مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية

مغامرة

 يُعَدُّ كتاب «مغامرة الإسلام» سجلًّا جامعًا عن جميع حقب التاريخ الإسلامي في مختلف امتدادته الجغرافية، إذ اهتم بتاريخ الوعي والضمير وبحركة التقاليد الثقافية وتموضعاتها الاجتماعية، وقد عرض الكتاب فترة كبيرة من تاريخ الإسلام تبدأ بالعصر الكلاسيكي للإسلام (المجلد الأول)، مرورًا بامتداد الإسلام في العصور الوسطى (المجلد الثاني)، ثم يقف على أعتاب العصر الحديث مع إمبراطوريات البارود الإسلامية (المجلد الثالث).

 مارشال هودجسون

مارشال هودجسون

ومؤلف الكتاب هو المؤرخ الأمريكي مارشال هودجسون (1922-1968م)، ويُلاحظ في سيرته انتماؤه للكويكرز[1]؛ مما سهَّل عليه -في تصورنا- تجاوز السرديات الاستشراقية التقليدية عن الإسلام، فكما يذكر المترجم أسامة غاوجي في مقدمته المدهشة للكتاب، نقلًا عن ريتشارد إيتون[2]، فقد استطاع مارشال هودجسون أن يُحْدِث ثلاث قطائع مع من سبقه من المؤرخين والمستشرقين، وهي: «القطيعة النظرية» حيث هدم المسلَّمات والمصطلحات الاستشراقية عن الإسلام وحضارته، و«القطيعة الجغرافية» حيث أخرج قراءة الإسلام خارج النطاق الاستعرابي (أي التركيز على تاريخ المنطقة العربية وثقافتها بوصفها ممثلًا للتاريخ الإسلامي)، وسنجد أنَّ المنطقة الفاعلة في إنتاج الحضارة الإسلاماتية هي النطاق الإيراني ووسط أوراسيا. و«القطيعة الزمنية» وذلك عن طريق رفضه للفكرة الأوروبية الشائعة عن الانحطاط الإسلامي في العصر الكلاسيكي.

إنَّ هودجسون يموضع الإسلام ضمن مسار تاريخ العالم، فيُخرج الإسلام من كونه إطارًا محليًّا إلى أفق التاريخ الواسع، لكن هذا لا يعني أن هودجسون لم يقتبس أفكارًا ممن قبله مثل توينبي وشبنغلر وغوستاف فون غرونباوم، فقد أخذ من توينبي –على سبيل المثال- فكرة الأقلية الخلَّاقة، ومن غرونباوم أخذ أفكاره عن التاريخ السياسي والثقافي للهند المسلمة.

إنَّ كتاب «مغامرة الإسلام» هو نتاج ثورة على كتابات استشراقية كرَّست فكرة المركزية الأوروبية، ومن هنا يهدم هودجسون التصورات الذهنية الاستشراقية عن التقليد الإسلامي[3]، متجاوزًا الحيز الاستعرابي بإدماج العناصر الثقافية السريانية والفارسية والإغريقية داخل بنية الحضارة الإسلاماتية، فالمنطقة موضوع الدراسة في كتاب «مغامرة الإسلام» هي المنطقة الممتدة من نهر النيل إلى نهر جيحون. ويبدأ العصر الكلاسيكي عند هودجسون من النبي محمد ﷺ بوصفه نموذجًا لهذه الحضارة، ثم ينطلق صوب الأشكال التي اتخذتها الحضارة الإسلاماتية في العصر الكلاسيكي عن طريق دراسة تحديات الشريعة وأهل التقوى الذين صاغوا رؤيتهم وفق قانون الشريعة، إلى أفول تقليد الحكم المطلق مع نهاية المجلد الأول. وفي بداية المجلد الثاني يُحدثنا هودجسون عن المرحلة الوسيطة، ثم يُحدثنا عن أهم سماتها، وهي: العسكرة وظهور نظام الأعيان الذي حمل الثقافة الإسلاماتية إلى أرجاء المعمورة، وهذه المرحلة هي التي أوصلت إلى حقبة «أزمنة البارود» التي يراها هودجسون نتاجًا للمرحلة الوسيطة، وهذا هو موضوع المجلد الثالث حيث يدرس إمبراطوريات البارود الإسلامية «الصفوية» و«العثمانية» و«الهندية التيمورية» ويُقدّمهما بوصفها امتدادًا طبيعيًّا للعصر الوسيط.

وتكمن أهمية الكتاب في كونه يقدِّم سرديات صادمة، لعل أبرزها أن الحضارة الإسلاماتية حضارة عالمية، وأن العصر الزراعاتي الإسلاماتي لا يقل ازدهارًا عن عصر النهضة الأوروبي، كما يُدهشنا بقوله: إن المجتمع المسلم اشترك في التحول الطفري الحديث، وذلك في دراسته –في المجلد الثالث- لكيفية مواجهة البنغال والهند ومصر والتتار في حوض الفولغا للعصر التقني.

المبحث الأول: مارشال هودجسون ومقدمة كتابه

فن هدم المصطلحات وبنائها

لا يُمكن فهم هذا الكتاب دون قراءة مقدمته؛ إذ تجعل القارئ يُحْكِم قبضته الدلالية على مصطلحات كثيرة مثل «الثقافة» و«الحضارة» و«الإسلاماتي» و«الزراعاتي» و«العصر التقني» وغيرها.

