قراءة في كتاب "في تاريخ النظام القانوني الإسلامي"

قراءة في كتاب في تاريخ النظام القانوني الإسلامي

مقدمة

يُعَدُّ الفقه الإسلامي من التشريعات ذات الأصول الدينية وفق دراسات علماء تاريخ النُّظُم؛ حيث تنقسم الشرائع في أدبياتهم إلى:

أ- قوانين لم تطور نُظُمها القانونية بعد أن اكتملت صورتها الخارجية بتسجيلها في كتاب رسمي محدود أو بتركيزها في تقاليد ثابتة مثل الهند.

ب- شرائع استطاعت أن تطور نفسها بوسائل مختلفة لا يمكن حصرها في حدود عامة؛ نظرًا لتنوع الظروف الاجتماعية والروافد التي يتكئ عليها كل مجتمع في التطور.

ثم قسموا وسائل التطوير إلى وسائل خارجية، ووسائل كامنة داخل التشريع ذاته، وقد عدوا من هذه الشرائع التي تطورت من خلال مقوماتها الداخلية الشريعة الإسلامية[1]، بل اعتبروها حالة شاذة مختلفة تبعث على الاستغراب؛ ذلك لأنهم عندما حاولوا البحث عن سِر جمود الشرائع التي لم تتطور توصلوا إلى أن هذه النُّظُم اعتمدت على الأصول الدينية[2]، فأكسبت الأذهان قوةً والنفوس ثباتًا حال -في الغالب- بين هذه الشعوب وبين تطوير شرائعها وفقًا لتغيرات المجتمع.

لكن الشريعة -بناء على هذه الدراسات- خالفت ذلك لما حملته من مقومات التطور، وهي تُعَدُّ ثالث الشرائع التي أخذت بسبيل التطور والاتساع، واتخذت مكانها في هذا السبيل بجانب الشريعتين: اللاتينية والأنجلو-سكسونية، وإن اختلفت عنهما في عهد التكوين بصدورها عن مصدر سماوي لا عن أصول وضعية، وهذا هو ملمح المفارقة والداعي للعجب: أن تتطور وأنت مقيد بنصوص[3]!

وينقل لنا الدكتور صوفي أبو طالب -من رواد الدراسات التاريخية- أبحاث علماء تاريخ القوانين حول إثبات قدرة الشريعة على التطور، فهي تسجل لنا -في نواحٍ عديدة لا يسمح المقام بسردها كاملة- اختلاف وسائل التطور في الشريعة الإسلامية عن غيرها، وإذا أردنا أن نضع قاعدة عامة دون أن نفصل: فقد اعتمدت الشرائع -بشكل عام- في التطوير على: الاحتيال على النصوص[4]، ومبادئ العقل والعدالة الطبيعية[5]، والقرارات التي أصدرتها السلطات التشريعية[6].

كتب مبادئ القوانين تجعل الدين من المصادر الرسمية والأولى التي يجب الرجوع إليها، ويُعَدُّ تنحية الدين الذي أتى بهذه الأحكام خطأ منهجيًّا جسيمًا يقع فيه صنَّاع القوانين، ولا شكَّ أن الفقه الإسلامي ينطبق عليه هذا الوصف الأخير

وتختلف الشريعة الإسلامية في ذلك مثلًا بأنها لم تعتمد على الحيل منهجًا عامًّا، بل يرى بعض الباحثين خلوها من الحيل تمامًا، وإنما يرجع علماء التاريخ تطورها إلى بساطة إجراءاتها، وإلى استمداد أحكامها من أصول وقواعد كلية واردة في القرآن والسُّنة، تاركة المسائل التفصيلية إلى اجتهاد الفقهاء والقضاء.

أما مبادئ العقل والعدالة، فقد اتفقت فيه كل الشرائع بوصفها وسيلة للتطور، لكن اختلفوا في فلسفتها، فمصدر العدالة عند الرومان قانون الشعوب، ومصدرها عند اليونان قانون الطبيعة، ومصدرها عند الإنجليز ضمير الملك! لكن مصدرها في الإسلام العقل وحكمة التشريع المستمدَّة من روح النص، ومن تطور الحياة نفسها، وهو ما جمعه علماء الأصول تحت اسم الرأي، ثم الرأي تتسع روافده في الشريعة الإسلامية عن النُّظُم الأخرى، فهو يعود للقياس والعرف والمصالح، وهكذا... وتتميز أيضًا مبادئ العدالة في الشريعة عن غيرها بأنها لم تنشأ منفصلة عن الأحكام الشرعية كما حدث عند الرومان والإنجليز قبل أن تمتزج بقواعد القانون أو تنتصر عليه في آخر الأمر، وإنما بدأت عهدها الأول مندمجةً في أصول الشريعة وأحكامها بصفتها جزءًا منها غير مستقل بذاته[7].

أما السلطات التشريعية فالشريعة الإسلامية أعطتها الحقَّ منوطًا بالمصلحة، لكنها لم تعتبرها مصدر التشريع بقدر ما هي مزيلة للخلاف، فهي والرعية خاضعان للمصدر السماوي؛ حمايةً للمجتمعات من الديكتاتورية[8].

فإذا ما تركنا موقف علماء تاريخ القانون إلى موقف علماء أصول القانون، سنجد أنهم يقررون أن الأديان وأحكامها منها ما أتت بأمور تتعلق بالعقيدة، وهي الأمور التي يجب أن يعتقد بها المرء تجاه ربه، وهناك أديان أتت بأحكام تتعلق بالآداب والأخلاق والفضائل، وأما النوع الثالث والأخير فهي الأديان التي أتت بأحكام تتعلق بأفعال الأفراد وتنظيم روابطهم بعضهم ببعض.

ويبدو لنا من هذا التقسيم أن الدين أوسع نطاقًا من القانون؛ لأنه ينظر إلى تنظيم العلاقة بين العبد وربه، وبين الإنسان والمجتمع، ومن ثَم فإن القانون جزء من الدين، أو بعبارة أخرى يشترك مع الدين في الأحكام التي تتعلق بتنظيم علاقة الإنسان بينه وبين الآخرين[9].

وبناء على ذلك، فإن دراسات أصول القانون تخبرنا بأن أيَّ دينٍ أتى بأحكام وقواعد من هذا النوع الثالث فلا بدَّ من الاستعانة به في بناء القوانين، بل إن كتب مبادئ القوانين تجعل الدين من المصادر الرسمية والأولى التي يجب الرجوع إليها، ويُعَدُّ تنحية الدين الذي أتى بهذه الأحكام خطأ منهجيًّا جسيمًا يقع فيه صنَّاع القوانين، ولا شكَّ أن الفقه الإسلامي ينطبق عليه هذا الوصف الأخير، يقول السنهوري: "قد تنقلب بعض القواعد الدينية إلى قواعد قانونية إذا اقترن بها جزاء دنيوي وأخذت الدولة الناس بتنفيذها"[10].

فإذا ما انتهينا لنظرة علماء أصول القانون للفقه، وتطرقنا إلى علماء القانون المقارن، سنجد أنهم ينعون على الدراسات المقارنة في مجال الأديان تجاهلها وانتقاصها من الارتباط بين الأنماط المتنوعة للمعتقد الديني والأنماط المتنوعة للقانون، فبمجرد أن يبحث المرء في فهارس الأعمال الرائدة في القانون المقارن عن كلمة دين فسيجد مداخل قليلة، وكذا سيُحبَط من يبحث في فهارس الأعمال الرائدة في الأديان المقارنة عن كلمة قانون.

لقد أخفقت الدراسات المقارنة في بدايتها -من وجهة نظر المقارنين الأكثر عمقًا- في الكشف عن تأثير الإسلام في نُظُم قوانين الشرق، وعن تأثيرات المسيحية في قوانين الغرب، وتأثير الديانة الهندوسية في القارة الهندية وما جاورها[11].

لكن هذا الخطأ العلمي لم يستمر كثيرًا، فمع بدايات العقد الأول من القرن الحادي عشر بدأ العلم القانوني والعلم الديني في إيجاد صلات متبادلة بينهما، وقد بدأت العديد من الكتابات في الظهور، التي وصلت إلى دراسة النظريات والممارسة القانونية والدينية في كلٍّ من الثقافات الغربية وغير الغربية، ومن أمثلة هذه النماذج:

- كتاب ويرنر منكسي (Werner MenskI) بعنوان "القانون المقارن في السياق العالمي" (2000م)، وقد تضمن هذا الكتاب فصولًا وافية عن القانون الإسلامي والهندي، وتضمَّن نقدًا جيدًا عن فشل القانون في إيجاد نظرة قانونية عالمية حقيقية تستوعب التفاعل بين القانون والدين.

- كتاب بتريك غلين (Patrick Gleen) بعنوان "التقاليد القانونية في العالم"، وهو قائم على مقارنة منحصرة ما بين تقاليد القانون المدني والقانون المبني على السوابق القضائية، ثم عقد ترابطًا بين القيم الدينية الإسلامية والتلمودية والهندية وبين المناهج القانونية، بحيث تصبح العلاقة قائمة على التأثير والتأثر.

- كتاب هكسلي (Huxley) بعنوان "الدين والقانون والتقليد" وهو دراسة مقارنة في القانون الديني، ويتضمن فصولًا عن القانون الكنسي والقانون الإسلامي واليهودي ليؤكد تفاعل المفاهيم الدينية والقانونية من خلال إلقاء نظرة عميقة ومكثفة على الأبعاد الدينية للقانون في الثقافات المتنوعة[12].

