليها خوض معركة كبيرة. وحتى لو كانت المجتمعات المسلمة الغربية لها من الموارد والرسوخ المجتمعي ما لنظيراتها اليهودية والمسيحية، فإن دعمها للمعاهد الدينية سيُواجه في نهاية المطاف التحديات نفسَها التي كان جاكوب نويزنر يشكو منها في سياق المعاهد اليهودية الراسخة بالفعل. ومن غير المرجَّح أن يُقدِّر مجتمع يوغل في العلمنة -ولا يتميَّز إلا بهويته الفضفاضة والذائبة- التعليمَ التقليدي، وأن يستثمر فيه كثيرًا، باستثناء الهدف المباشر والمحدود المتمثِّل في تخريج الأئمَّة والقساوسة، الذين يتطلب تأهيلُهم اهتمامًا بالإرشاد والخدمات الاجتماعية أكثر من التعمُّق في التقليد الخطابي. ومن ثَمَّ، ومع أن هناك حاجة ماسة للمعاهد الدينية، فمن غير المرجَّح أن تعالج تلك المعاهد النقصَ الكبير في المعرفة النقدية، أو تلبي معاييرَ البحث التي تراها أقسامُ الدراسات الإسلامية أو التخصُّصات المتعلقة بها في الجامعات الأمريكية السائدة وذات الموارد الكبيرة معاييرَ مسلَّمًا بها. وبالإضافة إلى هذا، فمن دون وجود تقليد خطابي يسهل الوصول إليه، ويكون نقديًّا لكنه ملتزم بالإسلام، فقد تصبح هذه المدارس الدينية -حتى عندما تتطور- مصدرًا لإعادة النشاط التقليدي لشكلٍ أو آخر من أشكال الروحانية الأمريكية الشعبية التي تتخللها نظريات أكاديمية غير ناضجة، كما يمكن للمرء أن يلحظ بالفعل في هذا الخليط. وإذا كان للتقليد الخطابي الإسلامي في الغرب أن يحافظ على وجوده في مشهد أكاديمي تنافسي، وفي حوار نقدي مع العلوم الإنسانية والاجتماعية الأكبر (أي الغربية التي صارت اليوم عالمية)، فإن أفضل فرصة لذلك قد تكون من خلال الأكاديميين المسلمين الغربيين الذين سيلتزمون بالعمل ضمن هذا التقليد بوصفهم مجتمعًا خطابيًّا، وفي الوقت نفسِه يلتزمون هم وزملاؤهم بأعلى المعايير النقدية، ويحاكون معاصريهم الغربيين -فضلًا عن أسلافهم القدامى- ويفوقونهم[29].
التقليد الإسلامي: الشريعة ونطاقها
أنتقل الآن إلى محاوريّ داخل التقليد الإسلامي، وأبرِّر اختياري للمصطلحات ومجموعة الأدوات المفاهيمية المصاحبة لها، كما أتطرق إلى سبب حديثي عن «تقليد خطابي» بدلًا من المصطلحات الأكثر أصالة للتقاليد الإسلامية، مثل الشريعة والفقه، وما إلى ذلك. فمن أسباب لجوئي إلى مصطلح «التقليد الخطابي» (discursive tradition) -مع صفة «الإسلامي»- أنه مفيد من الوجهة التحليلية في المناظرة مع الباحثين الغربيين، كما أوضحت آنفًا؛ ومن جهةٍ أخرى لأنه قد يساعد في تجنُّب الجدل الداخلي والتاريخ المعقَّد الذي يحيط -حتمًا- بأية مصطلحات أصيلة في الخطاب الإسلامي.
إن السؤال الرئيس حول تحديد مَن هو داخل التقليد في مقابل من هو خارجه، أو جدلية الداخلي/الخارجي (etic/emic debate)، هو سؤال يأتي في لبِّ أي تقليد؛ وذلك لأنه لا يتعلَّق بتعريف التقليد فقط، بل بالسلطة وتوزيعها وحدودها أيضًا، ويتطلب منَّا فحصَ الآليات الخطابية للتحكُّم والإقناع والاستمرارية خلال الزمن. وعلى أي مجتمع يُعرِّف نفسه من خلال تقليد ديني أن يميز أعضاءه عن غيرهم؛ إذ تؤكِّد بعض الأديان -مثل المسيحية- على الإيمان أو العقيدة، التي يمكن فرض وحدتها أو الحفاظ على تلك الوحدة من خلال مؤسسة، فيما تؤكِّد أديان أخرى -مثل اليهودية- على النَّسَب والشرائع الطقوسية، ومن ثَمَّ تخفّف -إلى حد ما- من أولوية العقيدة. ومع ذلك، قد يكون من الأنسب لأديان أخرى -مثل الهندوسية التاريخية- أن تعتمد على الارتباط بمنطقة معزولة نسبيًّا، بوصفه ضمانةً لها للبقاء عبر الزمن. أما في الإسلام فقد كان الارتباط بمجموعة من النصوص المقدَّسة، التي أضفت على الانتماء للإسلام أبعادًا عقدية وعملية. وبسبب هذه الأبعاد المتعدِّدة -تحديدًا- يمكن استيعاب التراخي في أي بُعدٍ طالما جرى الحفاظ على علاقة مبررة خطابيًّا بالنصوص المقدَّسة التأسيسيَّة[30].