وصف ستيف تماري أستاذ التاريخ في جامعة جنوب إلينوي، مقدمة مارشال هودجسون لكتابه "مغامرة الإسلام" بأنَّها «المقدمة الغربية» على غرار «مقدمة ابن خلدون»، هذه المقدمة جاءت في المجلد الأول فيما يُقارب مئتي صفحة، وفيها قدَّم هودجسون الرؤية الإسلاماتية في الدين والحضارة، عبر دراسة أثر فعل الإسلام وديالكتيك التقليد الثقافي وتنوع الإسلام في شبكة التاريخ العام والحضارة بوصفه تعبيرًا عن المُثل العليا. وفي تصوري أنه لا يُمكن فهم هذا الكتاب دون قراءة مقدمته؛ إذ تجعل القارئ يُحْكِم قبضته الدلالية على مصطلحات كثيرة مثل «الثقافة» و«الحضارة» و«الإسلاماتي» و«الزراعاتي» و«العصر التقني» وغيرها، فقد هدم هودجسون كثيرًا من المصطلحات واستعمل بدلًا منها مصطلحات أكثر دقة وأقل تحيزًا حسب تصوّره. وقد بيَّن شهاب أحمد أنَّ «مصطلحات هودجسون لم تنل قسطًا كافيًا من الرواج بين العلماء الذين يكتبون عن الإسلام، لكنه مع ذلك كان المنطق التأسيسي الذي يحكم مخططه، وتمييزه بين الدين والثقافة تحديدًا مؤثر في نطاق واسع وفعَّال في تحليلات المؤرخين الآخرين بصورة ضمنية أو علنية»[4].

المصطلحات والتحيزات المعرفية

يُشكّل المصطلح اللبنة التي يقوم عليها البناء المعرفي للباحث أو المؤرخ، ويتبنى هودجسون أطروحة المقاربة المُراجِعة أو (التنقيحية) revisionist في التعامل مع المصطلحات، حيث يفضل أن يستبدل بالاستعمال المضلل السائد (المتحيز) آخرَ وجيهًا، وهذا أهم ما في مقدمة هودجسون، إذ يُشكك في كثير من المصطلحات ويعدها مضللة. وهنا يربط هودجسون المصطلح بعملية إنتاج المعرفة، "فمصطلح مثل «العصر الحديث» يفترض عادة استعمال مصطلح «تقليدي» بوصفه مصطلحًا يشمل جميع الأشكال الاجتماعية التي لا تمتلك خصائص هذا المركب من السمات"[5]، ومن ثمَّ فإنه يستعمل مصطلح «تقني» بدلًا من مصطلح «حديث».

إنَّ تعبير: «من نهر النيل إلى نهر جيحون» من أفضل البدائل التي استعملها هودجسون باستمرار لمصطلح «الشرق الأوسط» الذي يعدّه مصطلحًا كولونياليًّا.

ويبدو فرار هودجسون من التحيزات المعرفية للمصطلحات أكثر وضوحًا في تمييزه بين «الإسلامي» و«الإسلاماتي»، فهو يهدم الشائع في الكتابات الاستشراقية من استعمال مصطلح «إسلام» و«إسلامي» في التعامل مع الدين ومع كل من المجتمع والثقافة المرتبطيْن بالدين على السواء، ولذلك فهو يُميز بين «إسلامي»: وهو ما يتعلق بالمعنى الديني، و«إسلاماتي»: وهو ما يتصل بالمجتمع والثقافة المرتبطين تاريخيًّا بالإسلام والمسلمين، وهو تمييز يمكن أن نفهمه على أنه تمييز بين الإسلام بوصفه عقيدة وبين الثقافة التي تشكّلت حوله، ومن ثمَّ فإنه ينظر إلى الأدب والفن والفلسفة عبر صفحات كتابه الكثيرة بوصفها «مظاهر إسلاماتية»، لكن يظل معيار قياس ما هو ديني (إسلامي) وما هو ثقافي (إسلاماتي) غامضًا في أطروحة هودجسون، أو على الأقل بالنسبة لي. وحتى ولو كان هذا المعيار هو «التقوى الشخصية» بوصفها جوهرًا للدين كما يتضح في مغامرة الإسلام، فإنّ هذا المعيار يظلّ مفتقدًا للدقة؛ إذ يقل في ضوئه التعبير عن الإسلام بوصفه «عقيدة إيمانية» مع وجود أنماط متناقضة من التقوى الشخصية، فلا يمكن تحديد مفهوم الإسلام استنادًا إلى أيٍّ منها منفردًا، ومن هنا قد تبدو محدودية مفهوم هودجسون عن الإسلام، رغم الحقبة التاريخية الكبيرة التي يُعالجها في كتابه.وإذا كان مصطلح «الإسلاماتي» من المصطلحات المركزية في الكتاب، فإنَّ تعبير: «من نهر النيل إلى نهر جيحون» من أفضل البدائل التي استعملها هودجسون باستمرار لمصطلح «الشرق الأوسط» الذي يعدّه مصطلحًا كولونياليًّا يتغافل عن الحدود الطبيعية للمنطقة التي سادت فيها الثقافة-الإيرانية السامية في فتراتها المختلفة.

