المناطقة المغاربة في مصر

المناطقة المغاربة في مصر

يَرِدُ ذكرُ العالم البارز محمد مرتضى الزبيدي (ت 1791م) -في بعض الأحيان- جنبًا إلى جنب شاه وليّ الله الدهلوي (ت 1762م)، ومحمد الشوكاني (ت 1834م)، ومحمد بن عبد الوهاب (ت 1792م)، باعتباره ممثلًا لحركة إحياء إسلامية نبعت من التربة المحليَّة وسبقت غزو نابليون لمصر في عام 1798م. وُلِدَ الزبيدي في بلكرام بالهند، ودرس أساسًا في اليمن والحجاز، ثم استقرَّ به المقام في القاهرة، حيث وضع مؤلَّفيه الشهيرين: شرحه العظيم الحافل على "القاموس المحيط" للفيروزآبادي، وشرحه على كتاب الغزالي المهم "إحياء علوم الدين"[1]. ولم يُبدِ الزبيدي اهتمامًا -مثله في ذلك مثل غيره من علماء حركة الإحياء تلك في القرن الثامن عشر الذين يُصنَّف في زمرتهم- بعلم الكلام والمنطق وغيرهما من العلوم العقلية، وجعل همَّه في إحياء دراسة الحديث الشريف.

تكلَّم الزبيدي في المجلد الأول من شرحه على "إحياء علوم الدين" للغزالي على فروع العلم المختلفة، كما راجع مسألة الخلاف الذي طال أَمَدُه بشأن دراسة بعض العلوم ومنها المنطق[2]. وقد أورد الزبيدي أسماء علماء مسلمين رأوا أنَّ المنطق من العلوم المُحرَّمة، ومنهم الحافظ ابن الصلاح الشهرزوري (ت 1245م) وابن تيمية (ت 1328م) وجلال الدين السيوطي (ت 1505م)، وكذلك ذكر عددًا من كبار العلماء الذين رفضوا هذا الرأي، ورأوا أنَّ دراسة المنطق مشروعة، بل مندوبة، ومنهم الغزالي نفسه، والعالم والفقيه الشافعي الكبير تقي الدين السبكي (ت 1355م)، وكذلك العالم المغربي الحسن اليوسي الذي عاش في القرن السابع عشر (ت 1691م). وكان الزبيدي يميل في رأيه للمجموعة الأولى من العلماء؛ إذ رأى أنَّ المنطق علمٌ دنيويٌّ لا قيمة له في خدمة علوم الدين، وأنَّ من يتوفر على دراسته يبذلون جهدهم في أمور لا قيمة لها من الناحية الدينية، وهم بذلك يهملون أمورًا على جانبٍ أكبر من الأهمية. وفي سياق النقاش، أبدى الزبيدي ملاحظةً تاريخيةً تلفت الانتباه، فبعد أن اقتبس اقتباسًا مطولًا للعالم المغربي اليوسي يدافع فيه عن المنطق، قال إنَّ الدفاع عن المنطق سِمةُ علماء المغرب، حيث تُعظّم مصنفات المتكلم والمنطقي الكبير محمد بن يوسف السنوسي. فكتب يقول:

"وأتى من بعده (بعد السنوسي) من العلماء والفضلاء، فولع بطريقته مع صلاح المشار إليه وشهرته بالكرامات في ذلك القطر، وتلقاها خلف عن سلف، وخاضوا فيها حتى صاروا أئمَّة في ذلك يُشار إليهم بالبنان، ثم اختلط الأمر بعد ذلك، ونشأ بعدهم مَنْ تلقى عنهم ذلك، فظنَّ أنَّه لا كمال إلا فيما هو مشتغل به، فصار ما يشتغل به من المنطق وغيره كالغذاء له، فلا يسمع فيه عذل عاذل ولا لَوْم لائم، حتى نزعت عنهم رواية الحديث"[3].

ويمضي الزبيدي في القول بأنَّ علماء المغرب نقلوا إلى العلماء المصريين وَلَعهم بهذا الفرع من فروع العلم في زمن "شيوخ مشايخنا"، أي منذ جيلَيْن سابقَيْن على جيله:

"منهم الذين وفدوا مصر لم يكن عندهم من الرواية إلَّا شي قليل، فبسبب ذلك راج أمرُهُ في مصر، وكبُّوا على تحصيله بعد أن لم يكونوا يشتغلون به إلَّا مذاكرة في بعض الأحيان تشحيذًا للأذهان، وهذا هو السبب في اضمحلال علم الحديث"[4].

على أنه يجب التنبيه إلى أنَّ أهم الشيوخ الذين أسهموا في بنائه -الزبيدي- الفكري كانوا هؤلاء الذين تلقى العلم على أيديهم إبَّان إقامته باليمن والحجاز. وكان من بين هؤلاء المشايخ المصريين الكبار ثلاثة أشار إليهم الزبيدي في سياقٍ آخر "بالشُّهب الثلاث"

إنَّ ما استقرَّ في ظنِّ الزبيدي من أنَّ دراسة المنطق في مصر لقيت حافزًا لها من طرف العلماء الوافدين من المغرب قبل جيلَيْن من زمنه يؤيده الدليل المستمدُّ من سِيَر العلماء ومؤلفاتهم. وكان قد حلَّ بمصر بدايةً في عام 1753م وعمره يناهز الواحد والثلاثين عامًا، وصرف جهده في حضور حلقات الدرس التي يعقدها كبار العلماء المصريين في عصره، ويشير إليهم بأنَّهم "شيوخنا". على أنه يجب التنبيه إلى أنَّ أهم الشيوخ الذين أسهموا في بنائه الفكري كانوا هؤلاء الذين تلقى العلم على أيديهم إبَّان إقامته باليمن والحجاز. وكان من بين هؤلاء المشايخ المصريين الكبار ثلاثة أشار إليهم الزبيدي في سياقٍ آخر "بالشُّهب الثلاث"، وهم: شهاب الدين أحمد بن عبد الفتاح الملوي (1677-1767م)، وشهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهري (1684-1768م)، وشهاب الدين أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (1688-1778م)[5]. وقد خلف العلماء الثلاثة جميعهم وصفًا مفصلًا لما درسوه، وكلها تؤكِّد دراستهم للمنطق على أيدي العلماء المغاربة.

وربما كان أحمد الملوي (من ملوي بصعيد مصر) أهمَّ علماء المنطق في مصر العثمانية (1517-1882م)[6]. ومن مصنفاته في المنطق[7]:

1- رسالة في نسب الموجهات.

2- منظومة في الموجهات وشرحها.

3- منظومة في المختلطات وشرحها.

4- رسالة في أن كل الموجهات تنحصر إمَّا في الضرورة ونفيها وإمَّا في الدوام ونفيه.

5- منظومة لوازم الشرطيات وشرحها.

6- حاشية على شرح زكريا الأنصاري (ت 1519م) على "إيساغوجي" الأبهري في المنطق.