وإحدى القضايا الحاسمة المتعلِّقة بالسلطة في الإسلام هي ما إذا كان يجب فهم الإسلام بوصفه نظامًا قانونيًّا [فقهيًّا]، وما إذا كان يجب -من ثَمَّ- أن يكون الاحتكام النهائي إلى الفقهاء. وتتجلَّى تبعات هذا الاختلاف في النقاشات الأخيرة حول صلاحية الشريعة -بوصفها «قانونًا إسلاميًّا»- في العالم الحديث. فحين يقول وائل حلّاق إن الشريعة ماتت فعليًّا وإن جميع المحاولات الحديثة لإحيائها ستبوء بالفشل، فإنه يفترض مفهومًا معينًا عن الشريعة[31]. إذ إن الشريعة عنده هي تقليدٌ قانونيٌّ معقَّد ورائع، أنتجه الفقهاء المسلمون تاريخيًّا على مدى قرون عديدة. ويُعَدُّ هذا المفهوم التراكمي والقانوني للشريعة أمرًا مسلَّمًا به عند كثير من علماء القانون المعاصرين، بدايةً من حلّاق وانتهاءً بنظرائه من العلماء التقليديين في الأزهر وغيره. فإذا جرى فهمُ الشريعة على هذا النحو، عندئذ فقط يصبح للجدل حول انقراضها أو فتورها مغزى. إذ وفقًا لهذه الرؤية، فإن أي قدرٍ من الالتزام الصادق بالكتاب والسُّنة من قِبل المسلمين المعاصرين لا يكفي لإحياء الشريعة.
بيد أن تركيزه -ابن تيمية- المنهجي على العدالة والسياسة ودور المجتمع المسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -وهو أمر لم يكن معتادًا حتى في إطار المذهب الحنبلي.
وقد وضع أحمد عاطف أحمد -في كتابه الأخير بعنوان فتور الشريعة (The Fatigue of the Sharia)- التحدّي الفطِن الذي طرحه حلّاق في سياقِ نقاشٍ مماثلٍ دار في العصر الإسلامي الكلاسيكي (حوالي ما بين القرنين الرابع والسابع الهجريَّيْن/العاشر والثالث عشر الميلاديَّيْن)، ومن ثَمَّ استطاع أحمد إبراز عمق تعدُّدية أبعاد هذه القضية. وذهب أحمد إلى أن الشريعة أضحت متأصلةً في مؤسسات المجتمعات الإسلامية وثقافتها على نحو أعمق مما افترضَ حلّاق، وأن الدولة القومية قد لا يكون مداها شموليًّا على النحو الذي افترضه حلّاق[32]. وكما وضَّح أحمد، فإن إمكانية القول عقديًّا بفتور الشريعة -التي كانت موقفًا أشعريًّا واضحًا- قد لاقت رفضًا لدى الحنابلة والمعتزلة على حدٍّ سواء؛ لأنهم رفضوا المفهوم الأشعري القائل إن الحقائقَ الأخلاقية (أي معرفة طبيعة الأفعال من حيث الحُسن والقُبح) أمرٌ لا يمكن للعقل البشري إدراكه، وهي تُعرَف استنادًا إلى نصٍّ صريحٍ من الوحي[33]. وبطبيعة الحال، لا ينبغي المبالغة في تناول هذا الاختلاف بين الأشاعرة والحنابلة في هذه النقطة؛ لأن كلا الفريقين اتّفقا على إنكار أي دور أُخرَويّ للحقائق الأخلاقية العقلانية (أي إن الثواب والعقاب في الآخرة يكون على أساس ما جاء به الوحي، لا على أساس أحكام تُدرَك بالعقل وحده). وقد أيَّد ابن تيمية (ت728هـ/1328م) -وهو مرجعية بارزة في التراث الإسلامي الكلاسيكي- هذا الموقفَ الحنبلي عمومًا، بيد أن تركيزه المنهجي على العدالة والسياسة ودور المجتمع المسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -وهو أمر لم يكن معتادًا حتى في إطار المذهب الحنبلي[34]- أدَّى به إلى تبنّي مفهوم للشريعة يلعب فيه العقلٌ دورًا أكبر فيما سكت عنه الشارع ولم يرِد فيه نصٌّ صريح. ولكن كيف يخفف هذا التسييق من الإشكال الذي طرحه حلّاق؟