الإسلام بوصفه تقليدًا ثقافيًّا

لا يُقدّم لنا هودجسون شكلًا متمايزًا للإسلام، بل ينظر له بوصفه ديالكتيك تقليد ثقافي. بمعنى أنّ تمظهرات الإسلام لم تكن متماثلة في كل زمان ومكان، فهودجسون يرى أن التقليد الإسلامي كان في تفاعل مستمر مع التقاليد الثقافية الأخرى، وينظر إلى الإسلام من مستوييْن: الأول ديني، والثاني حضاري. فالأول: يدعو إلى إقامة نمط اجتماعي شامل. والثاني: عبارة عن أعمال فنية كبرى وسياسات السلالات الحاكمة والعبقريات الدينية.

المبحث الثاني: الإسلام والبناء الاجتماعي الجديد في تاريخ العالم

يرصد هودجسون القوى الدافعة التي كانت حاضرة في الحياة السابقة على الإسلام، لكي يدرس مدى تأثُّر الحضارة الإسلاماتية بالثقافات السابقة.

ينقسم المجلد الأول بعد المقدمة إلى كتابيْن، الأول: «تغلغل الإسلام: نظام اجتماعي جديد»، والثاني: «الحضارة الكلاسيكية في الخلافة العليا». وفي هذا المبحث نقرأ أهم أفكار هودجسون في الكتاب الأول عن تغلغل الإسلام، فهو يقرأ الإسلام بوصفه مدمجًا ضمن تاريخ العالم، ومن ثمَّ فإنه يدرس ماهية شكل العالم قبل الإسلام، فالمجتمع الإسلاماتي هو الوريث المباشر للمجتمعات القديمة من النيل إلى جيحون، بل وكان متابعًا إيجابيًّا أيضًا، فقد "كانت الحضارة الإسلاماتية وارثة التقاليد التي تم التعبير عنها باللغات السامية والإيرانية التي تطوَّرت خلال القرون السابقة للإسلام"[6]، ومن ثمَّ يرصد هودجسون القوى الدافعة التي كانت حاضرة في الحياة السابقة على الإسلام، لكي يدرس مدى تأثُّر الحضارة الإسلاماتية بالثقافات السابقة، وهي الثقافات التي وصفها هودجسون بأنها زراعاتية، ويقصد بزراعاتي كامل النسيج الثقافي الذي كانت العلاقات الزراعية أمرًا حاسمًا فيه، وليس مجرد الدلالة على حضور المؤسسات الزراعية.

العصر المحوري[7]

كانت الزراعة هي أساس ثروة البلاط، ولقد حدد المجتمع المديني ذو الأساس الزراعي في العصر المحوري السمات الكبرى للتطور التاريخي، ويقع الإسلام في منتصف العصر المديني الزراعاتي الذي ظهرت فيه مركبات شاملة وجديدة للتقاليد الثقافية العليا التي يقول عنها هودجسون: "إنَّها كانت متمايزة في مناطقها في العصر المحوري عبر صعود تقليد كتابي خاص وتطوره في كل منطقة"[8]، ومن هذه المناطق الثقافية منطقة ما بين النيل إلى جيحون. وقد ركَّز المبدعون في تلك المنطقة وغيرها على مخاطبة الضمير الفردي، أما على مستوى السلطة فكان هناك نزوع للتوسع الإمبراطوري؛ لكن أهم ما ركز عليه هودجسون هنا هو تأكيده على أن المنطقة الممتدة من النيل إلى جيحون بقيت متمايزة ثقافيًّا عن المنطقة الأوروبية، حيث أصبحت الثقافة الهيلينية -بالإغريقية أو باللاتينية- هي الأساس الذي قامت عليه جميع تقاليد الثقافة العليا حتى بعد دخول المسيحية.

الإسلام في عصر الإمبراطوريات الملِّية

يرصد هودجسون تطور الدين الملّي[9] في المنطقة الإيرانية -البحر أبيض- متوسطية (نحو 650 ق.م-632م) في العصر المحوري والقرون التالية له، وقد ظهرت في المنطقة المدينية الممتدة في أراضي أفرو-أوراسيا مجموعات فكرية كلاسيكية ستصبح فيما بعد ذات تأثير فعّال، ومن خلال مخطط زمني يوضح ملامح تطور الدين الملّي من نحو (650-550 ق.م) حيث ظهور زرادشت وأرمياء في إيران وسوريا، مرورًا بالإمبراطورية الإخمينية الفارسية إلى بسط الهيمنة الإغريقية بواسطة الإسكندر على الإمبراطورية الإخمينية، ثم يُبيّن أنّه في نحو (200ق.م-200م) ظهرت سيطرة الرومان المحبّين للثقافة الإغريقية قبل أن يظهر المجتمع المسيحي في سوريا، على أساس تحويل العبادة اليهودية للإله إلى عبادة عالمية.

القرآن عند هودجسون «يؤكد دائمًا على مرجعيته المفارقة والمتعالية واضحة أمام العقول».