كتب قراءة في كتاب في تاريخ النظام القانوني الإسلامي
Andrew Huxley - Religion, Law and Tradition: Comparative Studies in Religious Law
                           Patrick Glenn - Legal Traditions of the World
                    Werner MenskI - Comparative Law in a Global Context

فإذا أثبتنا -بناء على ما سبق- أن الفقه الإسلامي يحتوي على قواعد مدنية لإدارة المجتمعات، فقد أثبتنا أنه نظام قانوني، وهو أمر يدعونا إلى دراسة هذا النظام؛ لنتعرف على تاريخ تكوينه ونشأته، والظروف التي شكَّلت بنيته، وفلسفته في إقامة نظرياته.

 

ويأتي كتاب الأستاذ الدكتور محمد أحمد سراج بعنوان "في تاريخ النظام القانوني الإسلامي" ليعرفنا على كل هذه الجوانب، ولعل أول ما يلفت نظرنا هو العنوان، فهو لا يؤرخ للإسلام، ولكن يؤرخ للنظام القانوني لهذه الشريعة، واستطاع الكاتب -في حوالي 800 صفحة- أن يأخذنا في رحلة تاريخية علمية منذ بداية نشأته إلى أن تحوَّل إلى مواد قانونية مُحكَمة في التشريعات العربية، وما تأثرت بها من نُظُم قانونية.

فإن التعريف الحقيقي لعلم تاريخ التشريع الإسلامي ليس هو الحديث عن الذكريات والأمجاد، وإنما هو علم يقوم في المقام الأول على متابعة تطور التفكير الفقهي في العصور المختلفة لمعرفة القواعد التي حكمت هذا التطور في الماضي، وكيف ستحافظ على أدائه في الحاضر والمستقبل، وهو يقوم على الآتي:

أ- فهم الاجتهادات الفقهية السابقة.

ب- استخلاص قواعد التطور التي حكمت التفكير الفقهي.

ج- تحديد أساليب ومناهج التعامل مع المشكلات التشريعية الراهنة.

د- الربط بين هذه الاجتهادات وبين الواقع التشريعي في وضعه الراهن.

ويمكن أن يوصف هذا الكتاب -من وجهة نظري- بأنه آخر مراحل التطور في كتابة تاريخ النظام القانوني؛ لما فيه من عمق في التناول، وتصحيح للمفاهيم، ونَفَس طويل لمتابعة سير حركة الفقه الإسلامي حتى قُبيل اللحظة التي سطرت يد المؤلف الكلمة الأخيرة في دراسته. والحاجة ماسة لهذا الكتاب لتصحيح تصورات جادة عن الفقه الإسلامي، أخذت من الكتابات العربية المتحيزة للفقه قبل الكتابات الاستشراقية والحداثية. والآن يمكن الانتقال إلى تناول أهمية الكتاب وهدفه في نقاط محددة.

الهدف الإجمالي للكتاب وأهميته

1- يجاول هذا الكتاب تصحيح منهج كثيرٍ من الكتابات التاريخية التي تعاملت مع الفقه الإسلامي، ومن ذلك أنه بدأ قويًّا ثم ضعف فهزل، ثم حاول أن ينهض من جديد، وقد أثبت الكاتب بالوقائع أن الفقه الإسلامي كان فتيًّا في كل مراحله، فالكتاب يُقدِّم نقدًا موضوعيًّا للدراسات التاريخية التي تناولت هذا الموضوع قبله، ومن ذلك:

  • أنها اهتمَّت بالقرون الخمسة الأولى، مما يعني أن الفقه منذ القرن الخامس الهجري حتى الآن كان عقيمًا، وهذا ظلم لجهود قامت ولا تزال، بالإضافة إلى تقطيع أواصل التاريخ وعدم جعلها حلقةً متصلةً كل منها يمهد لما يليه من تصورات وبنى فكرية.
  • كثيرًا ما كانت هذه الكتب ذات أغراض سياسية سامة، خاصة في تناولها للفقه أيام العصر العثماني وما قبله بقليل، وانتشرت مصطلحات الجمود والتخلُّف والسكون، دون أدنى تعرف على النظام الفقهي والقضائي في هذه المرحلة بصورة كافية.

ج- ركَّزت الكتابات السابقة على الجانب النظري دون العناية التامَّة بالمؤسسات التشريعية والقضائية، كعمل المحاكم الشرعية والأهلية، الأمر الذي سيقودنا إلى فهم مغلوط لمكونات مسيرة هذا الفقه.

د- أغفلت كثير من الدراسات السابقة العلاقة التبادلية بين الفقه الإسلامي والقوانين الغربية، وما قام به الفقه الإسلامي من تطوير للنُّظُم التشريعية.

يقول الأستاذ كابيتان: "الذي يجب معرفته هو القانون الحيّ، القانون كما يعمل به الناس وكما تطبقه المحاكم، وعلى هذا الوجه قد ترى ربما لا يشابه النص كما لا يشابه الحيوان هيكله العظمي"

2- يحتوي الكتاب على تصحيح مجموعة كبيرة من المفاهيم عن الفقه الإسلامي، ومنها:

  • القول بأن باب الاجتهاد أغلق في فترة ما، فقد أثبت المؤلف أن هذا لم يحدث في تاريخ الفقه الإسلامي، فالاجتهاد وعمل المجتهد الحق -سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا- ليس عملًا شرعيًّا فقط، بل هو أمانة فكرية وعلمية لا يجوز اغتيالها بالتقليد أو الانتحال، فهو أمر يتوقف عليه استقامة أمر الدين في تدبير شؤون الدنيا، وإذا كان هذا الأخير واجبًا فالأول مثله من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلا يمكن أن تتم الاستجابة للحاجات والوقائع المستجدة المتنوعة والمتكاثرة عبر العصور إلا به، وإلا كان التخلُّف والانتكاس والمعاندة[13].
  • استبعاد ما يُسمَّى بأسطورة الاجتهاد المطلق، لتحل محلها مصطلحات أكثر واقعية، مثل: القدرة على الاستنباط التي لم تغب في لحظة ما في عمل: المفتي، والمرجح، والقاضي.

ج- التفريق بين أهل الحديث وأهل الرأي وجعلهما فريقين يتنازعان لا يكتملان.

د- تصحيح القول بأن الشافعي لا يعمل دليل المصلحة والاستحسان، والحقُّ أنه استخدمهما، ولكنه يرفض كونهما دليلين مستقلين عن النصوص، كما صحَّح اعتبار المذهب الحنبلي متشددًا، وأرجع ذلك لظروف سياسية لا علمية، ونظرية الشروط والتوسُّع فيها خير شاهد على الصنعة القانونية لهذا المذهب.

هـ- شاعت مقولات جوفاء تصف الفقه منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن بأنه عصر النهضة، وأن ما قبله هو عصر الضعف والتقليد، فمن المفارقات أن المراحل التي استقرت فيها المذاهب، وفُضت فيها بكارة المصطلحات، وتأسست فيها نظريات الفقه والأصول توصف بعصر التخلُّف، والفترة التي بعد القرن التاسع عشر والتي تم فيها إقصاء الفقه في المحاكم باستتثناء الأحوال الشخصية توصف بالضعف.

3- اعتادت الكتابات في هذا الحقل تأريخ الفقه الإسلامي مع تجاهل تاريخ القضاء في الفقه الإسلامي، فتمكَّن المؤلف من التأريخ للفقه الإسلامي وحركة القضاء فيه؛ لأنهما لا ينفصلان، فالفقه هو ساحة النظريات والتجريب، ويأتي القضاء ليكون الجزء التطبيقي له، فهما وجهان لعمله واحدة، فالذي ينظر للفقه دون القضاء أو العكس سيظلم أحدهما لا محالة. يقول الأستاذ كابيتان: "الذي يجب معرفته هو القانون الحيّ، القانون كما يعمل به الناس وكما تطبقه المحاكم، وعلى هذا الوجه قد ترى ربما لا يشابه النص كما لا يشابه الحيوان هيكله العظمي"[14].

4- اعتادت الكتابات التي تتحدَّث عن تاريخ الفقه الإسلامي أن تجعله مراحل منفصلة، فتمكَّن المؤلف من وصل هذا الانقطاع، وجعل الفقه الإسلامي حلقات متصلة، ولم يغفل في كل مرحلة التعليلات الضرورية للانتقال من مرحلة إلى مرحلة، فمثلًا كانت مرحلة النبوة هي مرحلة إرساء القواعد وتقرير المسلَّمات، فجاءت مرحلة الصحابة نوعًا من التوسع في التطبيق العملي، ثم أتت مرحلة التابعين تمهيدًا لبروز المذاهب وتعدُّد الرؤى حول النص (التفسير الفقهي)، ثم مرحلة تلاميذ المدارس لغربلة الآراء وهكذا.

5- واضح من الصفحات الأولى للكتاب أن مؤلفه يريد البرهنة على حيوية هذا الفقه، وأنه احتوى على نظريات فقهية، ونظام قضائي مُحكَم، وفي الحقيقة كثير من الكتابات قامت بهذا لكن ما يعيب معظمها أنها استخدمت لغة العاطفة أو اللهجة الخطابية، لكن المؤلف تمكَّن من الوصول لهذا الهدف من خلال ملء الكتاب بكثير من النظريات الفقهية، وأحكام القضاء العملية التي تبرهن بصورة تطبيقية على حيوية هذا النظام.