في دراسة أخرى، اختلفتُ مع النظرة القانونية للتقليد الإسلامي، وذلك من خلال التركيز على مداخلة ابن تيمية، وأرى هنا أن الإشكال الذي يقدِّمه حلّاق يفقد بعض قوته؛ لأن العمل السياسي الإسلامي كان له دائمًا دورٌ في تهيئة الظروف لعمل الشريعة، وليس العالَمُ الحديث استثناءً من ذلك[35]. فقد رأى ابن تيمية أنه نظرًا لكَون العدل هو الحتمية الأساسية والمصلحة النهائية للشريعة، إذا كان لدى «العقل السليم» إمكانيةُ التوصل إلى معرفة الحُسن (العدل) والقُبح (الظلم)، فإن السعي لتحقيق العدل يصبح واجبًا بحكم الوحي يُثاب فاعله ويأثَم تاركه؛ ومن ثَمَّ يمكن عدُّ السياسة العقلانية والعادلة جزءًا لا يتجزَّأ من الشريعة[36]. ومن طرق توضيح ذلك أن الشريعة عند ابن تيمية -بدلًا من كونها محصورة وَفق المنهج الفقهي الشكلي التقليدي في الأوامر الخاصة- تتسع بتوجيهٍ من النصوص العامَّة.
وعلى الرغم من الدراسات المذكورة آنفًا التي اختلفت بشكل كبير مع الإشكال الذي أثاره حلّاق، فلا يزال هذا الإشكال قائمًا؛ ولكن -كما يقترح حلّاق نفسه- يمكن مواجهته فقط إذا احتضنت الإرادة السياسية لدولة إسلامية شرعية -مع مواطنيها المسلمين- مشروعَ إحياء الشريعة، أي إخضاع الدولة القومية الحديثة للتدقيق خلال المداولات على إجراء إصلاحاتٍ ضمن إطار الشريعة؛ وذلك بدلًا من الإصلاح أحادي الاتجاه للشريعة نفسها تلبيةً للضرورات الحديثة التي فرضت نفسها حتى الآن[37].
إن التقليد الخطابي الإسلامي المتجدِّد هو الأساس الذي يمكن أن تستند إليه شروط إعادةِ التفكير في الشريعة لتكون بديلًا مقنعًا ومعقولًا وقابلًا للتطبيق في مقابل الثالوث الحديث: الدولة القومية والرأسمالية والعلمانية. وستكون هناك حاجة ماسة إلى رؤى بديلة للحياة إذا ترك لنا هذا الثالوث -بعد أن أهلك الكوكب ذاته، والأشخاص الذين عملوا على صيانته، وأعاد هو تشكيلهم في الغالب- أرضًا صالحةً للسُّكنى. ولكن في الواقع ربما يكون الأوان قد فات بالفعل[38].
خاتمة
من نافلة القول الإشارة إلى أن المحاولات المعاصرة للإصلاح الإسلامي -بما فيها تلك التي ظهرت في العالم الإسلامي- هي محاولاتٌ تغريبية، أو هي -على الأقل- استجابة للغرب. وعلى هذا النحو، فإن مشاريع الإصلاح هذه لم تحمل -بعدُ- المراجعات الداخلية الغربية على محمل الجدّ (ناهيك عن إعادة التفكير في أهدافها وقِيمها في ضوء تلك المراجعات)، وكذلك لم تهتمّ بالكوارث الهائلة على مستوى العالم، التي تسبَّبت بها الحداثة؛ ومنها التغيّر المناخي، وسحق ثقافات السكان الأصليين، وزيادة معدلات التفاوت الاقتصادي[39].
