دعوة إلى المشاركة في الملف البحثي "الأخلاق الإسلامية في عصر ما بعد الأخلاق"

الصورة
دعوة إلى المشاركة في ملفه البحثي الجديد "الأخلاق الإسلامية في عصر ما بعد الأخلاق"

تواريخ مهمَّة

  • استقبال استمارة ملخص المشاركة إلى غاية 15/ 11/ 2022م
  • الرد على أصحاب الملخصات المقبولة 30 /11/ 2022م
  • إرسال البحوث كاملة 30/ 1/ 2023م
  • الرد على أصحاب البحوث المقبولة 1 / 3/ 2023م

أشكال المشاركة

  • البحوث والدراسات من 4000 كلمة إلى 8000 كلمة.
  • المقالات من 1500 كلمة إلى 3000 كلمة.
  • ترجمة أوراق علمية أو مقالات رصينة تتناول الإشكالات المؤطرة في هذه الأرضية أو أحد محاورها، على أن يقدِّم الباحث نسخةً من المقال للمركز لإبداء الرأي فيها قبل الشروع في ترجمتها بعد إقرارها من المركز.
  • ملاحظة: يُشترط في جميع الأعمال المقدَّمة للمشاركة في الملف البحثي أن تلتزم بالضوابط العلمية والأكاديمية المتعارَف عليها.

تُرسَل الملخصات مع استمارة المشاركة والسيرة الذاتية إلى البريد الإلكتروني: [email protected] أو من خلال صفحة شارك معنا.

 محاور الملف

  • المحور الأول: الأصول والمفاهيم

أ) ما بعد الأخلاق في الدرس الفلسفي المعاصر.

ب) ما قبل الأخلاق في الإسلام.

  • المحور الثاني: في أخلاق الذات والتواصل

أ‌) صيغ العيش المعاصر في عصر التواصل الفائق.

ب‌) أخلاق التزكية وآداب التعارف: آليات التفعيل.

  • المحور الثالث: في الأخلاق الاجتماعية والسياسية

أ‌) عصر الصراع والبحث عن السلام الدائم.

ب‌) الشهادة لله والقيام بالقسط: بأيِّ معنى؟

  • المحور الرابع: في أخلاق الجسد والفطرة

أ) ما بعد الإنسانية وما بعد الطبيعة البشرية.

ب) الزوجية والفطرة والروح: إلى أين.

 

أرضية الملف

مقدمة

يوصف عصرنا بعصر "ما بعد الأخلاق"، فقد تراجع موقع القيم الدينية التقليدية التي عرفتها المجتمعات والحضارات آلافًا من السنين، وتعرَّضت المنظومات الأخلاقية الكبرى إلى تحدياتٍ نظرية وعملية هائلة منذ صعود التقنية والتصنيع وظهور النُّظُم الاجتماعية الحديثة وما صاحبها من صيغٍ علمية تطورية وطبيعانية، وصولًا إلى التحولات المتسارعة في مجالات الطب والجينوم والتواصل والفضاء والحروب وغيرها، والتي باتت تهدِّد المفاهيم الأساسية للتصورات الإنسانية (كالفطرة، والطبيعة البشرية، والهوية الإنسانية، والروح، وحتمية الموت، والعلاقة بالأرض)، وتشكِّك في الأُسس التي تقوم عليها النظريات الأخلاقية (المسؤولية، والإلزام، والحساب).

وإذ تقرَّر هذا، فإننا نصرف سعينا إلى القول بأن الحداثة الأوروبية قد قدَّمت -بصيغتها الإنسانوية والتنويرية- وعودًا أخلاقية جديدة، بعد استغنائها عن الأساس الديني الصريح، وأعلت من شأن فكرة الإلزام الذاتي الذي يبرِّر ذاته بذاته، وكذا قيم الحرية والكرامة والسلام العالمي وحقوق الإنسان. غير أن مآلات مشروع الحداثة قد أنتجت صورًا مُفزِعةً من الفراغ الأخلاقي والدمار الكوكبي، والتفكُّك الاجتماعي، والشَّتات النَّفْسي. وقد كان "جدل التنوير" هذا ورشة عمل رئيسة لفلاسفة الأخلاق الغربيين، الذين حاولوا الكشف عن الجذور العميقة التي أنتجت هذه المآلات.