7- نَظْم لمختصر السنوسي في المنطق.

8- منظومة وشرحها في الاختلافات المنطقية بين القضية الخارجية (التي يوجد موضوعها في الخارج) والقضية الحقيقية (التي يوجد موضوعها في الذهن فقط).

9- الشرح الكبير على متن "السُّلَّم المرونق" لعبد الرحمن الأخضري (ت 1546م) في علم المنطق.

10- الشرح الصغير على متن "السُّلَّم".

11- منظومة وشرحها في النسب المنطقية بين قضيتَيْن وبين قضية ونقيض الأخرى.

وقد ذكر عالمٌ مغربيٌّ لقي الجوهري في القاهرة أنَّ له عنايةً خاصةً بعلم الكلام، وأنَّه قد أتقن هذا العلم على يدي الورزازي وكان يفخر بذلك

وقد ذكرنا في الفصول السابقة أنَّ المؤرخين المُحدَثين نزعوا إلى إهمال المنظومات الشعرية والشروح، مفترضين -في كثيرٍ من الأحيان- أنَّ هذه المصنفات التي تؤلَّف في هذا القالب ليست إلَّا صورة مبتذلة من الأصل أو محض متاجرة بالشروح. غير أنَّ بالإمكان إثبات أنَّ بعض مؤلفات الملوي في المنطق -على الأقل- تُعَدُّ إسهاماتٍ قيِّمةً في تراث المنطق العربي. فمن ذلك مثلًا أن كتابه في لوازم الشرطيات (رقم 5 في القائمة)، الذي فرغ منه عام 1696م، يُمكن أن يُعَدُّ أكثر معالجة متعمقة ونقدية لهذا المبحث باللغة العربية منذ القرن الرابع عشر الميلادي. ويكرِّر الملوي ذكرَ اعتماده منهج "التحقيق" واستلهامه "الفتح" فيما يثير من أسئلة جديدة وما يقترحه من أجوبة مبتكرة[8].

وبغضِّ النظر عن محتوى هذه المصنفات، فإنَّ عددها الكبير يلفت الأنظار. كما ألَّف الملوي كتبًا في النحو والبلاغة وعلم الكلام، غير أنَّ الواضح أنَّ دراسة المنطق قد هيمنت على إنتاجه العلمي. وكان الملوي -مثله مثل معاصريه- قد تلقى العلم على أيدي عدد كبير من العلماء، ولكن الإشارة تتكرَّر في مؤلَّفاته إلى أن أهمَّهم هم العالمان المغربيان: عبد الله الكِنَكْسي، وأحمد الهشتوكي (ت 1716م)[9]. وكلا العالِمين تتلمذ على يد الحسن اليوسي، العالم المغربي الذي ذكره الزبيدي في معرض معارضته له بشأن مسألة دراسة المنطق[10].

كذلك درس أحمد الجوهري على يد الكنكسي والهشتوكي، ولكن فيما يبدو كان محمد الصغير الورزازي (ت 1762م) أقربَ أساتذته إليه؛ إذ درس على يديه علم الكلام والمنطق[11]. وكان الورزازي (من ورزازات جنوبي المغرب) بدوره تلميذًا لأجلِّ تلامذة اليوسي، ابن يعقوب الولالي (ت 1716م)[12]. وقد ذكر عالمٌ مغربيٌّ لقي الجوهري في القاهرة أنَّ له عنايةً خاصةً بعلم الكلام، وأنَّه قد أتقن هذا العلم على يدي الورزازي وكان يفخر بذلك[13]. ويُصدِّق ذلك أنَّ أكثر مصنفات الجوهري العديدة هي بالفعل في علم الكلام، بما فيها عددٌ من الرسائل أُفردت للكلام على مسائل كلامية محدَّدة، وكذلك متن بعنوان: "منقذة العبيد من رِبقة التقليد". وكما سيتضح في الفصل التالي، فإنَّ الخِطاب الذي يستهجن "التقليد" في العقائد صار سِمةً للتراث الأشعري في الشمال الإفريقي الذي حمل لواءه السنوسيُّ وشرَّاحه ومحشوه.

ولعل أحمد الدمنهوري هو أغزر "الشهب الثلاث" إنتاجًا وأوسعهم تفنُّنًا في العلوم المختلفة؛ إذ ضرب بسهمٍ وافرٍ في المنطق، والبلاغة، وعلم الوضع، وعلم الكلام، والتجويد، والفقه (وكان يفخر بتبحُّره في المذاهب الأربعة)، فضلًا عن علوم الطب، والفلك، وآداب الملوك، والحساب، والعلوم الباطنية[14]. وقد خلَّف الدمنهوري -على وجه الخصوص- معلوماتٍ مفصَّلة عن دراساته، ويتضح منها أنَّه تلقى علم المنطق على يدي الكنكسي. وفيما يبدو، فإنَّ الكنكسي هو أهمُّ شيوخ الدمنهوري. ويورد الدمنهوري قائمةً طويلةً من الأعمال المهمَّة في علم المنطق، وعلم الكلام، والبيان والبلاغة، والنحو، والرياضيات، وعلم الحديث، وتفسير القرآن، درسها كلَّها على يدي شيخه المغربي. وأخذ الدمنهوري عن شيخه الكنكسي كذلك الطريقة الشاذلية وتلقن عنه وِرد شيخه الصوفي عبد الله الشريف اليِملحي (ت 1678م)[15]. ويشير أحد أول مصنفات الدمنهوري -الذي ألَّفه في سِن الرابعة عشرة، وهو منظومة في علم الكلام- إلى إقراره بفضلِ الكنكسي[16]. وقد تقلَّد الدمنهوري منصب شيخ الأزهر عام 1768م، وظلَّ يشغله عشر سنواتٍ حتى وفاته.

والظاهر أن العلماء المصريين في القرنَيْن السابع عشر والثامن عشر لم يتبعوا العادة التي درج عليها معاصروهم من العلماء الأتراك العثمانيين؛ إذ لم يعدّوا سلاسل بأنسابهم العلمية[17]. ولكن لأنهم كانوا يشيرون بانتظامٍ إلى أسماء أكثر مَن انتفعوا بهم من شيوخهم، فإنَّ إعداد النَّسَب العلمي لـ"الشهب الثلاث" شيوخ الزبيدي أمر سهل ومباشر، ويظهر على النحو التالي:

المناطقة المغاربة 1

كذلك كانت الكتب التي درسها المصريون على أيدي المغاربة في القرن السابع عشر كتبًا مغربية. لعل أكثر ما شاعت دراسته منها كتابان:

1- منظومة "السُّلَّم المرونق" وشرحها لعبد الرحمن الأخضري، وقد سبق ذكرها، مع حاشية العالم الجزائري سعيد قدورة (ت 1656م)[18].