ومن الأفضل للمصلحين المسلمين عند تفكيرهم في الإصلاح أن يلحظوا أن الطبيعة الخطابية الشبكية التاريخية للتقليد الإسلامي تتناسب تمامًا مع عالم يحوي قدرًا هائلًا من التناقضات وانعدام المساواة والشكوك. وأي إعادة تفكير في مثل هذا التقليد هي بالضرورة مزيجٌ من التطبُّع الثقافي والإصلاح الذاتي (من خلال التقليد) والتفكيك (للمزاعم المؤيدة والمعارضة للمعايير التقليدية) والتوليف والتكيُّف. ثم تخضع إعادة التفكير هذه لمراجعة جمعية لا تنتهي. لذلك قد نتساءل عمَّا إذا كان الحديثُ عن «إصلاح» الإسلام -وهو أمنية كبيرة لدى الغربيين والمسلمين في الغرب- أمرًا مفيدًا لتوصيف هذه المهمَّة؛ فكما أشار طلال أسد مؤخرًا، يعيش المرءُ التقليدَ بدلًا من إصلاحه، وخلال عَيشه ذلك ينخرط في أي عددٍ من النقاشات والنقد الذاتي وعمليات إعادة التفكير[40]. وعلى أي حال، ليس ظهور «مارتن لوثر» في الإسلام بالأمر الوشيك ولا الضروري. ومع أن المواجهة بين الحداثة والتقليد الإسلامي قد جاءت بعد قرن أو قرنين من مواجهتها مع التقاليد المسيحية، فقد يكون هذا الأمر مِنحةً في طيِّ محنة، مع أنه غالبًا ما يُعدّ شيئًا مؤسفًا. ولأن عيشَ التقليد الإسلامي والتفكيرَ النقدي من خلاله مسعًى مستمرٌّ وجماعيٌّ وطويل الأمد، فإن أفضل توجُّه عند الانخراط في هذا المسعى هو التحلّي بالتواضع والصبر المصحوبَيْن برؤية نقدية (بدلًا من التجرؤ في الجدال وتجاوز حدِّ البطولة إلى التهور، وهي العِلل التي كثيرًا ما تُصيب الإصلاحيين).
وعلاوةً على ذلك، ونظرًا للطبيعة الشبكية للتقليد الخطابي الإسلامي، فمن غير المرجَّح أن يكون هناك «إسلام أمريكي»، تمامًا مثلما لم يكن هناك أبدًا «إسلام مصري» أو «إسلام صيني» أو «إسلام سعودي» مستقر. والسبب في ذلك -ببساطة- أنه لا يمكن لأي سلطة مسلمة أن تتجنَّب -على المدى الطويل- التحدي المنطقي من الخارج استنادًا إلى الحدود المحلية أو العِرقية أو حدود الدولة القومية. وقد تكون العُقدة الغربية في هذه الشبكة الهائلة في موقع مهم للغاية في هذه اللحظة التاريخية، مع ما لديها من فرصة مواجهة الحداثة بطريقة أكثر حميميةً وصراحةً من أي مكان آخر. وسيعتمد جانب كبير من صلاحية الحلول التي ستوجدها [تلك العُقدة] على كثافة خطابها، الذي سيعتمد بدوره -مع ثبات بقية العوامل- على جودة الدراسات العلمية التي يُجريها المسلمون الغربيون، وعلى قُدرتهم على التعامل مع منتقديهم وخصومهم ضمن التقليد [الإسلامي]، بدلًا من السعي وراء امتيازٍ لن يجدوه في ساحةٍ هي بالضرورة غيرُ متكافئة.
- مراجع مختارة
-
Ahmad, Ahmad A. The Fatigue of the Sharia. New York: Palgrave Macmillan, 2012.
Anjum, Ovamir. “Islam as a Discursive Tradition: Talal Asad and His Interlocutors,” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 27, no. 3 (2007): 656–72.
Anjum, Ovamir. “Putting Islam Back into the Equation: Islam as a Discursive World-System,” in Khaldoun Samman and Mazhar Al-Zo'by (eds.), Islam and the Orientalist World-system. Boulder: Paradigm Publishers, 2008.
Anjum, Ovamir. Politics, Law and Community in Islamic Thought: The Taymiyyan Moment. Cambridge: Cambridge University Press, 2012.
Anjum, Ovamir. “Do Islamists Have an Intellectual Deficit?” in Shadi Hameed and Willian McCants (eds.), Rethinking Political Islam. New York: Oxford University Press, 2017.
Asad, Talal. Genealogies of Religion: Discipline and Reasons of Power in Christianity and Islam. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1993.
Asad, Tala. Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity. Stanford: Stanford University Press, 2003.
Bloom, Alan. The Closing of the American Mind. New York: Simon & Schuster, 1987.
Bok, Derek. Universities in the Marketplace: The Commercialization of Higher Education. Princeton University Press, 2004.
Bulliet, Richard. “Islamic Reformation or ‘Big Crunch’? A Review Essay,” Harvard Middle Eastern and Islamic Review 8 (2009): 7–18.