6- من الأهمية التي لا تُغفل حين ننظر في هذا الكتاب أن كل كتب تاريخ الفقه الإسلامي رصدت هذا الفقه في بيئته التي وُلد فيها، دون أدنى تفكير بأن هذا الفقه قد يكون أثَّر أو تأثَّر بغيره من النُّظُم، ولأن المؤلف من خلال كتاباته يجمع في عباءته خطوطًا علمية عريضة، فقد استطاع أن ينقل لنا صورة تاريخ الفقه الإسلامي خارج بيئته، فتتبع المفاهيم التي تولدت من رحمه وانتقلت لتكمل نموها خارج محيطه، وتابع المصطلح الفقهي وحركة نقله من الفقه إلى الغير أو العكس، كما اهتمَّ بالفقه في الإمبراطوريات الثلاث: المغولية والصفوية والعثمانية، كما حاول أن يناقش قضايا مهمة أثارتها بعض الأقلام المراهقة، وهي أن الفقه الإسلامي اعتمد على القانون الروماني وقام عليه.

7- لم تتكلم كتب تاريخ الفقه الإسلامي عن العوامل السياسية التي أثر فيه سلبًا وإيجابًا، فتمكَّن المؤلف من رصد حركة الفقه والفقهاء في الإمبراطوريات الكبرى، وكيف يصل الفقه لأعلى درجات النضج حين تتبنَّاه الدولة، كما رصد المؤلف من جهة أخرى أثر الاستعمار فيه وفي نموه وعرقلة مسيرته التطبيقية لا العلمية.

8- ضمَّ الكتاب بين دفتيه مجموعة كبيرة من آراء المستشرقين حول الشريعة سلبًا وإيجابًا، مما يحعلك لا تدرك رأي البيئة العربية حول الفقه الإسلامي فحسب، بل يعطي لك تصورًا مجملًا حول نظريات الاستشراق تجاه هذا الفكر، أي: كيف ينظر لك الآخر.

9- يفصح هذا الكتاب عن التفاعل الحقيقي بين المجالين: الفقهي والقانوني، للقضاء على هذا الانفصام التي تعيشه البلاد العربية، كما يكشف عن العلاقة بين الفقه والسياسة، كمصطلح مصالح المسلمين الذي روج لصالح جهة ما، وهو يختلف عن مصطلح المصلحة المتعارف عليه أصوليًّا.

منهج المؤلف في الكتاب

لا شكَّ أن المؤلف استخدم المنهج التاريخي، لكنه لم يقف على مجرد الرصد فقط، بل ضمَّ إليه المنهج التحليلي حين علل لظهور كل مرحلة من مراحل النظام القانوني الإسلامي، واستخدم المنهج التطبيقي حين تحدَّث عن تاريخ القضاء وأتى بأمثلة حيَّة، واستخدم المنهج المقارن حين وازن بين المفاهيم داخل المذاهب الفقهية، وحين بيَّن ملامح التفكير الفقهي مجملة أمام ملامح تفكير النُّظُم القانونية الأخرى.

لقد رسم المؤلف خطة عامة عند الحديث عن تاريخ النظام القانوني الإسلامي تبدأ أولًا بمرحلة التأسيس والتكوين، ثم مرحلة التطوير والتمكين، ثم مرحلة الاضطراب وفرض القوانين الغربية، ثم مرحلة العودة واسترداد الهوية والبحث عن الطرق البديلة. وتلك منهجية تحفظ للفقه مكانته، وتُبيِّن المعارك الفكرية التي خاضها ضد أصحاب الأيديولوجيات المضادة التي تريد أن تتخذ من دوحة ذلك النظام مسكنًا لها تغرد فوقه وحدها.

المخطط العام للكتاب وقضاياه

احتوى الكتاب على ثلاثة عشر فصلًا، تناول المؤلف في الفصل الأول مقدمات عامة، حول النظام القانوني للفقه الإسلامي، والأخطاء التي وقع فيها المؤرخون لهذا النظام قديمًا، والمناهج المقترحة لدراسة هذا النظام بصورة صحيحة. وتناول في الفصول الثاني والثالث والرابع تاريخ الفقه من بداية تكوينه حتى العصر الثاني الهجري، وركَّز في هذه الفترة على خصائص عصر النبوة، ودور القضاة بعد فترة الرسالة في نشأة التفكير الفقهي، وبداية ظهور المدارس الفقهية، وسماتها العامة، والعلاقة بين القانون الروماني والفقه الإسلامي.

وتناول في الفصل الخامس الحالة الفقهية بعد استقرار المذاهب، ولعل من أكثر القضايا التي توقف عندها تطور العمل القضائي في ظل المذهبين الشافعي والمالكي. وتطرق في الفصل السادس إلى النظام القانوني الإسلامي في ظل الإمبراطوريات، وتناول بالتحديد الإمبراطوريات المغولية والصفوية والعثمانية، وتوقف أمام الأخيرة طويلًا مركزًا على مظاهر التزام العثمانيين بالشريعة، والنظر الفقهي لديهم، مبرهنًا على تطور الفقه في هذا المرحلة بمعروضات أبي السعود.

وفي الفصلين السابع والثامن تكلم عن الاجتهاد والتقليد في العصر الحديث، وعن صلات الفقه الإسلامي بالقوانين الغربية، وركَّز في هذين الفصلين على كيفية الإفادة من الثروة الفقهية الكبيرة في القضاء والإفتاء والنوازل، والربط بين بعض المطلحات الفقهية والنُّظُم الغربية، كنظام المحلفين في القانون الإنجليزي، والسوابق القضائية، والعلاقة التي تربط الفقه الإسلامي بالقوانين الغربية عبر العصور المختلفة.

وتناول في الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر تطورات النظام القانوني الإسلامي منذ العصر الحديث حتى القرن الأخير، وركَّز على قضايا خطيرة جدًّا، منها: الفقه والحداثة، والأوضاع التشريعية في مصر، ومناهج التغيير القانوني وقت الاستعمار، وتأثير القوانين الغربية في الفقه، ومؤسسات التعليم في مصر، للفهم ومحاولة استرداد الهوية، من خلال العمل على تطوير المؤسسات التعليمية، كالمحاماة ومدرسة القضاء الشرعي، وتطوير الدراسات الفقهية بالاعتماد على التنظير والتقنين وآلية المقارنة.

ثم تناول في الفصلين الأخرين الأخذ بتقاليد النظام القانوني الإسلامي في الواقع العملي، ومنهجية المصدرية الشرعية، وركَّز فيهما على مفهوم تطبيق الشريعة، وسُبل التغيير القانوني في النُّظُم العربية، والإشارة إلى التجارب الناجحة في ذلك، كتجربة باكستان، ثم ختم الكتاب بإشارات مهمة تتعلق بمستقبل النظام القانوني الإسلامي.

وبعد هذا التعريف العام بالكتاب سوف نقف على أهم القضايا التي لا تغفل عند قراءة هذا الكتاب:

القضية الأولى: المنهجيات التي بُثَّت في الكتاب

يتميز الكتاب بوضع منهجيات تساعد في ترقية المستقبل، وقد رصدتُ منهجياته في القضايا التالية:

  • منهجية دراسة تطور النُّظُم القانونية والفقه خاصة

لعل المؤلف من حيث لا يدري قد أسَّس لنا منهجًا في كيفية دراسة تطور النُّظُم القانونية بصورة عامة، ودراسة تطور النظام القانوني الإسلامي بصورة خاصة، وهي مبثوثة في فصوله ولعل تجميعها في صعيد واحد من الأهمية بمكان على النحو الآتي:

  • تحديد الظواهر والمصادر والمؤسسات المباشرة وغير المباشرة لدراسة النظام، التي تُعَدُّ تعبيرًا حقيقيًّا عن مضامينه.
  • معرفة الوضع الذي كان قائمًا قبل هذا النظام، ففيما يتعلق بالشريعة كانت النُّظُم قبل الإسلام هي محط نظر الإسلام؛ لأنه أتى لتغيرها، ومن ثَمَّ فالاطلاع عليها أمر مهم لفهم تصورات النظام الإسلامي.
  • التعرف على الأوضاع القانونية التي كانت في البلاد المفتوحة، ثم النظر إلى الأحكام الفقهية قبل الفتوحات وبعدها؛ لنرى هل ثمة تفاعل وتغيير أم لا.
  • النظر في العلاقة بين تلك الأحكام التي كانت في بطون الدواوين، ومدى ثباتها في ساحات القضاء منذ صورته البدائية في عهد النبوة إلى أن تطور في الدول العثمانية ثم الدول الحديثة.
  • النظر في الأحكام الفقهية مع صعود كل فصيل سياسي لسدَّة الحكم أو مع كل حدث جلل اجتماعي أو اقتصادي لتفسير ظهور المصطلحات الفقهية ومعالجة الأحكام.
  • النظر للقانون على أنه نتاج اجتماعي. فلا بدَّ ألَّا يُنظر إلى القانون على أنه عنصر مستقل له كيانه الخاص، بل شجرة القانون تختلف باختلاف التربة والمناخ والاعتناء، وعلينا أن نتعرف على مضمون القانون وتقييم جوهره بوصفه ظاهرة اجتماعية من خلال بيان الظروف المادية المصاحبة لظهور القواعد القانونية، بل والعوامل النفسية التي فضلت هذا المبدأ عن غيره.

إن من يدرس القانون على طريقة الشرح على المتون[15] لن يكون في استطاعته إجلاء الغموض الذي يكتنف بعض الأنظمة القانونية، فقد يكون التقنين نتاج معتقد أو ظرف سياسي فرض نفسه حتى غدا مسلمًا به أو... أو...[16]، فالنص القانوني منفردًا كما يقول سالي: "هو هيكل عظمي مجرد من معنى الحياة، أو هو آلة في غير حركة"[17].