2- "المختصر في المنطق" وشرحه لمحمد بن يوسف السنوسي الذي سبق ذكره، وهو متن أعلى في المستوى، مع حاشية حافلة للحسن اليوسي[19].

كما يُعرف شيوع تدريس كتابين آخرين أطول وأعلى في المستوى، درَّسهما العلماء المغاربة الوافدون في مصر وغرب الجزيرة العربية، على أن الظاهر أن تدريسهما كان لعددٍ قليلٍ من الطلبة ممَّن يبدي اعتناءً أكبر بدراسة المنطق:

3- "الجُمَل" لأفضل الدين الخونجي (ت 1248م) بشروح لعلماء من شمال إفريقيا، منهم محمد شريف التلمساني (ت 1370م)، وسعيد العقباني (ت 1408م)، وابن مرزوق الحفيد (ت 1439م)[20].

4- "المختصر" لابن عرفة التونسي (ت 1401م) بشرح السنوسي[21].

ولذلك لا نعجب من تصوُّر الزبيدي للدور المهم الذي قام به العلماء المغاربة لنشر الاهتمام بالمنطق في مصر قبل عصره بجيلَيْن. فقد كان بعض أبرز العلماء المصريين في الجيل السابق لجيل الزبيدي قد تلقوا العلم على أيدي علماء مغاربة من خلال دراسة كتبٍ مغربية.

ونتساءل عن الأسباب التي دعت إلى المكانة التي حظي بها العلماء المغاربة في تدريسهم علم المنطق في القاهرة. ويشير الزبيدي نفسُه إلى أنَّهم رسخوا دراسة هذا التخصُّص على نحوٍ لم يسبق له مثيل في مصر، ولدينا من الأسباب ما يدعونا لقبول هذا التقدير. فلا شكَّ أن دراسة المنطق كانت معتادةً منتظمةً في مصر حتى قبل قدوم تلامذة اليوسي إليها، وتُعرف ثلاثة متونٍ درج الطلاب المصريون على دراستها خلال القرن السابع عشر:

1- "إيساغوجي" الأبهري -وهو مدخل مختصر في المنطق- بشرح العالم المصري الجليل القاضي زكريا الأنصاري (ت 1519م)[22].

2- "الرسالة الشمسية" لنجم الدين الكاتبي (ت 1277م) بشرح قطب الدين الرازي (ت 1365م)، وهو متن أطول وأعلى في مستواه[23].

3- "تهذيب المنطق" للعالم التيموري سعد الدين التفتازاني (ت 1390م)، ويشمل المتن تقريبًا مباحث "الرسالة الشمسية". وعادة ما كان يُدرَّسُ في مصر بشرح عبيد الله الخبيصي، أحد علماء آسيا الوسطى (كان حيًّا 1540م)[24].

والمتن الأول (إيساغوجي) مساوٍ في طوله ومستواه لمتن السلم للأخضري، والمتنان الثاني (الرسالة الشمسية) والثالث (تهذيب المنطق) مساويان في الطول والمستوى لمختصر السنوسي. ولكن لا يبدو أنَّه كان يُدرَّس في مصر متنٌ في المنطق قبل منتصف القرن السابع عشر يمكن مقارنتُه بالمراجع الأكثر شمولًا والأعلى في المستوى التي درَّسها العلماء المغاربة، ومنها "الجُمَل" للخونجي و"المختصر" لابن عرفة. أمَّا في تركيا العثمانية وإيران الصفوية والقاجارية، فقد أفاد الطلاب المتقدمون من مرجعٍ يوازي ما سبق من مراجع في سَعة مداه وعنايته بالتفاصيل، ألا وهو "مطالع الأنوار" لسراج الدين الأرموي (ت 1283م) بشرح قطب الدين الرازي[25]. وقد وصف العالم المصري حسن العطَّار (ت 1835م)، الذي كان له دورٌ مهمٌّ في تعريف الطلاب المصريين بمصنفات المشارقة في الحكمة والمنطق، هذا المرجعَ بكلماتٍ توحي بأنَّه لم يتوقَّع معرفة قرَّائه به[26]. وحين انشغل علماء المنطق المصريون بمناقشة الموقف الشرعي من دراسة المنطق كانوا يميّزون دومًا بين المنطق الذي اختلط بالفلسفة، والمنطق الذي لم يختلط به، فأجازوا الصنف الثاني من المنطق الذي لم يختلط بالفلسفة. وفي هذه المسائل، كانوا يعدّون -في كثير من الأحيان- قائمةً بكتب للمنطق الصرف الخالي من الفلسفة، ومنها "إيساغوجي" الأبهري، و"السُّلم" للأخضري، و"الرسالة الشمسية" للكاتبي، و"التهذيب" للتفتازاني، و"المختصر" لابن عرفة، و"المختصر" للسنوسي، ولكنهم لم يُضمّنوا قوائمهم "المطالع" للأرموي[27]. ولا يمكن أن يكون تركهم ذكر "المطالع" للأرموي لوصمِه باختلاطه بالفلسفة -فمحتواه يقارب في مداه إلى حدٍّ ما "الجمل" للخونجي و"المختصر" لابن عرفة- بل السبب الراجح أنه لم يكن معروفًا للطلبة المصريين[28]. ولذا يمكن إجمال الصورة فيما يلي:

المناطقة المغاربة 2

ويُفهَم من الجدول السابق سببُ ذيوع صيت مُدرِّسي المنطق المغاربة بين الطلبة المصريين، لا سيما إذا انتبهنا إلى أن علم المنطق كان له مكانة خاصَّة، بل هيمن على جانبٍ كبيرٍ من الحياة العلمية لهؤلاء العلماء، أمثال الحسين اليوسي وتلميذيه ابن يعقوب والهشتوكي. فكان واحدًا من أكثر كتابَيْن ذاعت دراستهما من كتب اليوسي هو حاشيته الحافلة على شرح السنوسي على مختصره في المنطق، وأحد أطول رسائله كانت في مبحثٍ منطقيٍّ دقيق، وهو الفرق بين "الفصل" و"الخاصَّة"[29]. وتتناقل المصادر أنَّ اليوسي ألَّف شرحًا لم يكتمل على منظومة في المنطق لمحمد العربي الفاسي (ت 1642م)، ورسالة مختصرة في "النسبة الحُكمية" بين الموضوع والمحمول[30]. أمَّا ابن يعقوب فقد ألَّف أربعة مصنفاتٍ كبرى في المنطق: شرح متن "السُّلَّم" للأخضري، وشرح على "المختصر" للسنوسي في المنطق للطلاب المتوسطين، وشرح على "الجمل" للخونجي للطلبة المتقدمين، وله كذلك نَظْم في المنطق وشرحه[31]. ومن الصعوبة بمكان أن نحدِّد عالمًا مصريًّا سَبَق الملوي وألَّف مصنفاتٍ متقدِّمةً في المنطق على هذا النحو الذي نجده عند العلماء المغاربة، أو أن يوصَف بأنه متخصِّص في المنطق. وخلاصة القول أنَّ بين أيدينا من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد أنَّ علماء القرن السابع عشر المغاربة كانوا في حقيقة الأمر متعمِّقين في دراسة المنطق والتأليف فيه على مستوى عالٍ يفوق ما اعتاده العلماء المصريون في القرنَيْن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر.