Bulliet, Richard. Islam: The View from the Edge. New York: Columbia University Press, 1994.
Hallaq, Wael. The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament. New York: Columbia University Press, 2012.
Hallaq, Wael. “Can the Sharia be Restored?” in Islamic Law and the Challenge of Modernity, eds. Y. Haddad and B. Stowasser. Lanham: Altamira Press, 2004.
Hauerwas, Stanley. The State of the University: Academic Knowledges and the Knowledge of God. Oxford: Blackwell Publishing, 2007.
Jackson, Sherman. On the Boundaries of Theological Tolerance in Islam. Oxford: Oxford University Press, 2002.
MacIntyre, Alasdair. Whose Justice? Which Rationality? London: Duckworth, 1988.
MacIntyre, Alasdair. God, Philosophy, Universities: A Selective History of the Catholic Philosophical Tradition. Rowman and Littlefield Publishers, Inc., 2009.
MacIntyre, Alasdair. After Virtue: A Study in Moral Theory. Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press, 1981.
McCutcheon, Russell (ed.). The Insider/Outsider Problem in the Study of Religion. London: Cassell, 1999.
McCutcheon, Russell (ed.). Critics Not Caretakers: Redescribing the Public Study of Religion. Albany: SUNY, 2001.
Speth, James G. The Bridge at the End of the World: Capitalism, the Environment, and Crossing from Crisis to Sustainability. New Haven: Yale University Press, 2009.
- الهوامش
-
[1] أودُّ أن أشير هنا إلى حقيقة أن الحداثة العلمانية كان عليها أن تنشئ فئةً تصنيفيةً باسم «الدين» من أجل تحديد وحصر تعدُّدية التقاليد السابقة -أو تلك المتنافسة- حول الكينونة والإيمان والتفكير. انظر:
Talal Asad, Genealogies of Religion: Discipline and Reasons of Power in Christianity and Islam (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1993), in particular ch. 1, and idem., Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity (Stanford: Stanford University Press, 2003), in particular ch. 6.
[لمطالعة الترجمة العربية، انظر: طلال أسد، جينالوجيا الدين: الضبط وأسباب القوة في المسيحية والإسلام، ترجمة: محمد عصفور، (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2017م)، لا سيما الفصل الأول؛ وللمؤلف نفسه، تشكُّلات العلماني: في المسيحية والحداثة والإسلام، ترجمة: محمد العربي، (بيروت: دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، 2017م)، لا سيما الفصل السادس. (المراجع)].
[2] انظر على سبيل المثال:
Richard Bulliet, “The Crisis Within Islam,” The Wilson Quarterly, vol. 26 (Winter 2002).
[3] Richard Bulliet, “Islamic Reformation or ‘Big Crunch’? A Review Essay,” Harvard Middle Eastern and Islamic Review 8 (2009), 7–18.
[4] Ovamir Anjum, “Islam as a Discursive Tradition: Talal Asad and His Interlocutors,” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 27, no. 3 (2007), 656–72.
لا أهتمّ هنا إلا بالجانب الخطابي للتقاليد الإسلامية فحسب، ولا أكترث لجانبها المتجسد أو التجريبي؛ لأن كل الجهود الفكرية التي تناولتُها هنا متعلقةٌ بإصلاح التقليد الخطابي. وبطبيعة الحال، في مثل هذه المشروعات الإصلاحية، غالبًا ما يكون المحكّ تحديدًا هو العلاقة بين الجوانب الخطابية والجوانب المتجسدة للتقاليد الإسلامية.
[5] للاطلاع على مجموعة ثاقبة من الآراء حول جدلية «الداخلي بإزاء الخارجي» (insider vs. outsider)، انظر:
Russell McCutcheon (ed.), The Insider/Outsider Problem in the Study of Religion (London: Cassell, 1999).
[6] Alasdair MacIntyre, Whose Justice? Which Rationality? (London: Duckworth, 1988), 350.
[7] للاطلاع على مراجعة للأدبيات المتعلِّقة بجدلية الحداثة والتراث، انظر:
Anjum, “Islam as a Discursive Tradition”.
[8] اتصال شخصي، 21-28 يونيو 2012م.
[9] ابن كثير، البداية والنهاية، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1988م)، ج10، ص376.
[10] Sherman Jackson, On the Boundaries of Theological Tolerance in Islam (Oxford: Oxford University Press, 2002), 30.
[11] تطرق ريتشارد بوليت إلى دور المركز والأطراف («الحواف» edges) على نحو مُثمِر. انظر:
Richard Bulliet, Islam: The View from the Edge (New York: Columbia University Press, 1994).