أما في عصر العولمة النيوليبرالية، فإن التحديات الأخلاقية تجدَّدت، وبرزت أسئلة غير مسبوقة تؤكِّد الحاجة إلى ميثاقٍ عالميٍّ للتعاطي مع مشكلات التلوُّث وأخلاق السوق العالمية وقضايا اللجوء والهجرة والهويات المتعدِّدة في عالم بات أكثر اتصالًا وقربًا من أيِّ وقت مضى. ولكنَّ هذه المخاطر العالمية قد لا تكون أكثر أهميةً من المخاطر التي يتعرَّض لها الإنسان في صميم تعريفه الأخلاقي. فمع تزايد معدلات الفردانية والاستهلاكية وتآكل التقاليد الدينية والأخلاقية القديمة، أخذت تبرز صيغُ عيشٍ فوضوية، بلا معيارٍ أخلاقيٍّ متماسكٍ أو مستقيم، فظهرت في الأدبيات النقدية تنويعةٌ من صيغ إنسان ما بعد الأخلاق: الإنسان السائل، الإنسان الضائع، الإنسان المستباح، الإنسان المَدين، الفاسد، النرجسي، إلى آخر هذه القائمة التي تكرِّر قرع نواقيس الخطر، وتحذِّر من المستقبل الذي يجنيه عصرنا على نفسه.

وبالإضافة إلى فلاسفة الأخلاق في عصر التنوير، قدَّم العديد من فلاسفة الأخلاق المعاصرين إسهاماتٍ نظرية وتطبيقية للنظر في المُشكِل الأخلاقي المعاصر (ألسدير ماكنتاير، تشارلز تايلور، إيمانويل ليفيناس، مارثا نوسباوم، وغيرهم)، واختلفوا في الأُسس العميقة لمنطلقاتهم الفلسفية، وفي الخلاصات الأخلاقية الضرورية لتدبير العيش الإنساني للفرد والمجتمع.

في هذا السياق، يبرز التساؤل عمَّا يستطيع التراث الأخلاقي والروحي في الإسلام تقديمه لنا نحن المسلمين، وللحضارة المعاصرة. فإذا كان البعض يرى أن الحضارة المعاصرة تعيش حالةً من التِّيه القِيمي، وتفتقد إلى أساسٍ صلبٍ للبنيان الأخلاقي، فإن في الإسلام -نصًّا وتاريخًا- نظامًا قيميًّا عميق الجذور، ولكنه نظام يعاني التعطيلَ وعدمَ التفعيل في أجندة الحوار الأخلاقي المعاصر.

لقد كانت الأخلاق نطاقًا مركزيًّا في الفكر الإسلامي، أجال النظر وحقَّق البيان فيه المتكلمون والفقهاء والمتصوفة والفلاسفة والوعَّاظ. ولم تكن الأخلاق عند هؤلاء موضوعًا للبحث فحسب، بل تخلُّقًا في الذات وسيرةً يجهد صاحبها في موافقة نُطقِه لحاله. وما يزال المجال الفكري الإسلامي المعاصر -على ما يعانيه جرَّاء أسباب خارجية وداخلية- ثريًّا بإسهامه في النظر الأخلاقي (منذ محمد عبد الله دراز ومن قبله إلى طه عبد الرحمن ومن بعده).

وفي هذا السياق، نرى ضرورة الإسهام في النقاش الأخلاقي لعالم اليوم، عبر تأطير المفاهيم، وتحليل طبيعة التحديات المعاصرة، وفحص مدى كفاية الدرس الفلسفي الأخلاقي المعاصر في الاستجابة لهذه التحديات، وعبر العودة إلى مصادر الذات العميقة وتراثها الأخلاقي لاستنطاق مضامينه، وإبراز عناصره الأساسية، وتصوراته النظرية، وتجسّدها في مسالك العيش التي عرفها المسلمون في حضارتهم وصاغوا بها ذواتهم، ثم الإقدام بجرأة على معالجة هذه التحديات الأخلاقية، والبحث عن حلول ناجعة لها.