وهذا الملمح المفقود في المقارنة يفسر لنا سبب الأحكام الجائرة التي تصدر من بعض الذين يدرسون الشريعة، فهم ينظرون إلى الحكم الفقهي ويصفونه بالجمود دون أن يكونوا قد أحاطوا علمًا بمقاصد الشرع وعلم أصوله، بل وروحه السماوية، بل دون أدنى اهتمام باللحظة التاريخية التي أفرزت النص أو الحكم الفقهي، فيجرد النص من كل ملابساته فيقع في الخطأ.

  • الاهتمام بالأصول العامة، فدراسة أي نظام قانوني تنطلق من الأصول لا الحلول، فإذا لاحظ الباحث فرقًا بين نظام ونظام في جزئية من الجزئيات وجب ردُّ هذه الجزئية إلى أصلها، فلا أهمية لاختلاف الحلول إن لم يكن مرده لاختلاف الأصول[18].

وهذا الأصل في رأيي مبنيٌّ على أن الجزئيات لا تتناهى والأصول تتناهى، وكلما تمكَّن الباحث من تسكين الجزئيات في ثوب الكليات استطاع فهم النظام بصورة أيسر وبمنهج أدق، واستطاع أن يحمل هذه المبادئ ليقارنها بغيرها؛ فالمبادئ تُعبِّر عن الأصل المستقر في وجدان النُّظُم وهي التي تتحكَّم في تطوره[19]. فلا بدَّ أن ننظر إلى كل شريعة على أنها نظام متكامل، فأي محاولة لاقتطاع جزئية وجعلها مدارًا للبحث قد يسوقنا إلى ضلال في الرأي، فإن ربط الأجزاء ببعضها وإرجاعها إلى أصلها هو الطريق المستقيم إلى الحقيقة. وهذه المنهجية ستخبرنا بالكثير من الحقائق، فهل هذا نظام ثابت راقد لا يتفاعل مع الواقع؟ وما هي الظروف التي أفرزت بعض مصطلحاته وأدت إلى تغيير في بعض قضاياه؟ وما هي الفترات التي تدفق فيها كثير من الدماء إلى جسده، والأسباب التي أصابت أشرعته بالعطب دون أن تحرف سفينته عن مجراها؟

ب- منهجية دراسة الفقه في القرن الأول

لعل الدراسات الاستشراقية والنقدية كافةً تمت بصورة كبيرة على حالة الفقه في القرن الأول، وبدأ كثير من الدارسين العكوف على المرويات لتحليلها، ولا بدَّ هنا أن نصحح فكر الاستشراق، فبدلًا من العكوف على نقد المرويات لا بدَّ أن نتابع الآتي للوصول إلى الصورة الصحيحة للفقه في هذه الفترة:

  • النظر إلى الجهد البنَّاء والتأسيسي للقضاة في إقامة العدالة بدل دور المحكمين، ولا شكَّ في أن الدول والمجتمعات تنهار لو لم تكن هناك جهات تفصل في الحقوق.
  • متابعة العمل الفقهي المتمثل في الإفتاء والأصول، كإضافة نظريات مؤثرة مثل القياس والرأي وعلاقة ذلك بالقرآن والسنة.
  • تأمُّل الجهد التشريعي الذي أصدرته الدولة في هذه الفترة مثل قوانين الخراج، وإيقاع الطلاق المتعدد، وتحريم نكاح المتعة، وما إلى ذلك.
  • تفسير المصادر وفهمها ومتابعة رواية السُّنة متابعة نقدية.
  • علاقة النظر الفقهي بالقوانين الموجودة في البلاد المفتوحة، وعلى الأخص القانون الروماني الذي كان قد بلغ مرحلة من النضج والتطور.

كل ذلك يعطي تصورًا أوضح للفقه في هذه الفترة بصورة أعمق من النظر إلى المرويات وحدها دون النظر إلى كيفية تطبيقها واستثمارها في الحياة.

ج- منهجية الموضوعات التي لا بدَّ من التوسع فيها في العصر الحديث

وهنا لا نتكلم عن منهجية بالمعنى الحرفي، ولكنها أشبه بالبوصلة التي ترشد الباحثين في العصر إلى الموضوعات التي لا بدَّ من الكتابة فيها وتعميقها، وهذه الموضوعات هي:

  • العمل على نشر مخطوطات الكتب الفقهية المتعلقة بالفتاوى والنوازل.
  • تتبُّع سجلات المحاكم الشرعية وتحليلها.
  • التوسُّع في الفقه الاقتصادي، وترقية العمل المصرفي بالروئ الإسلامية.
  • دراسة الفقه مقارنًا بالقانون في أحدث النظريات وأكبر تطوراته.
  • الاهتمام بالفقه السياسي الإسلامي، خاصة في ظل الصراعات المتزايدة بين الهويات خارجيًّا، والفصائل المختلفة داخليًّا.
  • مراعاة الكتابة في التنظير الفقهي لنخرج من الكتابات الفروعية المبعثرة إلى المبادئ الكلية التي تحكمها.
  • العناية ببعض القضايا الاجتماعية التي تعجُّ بها الساحة، كحقوق الإنسان والمرأة.

د- منهجية الأخذ بتقاليد القانون الإسلامي في الواقع العملي

من القضايا التي كثر فيها الجدل على المستوى المنهجي وترتيب الأولويات قضية تطبيق الشريعة، حيث كثرت الشعارات المفرغة من المنهجية في هذه الجزئية، وحتى لو وُجدت منهجية فهي غير منظمة، ويحاول المؤلف أن يحدِّد منهجية لتطبيق الشريعة في النقاط الآتية:

  • تحديد مفهوم تطبيق الشريعة: فالمقصود بها إعمال المبادئ والمفاهيم الشرعية والالتزام بها في ضبط العلاقات الاجتماعية، والمؤسسات الاقتصادية والإعلامية، كل ذلك من خلال قوانين وتشريعات معدَّة مسبقًا.
  • تحديد الهدف: الذي يتمثَّل في استعادة التجربة القانونية التي طورتها الشعوب الإسلامية عبر تاريخها، والخروج من التبعية التشريعية؛ لضبط النشاط الاجتماعي وفق المعايير الشرعية، وبناء نهضة شاملة أساسها التصور الإسلامي بحيث تحفظ للإنسان هويته وعقيدته وكرامته.
  • مستلزمات التطبيق:
  • إعداد تقنينات شرعية في المجالات القانونية المعروفة، بعد هضم دواوين الفقه الإسلامي واستخلاص أجود ما فيه. ومن شروط قبول هذه التشريعات: القبول بالسلطة السياسية التي أصدرتها، والاعتراف بالمصدرية الشرعية، واستناد أحكام التشريع إلى أصل شرعي أو معنى فقهي[20].
  • مراجعة كافة القوانين القائمة وإزالة المخالفات الصارخة، ثم محاولة التوفيق بين ما تم قبوله وما هو مقرر في الفقه الإسلامي، وفي هذه النقطة نحتاج إعمال المنهج الوصفي والتحليلي بصورة متعاقبة.
  • إعداد مذكرة توضيحية مفصلة لكل مادة بحيث تشتمل النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء ومذاهبهم؛ حتى يتسنَّى لرجال القانون تفسير النظام من خلال الخلفية الفقهية، ويرتبطوا بصورة أكبر بالتراث الفقهي.

ويمكن أن نضيف إلى رؤية الدكتور سراج النقاط الآتية:

  • التفريق بين إقامة مؤسسة إسلامية خاصة وبين التحول إلى النظام الإسلامي على مستوى الدولة، مما يستتبع فروقًا جوهرية لا في حجم العملية، وإنما في طبيعتها من حيث الصفة الرسمية والتعميم، وكلا الأمرين يثير عند التطبيق مشاكل جديدة لا تتعرض لها المؤسسات الخاصة.
  • إن ابتعادنا عن المنهج الشامل للإسلام تم خلال فترة زمنية كبيرة، فلا يُتصوَّر العودة والتطبيق خلال شهور، مما يستدعي التدرج والتخطيط ودراسة الأولويات.
  • مراعاة أن أنظمة الإسلام متكاملة ولا يجوز تصور تنفيذ نظام كالعقوبات دون أنظمة للتربية والاقتصاد والسياسة مع مراعاة العلاقة بين هذه الأنظمة عند ترتيب الأولويات والتدرج في التنفيذ.
  • إن بيئات العالم الإسلامي مختلفة في نواحٍ كثيرة، مما يستدعي وضع أطر عامَّة موحَّدة لجميع البيئات، ثم توضع نماذج تفصيلية متعدِّدة تراعي ظروف كل بلد.

أما فيما يتعلق بخصوص ترتيب الأولويات فيجب أن نراعي الآتي:

  • إزالة المخالفات الصارخة للنصوص القطعية، وهنا لا بدَّ من مؤازرة علوم الاجتماع والطب وكل ما هو حديث؛ بحيث نقدِّم للمجتمع أن هذه الإزالة لا يدعونا إليها الشرع، ولكن هذا ما تؤيده نظريات العلم الحديثة بما هو صالح للمجتمع.
  • تدعيم المبادئ الإسلامية الأساسية، مثل: الوحدة الإسلامية، والشورى، والحياة الدستورية وسيادة القانون، والتكافل الاجتماعي وتقريب الفوارق بين الطبقات، واستقلال القضاء، وكرامة الإنسان.
  • الاعتماد في المدى القصير على التوعية الإسلامية من خلال وسائل الإعلام ببرامج بنَّاءة ووسائل حديثة.
  • الاعتماد في المدى الطويل على تنفيذ برامج التعليم الإسلامي[21].