ولم يقتصر العلماء المغاربة في مصر على تدريس المنطق بطبيعة الحال، فالكنكسي والورزازي كانا مُدرِّسين بارزين لمصنفات السنوسي في علم الكلام، وخصوصًا كتب العقيدة الثلاثة للسنوسي المعروفة بالصغرى والوسطى والكبرى[32]. وللسنوسي شروح على ثلاثتها، وكانت تُدَرَّس جميعها بانتظام في إفريقيا الإسلامية حتى العصر الحديث، وكتب عليها العلماء المغاربة المتأخرون العديد من الحواشي. وقد حظيت حواشي العالم المغربي عيسى السُّكتاني (ت 1652م) على شرح السنوسي على صغراه، وحاشية اليوسي الحافلة على شرح السنوسي على كبراه بمنزلة خاصَّة. ومن المعروف أنَّ الكنكسي والورزازي قد درَّسا هاتين الحاشيتَيْن لطلابهم المصريين[33].

أضف إلى ذلك كلِّه أنَّ الكنكسي كان معروفًا بتدريس علوم البلاغة، والنحو، والحساب، والتصوف -خلافًا للمتوقَّع من تعليقات الزبيدي التي أوردناها في القسم السابق- وكذلك بعض دواوين الحديث الشريف وشروحها المعتمدة. فقد كانت الكتب التي درَّسها للدمنهوري مثلًا[34]:

  • في النحو "قطر الندى" و"شذور الذهب" لابن هشام (ت 1360م)، و"تسهيل الفوائد" لابن مالك (ت 1274م) وألفيته بشرح ابن هشام.
  • في المنطق "إيساغوجي" الأبهري (ت 1265م) بشرح زكريا الأنصاري (ت 1519)، وشرح "السُّلم" للأخضري (ت 1546م)، و"شرح المختصر" للسنوسي (ت 1490م) بحاشية اليوسي (ت 1691م).
  • في المعاني والبيان "تلخيص المفتاح" لجمال الدين القزويني (ت 1338م) بشرحَيْه "المختصر" و"المطول" للتفتازاني (ت 1390م)، وحاشيتي الجرجاني (ت 1413م) وحسن جلبي الفناري (ت 1481م) على الشرح المطول.
  • في العروض "الكافي" لأحمد القنائي (ت 1454م)، و"القصيدة الخزرجية" لضياء الدين الخزرجي (ت 1228م).
  • في الحساب "الرسالة السخاوية" لعبد القادر السخاوي (كان حيًّا 1591م)، و"كشف الأسرار" لعلي القلصادي (ت 1486م)، و"مُنيَة الحساب" لابن غازي (ت 1513م)، و"تلخيص أعمال الحساب" و"رفع الحجاب" لابن البناء (ت 1321م).
  • في المواريث فرائض "مختصر" خليل بن إسحاق (ت 1365م) بشرح القلصادي، و"المنظومة التلمسانية" لإبراهيم التلمساني (ت 1291م) بشرح القلصادي.
  • في مصطلح الحديث "ألفية المصطلح" لزين الدين العراقي (ت 1404م)، ومقدمة شهاب الدين القسطلاني (ت 1517م) لشرحه على "صحيح البخاري".
  • في الحديث "صحيح البخاري" بشرح القسطلاني، و"صحيح مسلم"، و"الشمائل" للترمذي (ت 892م).
  • في أصول الفقه "جمع الجوامع" لتاج الدين السبكي (ت 1370م) بشرح جلال الدين المحلي (ت 1459م) وحاشية ابن أبي الشريف المقدسي (ت 1500م).
  • في علم الكلام "عقائد" السنوسي، وشرح السنوسي على "العقيدة الصغرى" بحاشية السكتاني (ت 1652م).
  • في التصوف "الحِكم" و"التنوير في إسقاط التدبير" لابن عطاء الله السكندري (ت 1309م)، و"الطبقات" لعبد الوهاب الشعراني (ت 1665م).
  • في تفسير القرآن تفسير البيضاوي (كان حيًّا 1284م).

ومما يلفت النظر غيابُ علمَي الوضع وآداب البحث من القائمة السابقة. ووفقًا لما أبدينا من ملاحظات في الفصول السابقة، فإنَّ الاهتمام بهذين العِلمين كان ضئيلًا في المغرب في تلك الآونة[35].

كما يلفت النظر غيابُ مصنفات الدواني (ت 1502م) وعصام الدين الإسفراييني (ت 1537م)، وقد كان لمصنفاتهما أثرٌ كبيرٌ في دراسة العلوم العقلية في تركيا العثمانية في الوقت نفسِه الذي كان الدمنهوري يتلقى العلم فيه على يدي الكنكسي. وواقع الأمر أنَّنا إذا استثنينا كتب علوم البلاغة والحديث والعروض والتفسير، فإنَّ المراجع المذكورة في القائمة السابقة لم تكن موضعَ درسٍ بين الطلاب الأتراك العثمانيين في ذلك العصر. ويُعَدُّ ذلك أمرًا متوقعًا في بعض الحالات: فتركيا العثمانية يسود فيها المذهب الحنفي في الفقه، ومن ثَمَّ فالاختيار سيقع على متونٍ أخرى في الفقه وأصوله، كما كانت أقربَ إلى العقيدة الماتريدية منها إلى أشعرية السنوسي الجَلدة، وكذلك فإنَّ التصوف على الطريقة الشاذلية كان أقلَّ انتشارًا في البلدان الناطقة بالتركية مقارنةً بالشمال الإفريقي. وفي حالات أخرى، نجد صعوبةً في تفسير الاختلافات على أساس اختلاف مذهب أصول الفقه والمذهب العقدي؛ فكما نبَّهنا من قبل لم تُدرَّس المتون المغربية في المنطق على نطاقٍ واسعٍ خارج الشمال الإفريقي. ويلفت النظر أن يغيب عن تلك القائمة كتاب "الكافية" لابن الحاجب (ت 1248م) بشرح الجامي (ت 1492م)، الذي كان كتابًا معتمدًا في النحو في تركيا العثمانية والهند المغولية، وتشير بعض القرائن إلى أنَّ العلماء المغاربة لم يجدوا فيه الكفاية في هذا العلم مقارنةً بمتونهم التي ألَّفوها[36]. أمَّا في الحساب فالعلماء المغاربة ينتمون إلى مدرسة مختلفة عن تلك التي سادت في المشرق الإسلامي، وهو أمرٌ لاحظه بالفعل العالم المصري ابن الأكفاني (ت 1348م)[37]. والظاهر أن معظم المتون في علم الحساب التي درَّسها الكنكسي لم تكن معروفةً لصاحب "كشف الظنون" كاتب جلبي[38].