[12] John Voll, “Islam as a World-System,” Journal of World History, 5:2 (1994), 222.
وللاطلاع على مزيد من الإسهامات الأخيرة حول هذا الموضوع، انظر:
Muslim Networks from Hajj to Hip Hop, ed. Miriam Cooke and Bruce B. Lawrence (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 2005).
ويُعَدُّ إسهام ديفيد غيلمارتين (David Gilmartin) مثيرًا للاهتمام على نحو خاص.
[13] Ovamir Anjum, “Putting Islam Back into the Equation: Islam as a Discursive World-System,” in Khaldoun Samman and Mazhar Al-Zo'by (eds.), Islam and the Orientalist World-System (Boulder: Paradigm Publishers, 2008).
[14] انظر على سبيل المثال:
Bettina Graf and Jakob Skovgaard-Petersen (eds.), The Global Mufti: The Phenomenon of Yusuf Al-Qaradawi (London: Hurst & Co., 2008); Zareena A. Grewal, “Imagined Cartographies: Crisis, Displacement, and Islam in America” (PhD Diss., University of Michigan, 2006).
[15] لا شك أن لهذا التحليل وجاهةً. ولكن لو حكَّمنا تصور تأثير «العُقَد» مثلًا في اندثارِ مذهب المعتزلة في مقابل ازدهار مذهب الأشاعرة، أو اندثار المذهبَيْن الظاهري والجريري -على سبيل المثال- فسنجد أنفسنا مُنخرطين في عملية تحليل مُتصورة لاضمحلال الخطاب، وعجز علماء تلك الفرق عن الحفاظ على حيوية التقليد. وهذا حقٌّ، ولكنه جزءٌ من الصورة فحسب، حيث قد يقودنا ذلك إلى أن اضمحلال هذه الفِرَق واندثارها -في النهاية- كان بسبب عوامل داخلية، مثل عجز «العُقدة» -على حدِّ وصف أنجُم- عن المحافظة على عملية النشاط الخطابي، أو «الكثافة الخطابية» وفقًا لاصطلاحه (الذي نوَّه إلى أن هذه العملية لا تجري على نحو عادل دائمًا، وكأنه يستبق ويصادر على تعليقٍ كهذا). وعلى هذا النحو، قد نُقصي العواملَ الخارجية -التي ارتبطت بالصراعات بين هذه الفِرق والفِرق المنافسة لها، وموقف الدولة الرسم...إلخ- أو نهمِّشها. ويبدو أن ظهور تقليد على حساب تقليد آخر أمرٌ أعقدُ من هذه الوصفة المبسَّطة. ولذا، ربما كان خالد أبو الفضل موفَّقًا عندما أشار إلى افتقار الباحثين في مجال الشريعة إلى الإلمام بدقائق التجربة التاريخية نفسِها. (المترجم)
[16] يمكن تعريف النموذج الحداثي (modernism) على أنه بقايا مُثُل أوروبية عقلانية أو علمائية عفا عليها الزمن، وهو شائع بين المسلمين الكبار في السنّ؛ بينما يتبنَّى الشباب المسلمون النموذج التقدمي (progressivism)، وهو متأثر بالأفكار الغربية التقدمية الأحدث، من قبيل التعددية (pluralism) والتنوع الثقافي (multiculturalism) وحماية البيئة (environmentalism) وروحانية العصر الجديد (new-age spirituality)…إلخ. وتظل المساواة بين الجنسين (gender equality) مهمة لكليهما، ولكن من نواحٍ مختلفة، تبعًا لموجة النِّسوية التي يتخذها الشخص قاعدةً لقناعاته.
[17] في تخصُّصات تتراوح ما بين التاريخ والأنثروبولوجيا والفلسفة إلى مختلف العلوم الطبيعية والاجتماعية.
[18] أي انعدام القدرة على الإدراك، مع حيرة وتردُّد. (المترجم)
[19] على الرغم من كتابة هذه الملحوظات في عام 2012م، أعتقد أنها ما تزال صالحة إلى اليوم، بالإضافة إلى أننا شهدنا منذ ذلك الحين ظهورَ ردِّ فعل قومي قوي معادٍ للأجانب ضد الأيديولوجية الليبرالية-اليسارية السائدة في الحرم الجامعي في أرجاء أوروبا وأمريكا. لقد أضحى الصراع أكثر تشدُّدًا من ذي قبل، خصوصًا لأنه لا يمكن استدعاء معتقدات مشتركة وأساسية لتصبح أرضية مشتركة. للاطلاع على نقد لاذع لهذا التعصُّب الليبرالي صدر عن فيلسوف بريطاني مُلحد، انظر:
John Gray, “The Problem of Hyper-liberalism,” Times Literary Supplement, 27 March 2018, https://www.the-tls.co.uk/articles/public/john-gray-hyper-liberalism-liberty/ (تاريخ الاطلاع 5 يونيو 2018م).