القضية الثانية: الاستشراق وتاريخ الفقه الإسلامي

فالقضاة والفقهاء ناقشوا قضايا لم تُثر في عهد النبي ﷺ، بالإضافة إلى أن هذا النظام به أدلة أصولية مكَّنت من المواكبة، وهي: المصلحة، والإحسان، والعرف، وغيرها من الأدلة

اعتادت الكتاب العربية حول تاريخ التشريع الإسلامي أن تسوق لنا التصورات العربية حوله، وبما أننا في عصر العولمة وصراع الحضارات، فلا بدَّ من الإلمام بنظريات الاستشراق حول الفقه الإسلامي، وهذا ما نجح المؤلف فيه وأثبته تقريبًا في معظم القضايا، وهو لا يكتفي بذكر تحليلاتهم على علاتها، بل كثيرًا ما ينزل من منصة الرصد والوصف إلى حيث تتصارع الأفكار، فيدافع بكل موضوعية عن هذا النظام، فعلى سبيل المثال:

- وضح أن وائل حلاق يرى أن الفقه الإسلامي يحتوي على نظام قانوني راقٍ، وأن أيدي الاستعمار حاولت إفراغ الشريعة من مضمونها القانوني، ولكنه يناقض نفسه ويقرر أنه تم استبعاد الفقه الإسلامي بسبب اختلاف بنية الدولة الحديثة مع مفاهيم الفقه الإسلامي، ويرى المؤلف أن هذا فهم مغلوط، ويفنده قدرة المشاريع العربية على الاستمداد من الشريعة بعد رحيل الاستعمار، وما تم اكتشافه من نظريات حديثه سبقت الغرب، ونالت إعجابه، لكنه يشيد به في موضع آخر حين ذكر أن النظام الإسلامي يجمع بين المعايير الأخلاقية والقانونية بطريقة يؤدي الفصل بينهما إلى عدم تفهم هذا النظام، وأن التفكُّك الذي أصاب هذا النظام على يد الاستعمار كان سببًا في فهمه فهمًا مغلوطًا[22].

- يشير كولسون إلى قلة النصوص التشريعية للفقه، ومن ثَمَّ فهي لا تتناول إلا بعض أوجه الحياة الاجتماعية، وهذا الكلام مغلوط إذا قصد منه عدم قدرة الفقه على مواكبة الواقع؛ فالقضاة والفقهاء ناقشوا قضايا لم تُثر في عهد النبي ﷺ، بالإضافة إلى أن هذا النظام به أدلة أصولية مكَّنت من المواكبة، وهي: المصلحة، والإحسان، والعرف، وغيرها من الأدلة[23].

- أشار المؤلف إلى موقف كل من إدوار ساشو في بحثه "حول أقدم تاريخ للشريعة المحمدية"، وألفريد فون كريمر في بحثه "التاريخ الثقافي للشرق في عهد الخفاء"، حيث أشارا إلى دور القرآن والسُّنة في التعبير عن الفقه بصورة تكاملية.

- أشار المؤلف إلى موقف جولدزيهر وشاخت من الفقه الإسلامي، وأنه اعتمد على المرويات المشكوك فيها التي نُسبت للنبي ﷺ من أجل تقوية حجتهما، والغريب أن هذه الدراسات المتهورة التي درست آلاف الأحاديث دفعة واحدة لاقت ذيوعًا مع افتقادها للمنهج العلمي في مقابل غض الطرف عن موقف هارالد موتسكي الباحث الدقيق الذي تناول مجموعة محدودة من الأحاديث ليخرج بنتائج إيجابية مقنعة، ولعل ذلك مرده لأسباب سياسية.

- يقرر شاخت أن فترة الصحابة هي أهم فترات الفقه الإسلامي، لكنه بدلًا من أن ينقدها نقدًا حقيقيًّا يقوم على التحليل قام بالتشكيك فيها، وربط الفقه الإسلامي بغيره من النُّظُم الرومانية واليهودية؛ ليعطي ملمحًا مزيفًا عن تاريخ هذا الفقه وقواعده.

- أشار المؤلف إلى علاقة القانون الإسلامي بالشرائع الأخرى، ومن الكتب الغربية التي اهتمت بهذه القضية كتاب "تاريخ القانون الإنجليزي" لويليام هولدزورث، وهو كتاب في 17 مجلدًا احتوى على إشارات عديدة لمناطق تأثير الفقه الإسلامي في القانون الإنجليزي في العصور الوسطى.

- ذكر المؤلف موقف نُظَّار مدرسة الحقوق الخديوية، من أمثال فيكتور فيدال، الذي رأى أن التحديث المصري للعلوم لا بدَّ ألَّا ينفصل عن الثقافة المحلية العربية، ولا سيما الفقه الإسلامي واللغة العربية. وفي الاتجاه ذاته، ذكر اهتمام لامبير بالفقه الإسلامي، ونافح ضد كل صوت ينادي بأنه نظام أخلاقي فقط، بل اقتنع بنفسه القانوني العميق، ونقل فكرته معه إلى فرنسا، وأسس مركزًا للدراسات المقارنة بين النُّظُم القانونية وعلى رأسها الفقه الإسلامي.

تاريخ القانون الإنجليزي
                       كتاب "تاريخ القانون الإنجليزي" لويليام هولدزورث

القضية الثالثة: الفقه الإسلامي في الإمبراطوريات الثلاث

دائمًا ما تشير كتب تاريخ الفقه إلى مسيرته في البلاد العربية فحسب، ولا تلتفت بصورة كبيرة إلى تاريخ الفقه خارج حدوده، ولعل من أعظم الإمبراطوريات التي خدمت المسيرة الفقهية الحضارة: المغولية، والصفوية، والعثمانية.

أولًا: الإمبراطورية المغولية ومظاهر خدمة الفقه

بدأت الدولة المغولية عام 1526م على يد ظهير الدين محمد بابر، وقد دعمت هذه الإمبراطورية الحضارة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ومكَّنت فيها للثقاقة الإسلامية بلغتيها الفارسية والعربية. ومن مظاهر خدمة الفقه في تلك الحضارة:

  • العناية بالمذهب الحنفي والعمل على انتشاره، وتوليه مقاليد الأمور في القضاء والإفتاء، بل والعمل على تطويره؛ فقد بلغت الفتاوى العالمكيرية من المكانة بأن أصبحت إحدى أهم المؤلفات الفقهية التي ضبطت مسار تطور الفقه الإسلامي في شبه القارة الهندية، وانضمَّت إلى جنس فتاوى المذهب الحنفي المعروفة.
  • العمل على التوسعة في المؤلفات الإسلامية، ومن أشهرها: التفريد في الفقه للسطان محمود بن سبكتيكين،

وخلاصة الأحكام بشرائط الإسلام لأبي بكر إسحاق بن علي وغيرها.

ج- العناية بالجانب التطبيقي في الفقه وإفراد مؤلفات خاصة بالفتاوى، مثل: الفتاوى الكافورية لمحمد السمرقندي. ولولا الهيمنة البريطانية على القارة الهندية لواصلت الدراسات الفقهية طريقها في النمو.

ثانيًا: النظام القانوني في الدولة الصفوية

قامت الدولة الصفوية في إيران وأذربيجان والبحرين وأرمينيا والقوقاز والعراق، بعد استيلاء أبي المظفر شاه على تبريز سنة 1501م، ومن السمات التاريخية للنظام الفقهي في هذه الدولة ما يلي:

  • تأثر الفقه الشيعي بالسُّني في جوانب كثيرة وإن احتفظ ببعض الأصول الخاصة به المتعلقة بقضايا الإمامة.
  • قامت معظم مؤلفاتهم بالدفاع عن مذهبهم ضد السُّنة.
  • ظهر النظام القضائي لهذه الدولة في البداية معتمدًا على ما هو مستقر في البيئات الإسلامية، ثم انتظم معتمدًا على ذاته عقب ذلك؛ فظهر التنظيم الهرمي للدولة بدايةً من الصدر حتى الوكيل، وكانت لمحاكم المظالم أهمية خاصة، والكلمة العليا في هذا النظام للمراجع التي تنوب عن الإمام[24].

والواضح مما استجمعه المؤلف من معلومات أن الفقه الإسلامي قد قاد الدولة الصفوية دون أن تقوده هي نحو التطور.

ثالثًا: الفقه في الإمبراطورية العثمانية

استطاع المؤلف رصد تاريخ الفقه الإسلامي داخل الدولة االعثمانية من خلال المحاور الآتية:

أ- مظاهر التزام العثمانيين بالشريعة، من خلال هيمنتها على النظام الإداري، وتتنظيم التعليم الفقهي، وجعل منصب "شيخ الإسلام" أو "الصدر الأعظم" أهم منصب في الدولة، أشبه بالمرجعية الكبرى، والمشرف العام على تطبيق الدولة للإسلام[25].

ب- احتضان المذهب الحنفي دون إهمال المذاهب الأخرى في المناطق التي سادت فيها، وقد ساعدت الدولة على تطوره حتى ظهرت آراء للمتأخرين تخالف المتقدمين، وكان الخلاف بينهم قائمًا على تغيُّر الظروف مثل اعتبار المنافع من قبييل الأموال.

ج- ظهور مؤلفات عميقة في المذهب الحنفي، مثل: منار الأنوار في أصول الفقه للنسفي، وخزانة المفتين للسمعاني.

د- بروز الاهتمام بالتنظيم القضائي والقانوني كما فعل شيخ الإسلام أبو السعود في تنظيم الإفتاء والصياغة القانونية، ومراجعة القوانين القائمة لتكون موافقه لأحكام الشريعة، بالإضافة إلى القدرة على صياغة أحكام توافق البلاد الجديدة، كاليونان والمجر وروسيا.