ويشهد أيضًا على الأثر المغربي في زرع هذا الاهتمام الجديد بالمقولات مخطوطةٌ مصريةٌ لحاشية اليوسي على "المختصر" للسنوسي في علم المنطق، نُسخت في عام 1724م. وقد أضاف الناسخ في صفحة العنوان ملاحظةً قصيرةً تُرشد القارئ إلى موضع مبحث المقولات في الكتاب

كذلك يظهر أن اليوسي وتلاميذه كان لهم فضلٌ كبيرٌ في تزايد ملحوظ للاهتمام بالمقولات الأرسطية العشر في مصر في القرن الثامن عشر، وهي: (1) الجوهر، (2) الكم، (3) الكيف، (4) الإضافة، (5) الأين، (6) المتى، (7) الوضع، (8) المِلْك، (9) الفعل، (10) الانفعال. وكان الأرسطيون العرب المتقدمون في بغداد قد أوْلوا اهتمامًا كبيرًا بهذا المبحث، واتبعوا المدرسة اليونانية في الفلسفة في اعتبار المقولات الأرسطية قسمًا من كتب "الأورغانون" المنطقي لأرسطو[39]. ولكن ابن سينا (ت 1037م) رأى أنَّ المقولات لا تنتمي إلى المنطق، وقد كان لهذا الرأي صدًى واسع النطاق، ودعا علماء المنطق الذين خلفوا ابن سينا بعد القرن الثاني عشر الميلادي إلى الانصراف عن درسها[40]. ولكن هذا لا يعني أنَّ الاهتمام بالمقولات قد اندثر تمام الاندثار. فقد وردت مباحثُها في مصنفات علم الكلام، مثل: "طوالع الأنوار" للبيضاوي (كان حيًّا 1284م)، و"المواقف" للإيجي، و"المقاصد" للتفتازاني[41]. غير أنَّ معالجة المقولات في هذه المصنفات ظهرت منثورةً في الأقسام الأولى منها، التي يخصِّصها المؤلفون للمباحث التمهيدية الفلسفية. وقد عرض اليوسي للمقولات العشر بإيجازٍ في حاشيته على "المختصر" للسنوسي، وحاشيته على شرح السنوسي على كُبراه[42]. ولعل تلك المؤلفات شجَّعت عددًا من العلماء المصريين في القرن الثامن عشر على إفراد هذا المبحث بالتأليف. وفيما يبدو، فإنَّ أول المصنفات المصرية فيه هو "نيل السعادات في علم المقولات" لمحمد البُليدي (1683-1736م)؛ ولعل هذا الكتاب أولُ ما أُفرد بالتأليف بالعربية في المقولات خارج إيران منذ القرن الثاني عشر الميلادي. وينحدر البليدي من أسرة من الشمال الإفريقي من أصول أندلسية استقرَّت في مصر. وتُشتَقُّ النسبة في اسمه "البُلَيدي" -على الأرجح- من بلدة "بليدة" بالقرب من الجزائر العاصمة[43]، وبعض المصادر تضبطها بفتح الباء وكسر اللام "البَليدي". تلقى البليدي العلم على أيدي علماء في القاهرة، منهم الجيلان الأول والثاني من تلامذة الحسن اليوسي، وهم: الكنكسي، والهشتوكي، والورزازي؛ ولكن ما وصلنا من معلوماتٍ عن سيرته لا يكشف عن أسماء العلماء الذين عدَّهم الأهمَّ في فترة طلبه العلم. غير أنَّ كتابه في المقولات يشهد بما يدين به لمدرسة المناطقة المتكلمين المغاربة. فبالإضافة إلى اقتباسه المتكرر من مصنفات السنوسي ومُحشّيه المغاربة من بعده، نرى في كتابه العديد من الفقرات التي تُعَدُّ من قبيل إعادة صياغة لكلام اليوسي في مصنفاته من دون عزو؛ وقد نبَّه على ذلك مُحشّيه المتأخر حسن العطار[44]. ويشهد أيضًا على الأثر المغربي في زرع هذا الاهتمام الجديد بالمقولات مخطوطةٌ مصريةٌ لحاشية اليوسي على "المختصر" للسنوسي في علم المنطق، نُسخت في عام 1724م. وقد أضاف الناسخ في صفحة العنوان ملاحظةً قصيرةً تُرشد القارئ إلى موضع مبحث المقولات في الكتاب، مما يدلُّ دلالة واضحة على أنَّ هذا القسم من حاشية اليوسي له أهمية خاصة عند القرَّاء (انظر الشكل 4-1).

وقد ألَّف تلميذان من تلامذة البليدي -هما خليل المغربي (ت 1763م) وأحمد السجاعي (ت 1783م)- مصنفين آخرين في المقولات. أما المغربي فله شرح مختصر على بيتَيْن لا يُعرَف مؤلفهما يلخصان المقولات العشر، فرغ منه عام 1739م[45]. أما السجاعي فكتابه شرح أطول -إلى حدٍّ ما- على منظومة قصيرة له في المقولات، فرغ منه عام 1768م[46]. وقد ذاعت دراسة عملَي البليدي والسجاعي على نطاقٍ واسعٍ خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وطُبع كتاب السجاعي في القاهرة عام 1886م بحاشية حسن العطار[47]. ثم طُبع مع رسالة البليدي عام 1910م بحاشيتَي العطار عليهما[48]. والظاهر أن هذين الكتابَيْن في المقولات كانا الكتابَيْن الأساسيَّيْن في دراسة الحكمة (الفلسفة) في مصر في القرنَيْن التاسع عشر والعشرين. وتكرَّر إلحاق منظومة السجاعي بدون شرحه ضمن متون علم الحكمة في مجاميع المتون التي طُبعت في القاهرة في هذين القرنَيْن لاستخدام طلاب الأزهر[49].

مخطوطة المناطقة المغاربة
(الشكل 4-1): صفحة العنوان لمخطوطة مصرية يعود تاريخها إلى عام 1137هـ/1724م، لحاشية الحسن اليوسي على مختصر السنوسي في المنطق. وأضيف إليها لاحقًا إشارة إلى حيث يجد القارئ مبحث المقولات الأرسطية العشر. (الحسن اليوسي، نفائس الدرر في حواشي المختصر، صفحة العنوان. المخطوطات الإسلامية، غاريت H485. قسم المخطوطات، قسم الكتب النادرة والمخطوطات، مكتبة جامعة برنستون. منشورة هنا بتصريح).

