يُعَدُّ الحفظ الإلهي للنص القرآني كما تنزَّل على صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم حقيقةً مُسلَّمةً لدى كل مسلم. إلَّا أن البحث التاريخي الذي يجريه مؤلِّف هذا الكتاب لا يقف عند هذه الحقيقة المعلومة، بل يأخذنا في رحلة مشوّقة في تاريخ المخطوطات القرآنية المبكِّرة، التي تعود إلى العصر الأموي، وربما إلى ما قبله، فيدرس أساليب الكتابة، وإعجام الحروف، واختلاف شكل الحروف بحسب الأقاليم وأعراف النسَّاخ. كما يستقرئ من المخطوطات الأولى أنواع المواد المستعملة، من أحبار وأصباغ وأوراق وما شاكلها، وتطوُّر فنون الكتابة جيلًا بعد جيل. وفي هذا برهانٌ جليٌّ على دور المخطوطات في إثبات صدق ما في تراثنا الإسلامي من مرويات.
ويعقد المؤلف مقارَنات بين العديد من المخطوطات القرآنية المبكِّرة، وما مرَّ بها من تغييرات كبيرة في حقبة زمنية وجيزة، من قبيل الأسلوب المتَّبع في إخراج الصفحة وتسطيرها وزخرفتها، وكذلك الخط المستخدَم في كتابة النص القرآني، فضلًا عن إعداد المادة التي يُكتَب النصُّ عليها من رَقٍّ أو كاغدٍ وغيرهما. وبالإضافة إلى هذا، أفرَد بالتحليل بعضَ أهم المخطوطات المبكِّرة، مثل المصحف الباريسي الذي تناوله في فصل مستقل، مؤكدًا -بمختلف أساليب التحليل التاريخي والنظر في أوراقه والأسلوب الخطي الذي كُتب به- نسبتَه إلى العصر الأموي، وأنه من أقدم المخطوطات القرآنية.