يوضح الكتاب أنّه بحلول زمن النبي محمد ﷺ كانت السمة البارزة للإمبراطورية الرومانية هي دعمها للكنيسة على نطاق جغرافي واسع، ولا ينظر هودجسون إلى النبي محمد ﷺ بوصفه نبيًّا يُوحى إليه، فمثلًا قد يصف هودجسون الوحي بأنّه «حالة بدنية خاصة»[10]، فهو لا يعتني بمدى صدق ما يدعو إليه، بقدر ما ينظر إلى كيفية تحول شخصية النبي محمد ﷺ وتعاليمه إلى نموذج للمسلمين الذين تكونت الحضارة الإسلاماتية تحت ظلهم. ورغم أن هودجسون يقول بأن المنطقة المحيطة بالجزيرة العربية كانت تحت سيطرة التقاليد الدينية المليّة، فإنه يرصد عدم تأثر مكة بهذه التقاليد، فقد كانت المكان الوحيد الذي كانت الوثنية فيه ما تزال أكثر حيوية، ومن ثمَّ يرصد هودجسون ما أسماه بـ«تحدي محمد» الصادم للمجتمع المكي، فهو تحدٍّ قائم على التوحيد والمسؤولية الفردية الأخلاقية، ويظهر احترام هودجسون للقرآن الكريم ومضامينه التوحيدية وتناغم آياته، فالقرآن عند هودجسون «يؤكد دائمًا على مرجعيته المفارقة والمتعالية واضحة أمام العقول»[11]. في النهاية، لقد رصد هودجسون قيمًا وأفكارًا كانت فاعلة في حياة النبي ﷺ، ورصد كيفية تأسيسه لكيان سياسي محلي جديد يقوم على هذه القيم والأفكار.

المبحث الثالث: الأزمنة المروانية والعباسية في الحضارة الإسلاماتية الكلاسيكية

ينطلق هودجسون من لحظة تأسيس نظام الخلافة ثم الفتنة بين الصحابة إلى الحضارة الكلاسيكية للخلافة العليا وذلك في الكتاب الثاني من المجلد الأول، ويُلاحظ هنا أن هودجسون قد يتبنى بعض الرؤى المخالفة للرؤية الإسلامية الكلاسيكية السنية حول ما شجر بين الصحابة، تلك الرؤية التي أسس لها القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه «العواصم من القواصم». فمن خلال هذه الانطلاقة وبالمرور عبر الأزمنة المروانية إلى نهاية العصر الذهبي للعباسيين مع نهاية المجلد الأول، كان هودجسون يرصد تطور تقاليد الحضارة الإيرانية-السامية بشكل إسلاماتي، متخذًا من التغيرات السياسية مجالًا لرصد تغير السيطرة المدنية على الأراضي الريفية الداخلية وثروتها وكذا تشكل أدب البلاط، وهو يقصد بالأدب عامة: الثقافة الموازية لأهل الشريعة.

تظهر الشريعة في هذا الجزء بوصفها أهم أشكال استجابة أهل التقوى للمتغيرات في الحضارة الإسلاماتية الكلاسيكية، فأهل التقوى (وهو مصطلح يقصد به العلماء) صاغوا رؤيتهم وفق قانون الشريعة، فالمعارضة التي تشكلت ضد المروانيين كانت تقوم على أساس الشريعة، والخلاف حول "نوع السلطة التي يجب أن تتبوأ الموقع الذي كان لمحمد وخلفائه المباشرين"[12]. في النهاية، قُبِلت التسوية العباسية إذ لم يكن الاستمرار في المعارضة ممكنًا، وإن ظلَّت المعارضة هي الموقف الضمني للعلماء وأهل التقوى.

إحكام قانون الشريعة

كانت المهمة الأولى لأهل التقوى -وفق الكتاب- بعد انتصار العباسيين هي إحكام قانون الشريعة، ويبدو هودجسون متأثرًا بشاخت   Schacht [13] عندما يؤكد أن رؤية أهل التقوى للشريعة تتشابه مع القانون اليهودي، ويكرّس للقول بتأثر الفقه الإسلامي بالقانون الروماني في إجراء تعريفاته لبعض المصطلحات، وهذه من المسائل الضعيفة التي نقلها هودجسون من الاستشراق الكلاسيكي. وبشكل عام يرى هودجسون أنَّ البنية الصلبة للفقه تأسست في زمن العباسيين، وأن تقوى المسلمين هي التي مثَّلت التحدي الحضاري لهم، ويقصد بالتقوى الإخلاص الروحي الفردي أو طريقة الفرد في الاستجابة للإله بغض النظر عن الولاء الديني للفرد.

سيُلقي هودجسون الضوء بالترتيب على التقوى عند الشيعة (الاثنا عشرية والإسماعيلية) وعند أهل الحديث (محنة ابن حنبل)، وعند أصحاب التوجه الصوفي، ليخلص من ذلك إلى القول بأن نمط التقوى عند الشيعة الاثني عشرية قائم على تقديس الأئمة، وعند الإسماعيلية على فكرة الباطن، ويرصد التشابه بين نمط التقوى الإسماعيلي مع المزاج المانوي، أما تقوى أهل الحديث فيراها قائمة على احترامهم للأحاديث المروية.