ولكتابَي البليدي والسجاعي نُسَخٌ خطيَّة في مكتبات سوريا، مما يشير إلى أنَّهما جذبا اهتمامًا تخطى حدود مصر[50]. غير أنَّه ليس ثَمَّ ما يشير إلى أنَّهما كانا موضعَ دراسة في الأنحاء الناطقة بالتركية أو الكردية في الدولة العثمانية. وفي المقابل، يبدو أنَّ "هداية الحكمة" للأبهري بشرح قاضي مير الميبذي (ت 1504م)، الذي كان المتن العمدة في "الحكمة" في المدارس التركية العثمانية، لم يكن ضمن المقررات المنتظمة في مصر[51]. فلا نجد حواشيَ مصريةً على هذا الكتاب (بالمقارنة بالعدد الكبير من الحواشي التي ألَّفها العلماء الأتراك العثمانيون الذين سلف ذكرهم في الفصل الأول)، كما لم تصدر طبعاتٌ في القاهرة لهذا الكتاب في القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين.

الهوامش

[1] للمزيد عن الزبيدي، انظر:

S. Reichmuth, The World of Murtaḍā al-Zabīdī (1732-1791): Life, Networks,

and Writings (Cambridge: Gibb Memorial Trust, 2009).

[2] الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، (القاهرة: المطبعة الميمنية، 1311هـ/1894م)، ج1، ص175-184.

[3] الزبيدي، إتحاف السادة المتقين، ج1، ص179.

[4] المرجع السابق، ص179-180.

[5] الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: عبد الستار فراج وآخرون، (الكويت: مطبعة حكومة الكويت، 1965-2001م)، ج15، ص371؛ ج16، ص455-456.

[6] للاستزادة عنه، انظر: محمد مرتضى الزبيدي، المعجم المختص، تحقيق: اليعقوبي والعجمي، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، 2006م)، ص80-83. وقد تابع عبد الرحمن الجبرتي ما قاله الزبيدي، انظر: عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، (بولاق، د.ن، 1297هـ/1880م)، ج1، ص286-287.

[7] للاستزادة عن الأعمال من (1) إلى (3)، انظر: فؤاد سيد، دار الكتب المصرية: فهرس المخطوطات التي اقتنتها الدار من سنة 1936 إلى 1955م، (القاهرة: 1961م)، 1: 43، 1: 84، 3: 122.

 ويرد العمل (5) في: زيدان وزهران، فهرس مخطوطات بلدية الإسكندرية: المنطق، (الإسكندرية: 2001م)، رقم 193. ويرد ذكر العملين (6) و(7) في: فهرس الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة الخديوية المصرية، (القاهرة: مطبعة عثمان عبد الرزاق، 1305-1311هـ/1888-1893م)، ص59، 87. كما يرد ذكر العمل (8) في:

 E. Fagnon, Catalogue Generale des Manuscrits des Bibliotheque Publiques d’Alger (Paris: Biblioth`eque Nationale, 1893), nr. 1411.

 وتوجد مخطوطة للشرح الكبير على "السُّلَّم" في المكتبة الوطنية بباريس، انظر:

 M. Le Baron de Slane, Catalogue des Manuscrits Arabes (Paris, 1883-1895), nr. 2403.

[8] انظر:

 “Aḥmad al-Mallawī (d. 1767): The Immediate Implications of Hypothetical Propositions,” in K. El-Rouayheb and S. Schmidtke (eds.), Oxford Handbook of Islamic Philosophy (Oxford: Oxford University Press, forthcoming).

[9] أحمد الملوي، ثبت، (مخطوط: مكتبة جامعة برنستون: يهودا 3786، الأوراق 1-29). انظر أيضًا الإشارات إلى عبد الله الكنكسي في مقدمات أحمد الملوي لكتابيه شرح السلم، مطبوع في هامش: محمد بن علي الصبان، حاشية على شرح السلم للملوي، (القاهرة: المطبعة الأزهرية، 1319هـ/1901م)، ص34 (هامش)؛ أحمد الملوي، شرح السمرقندية، مطبوع على هامش: محمد الخضري، حاشية على شرح السمرقندية للملوي، (بولاق: دار الطباعة العامرة، 1287هـ/1870م)، ص15 (هامش).

[10] عن الهشتوكي، انظر: محمد الحضيكي، طبقات، تحقيق: أحمد بومزكو، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2006م)، ج1، ص89-90؛ عباس السملالي المراكشي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، (الرباط: المطبعة الملكية، 1974م)، ج2، ص352-53. وتشير نسبة الهشتوكي إلى منطقة جنوب إقليم تارودانت جنوب المغرب، وتُدعى حاليًّا اشتوكه أيت باها. ولم أجد مداخل لسيرة الكنكسي، ولكن يتكرَّر ظهور اسمه في سلاسل الأسانيد الواردة عند: عبد الحي الكتاني، فهرس الفهارس، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1982م)، ص213، 749، 932. ويظهر منها أنه كان من أكبر مريدي عبد الله الشريف اليملحي الشاذلي (ت 1678م) أثرًا. ويختلف ضبط اسم الكنكسي في المخطوطات بشدَّة؛ وقد تبعت ضبط الزبيدي في: تاج العروس، ج16، ص455-456. وقد ذكر الزبيدي أن اسمه محمد بن عبد الله، لكنه في غيره من المصادر عبد الله بن محمد.

[11] عن الجوهري، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص309-310.

[12] الملوي، ثبت، الورقة 27أ. وعن الورزازي، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص74؛ السملالي المراكشي، الإعلام، ج6، ص33-34.

[13] الحضيكي، طبقات، ج1، ص115-116.

[14] عن الدمنهوري، انظر: الزبيدي، المعجم، ص83-90؛ الجبرتي، عجائب الآثار، ج2، ص25-27؛

 J. H. Murphy, “Aḥmad al-Damanhūrī (1689-1778) and the Utility of Expertise in Early Modern Egypt,” Osiris 25(2010): 85-103.

[15] الدمنهوري، اللطائف النورية في المنح الدمنهورية، (مخطوط: مكتبة جامعة برنستون: غاريت H797)، الورقة 6ب.

[16] الدمنهوري، القول المفيد في شرح درة التوحيد، (مخطوط: (MS: Berlin Staatsbibliothek:Wetzstein 1734، الورقة 30أ.

[17] كان المصريون يوردون بالطبع سلاسل أسانيدهم إلى مصنفاتٍ بعينِها، أو أسانيدهم في الطرق الصوفية التي أُجيزوا بها. لكن ما يبدو غيابه هو عادة ذكر سندٍ عامٍّ في صورة: أخذت العلم (أو المعقولات) عن (س)، وهو أخذها عن (ص)، وهو أخذها عن (ع)، وهلمَّ جرًّا.

[18] درَّس الكنكسي هذا العمل للدمنهوري، انظر لاحقًا.

[19] درَّس الكنكسي هذا العمل للدمنهوري، انظر لاحقًا. كما درَّسه الورزازي للجوهري، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص310.