هـ- ظهور كثير من القوانين المتينة التي قادت المجتمعات، مثل: قانون الجزاء، وقانون الأراضي، وقانون العائلة العثماني، ومجلة الأحكام العدلية[26].

القضية الرابعة: فلسفة النظام الإسلامي بين النظرات القانونية

أصول أي نظام هي التي تكشف عن مكنونه، ومن أصول الفقه الإسلامي: العرف، والمصلحة، والاستحسان، وهي أصول لا تتم إلا بعد النظر في الواقع.

 لقد استطاع الفقه الإسلامي عبر تاريخه أن يستبطن أعراف البلاد المفتوحة ويهضمها دون أن يضحي بخواصه أو مقاصده، وهو بذلك يتقوى بها في تحديد غاياته، على عكس كثير من النُّظُم التي فرضت نفسها أو انصهرت في ثقافة غيرها. ولعل مؤلف الكتاب قد أدرك عند هذه النقطة أنه بحاجة إلى أن يقابل فلسفة الفقه الإسلامي بغيره من النظريات والنُّظُم، وهذه النقطة ذات شقين في هذه الدراسة: شق يتعلق ببيان فلسفة هذا النظام إذا قورن بغيره، وشق يتطرق إلى تاريخ الدراسة المقارنة؛ لأنها مرحلة مهمة في تاريخ الفقه الإسلامي، وقد نتجت عنها ثمار تحسب له، فلا بدَّ ألا تغفلها الأقلام وهي تؤرخ لهذا النظام. وسوف نقتصر هنا على الشق الأول لأهميته، وهو مقارنة فلسفة الفقه بغيره من الفلسفات القانونية:

  • مفهوم أوستن للقانون: هو عبارة عن الأوامر النابعة من السطلة العليا لمن يخضعون لها، والضمان للخطوع لهذه الأوامر هو الجزاء التي تفرضه الدولة، وفي الحقيقة فإن الفقه الإسلامي أعمق من هذا بحيث يتسع أمام القاضي قرارات المحاكم وعمل المفتين، كما أن القانون يكتسب قوته من الجزاء المادي، بينما الفقه يتسع ليحتكم إلى قوة القاعدة الدينية والخلقية، وهي تستقر في الضمير، كما أن أوستن لا يثبت أي دور للعقل في الكشف عن الحكم، والاجتهاد مَلَكة إنسانية ومنحة إلهية يجب ألَّا تُحرم منها النُّظُم القانونية[27].
  • نظرية كيلسن: وهذه النظرية تنظر للقانون في صورته الراهنة دون أدنى التفات إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي كونته، ومن ثَمَّ تصبح القاعدة القانونية حكمًا افتراضيًّا جامدًا لايخضع للتحليل، ويستمر كيلسن في تحليل نظريته إلى أن يعقد الصلة بينها وبين الفقه الإسلامي، فنظريته -كما يدعي- تهتمُّ بالواقع، والفقه في نظره يهتمُّ بما ينبغي أن يحدث لا بما يقع بالفعل. ولعل خطأ كيلسن أنه تعامل مع الدواوين الفقهية معاملة واحدة، فخلط بين كتب الفقه التي تنظر وتفترض وتتوقع، وبين كتب الفتاوى والنوازل والقضاء التي تتحرك على أرض الواقع، ولو كانت نظرة كيلسن صوابًا لخلا الفقه الإسلامي من نظام القضاء الذي بطبعه يتعامل مع قضايا أفرزها الواقع. فالفقه إذن يتميز عن نظرية كليسن بأن المدارس الفقهية تحلِّل الواقع ومن خلاله تستنبط الحكم، ولا تتعامل مع القانون بصورة جامدة تفترض ابتعاده عن السلوك.

ج- المدرسة التاريخية: وهي تقوم على الربط بين القانون والظروف التي أفرزته، والاعتراف بدور رجال القانون في تطويره، ويتابع أندرسون نظريته إلى أن يرى فرقًا عميقًا بين الفقه الإسلامي ونظريته، حيث إن مهمة الفقهاء تنحصر في فهم النص المقدَّس دون أن يكون لهم دور في التطوير والتنظير، بالإضافة إلى أن القانون لا يتطور وفق تغيُّر الظروف؛ نظرًا لطبيعته الدينية، فالواقع محكوم بالوحي، وهو لاحق له.

وهذه النظرة للفقه الإسلامي قد جانبت الصواب، نعم هو فقه ديني واعتمد على نصوص أساسية، لكن هذه النصوص معظمها صيغت بصورة كلية، بحيث يتدخل الفقهاء من وقت إلى آخر لإحداث التقارب بين النص والواقع، أضف إلى ذلك أن أصول أي نظام هي التي تكشف عن مكنونه، ومن أصول الفقه الإسلامي: العرف، والمصلحة، والاستحسان، وهي أصول لا تتم إلا بعد النظر في الواقع.

د- الواقعيون الأمريكيون والسويدون: يرى هذا الاتجاه أن القانون محصور في التنبؤ بما سوف تقرره المحكمة بالفعل في ظرف من الظروف، فالقانون هو تلك المادة التي طُبِّقت في إقليم محدد، والعجيب أنهم يرون أن الفقه الإسلامي يصدق عليه هذا التعبير، لكن المؤلف لا يسلم لهم بهذا؛ لأن هذا الفريق ينكر وجود قيم موضوعية للحكم، فكلها متوقفة على التقدير الشخصي، كما أن القانون عندهم وظيفته تحقيق مصالح الأفراد، والفقه الإسلامي يقوم بالأساس الأول على تحقيق العدل، أضف إلى ذلك أن الفقه الإسلامي لا ينكر القيم الموضوعية للحكم[28].

هـ- القانون الطبيعي: وهو ذلك القانون المستقر في الفطرة الإنسانية بدايةً، ويمكن أن يكون مصدره العقل أو الدين، ولعله في النقطة الثانية يلتقي مع الفقه الإسلامي، لكن الفقه الإسلامي وإن جعل العقل باستطاعته أن يصل إلى التحسين والتقبيح، فإن الجزاء الذي يترتب على ذلك ليس من وظيفة العقل بل الشرع.

القضية الخامسة: الفقه الإسلامي والقوانين الغربية: التأثير والتأثُّر

تُعَدُّ هذه القضية من القضايا الجادة في هذا الكتاب، حيث تناول تاريخ الفقه الإسلامي في علاقته بالنُّظُم الأخرى، وهي منطقة مهجورة في الدراسات السابقة، ولم تأخذ مكانها اللائق من البحث العلمي، واستطاع المؤلف أن يرصد تلك العلاقة في مساحة كبيرة لعل أهمها:

الكشف عن الخلاف الجوهري في فلسفة كلٍّ من النظام الإسلامي والنظام الروماني، فالثاني ركَّز على مصلحة الفرد؛ ولذا غلبت عليه روح الأثرة، في حين يوزان الفقه الإسلامي بين المصالح الفردية والعامة[29]، والثاني منهما خلا من القانون الجنائي، وخلا من تطوير مضامينه مثل طرق التعبير عن الإرادة، في حين جاءت نظريات الفقه الإسلامي متسقةً مع الطبيعة ومواكبةً للمجتمع.

والحقيقة التاريخية التي يرصدها المؤلف أن أوروبا بدأت تتعرف على الفقه الإسلامي في الأندلس، وقد لاقى استحسان عدد من الدارسين والمستشرقين، ومن جهة أخرى تعرفوا على الفقه الإسلامي إبان الصراع الحضاري والعسكري بين الشرق والغرب، كما تعرفوا عليه من خلال النشاط التجاري المتبادل، خاصةً في مدينة البندقية، الأمر الذي ساعد على تطور القانون الإيطالي إذا ما قورن بغيره من قوانين المنطقة، ولا يبتعد أن يكونوا تعرفوا على الفقه حينما دخلت إنجلترا الهند، والمؤلف في الحقيقة لا يكتفي بهذه الاحتمالات بل يذكر أدلة حقيقية منها:

- أن هنرى الأول قد سنَّ في إنجلترا قانونًا بعنوان "قانون صلاح الدين للعشور"، والعنوان يغني عن الدلالة.

- استمدَّ القانون الديني الكنسي كثيرًا من أخلاقيات القوانين الإسلامية، حتى إن القديس توماس الأكويني كان على دراية بالفقه الإسلامي، وحرم الفائدة الربوية؛ لِما لها من أضرار اجتماعية واقتصادية، مع أن ذلك مخالف لفلسفة القانون الروماني، مما يعني أن هناك روافد خارجية أتت بهذا الملمح، بل في عمق القضية ذاتها يفرق الأكويني بين المخاطرة والضمان، وهي لفتات دقيقة لا مكان لها إلا داخل مدونات الفقه الإسلامي.

- لا يعرف القانون الروماني حوالة الدين، ومع ذلك بدأت تدخل استثناءات عملية مثل التعامل بالصك والسفتجة، ولا شكَّ في أن الرابطة المادية بين الدائن والمدين في الفقه الإسلامي هي التي تبيح مثل هذه المعاملات، بخلاف الرابطة الشخصية التي هي تعبير أصيل عن النظام الروماني.

- خروج الوقف عن ملك الواقف، ذلك المبدأ الذي انتشر في كل ربوع أوروبا، والفضل فيه يرجع للشريعة الإسلامية.