قد يقع هودجسون في بعض التفسيرات الماركسية وتحيزاتها، مثل زعمه تشيع طبقة التجار في المدن حيث كان للبرجوازية دورٌ في هذا، دون أن يذكر لنا سبب عدم تحول آلاف التجار عن مذهب أهل السنة، وفي مقابل الشريعة سيتكلم عن الفلسفة ومفكريها وكيف أدَّت دورًا بارزًا وإن ظلَّت هامشية، وكيف ظل علم الكلام محل شك في نظر الكثيرين من أهل الشريعة، ثم يتجاوز ويبالغ هودجسون في بعض تحليلاته عن أفول تقليد الحكم المطلق عندما يتكلم عن الأسباب الزراعاتية ودورها في هذا الأفول.

المبحث الرابع: تحديات الحضارة الإسلاماتية في المرحلة الوسيطة

يستمر هودجسون في تتبع مغامرة الإسلام عبر رصد امتداد الإسلام في العصور الوسطى، ويبدأ في المجلد الثاني بالكلام عن المراحل الوسيطة للتاريخ الإسلاماتي، حيث ظهرت مجموعة من الحكومات المستقلة عن سلطة الخلافة، وألقى الضوء على هذا النظام الذي تشكَّل  بصعود الفاطميين وممالك الطوائف في إسبانيا، وكذلك سيطرة البويهيين الشيعة على بغداد وبناء لاهوت شيعي، وقد دعموا علم الكلام بصورته الاعتزالية والفلسفية، إلى أن أُخْضِع البويهيون على يد السلطة السلجوقية، ومن هنا سيتكلم عن ظهور السلاجقة ونظام الملك الذي يقول عنه هودجسون إنه انتهج سياسة لعبت دورًا في النظام السياسي الجديد وأدَّت إلى ظهور طبقتيْن: طبقة العلماء وطبقة القادة العسكريين «الأمراء».

ويدرس هودجسون السمات التي أسهمت في تشكيل الجزء المميز من النظام الاجتماعي الإسلاماتي في المراحل الوسيطة، فهو يري مثلًا أن انحلال السلطة المركزية أدى إلى واحدة من أهم سمات المرحلة الوسيطة وهي «العسكرة»، لكن اتساع نطاق الحرية للفرد المسلم أسهم في ظهور «نظام الأعيان» الذي حمل الثقافة الإسلاماتية إلى أرجاء المعمورة. هذا الانقسام إلى أمراء/أعيان أنتج حضارة كوزموبوليتانية كما يرى هودجسون، إذ  أحدث هذا الانقسام توازنًا بين المصالح الزراعية والتجارية في الثقافة الإيرانية-السامية، ثم يحاول تطبيق أثر هذا النظام الاجتماعي الكوزموبوليتاني في الحياة اليومية ويعالج مسائل مثل المسألة الجنسية، وقد تبدو في بعض استنتاجاته مبالغة شديدة، مثل كلامه عن حالة الكبت الجنسي أو النزوعات المثلية، لكن أهم ما تكلم عنه هنا هو كلامه عن المخاوف والملذات الخاصة.

في تلك المرحلة يرصد هودجسون كيفية نضوج التقاليد الفكرية، ويرصد ظهور ما يسمى بالتقليد البطولي إمَّا بالتوجُّه نحو صورة البطل في تراث البدو كما في سيرة عنترة، أو بالتوجُّه نحو التقليد الساساني كما ظهر ذلك في كتاب «الشاهنامه» للفردوسي، ويُلاحظ هودجسون حضور الدين المزدي في بنية الشاهنامه ويُقدِّم استقراءً رائعًا لها، ويتكلم عن الأدب الممزوج بالفلسفة عند ابن مسكويه والتوحيدي، ويُعظِّم من جهود ابن الهيثم والبيروني وجابر بن حيان، ثمّ يدرس انتصار علم الكلام وانحساره، ويتكلم عن الغزالي وموقفه من الفلسفة، ثم ينطلق في فصل كبير وممتد ليتكلم عن التصوف ونظام الطريقة. لكن يجب أن نلاحظ عدم اهتمامه بتقييم صحة تلك الأفكار وموافقتها للمنبع الأول، لكن يكفيه أنه قرأها بوصفها فكرًا قراءة أقرب للصحة، فبالنسبة إلى التصوف يرى أنَّه كان ذا أثر كبير في تلك المرحلة الوسيطة.

بشكل عام، يُقدِّم هودجسون قراءة للتصوف في العصر الوسيط بوصفه ممثلًا لبنية مركزية في التصور الشعبوي الإسلاماتي، فتجد مثلًا رصدًا للآراء ذات الميول الوحدوية عند السهروردي وابن عربي وجلال الدين الرومي، لكنه يرى أن المرحلة الوسيطة شهدت انتصارًا للنزعة السنية الجديدة العابرة للقوميات على جبهة الهند والأناضول والمغرب العربي، وكذا في تحول قبائل المغول إلى الإسلام، وإن كان يُعطي دورًا كبيرًا للتصوف والفلسفة في حركة الحضارة الإسلاماتية في العصر الوسيط.

إن مسألة انحدار الحضارة الإسلاماتية بعد الغزو المغولي مسألة مشكوك فيها، بل إنه يقول بأن مفهوم «الانحطاط الثقافي» شديد المراوغة.