[20] درَّس العالم المغربي عيسى الثعالبي (ت 1669م) هذا الكتاب في الحجاز لأحمد بن باقشير (ت 1664م)، انظر: العياشي، رحلة، ج2، ص302. كما درَّسه العالم المغربي يحيى الشاوي (ت 1685م) في الأزهر، انظر: المحبي، خلاصة الأثر، ج4، ص487 (س2).

[21] تكررت إشارة الملوي إلى هذا المتن في مصنفاته التي ألَّفها في السنوات الأخيرة من العقد الثاني من عمره في وقتٍ نفترض فيه أنه كان وقت تتلمذه على الكنكسي. للمزيد من التفاصيل والمراجع، انظر:

El-Rouayheb, “Aḥmad al-Mallawī (d.1767).

[22]  ألَّف العالمان المصريان أحمد الغنيمي (ت 1634م) وأحمد القليوبي (ت 1659م) حاشيتَيْن على هذا الشرح، انظر: المحبي، خلاصة الأثر، ج1، ص314 (س16)؛ ج1، ص175 (س22). وطُبع في القاهرة بحاشية يوسف الحفني (ت 1764م) عام 1302هـ/1884-1885م في المطبعة العامرة الشرفية.

[23] درَّسه العالمان المصريان صالح البلقيني (ت 1606م) وعلي الأجهوري (ت 1656م)، انظر: المحبي، خلاصة الأثر، ج2، ص237 (س18)؛ ج3، ص176 (س3-4). وطُبع في القاهرة عام 1311هـ/1894م (المطبعة الأزهرية)، وعام 1323هـ/1905م (المطبعة الأميرية)، وعام 1948م (مصطفى البابي الحلبي).

[24] حشَّى عليه العالم الأزهري ياسين العُليمي (ت 1651م)، انظر: المحبي، خلاصة الأثر، ج4، ص492 (س2). ولمخطوطات هذه الحاشية، انظر: Mach nr. 3253. وطُبع شرح الخبيصي في القاهرة عام 1296هـ/1879م (بولاق)، وعام 1327هـ/1909م (المطبعة الأزهرية)، وعام 1328هـ/1910م (مطبعة كردستان العلمية)، وعام 1936م (مصطفى البابي الحلبي).

[25] وضع علماء العجم [الفرس] حواشيَ على هذا الشرح، ومنهم ميرزا جان الباغنوي (ت 1586م) والملا ميرزا الشرواني (ت 1687م)، انظر: Mach, nrs. 3228, 3232 and Ormsby, nr. 580. وطُبع في إيران بالحجر عام 1274هـ/1857م وعام 1315هـ/1897م. وفي تركيا العثمانية ورد ذكر الكتاب ضمن المتون المتقدمة في منظومة "الكواكب السبعة"، وهي قصيدة نُظمت في ثلاثينيات القرن الثامن عشر في ذكر الكتب المعتمد تدريسها في المدارس العثمانية، انظر: Ö. Özelyımiz, Osmanlı Medreselerinin Eǧetim Programları. وطُبعت في إسطنبول عام 1277هـ/1861م (المطبعة العامرة)، وعام 1303هـ/1885م (مطبعة الحاج محرم البوسنوي).

[26] حسن العطار، حواشي العطار على مقولات البليدي والسجاعي، (القاهرة: المطبعة الخيرية، 1328هـ/1910-1911م)، ص46 (الجدول السفلي). وقد أتى في أحد مواضع المتن المُحشَّى عليه ذكر كتاب "الطوالع"، فبيَّن العطار أنه متنٌ للبيضاوي في علم الحكمة وعلم الكلام. ونبَّه على ألا يُخلط بينه وبين كتاب "المطالع"، وأنه كتاب في المنطق للأرموي أطولُ من "الشمسية" وعليه شرح لقطب الدين الرازي وحواشٍ للسيد الشريف الجرجاني.

[27] انظر قوائم مؤلفات علم المنطق الواردة في: الملوي، شرح السلم، ص36-37 (هامش)؛ أحمد الدمنهوري، إيضاح المبهم من معاني السلم، (القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1948م)؛ محمد عليش، حاشية على شرح إيساغوجي، (القاهرة: مطبعة النيل، 1329هـ/1911م)، ص19.

[28] أوردت حاشية عليش -المذكورة في الهامش السابق- كتاب "المطالع" من ضمن الكتب التي تخلط الحكمة بالمنطق، إلى جانب "الشفاء" لابن سينا، و"الطوالع" للبيضاوي، و"المواقف" للإيجي، و"المقاصد" للتفتازاني". وعلى الرغم من ورود ذكر الكتاب، فإن ذلك يؤكِّد على التحقيق أن كتاب الأرموي لم يكن متداولًا بالدراسة في مصر. فكتاب "المطالع" للأرموي يبدأ بقسم في المنطق، ثم يتبعه قسم في الحكمة (انظر: كاتب جلبي، كشف الظنون، ج2، ص1715). ولعل ذلك هو سبب ذكر عليش له ضمن الكتب التي تخلط المنطق بالفلسفة. لكن القسم الثاني من الكتاب في الفلسفة لم يكد يُدرس، وشرحاه المشهوران لشمس الدين الأصفهاني (ت 1348م) وقطب الدين الرازي لم يتناولا إلَّا قسم المنطق فقط منه. فالظاهر أن محمد عليش لم يكن يعرف ذلك. وكان الأرموي مرافقًا أصغر سنًّا للخونجي، وقسم المنطق من "المطالع" في أساسه ملخَّص من كتاب الخونجي الكبير "كشف الأسرار". ولا سبب للاعتقاد بأن قسم المنطق في "المطالع" زاد في تفاصيله الفلسفية عن "الجمل" للخونجي بأي حال.

[29] محمد المغربي الخطاب، فهارس الخزانة الحسنية بالقصر الملكي بالرباط، (الرباط، د.ن، 1985م)، ج4، رقم 1314. من المخطوطات المذكورة لرسالة اليوسي "القول الفصل في تمييز الخاصة عن الفصل" مخطوطتان: واحدة في خمسين ورقةً، والأخرى في ست وخمسين ورقةً، وهذا أطول من حجم المقدمات التمهيدية المعروفة في علم المنطق كاملًا، ولعله أوسع ما أفرد به هذا المبحث بالتصنيف في التراث العربي.

[30] محمد حجي، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1988م)، ص110.

[31] محمد الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، تحقيق: حجي وتوفيق، (الرباط: مكتبة الطالب، 1977-1986م)، ج3، ص229-233.

[32] C. Brockelmann, GAL, II, 323-326, Suppl. II, 352-356.

[33] درَّس الكنكسي "حاشية السكتاني" للدمنهوري (انظر المرجع في الهامش التالي)، ودرَّس الورزازي "حاشية اليوسي" للجوهري (انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص310).

[34] الدمنهوري، اللطائف النورية في المنح الدمنهورية، الورقة، 5ب-6ب.

[35] لا يرد ذكر العِلمين في موسوعة اليوسي للعلوم "القانون"؛ انظر: اليوسي، القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم.