- ولا يكتفي المؤلف بهذه الفروع الفقهية، بل ذكر العديد من القواعد الكلية التي انتقلت للغرب، مثل: رفع الضرر، والأمور بمقاصدها، والعادة محكَّمة، ومنافاة الإذن للضمان، والخراج بالضمان[30].

القضية السادسة: مناهج التغيير القانوني وإقصاء الفقه الإسلامي في البلاد العربية

من القضايا الجديدة التي لم تكن تُذكَر في كتب تاريخ الفقه: كيف تم تغيير الهوية للقوانين العربية؛ فبدلًا من أن يقفوا على الأسباب الحقيقية التي أزاحت الفقه من الواقع القانوني راحوا يتهمون الفقه بالجمود، وقد تطرق المؤلف لهذه القضية، وأشار إلى الخطة التي تم بها استبعاد الفقه ونظامه القانوني، وأنا هنا أجملها في سطور:

  • اتهام الفقه الإسلامي بالجمود، وعدم قدرته على مواكبة المستجدات.
  • إنشاء أنظمة بجوار النظام الإسلامي لها امتيازات أكبر ونفوذ أشد، مثل إنشاء المحاكم المختلطة.
  • تأسيس فصائل سياسية لا تحمل همَّ قضية الفقه والهوية الإسلامية، وتعمل على تجفيف منابع الفقه ونظامه داخل البلاد، وتقوم بإحلال القوانين الأجنبية محل الإسلامية، ففي مصر تم الاستمداد من النُّظُم الغربية، فاضطر القانونيون إلى دراسة تلك الأنظمة والاتصال بها لتفسيرها، فابتعدوا عن الفقه ودواوينه، بالإضافة إلى جعل الدراسة في القانون باللغة الإنجليزية.
  • تفتيت الوحدة القانونية من خلال وأد مجلة الأحكام العدلية العثمانية، ليسهل السيطرة على كل بلد.
  • إضعاف دور القاضي المصري، وذلك من خلال تهميشه وإسناد وضع القوانين للأجانب، وجعل القضاة الغريبين في وضع أرقى، ولم يكتفوا بهذا بل عملوا على تكسير مجاديف الجهاز القضائي من خلال قبول قضاة لا دراية لهم باللغة أو الفقه حتى لا يحاولوا النهضة من جديد، وإن حاولوا لا يتمكنون.
  • التسلل المتدرج داخل النظام، بداية من الوضع الاقتصادي بغية إصلاحه من خلال الأحكام الجزئية إلى الفرض الصريح على المنطقة كما حدث في القارة الهندية من قبل شركة الهند الشرقية.
  • تلفيق كثير من التُّهَم لهذه الأنظمة، حيث ادعى كرومر ونوبار أن قضاة المحاكم الأهلية متعسفون ويعذبون الأبرياء، وكما فعل النظام المصري في إلغاء المحاكم الشرعية فيما يُعرف بقضية الشيخ الفيل.
  • إنشاء فصيل من المثقفين والإعلاميين الداعين إلى التغريب وإحكام القبضة القانونية الغربية على البلاد متسترة تحت ما يُسمَّى بالإصلاح القانوني.

ويسجل المؤلف هنا ملاحظة مهمَّة، وهي أنه على الرغم من أن هذه الأمور أتت لإقصاء النظام القانوني الإسلامي، فقد أيقظت الهِمم، وأذكت الدراسات المقارنة، وحدث ما يُسمَّى بالهضم الثقافي، أي: الإفادة من العدو بصورة لا تتدابر مع مُسلَّمات الهوية الإسلامية، ونشأت في هذه الفترة دراسات جادة حول التنظير و التقنين، مما رجع على الدرس الفقهي بكثير من الخيرات العلمية.

القضية السابعة: حيوية النظام الإسلامي

يجد الناظر في هذا الكتاب أنه استطاع البرهنة على حيوية النظام الإسلامي بصورة كبيرة، وتقريبًا في كل فصوله، بل من خلال التتبُّع والمعايشة للمؤلف قد يكون هذا هو المحرك الأساسي في كل كتاباته، وقد حاولت لَمَّ شعث أهم هذه الإشارات، ومنها:

  • المقارنات التي أثارتها المدارس القانونية مع الفقه الإسلامي، ولولا أن هذا الفقه ذو صبغة قانونية خاصة لما اهتمت بهذه المقارنات.
  • تقدير لفيف من المستشرقين لهذا الفقه، أمثال كولسون الذي دعا في كتاباته إلى ضرروة التفاف الدول العربية حول الفقه الإسلامي مع الانفتاح المعقول على القوانين الحديثة بالقدر الذي تتيحه المصلحة، ولا يقلُّ هذا الموقف عن موقف الفقيه الإيطالي سانتيلانا والمستشار الأمريكي روبرت جاكسون.
  • قرارت محكمة العدل الدولية سنة 1985م التي انتهت إلى اعتبار الفقه الإسلامي أحد أهم الأنظمة في العالم العربي، ومؤتمرات القانون العالمية كالتي أقيمت في باريس 1951م، والتي اعتبرت اختلاف المذاهب الفقهية ثروة عظيمة لا يمكن إغفالها.
  • قدرة الفقه الإسلامي على مدِّ النظر القانوني بمعايير أخلاقية ساعدت في الحدِّ في غلواء المادية، كما يشير إلى ذلك ميشيل دي توب.
  • الوعي بالمنهج الاجتماعي لدى الفقهاء المسلمين، ومعلوم أنه كلما زاد القانوني والفقيه وعيًا بمجتمعه كان هذا إشارة على حيوية نظامه، ومن هذ الدلائل: إعمال قاعدة اختلاف الأحكام باختلاف الزمان والمكان، واعتداد الفقهاء بالعرف، ودراستهم للبيئات التي ينتقلون إليها قبل الحكم.
  • عكوف رجالات المذاهب في القرن الثاني الهجري على ضبط الآراء المعتمدة في الفروع والمسائل، واختيار الآراء المحققة للمصلحة والتعليل لها كما فعل المذهب الحنفي، بالإضافة إلى امتلاء المذهب المالكي بالأصول التي تضخُّ الحيوية في المذهب، مثل: عمل أهل المدينة، وعمل أهل فاس، وعمل أهل المغرب والأندلس، وإفراد مؤلفات خاصة بالنوازل الجديدة التي تناقش المشاكل الحادثة؛ حتى ظهرت كتب تتكلم عن السوابق القضائية في صورة وثائق، مثل: الوثائق المجموعة للبونتي، وكتاب النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام للخمي التيطي، والمقصد المحمود في معرفة الوثائق والعقود للجزيري، وغيرها من الكتب التي ستظل شاهدةً على حيوية هذا الفقه.
  • ازدهار العمل القانوني والقضائي في الإمبراطوريات التي دخلها الفقه الإسلامي، كالإمبراطوريات المغولية والصفوية والعثمانية، ويكفي أن نشير إلى ما فعلته الفتاوى الهندية من مسايرة للواقع وتلبية احتياجات فصيل غير عربي حتى ترجمت سلطات الاحتلال المظلم للهند كثيرًا من كتب الفقه لتتفهم هذا النظام، وكيف استطاع قيادة مجتمعات خارج بيئته. فالفقه يتواكب مع البلاد التي يدخلها، ويطور مذاهبه وفق بوصلة المصلحة المتغيرة، ومن ذلك تطور آراء المدرسة الحنفية في الفقه، كالتوسع في الشروط التي تريدها المرأة في العقد ولا تنقض مقتضاه، وعلى نحو ما قام به شيخ الإسلام أبو السعود في وضع قوانين توافق البلاد الأوروبية ولا تخرج عن مسلمات الشرع، وقد نالت القوانين الجنائية إعجاب الباحثين في الدول الأوربية في القرن السادس عشر كما يشير إلى ذلك أوريل هيد، الذي أشاد بعدالة النظام الجنائي ودقته، وسرعة الفصل في القضايا إذا ما قورن بقوانين أوروبا.
  • التقعيد والتنظير: الذي يدلُّ على نضج المَلَكة الفقهية، ومراجعتهم إنجازاتهم الفروعية، والسعي إلى وضع قواعد ضابطة للجزئيات. ولولا هذا العمل لظل هذا النظام سائلًا غير منضبط تحت قواعد كلية أغلبية، كانت محل اتفاق بين المذاهب؛ لأنها تعبر عن روح النظام الفقهي، التي قامت بضبط النظام الفقهي وتفسير نصوصه[31].
  • ظهور أنظمة قانونية وجدنا لها صدى في دواواين الفقه، مثل اللفيف عند المالكية والشورى القضائية اللتين تقتربان من نظام عمل المحلفين في النظام الأنجلو-سكسوني، وقد انتهى جون مقدسي في دارسة له إلى أن عمل اللفيف هو أصل نظام المحلفين في القانون الأنجلو-سكسوني، وذلك بالنظر إلى الخصائص المشتركة بين النظامين[32]. وتأثير الفقه في المجتمعات الغربية في العديد من الفروع الفقهية والقواعد الكلية التي لاقت ذيوعًا في العالم القانوني، مثل: قواعد المسؤولية، وقاعدة ما لا يمكن الاحتراز عنه لا ضمان فيه، وكانفصال الذمة المالية للمرأة عن الرجل بعد أن كانت تحت يديه، أي الرجل.
  • التجديد في أصول الفقه بداية من ظهور الرسالة للشافعي التي شقت الطريق، مرورًا بالغزالي في المستصفى الذي أضفى على الأصول شيئًا من التماسك العقلي والمنطقي، وصولًا إلى الشاطبي والعناية بالمقاصد والمصالح والنظر الكلي في الأدلة[33].
  • ظهور حزمة من القوانين اعتمدت على التفكير الفقهي وقادت المجتمعات نحو العدالة قدر المستطاع، مثل: قانون الأراضي العثمانية في 133 مادةً، الذي أحدث طفرة في ملكية الأرض، وتحسين ظروف الفلاحين والنهضة الزراعية. ويتصل بهذا السياق نجاح القوانين المدنية التي تمت بعد فترات الاستعمار واعتمدت على الفقه الإسلامي في قيادة المجتمع، ويكفي هنا أن نشير إلى نجاح التجربة الباكستانية، فقد راجعت مئة قانون، ووصلت مجتمعاتها بالرؤية الإسلامية، ولعل أهم ما نلفت إليه النظر في هذه التجربة أن الفقه الإسلامي قد وُضِعَ أمام الاختبار العملي في بلد كبير طبَّق القانون الإنجليزي فترة طويلة، واعتمد على مبادئ هذا القانون ومناهج التفكير فيه، ولم يثبت هذا الاختيار العملي صلاحية الفقه الإسلامي للتطبيق فحسب، بل تأكَّد من هذا الاختبار قدرة الفقه الإسلامي على تثوير النظام القانوني المعمول به وتطويره.