يرصد هودجسون كوزموبوليتانية الحضارة الإسلاماتية بشكل أوضح في كلامه عن تفتح الحضارة الفارسية وأزمنتها، حيث أصبحت الفارسية لغة البلاط ولغة تقاليد أدبية ثقافية أطلق عليها «التقاليد الفارساتية». هذه الكوزموبوليتانية للحضارة الإسلاماتية كان لها التأثير الأكبر في المغول الذين دمروا بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية، إذ ظهرت نخبة سياسية مغولية جديدة. وبنزوع هودجسون الماركسي يفسر ذلك بانحطاط الزراعة، ورغم عدم شمولية هذا التعليل فإن المهم هو تأكيده على أن مسألة انحدار الحضارة الإسلاماتية بعد الغزو المغولي مسألة مشكوك فيها، بل إنه يقول بأن مفهوم «الانحطاط الثقافي» شديد المراوغة؛ إذ لا يمكن وصف أي مرحلة في أي مجتمع بأنها داخلة في أزمنة الانحطاط، فطبيعة أي تقليد ثقافي في تغيره المستمر تتطلب شيئًا من الانحلال أو إهمال بعض المعايير، فالمهم عنده من جهة التقييم هو التوازن الكلي بين لحظات الإبداع والانحطاط، كما إنه يقوم بدحض فكرة المركزية الأوروبية عن طريق التشكيك في تميز عصر النهضة الأوروبي عن فترات الازدهار في العصر الزراعي، وكيفية استفادة الغربيين من المنتج الفكري للشرق.

المبحث الخامس: عصور البارود ومأزق الإسلام والحداثة

يُمكن أن نَعُدَّ المجلد الثالث من الكتاب أخطر الأجزاء وأهمها، فهو يساعدنا على فهم إمكانات الحضارة الإسلاماتية وحدودها بالصورة التي تطورت عليها في المرحلة الوسيطة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فهذا الجزء يعطي أهمية لدراسة القرون الثلاثة الحاسمة التي كان لها أبلغ الأثر في تشكيل واقعنا المعاصر، وهي: القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، هذه القرون التي يُسمِّيها هودجسون بـ«أزمنة البارود» التي بدأت مع القرن السادس عشر. ومن هنا يُركِّز هودجسون على إمبراطوريات البارود الإسلامية «الصفوية» و«العثمانية» و«الهند التيمورية»، فهو يريد التأكيد بشكل أو بآخر على أن هذه الإمبراطوريات امتداد طبيعي للحضارة الإسلاماتية في العصر الوسيط، كما أن هذه الإمبراطوريات التي صاحبت عصور الحداثة الأوروبية لم تكن إمبراطوريات متخلفة أو رجعية كما تروّج نظريات المركزية الأوروبية. وهنا يصدمنا هودجسون بحقيقتين، الأولى: أن الكيان الأهم ثقافيًّا هو ذلك الذي ظهر في أراضي الإسلام القديم أي الدولة الصفوية، ففي هذه المنطقة شهدت التقاليد الثقافية الإسلاماتية تطوراتها الكبرى. الثانية: أن القرن السادس عشر الميلادي هو قرن الازدهار الإسلامي (الفارساتي) وأنه كان يُعادل عصر النهضة الأوروبي.

تظهر مشكلة هودجسون إزاء هاتين النقطتين في أنه لم يدلل عليهما كما ينبغي، فالكارثة الحقيقية للحضارة الإسلاماتية لم تكن في القرن السادس عشر كما تزعُم بعض الكتابات، وهنا يضع هودجسون القرن الثامن عشر بوصفه قرنًا كارثيًّا على الحضارة الإسلاماتية، ويؤكد أن هذا القرن كان ذا إنجازات متواضعة في جميع المجتمعات خارج أوروبا باستثناء اليابان. إن حضور الغرب في ذلك القرن أدى إلى تفكك العثمانيين وظهور الوهابيين كحركة إصلاحية، وإن كان هودجسون يصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنَّه أول من وسم المسلمين بالشرك وأباح قتلهم، وهو تعميم يفتقد للدقة. لكنّ الحضارة الإسلاماتية قبل هذا القرن كانت تواجه تحدياتها الكبرى كما يرصدها هودجسون، فصعود الإمبراطورية الصفوية تزامن مع توسع العثمانيين وصعود التيموريين والاختراق البرتغالي للبحار الجنوبية. وكان تقدم البرتغاليين في البحار الجنوبية مذهلًا وكان هدفه تخريب تجارة المسلمين في المحيط الهندي، هنا لم يرصد هودجسون بالتفصيل كيف واجه العثمانيون التحدي البرتغالي في المحيط الهندي كما فعل جانكارلو كازالي في كتابه المهم «رُيَّاس البحر الهندي»؟ لكن هودجسون شرح كيف أثَّر النشاط البرتغالي في تخريب التجارة الإسلامية، وهو الأثر الذي وصفه بأنَّه كان كالعاصفة.