[20] للاطلاع على نقد فلسفيّ للجامعة العلمانية الحديثة، انظر:
Alasdair MacIntyre, God, Philosophy, Universities: A Selective History of the Catholic Philosophical Tradition (Rowman and Littlefield Publishers, Inc., 2009)
وللاطلاع على نقد [دينيّ] مسيحيّ، انظر:
Stanley Hauerwas, The State of the University: Academic Knowledges and the Knowledge of God (Oxford: Blackwell Publishing, 2007)
وحول العلاقة المدمرة والمشؤومة بين الجامعات الأمريكية والشركات، راجع كتاب رئيس جامعة هارفارد الأسبق ديريك بوك:
Derek Bok, Universities in the Marketplace: The Commercialization of Higher Education (Princeton University Press, 2004).
[21] يعني مكان الدراسة من المعاهد الدينية إلى الجامعات العلمانية. (المترجم)
[22] Jacob Neusner, “The Costs of Jewish Studies Endowments,” Huffington Post, October 13, 2010, http://www.huffingtonpost.com/jacob-neusner/the-costs-of-jewish-studi-b-754489.html (تاريخ الاطلاع 4 أبريل 2012م).
[23] Allan Bloom, The Closing of the American Mind (New York: Simon & Schuster, 1987), 25.
[24] أي ذلك التقليد الغربي. (المراجع)
[25] زعم ماكنتاير أن الأخلاق الأرسطية في إطار التقاليد الإبراهيمية القائمة على الإيمان تكون «معقَّدة ومتضمَّنة [في تلك التقاليد]، إلا أنها لا تتغيَّر تغييرًا جوهريًّا». انظر:
After Virtue: A Study in Moral Theory (Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press, 1981), 53.
من جانبي لا أستطيع أن أحكم على مدى صحَّة هذا الرأي، ولكن يبدو لي أن جميع المدارس الإسلامية -من الفلاسفة والنحاة إلى المتكلمين- تبنَّت بعض المفاهيم التي أصبحت تراثًا مشتركًا للشرق الأدنى في كلٍّ من التقاليد المشَّائية والتقاليد الكتابية، التي حضَّ القرآن نفسه عليها، مثل خُلق الاعتدال والتوسُّط في الأمور، ونسخة ما مِن أمهات الفضائل، وغرس الفضائل من خلال التأديب والتأهيل في مجتمع لديه معتقدات وممارسات مشتركة.
[أمهات الفضائل هي أربع فضائل أساسية: الحكمة والعدل والشجاعة والاعتدال. (المترجم)].
[26] في دراسة حملت عنوانًا دقيقًا، أبرز راسل ماكَّتشيون (Russell McCutcheon) الدورَ التقليدي للباحثين في مجال الأديان داخل الأوساط الأكاديمية الليبرالية، على الرغم مما يواجهه هذا الدور من تحديات متزايدة. انظر:
Russell McCutcheon, Critics Not Caretakers: Redescribing the Public Study of Religion (Albany: SUNY, 2001).
[27] أي المعارضة التامَّة. فكونها علاقة معارضة ورفض، لا ينفي أثرها وأهميتها. (المراجع)
[28] Armando Salvatore, The Public Sphere: Liberal Modernity, Catholicism, Islam (New York: Palgrave Macmillan, 2007), 83–4.
[لمطالعة الترجمة العربية، انظر: أرماندو سالفاتوري، المجال العامّ: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام، ترجمة: أحمد زايد، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2011م)، ص155-156. (المراجع)].
[29] الإشارة هنا -على ما يبدو- إلى المستشرقين الكبار في القرنين التاسع عشر والعشرين. (المترجم)
[30] ثَمَّ إسهام أمريكي-إسلامي مهم في هذا الصدد. انظر:
Jackson, Boundaries,
وهي ترجمة [إنجليزية]، مزوَّدة بالحواشي، لكتاب الغزالي فيصل التفرقة.
[31] الحظْ أن هذا كان موقف وائل حلّاق في مقالته عام 2003م (المُستشهَد بها لاحقًا)، وهو الموقف الذي راجعه جذريًّا في كتابه البارز:
The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament (New York: Columbia University Press, 2012),
وربما يكون قد أعاد مُراجعة رأيه في هذا الصدد بعد صدور هذا الكتاب.
