أبو حامد الغزالي: مسلم ممهد لعلم اجتماع الأديان
الملخّص
ساهمت الدراسات الاستشراقية، التي شهدت النور أواخر القرن التاسع عشر وامتدت طيلة القرن العشرين، في إعادة النظر في الصورة التي تشكلت لدى الغربيين عن عدد من المفكرين المسلمين الذين عاشوا في العصر الوسيط. إن ضلوع هؤلاء العلماء المستشرقين في اللغة العربية- ولا بد أن ننوه هنا بأعمال سيلفيستر دي ساسي التي كان لها من هذه الناحية فضل كبير عليهم- مكنهم من اقتحام نصوص جددت، من خلال دراسات فيلولوجية، تاريخ الفكر العربي الإسلامي، وبينت إسهامه في النهضة الغربية، وشكلت فرصة لإعادة النظر في هذا الفكر عموما. ولعل أبرز مفكر عربي إسلامي شهدت صورته لدى الغربيين مراجعة عميقة هو الأندلسي ابن خلدون الذي ولد عام 808 هـ الموافق ل 1406م.
يتعلق الأمر في الواقع ببيان كيف تندرج دراسة الغزالي للمذاهب الفلسفية والدينية في الإطار العام لمنهجية العلوم الإنسانية؛ حيث إن أي انطباع أو تقييم أو حكم معياري من طرف جماعة دينية اهتدت إلى الإيمان بالإسلام دينا، يستلزم في المقام الأول تحصيل هذه الجماعة لمعرفة موضوعية بذاتها ومعتقداتها. ولعل هذا ما حدا بالغزالي إلى بناء منهاج يروم تحقيق الموضوعية، ويسمو به، في أكثر من جانب واتجاه، إلى مرتبة ممهد لعلم اجتماع الأديان. إن حض الغزالي على الملاحظة المتأنية لمعرفتنا وتحيينها، يتيح لنا، من منظور علم الاجتماع، إمكانية التقعيد الذي لا غنى عنه لقراءة جديدة للغزالي.