يرصد هودجسون ملامح إمبراطوريات البارود: كيف أسس الشاه إسماعيل دولة صفوية متعصبة، وكيف تحالف الصفويون مع البرتغاليين، ويفصّل الحديث عن المجتهدين الشيعة مثل محمد باقر مجلسي. وفي الهند التيمورية يركِّز هودجسون على جلال الدين أكبر ويحتفي بتجربته التي تخلى فيها عن تأسيس شرعيته على الشريعة، وكان يميل إلى النزعة الكونية التي ترى وحدة الحقائق بين الإسلام والهندوسية، لكنه يقول بلا موضوعية إن الحياة الثقافية والأخلاقية التي رعاها أكبر لم تكن متعارضة في حد ذاتها مع الإسلام، ثم في شيء أشبَه بالتناقض يقول بأنَّها كانت تقوم على تأويل مختلف للإسلام. أمَّا على جبهة العثمانيين فيحدّثنا عن تحالف الشريعة والعسكر، وعن الشريعة بوصفها عنصر الإلهام لأشكال الثقافة العليا في البلاط العثماني، وأهم ما سيرصده هودجسون هو فكرة «الازدهار العثماني»، وهنا يضرب هودجسون بأدبيات القومية العربية حول العثمانيين عرض الحائط، فهو يرفض فكرة الانحطاط العثماني بناءً على فكرة انحطاط الحكم، بل يرى أن المجتمع العثماني ظلّ مفعمًا بالحيوية طوال القرن السادس عشر.

منذ منتصف المجلد الثالث يعالج هودجسون مسألتيْن مهمتيْن: رصد التحولات الحديثة التي شهدتها أوروبا الغربية (جيل 1789م)، والاستجابة الإسلاماتية لهذه التحولات على مستوى إمبراطوريات البارود، لكن هنا لا بد من تقرير حقيقتين أكَّد عليهما هودجسون: أنَّ العصر الزراعاتي الإسلاماتي لا يقل ازدهارًا عن عصر النهضة، وأن أهم ثلاثة اختراعات في عصر النهضة (البارود - المطبعة - البوصلة) لم تكن مخترعات أوروبية أصيلة، بل تم استيرادها من الشرق. بهاتين الحقيقتيْن يخرج هودجسون عن إطار المركزية الأوروبية، بل يطرح فكرة صادمة ومخالفة للسرديات الشائعة عندما يقول إنّ أوروبا في بدايات عصر النهضة كانت متأخرة سياسيًّا حتى عن العثمانيين.

جون هوبسون

جون هوبسون

إذن ما هي أسباب الهيمنة الأوروبية؟ يُرجع هودجسون أسباب الهيمنة الأوروبية إلى ما أطلق عليه «التحول الطفري» من تراكم رأس المال وانفتاح الأسواق وظهور إرهاصات العلم التجريبي وقوة البرجوازية المالية، في الوقت الذي فشل فيه النظام الزراعاتي الإسلاماتي في هذا التحدي، لكن هذا تحليل مبتسر؛ لأنه لم يُقدِّم أسبابًا لهذا الفشل الزراعاتي في التحول للعصر التقني، كما أنه تغافل عن عامل «الهيمنة الإمبريالية» بوصفها عاملًا أساسيًّا في هذا التحول الطفري، ومن هنا فإن تحليل جون هوبسون في كتابه «الجذور الشرقية للحضارة الغربية» أكثر عمقًا واستيعابًا، بل إن هوبسون يؤكد أنه لولا حملات الاستكشاف الأوروبي ونهب ثروات الشعوب من الذهب ما كان للصرف المالي الغربي أن يقوم، بينما يتكلم هودجسون عن المالية البرجوازية دون أن يشرح لنا كيفية صعودها وهيمنتها.

سيتناول هودجسون ثلاث حالات توضح الأشكال المختلفة لقدوم العصر التقني إلى المجتمعات الإسلامية وهي حالة (بلاد البنغال والهند - مصر - التتار في حوض الفولغا)، من خلال هذه النماذج يرى بأن المجتمع المسلم اشترك في التحول الطفري الغربي الحديث من الداخل بدرجة كبيرة. مثلًا يرصد كيف أدخل البريطانيون ثقافة جديدة في الهند تم تبنِّيها تدريجيًّا حتى غيَّرت من طبيعة الدين نفسه، وهذه الأنظمة ذات الطابع الاستعماري التي نشأت في الهند تتشابه مع تلك التي نشأت في مصر والإمبراطورية العثمانية في عصر الإصلاحات وفي بداية عهد محمد علي، أما تتار الفولغا المسلمون فقد دخلوا في مسار التوسع الاقتصادي الحديث في مستعمراتهم التي احتلَّها الروس.

على كل حال، فقد أثّر ذلك التغريب الشامل -الذي يرصده هودجسون- في تجربة أتاتورك بتركيا حيث تراجع إسلام أهل الشريعة، وفي مصر وبلاد العرب يتحدّث هودجسون عن الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذ مدرسته الذين وصفهم هودجسون بأنَّهم اهتموا بالإصلاح الاجتماعي بالمعنى الغربي الحديث إلى درجة أنَّ اهتمامهم بالإسلام قد تراجع إلى الحد الأدنى، وفي إيران حدثت صيرورة مكثَّفة للتحديث، وفي الهند تصارعت النزعتان الجماعوية والكونية.