[36] للاطلاع على ما يفيد أهمية كتاب الجامي "شرح الكافية"، انظر: عبد الحي الحسني، الثقافة الإسلامية في الهند، ص16؛

 Ö. Özyılmaz, Osmanlı Medreselerinin Eǧetim Programları, 25, 35, 40.

وقد لاحظ العياشي أنَّ أحد العلماء المسلمين بالهند -كان قد درس معه في المدينة- لم يكن متقنًا للنحو العربي. ورأى أن سبب ذلك أنه لم يدرس أيَّ كتاب أطول من "الكافية". انظر: العياشي، رحلة، ج1، ص535.

[37] ابن الأكفاني، إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد، تحقيق: ج.ج. ويتكم (J. J. Witkam) (Leiden: Ter Lugt Pers, 1989)، ص61 (1. 802). وقد تبع ابنَ الأكفاني طاشكبري زاده في: مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، ج1، ص390.

[38] لا يظهر من الكتب المذكورة في "كشف الظنون" لكاتب جلبي إلا تلخيص ابن البناء.

[39] انظر:

the Long Commentary on the Categories by Abū l-Faraj b. al- Ṭayyib (d. 1043) edited by C. Ferrari, Der Kategorienkommentar von Abū l-Faraǧ ʿAbdullāh ibn a- ayyib: Text und Untersuchungen (Leiden, the Netherlands: Brill, 2006).

وانظر أيضًا:

the Short Commentary of Fārābī (d. 950), edited and translated by D.M. Dunlop, “Fārābī’s Paraphrase of the Categories of Aristotle,” Islamic Quarterly 4(1957): 168-197 and 5(1959): 21-54.

[40] للمزيد عن رأي ابن سينا في عدم انتماء المقولات للمنطق، انظر:

A. I. Sabra, “Avicenna on the Subject Matter of Logic,” Journal of Philosophy 77(1980): 746-764, at 764.

 وتخلو المتون المدرسية المعتمدة في المنطق التي كُتبت في القرنَيْن الثالث عشر والرابع عشر من هذا الموضوع.

[41] انظر فهرست الترجمة الإنجليزية لكتاب "الطوالع" للبيضاوي بشرح شمس الدين الأصفهاني (ت 1348):

 E. E. Calverley and J.W. Pollock (transl.), Nature, Man and God in Medieval Islam (Leiden, the Netherlands: Brill, 2002).

[42] اليوسي، نفائس الدرر في حواشي المختصر، (مخطوط: المكتبة الوطنية الفرنسية، عربي 2400)، الورقة 141أ-142ب؛ اليوسي، حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي، تحقيق: حميد حماني، (الدار البيضاء: دار الفرقان، 2008م)، ص333-336.

[43] للمزيد عن البليدي، انظر: الزبيدي، معجم، ص800؛ الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص259؛ المرادي، سلك الدرر، ج4، ص110-111. وقد ذكر المرادي أنه وُلِدَ عام 1096هـ/1684-1685م، لكن الزبيدي ذكر أن البليدي أخبره بنفسه أنه وُلِدَ عام 1094هـ/1683م. ولضبط نطق "البليدي"، انظر: العطار، حواشي العطار، ص11 (الجدول العلوي).

[44] العطار، حواشي العطار، ص75، 121، 125، 166. ويشير العطار إلى ما رآه نقيصةً تمثَّلت في اعتماد البليدي على كتبٍ أقرب لمستوى المبتدئين، مثل شرح السنوسي على صغراه وما عليه من حواشٍ، وترك المصنفات الفلسفية التي كتبها علماء العجم (ص180).

[45] للمزيد عن خليل المغربي، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص262. كما درس على يدي أحمد الملوي، الذي ورد ذكره في القسم السابق ضمن أبرز العلماء المصريين الذين درسوا على يدي الكنكسي والهشتوكي، وكلاهما من تلامذة اليوسي.

[46] للمزيد عن أحمد السجاعي، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج2، ص75-77 (ولضبط نطق اسمه، انظر: الزبيدي، تاج العروس، ج21، ص182). وقد أكَّد الجبرتي -كعادته- تتلمذ السجاعي على يدي أبيه حسن الجبرتي (ت 1774م)، ولكن حاشية العطار تكشف عن اعتماد السجاعي على شيخه البليدي؛ انظر: العطار، حواشي العطار، ص98-99.

[47] بولاق: المطبعة العامرة الشرفية، 1303هـ/1886م، 55 صفحة.

[48] القاهرة: المطبعة الخيرية، 1910م، 310 صفحات.

 [49] انظر: مجموع من مهمات المتون المستعملة من غالب خواص الفنون، (القاهرة: المطبعة الخيرية، 1306هـ/1888-1889م)، ص286؛ مجموع المتون الكبير، (القاهرة: المطبعة العثمانية المصرية، 1347هـ/1928م)، ص463-464. والنَّظْم مذكور بلا نسبة لمؤلف في المجموعَيْن.

[50] انظر: عبد الحميد حسن، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية: الفلسفة، المنطق، آداب البحث، (دمشق: مجمع اللغة العربية، 1970م)، ص169-172.

[51] لا شكَّ أن حسن الجبرتي، أبا المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، قد نُقِل عنه أنَّه قد درَّس "هداية الحكمة" للأبهري لطلابه، ومنهم على سبيل المثال: محمد بن إسماعيل النفراوي (ت 1771م)، وأحمد السجاعي، وأبو الحسن القلعي (ت 1785م)، ومحمد بن علي الصبان (ت 1792م)؛ انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص268 (س11)؛ ج2، ص75 (س8-9)؛ ج2، ص227 (س31)؛ ج2، ص99 (س9). وكان الجبرتي قد درسه على عالم هندي مسلم استقرَّ في القاهرة لفترة (انظر: الجبرتي، عجائب الآثار، ج1، ص393 [س2-3]). ولكن ذلك لا يكفي للبرهنة على انتشار دراسة هذا الكتاب في القرنَيْن التاسع عشر والعشرين. وعدم ذكر شرح قاضي مير في هذا السياق له دلالته. وقد درس الصبان متن "الهداية" بشرح الشريف الجرجاني الأسهل والأقصر. وقد ورد أن النفراوي والسجاعي قد درسا الكتاب بشرح "قاضي زاده". ولعل هذا تحريف لقاضي مير، ولكن قد يكون كذلك إشارة إلى شرح ملا زاده الخرزياني أو شرح قاضي زاده الرومي، وهما عالمان عاشا في القرن الرابع عشر وأول الخامس عشر، واشتهرا بتدريس شروح كتاب الأبهري (لمخطوطات لشروحهما، انظر: Mach, Catalogue, nrs. 3046 and 3158)، ومما يثير الدهشة غياب حواشٍ مصرية على شرح قاضي مير، وكذلك غياب طبعات قاهرية قديمة له.