وصايا الكتاب

بعد قراءة هذا الكتاب لا بدَّ أن يواصل الباحثون العمل على شاكلته والاعتناء بالآتي:

  • النظر في كل كتب تاريخ التشريع الإسلامي في كليات الأزهر وما يشاكلها، وإعادة رسم خطة تدريسه، وفيما يتعلق بكليات الحقوق فمن غير المقبول أن يظلَّ الطالب يدرس تاريخ القانون الروماني بصورة أكبر من تاريخ الفقه الإسلامي، فعلى الأقل نحقِّق التوازن اللائق بهذا الفقه.
  • إفراد مساحة لائقة لعلم تاريخ التطور الفقهي، فتاريخ النظام القانوني هو العلم الذي يبحث في مراحل تطور النظر القانوني بمشتقاته، ورغم اعتراف فلاسفة الفقهاء بأن تغيُّر الظروف يؤدي إلى تغيُّر الأحكام، فلم يضع العلماء فنًّا لهذا إلا في العصر الحديث وبصورة مشوهة؛ نظرًا لاستبعاد المجال القضائي الفقهي، أو لأن مَن قاموا به مستشرقون لا يملكون الأدوات الكافية للإفصاح عن هذا التطور، والمفترض الآن تصحيح هذا الخطأ.
  • تعاني الدراسات الفقهية المتعلقة بالنظام القانوني المغولي نقصًا في الوثائق والسجلات، وخاصةً إذا ما قورنت بنظائرها في الدولة العثمانية، والواجب الآن تتبُّع كتب الفتاوى في الهند، لاستخراج الخيوط التي تقودنا إلى تلك السجلات؛ حتى نقف على نظام القضاء الإسلامي هناك.
  • ضرورة العمل على ترجمة الدراسات التي تمت في الخمسين عامًا الأخيرة حول الفقه الإسلامي وتاريخه، والعكوف على نقدها؛ حتى تتضح الصورة الحقيقية للفقه في عيون الغرب.

                                                                          والحمد لله، والله من وراء القصد.

الهوامش

[1] انظر: فايز محمد حسين، فلسفة النظم القانونية وتطورها، دار المطبوعات الجامعية، ص171. وانظر بتوسع: فتحي المرصفاوي، دراسة في تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، دار الفكر العربي، 1981م.

[2] من ضمن التفسيرات التي يذهب إليها علماء تاريخ القوانين في عدم تطوير الشرائع أنها تركت مجالًا واسعًا لتأثير الخرافة في القواعد الدينية. انظر: عمر ممدوح مصطفى، أصول تاريخ القانون: تكوين الشرائع، ص63.

[3] انظر: صوفي أبو طالب، مبادئ تاريخ القانون، دار النهضة العربية، ص8؛ علي بدوي بك، التاريخ العام للقانون، ص44؛ عبد الرحمن تاج، المدخل إلى السياسة الشرعية، طبعة الأزهر، ص88.

[4] الحيلة: هي افتراض أمر مخالف للواقع يترتب عليه تغيير حكم القانون دون تغيير نصه أو الاستناد إلى واقعة كاذبة حتى ينطبق عليها حكم القانون على حالة لا ينطبق عليها من قبل. انظر: عمر ممدوح، تاريخ القانون، ص68.

[5] قواعد العدالة: هي تلك القواعد التي يكشفها العقل، ويوحي بها الضمير، ويرشد إليها النظر الصائب والذوق السليم. انظر: السابق، ص84، وانظر بصورة موسعة عن معنى العدالة وتطورها: أحمد عبد الحليم العطار، تطور مفهوم العدالة: دراسة فلسفية وتاريخية مع التطبيق على بعض القضايا المعاصرة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، رقم (586/2).

[6] قد يطلق التشريع بمعنى عام على وضع القواعد القانونية بصرف النظر عن مصدرها، ويطلق بمعنى خاص وهو سن القوانين بواسطة السلطة صاحبة التشريع في البلاد، والتشريع هو آخر وسيلة للإصلاح في القوانين القديمة وأول وسائل الإصلاح في القوانين الحديثة. انظر: السابق، ص101.

[7] انظر: صوفي أبو طالب، مبادئ تاريخ القانون، ص8 وما بعدها؛ فايز محمد حسين، التقاء الشرائع القانونية وتقارب القوانين، ص254.

[8] يقول الدكتور فايز: من ضوابط إصدار التشريعات في الفكر الإسلامي: 1- أن تكون في المسائل غير القطعية. 2- مراعاة مناهج البحث عند الأصوليين. 3- ألا يخرج الحكم الجديد عن الإطار العام للشريعة. انظر: فلسفة النظم القانونية وتطورها، ص57.

[9] انظر: طارق البشري، الوضع القانوني بين الشريعة والقانون الوضعي، ص36؛. عبد المنعم البدراوي، المدخل للعلوم القانونية، دار الكتاب العربي، ص44؛ توفيق حسن فرج، نظرية القانون، دار نشر الثقافة، ص144.

[10] عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت، أصول القانون، مطبعة القاهرة، ص5؛ سليمان مرقس، المدخل للعلوم القانونية، دار الجامعات المصرية، ص238؛ عبد المنعم فرج الصدة، المبادئ العامة في القانون، معهد الدراسات العربية، 1978م، ص42.

[11] انظر: كتاب أكسفورد للقانون المقارن (1/1122).

[12] انظر: كتاب أكسفورد للقانون المقارن (2/1119).

[13] انظر: فتحي الدريني، بحوث في الفقه المقارن، ص84.

[14] صادق فهمي، الكتاب الثاني للمحامين العرب، ص238؛ محمد حسين منصور، القانون المقارن، ص187؛ البندراوي، القانون المدني المقارن، ص129.

[15] ترى هذه المدرسة أن النصوص التشريعية قد تضمَّنت كل القواعد القانونية اللازمة، ويكفي الفقيه أو القاضي أن يستعرض هذه النصوص ويفسرها بصورة حرفية ليصل إلى القاعدة القانونية المناسبة، وإذا عجز عن الوصول إلى تلك القاعدة فإنما العيب فيه والتقصير منه باعتباره لم يستطع الوقوف على إرادة المشرع ونيته عند وضع القانون بصورة سليمة. انظر: حسن كيرة، أصول القانون، ص517.

[16] انظر: عبد الله حسين، المقارنات التشريعية، ص9-10؛ في القانون المقارن وفي طريقة دراسته، ص3؛ محمد حسين، القانون المقارن، ص21.

[17] الفقه الإسلامي والقانون المدني المقارن، ص237.

[18] انظر: في القانون المقارن وفي طريقة دراسته، ص9؛ عبد الله حسين، المقارنات التشريعية، ص9.

[19] الناهي، النظرية العامة في القانون الموازن وعلم الخلاف، ص23؛ عبد الرحمن البزاز، مبادئ القانون المقارن، ص57.

[20] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص688؛ محمد الغزالي، الشريعة والقانون الوضعي: الاستعمار التشريعي في بلادنا، مقال بمجلة الأزهر، جمادى الآخرة 1432هـ.

[21] انظر: علي أحمد، قضية الشريعة الإسلامية في مصر، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية بحقوق عين شمس، العدد 37، يوليو 1975م؛ جمال عطية، الواقع والمثال في الفكر الإسلامي المعاصر، ص23؛ طارق البشري، الوضع القانوني؛ محمد أحمد سراج، الفقه الإسلامي بين النظرية والتطبيق، ص344.

[22] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص64؛ وائل حلاق، الدولة المستحيلة، ص50.

[23] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص71؛ وائل حلاق، الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات، ص60.

[24] انظر: في تاريح النظام القانوني الإسلامي، ص365.

[25] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص300.

[26] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص391.

[27] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص92؛ المحمصاني، فلسفة التشريع، ط2، 1952م، دار الكشاف، ص164.

[28] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص437؛ عمرو رجب السيد، دور الفقهاء في القانون الروماني والفقه الإسلامي، رسالة دكتوراه بحقوق القاهرة، 2014م، رقم 2/571.

[29] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص476؛ محمد عبد المنعم بدر، القانون الروماني، ص148.

[30] كل ذلك مبسوط في الدراسة بطرق نقله والبرهنة عليها في الصفحات 507-517.

[31] الدبوسي، تأسيس النظر؛ العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

[32] انظر: في تاريخ النظام القانوني الإسلامي، ص439.

[33] انظر: الشاطبي، الموافقات (3/45).