بالنهاية يترك هودجسون القارئ أمام إشكالية مهمة: ما إذا كان لدى الإسلام ما يقوله للضمير الحداثي أم لا؟ ومدى قدرته على التصالح مع الكوزموبوليتانية الحداثية؟ لكن مشكلة هودجسون هنا أيضًا هو تغافله عن النظرة الفلسفية التي قامت عليها الحداثة الغربية وصاغت من خلالها رؤيتها للكون والحياة مثل «الحلولية الكمونية» التي تكلم عليها عبد الوهاب المسيري في كتابه «الحلولية ووحدة الوجود»، ومن هنا يُعد سؤال المصالحة في غير محله، والأجدى هو سؤال المقاومة وتقديم البديل من قلب الحضارة الإسلاماتية كما فعلت دومًا وأبدًا، وكما أوضح هودجسون ذلك عبر رحلته العميقة والطويلة لمغامرة الإسلام.

الخاتمة

في بداية الأربعينيات من القرن العشرين قال القومي الشهير ساطع الحصري إنَّ الكتب الغربية عن التاريخ العربي كانت متحيّزة ومستخدمة كأدوات من قبل الاستعماريين، ومن ثم باتت الكتب التي تتخلص من هذه النزعة في دراستها ذات أهمية كبرى، ومن ذلك كتاب مغامرة الإسلام لمارشال هودجسون الذي حاول الحفاظ بقدر الإمكان على المعايير الأكاديمية المهنية عبر تحرير المصطلحات واستبدالها بأخرى أقل تحيّزًا، والنظر إلى الإسلام والحضارة الإسلاماتية في سياق حركة التاريخ، فهو كتاب يمكن أن نقول عنه بأنّه مُلخّص للموروث الاستشراقي بأكمله مع بيانه لأوجه ضعف هذا الموروث، وذلك عبر عرض كبير لتاريخ الحضارة الإسلاماتية منذ ظهور النبي ﷺ إلى لحظة غروب شمس إمبراطوريات البارود وصدام الحضارة الإسلاماتية مع بواكير العصر التقني الغربي.


الهوامش

[1] الكويكرز: هي التسمية الأكثر شهرة لجمعية الأصدقاء الدينية التي أنشأها جورج فوكس (1624-1690م)، ويُطلق عليهم أيضًا الصاحبيون. وقد نشأت في إنجلترا في القرن السابع الميلادي، وهي تدعو إلى المساواة الإنسانية بغض النظر عن العرق أو الجنس، وتزعم أنَّ كل البشر يمكنهم التواصل مع الرب دون الحاجة للكنيسة ورجالها، وقد تعرض رجال هذه الجمعية للاضطهاد ما بين السجن والإعدام، وقد وصل نفوذ الكويكرز لأمريكا إلا أنَّها ظلَّت طائفة نخبوية.

[2] في بحثه «الحضارة الإسلامية والتاريخ العالمي» مجلة الاجتهاد، السنة 7، عدد مزدوج 26-27 (1995)، ص 199، نقلًا عن هامش كتاب مغامرة الإسلام.

[3] التقليد Tradition: يُستعمل في كتابات المستشرقين للدلالة على المفاهيم والتعاليم الإسلامية بشكل عام، وإن كان يستثني القرآن بوصفه مصدرًا لتلك التعاليم ليحصره في الدلالة على مفاهيم السنة النبوية والإجماع والعادات والتقاليد والمدونات الفقهية، ونُلاحظ أن هودجسون يستعمله ليعني به كل هذا، بينما يستعمله جوناثان براون –على سبيل المثال- في كتابه «النزاع على السنة» ليعني به خصوص الحديث أو السنة، ومن هنا فإن السياق الفكري لكلام المؤلف حاكم على فهم أبعاد المصطلح الذي يستعمله.

[4] شهاب أحمد، «ما الإسلام؟ في مغزى أن تكون منتميًا إلى الإسلام»، ترجمة: بدر الدين مصطفى، محمد عثمان خليفة، (المغرب: مؤسسة مؤمنون بلا حدود) ص 192. (بتصرف يسير).

[5] مغامرة الإسلام 1/144.

[6] مغامرة الإسلام 1/220.

[7] العصر المحوري: مصطلح صاغه الفيلسوف الألماني «كارل ياسبرس»، ويشير إلى الفترة الممتدة من (800 ق.م- 200 ق.م)، ويرى ياسبرس أنَّه في هذا العصر ظهر عدد من المفكرين الرئيسين كان لهم تأثير عميق في الفلسفة والدين، ويهتم هودجسون بهذه الفترة نظرًا لأهميتها التاريخية وتأثيرها فيما تلاها.

[8] المصدر السابق 1/236.

[9] مفهوم الدين الملّي عند هودجسون يرتكز على الإيمان الفردي وتَشكُّله من مجموعة من المعتقدات، وتبلور أجسام دينية ترى صلاحيّة أنظمتها الدينية وبطلان سواها، بعكس ما يُسميّه هودجسون بالأديان التقليدية التي كانت جماعية بالدرجة الأولى وليس لها نظام اعتقادي واضح.

[10] مغامرة الإسلام 1/305.

[11] مغامرة الإسلام 1/327.

[12] مغامرة الإسلام 1/385.

[13] من أهم الكتب التي ردت على شاخت كتاب «أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت: دراسة نقدية» للأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وأهمية نقد الأعظمي لشاخت أنّه نقد إسلامي أصيل وليس نقدًا استشراقيًّا مثل نقد الدكتور وائل حلاق، ومن ثمَّ يبعد عن الخلل الذي وقع فيه حلاق الذي يقول بمبدأ اقتباس الرسول ﷺ للنظم القانونية من الشرق الأدنى.