[لمطالعة الترجمة العربية لكتاب حلّاق، انظر: وائل حلّاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، (الدوحة/بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014م). (المراجع)].
[32] Ahmad Atif Ahmad, The Fatigue of the Sharia (New York: Palgrave Macmillan, 2012).
لا سيّما ما يرد في ص22، 144 (حيث ذهب أحمد إلى أن كبار الفقهاء عانوا [في ظل الحداثة]، ومع ذلك صمدوا وكان لهم أثرهم في المجتمعات الإسلامية الحديثة)؛ وفي ص147 (حيث قال إن «الشريعة بوصفها علمًا وفقهًا، وبوصفها لغةً وتخصصًا تخدم مجالات عدَّة، وبوصفها ثقافة وحساسيات، وبوصفها إرثًا سياسيًّا واجتماعيًّا ومؤسسيًّا، هي شيءٌ معقَّد للغاية بحيث لا يمكن القولُ بموتها، أو الزعمُ -على نحوٍ يُعَدُّ قولًا فصلًا- بأنها وصلت إلى درجة من التشرذُم غير المسبوق»)؛ وفي ص157 (حيث رأى أن الظاهر هو كون البِنَى التحتية الفكرية والاجتماعية للشريعة ما زالت على قيد الحياة)؛ وفي ص171 (إذ يقول إن [الشريعة] بعيدة عن متناول الدولة، «غيرُ خاضعة للرقابة» و«مطمورة»).
[لمطالعة الترجمة العربية، انظر: أحمد عاطف أحمد، فتور الشريعة، ترجمة: طلعت فاروق، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016م). (المراجع)].
[33] Ibid., 181.
[34] Ovamir Anjum, Politics, Law and Community in Islamic Thought: The Taymiyyan Moment (Cambridge: Cambridge University Press, 2012),
لا سيما الفصلين الخامس والسادس.
[35] Ibid.
[36] ينبغي ملاحظة المحاذير المركزية المطلقة لابن تيمية بأن العدل يُحدِّده أولًا -وقبل كل شيء- قولُ الشرع، ولا يمكن أن يتناقض مفهومه مع تصور الشرع له، وأن تفسير السلف يظلُّ هو القول الفصل في المعاني الأوَّليَّة التي تحملها نصوص الوحي.
[37] Wael Hallaq, “Can the Sharia be Restored?” in Islamic Law and the Challenge of Modernity, eds. Y. Haddad and B. Stowasser (Lanham: Altamira Press, 2004), 22.
وفي العام نفسِه الذي كتبت فيه هذا المقال، نشر حلّاق كتابَهُ الدولة المستحيلة المذكور آنفًا.
[38] أعلن السير مارتن ريس (Martin Reese) -رئيس الجمعية الملكية بالمملكة المتحدة (Royal Society)- أن «احتمالات بقاء حضارتنا الحالية على وجه الأرض حتى نهاية القرن الحالي واحتمالات فنائها تكاد تكون متساوية في أحسن الظروف». أما جيمس غوستاف سبيث (James G. Speth)، الذي عمل عميدًا لكلية دراسات الغابات والبيئة بجامعة ييل، ومسؤولًا أو مستشارًا للحكومة الأمريكية في ظل إدارتَي كارتر وكلينتون -ولا يمكن للمرء أن يصل إلى أكثر من هذا في انتمائه إلى التيار السائد- فهو أكثر تفاؤلًا قليلًا؛ إذ أعلن بجديَّة أنه لا ينبغي التخلّي عن الرأسمالية الحديثة فحسب، بل عن نمط الوجود الذي تحدّده الحداثة، وإيجاد البدائل التي يجري فيها البحث عن السعادة في إطار المجتمع والروحانية، بدلًا من التقدّم المادي والنمو والغزو (للطبيعة والشعوب) والاستهلاك.
James G. Speth, The Bridge at the End of the World: Capitalism, the Environment, and Crossing from Crisis to Sustainability (New Haven: Yale University Press, 2009), 6, 233ff.
[39] Ovamir Anjum, “Do Islamists Have an Intellectual Deficit?” in Shadi Hameed and Willian McCants (eds.), Rethinking Political Islam (New York: Oxford University Press, 2017).
[40] اتصال شخصي، 21-28 يونيو 2012م. وانظر أيضًا مقابلتي مع طلال أسد:
“Interview with Talal Asad,” The American Journal of Islamic Social Sciences 35, no. 1 (2018): 55–90.