ومن هنا يرجو مركز نهوض للدراسات والبحوث أن يُسهم هذا الملف البحثي في تشجيع الباحثين والقرَّاء على تجديد النظر في مباحث الأخلاق، في أنفسهم وفي مجتمعاتهم وفي آفاق الأرض الفسيحة. ولأجل تنظيم الأجندة البحثية، وتناول المسألة الأخلاقية من جوانبها النظرية والعملية معًا، فقد قسَّمنا محاور الملف إلى أربعة محاور كبرى، ينقسم كلُّ محور منها إلى محورَيْن فرعيَّيْن: فرع يتناول النقاشات الأخلاقية المعاصرة (الغربية والعالمية)، وفرع يتناول الاجتهادات الإسلامية والعربية في هذا النقاش الأخلاقي.

وقبل استعراض المحاور، يهيب المركز بالباحثين توسيع نطاق النظر والمقارنة الأخلاقية لتشمل التراثات الأخلاقية والفلسفية غير الغربية أيضًا، وذلك إيمانًا بأهمية "التعارف"، وإقرارًا بالمشترك الإنساني الفطري، وكسرًا لاحتكار تعريف "المعاصر" بالغربي، واستفادةً من تفاعل التقاليد الثقافية والحضارية المختلفة مع الأسئلة والتحديات الأخلاقية العميقة التي تواجه البشرية أجمع.

  • المحور الأول: الأصول والمفاهيم

أ‌) ما بعد الأخلاق في الدرس الفلسفي المعاصر:

  •  يهدف هذا المحور إلى تأطير العائلة المفاهيمية لسؤال الأخلاق المعاصر: ماذا يعني مفهوم ما بعد الأخلاق؟ وما صلته بالمفاهيم المستجدَّة في النقاش الأخلاقي المعاصر من قبيل: ما بعد الواجب، الديمقراطية الأخلاقية، الفردانية الثانية؟
  • كما يهدف هذا المحور إلى البحث عن جذور المُشكِل الأخلاقي في الفلسفة الحديثة وما بعد الحديثة، من خلال تفحُّص أصول النظريات الأخلاقية لعصرنا ومدى كفايتها في التأسيس الأخلاقي على المستويين: الأدنى (العدل)، والأعلى (الإحسان)، وذلك عبر الإجابة عن سؤال: إذا كان الدين هو الأساس المتين للنظرية الأخلاقية، فهل هناك أساس ما بعد ديني للأخلاق في الفلسفة الغربية المعاصرة؟ وهل يمتلك هذا الأساس ما تحتاج إليه النظرية الأخلاقية من ثبات وقدرة على الإلزام وتوجيه السلوك الإنساني؟
  • كما يتناول هذا المحور الاستجابات الأخلاقية لعلاج الإشكال الأخلاقي المعاصر، ومناقشة أبرز الأطروحات النقدية والتأسيسية المعاصرة فيما يمكن تسميته بمحاولات التغلُّب على الأزمة الأخلاقية التي ضربت البني الأصلية الدينية والبنى الفرعية العقلية أيضًا.

ب‌) ما قبل الأخلاق في الإسلام:

يهدف هذا المحور إلى الإبانة عن أصول التصورات الأخلاقية في الإسلام ومفاهيمها المؤسِّسة، وذلك في أصول الوحي الإسلامي، وفي مختلف علوم المسلمين ومدارسهم الفكرية ورؤاهم الروحية. ويقترح المركز على الباحثين جملةً من الأسئلة النظرية المتصلة بهذا المحور وصلته بالنقاشات المعاصرة حول النظرية الأخلاقية:

  • ما هو موقع الأخلاق من الدين وموقع الدين من الأخلاق؟ وكيف نظر مُفكِّرو الإسلام إلى الصلة بين الباعث الأخلاقي الداخلي وبين التشريع الديني الخارجي؟
  •  ما هو موقع الأخلاق في التقاليد الفكرية والروحية الإسلامية، وهل صحيحٌ أن الأخلاق تمثِّل النطاق المركزيَّ في الإسلام؟ وكيف تختلف نظرة مذاهب الفقهاء وفِرق الصوفية وطُرقها وتيارات الفلاسفة للأخلاق في منشئها وغايتها ونظامها ومركزية موقعها؟ وما الذي تشترك فيه هذه التقاليد المختلفة في رؤيتها الأخلاقية؟ وأين تتباين؟
  • هل تمتلك النظرية الأخلاقية الإسلامية القدرةَ على الاستجابة للمباحث والتحديات الجديدة المطروحة في النقاشات النظرية المعاصرة حول النِّسْبية الأخلاقية والمسؤولية الفردية وتحليل لغة الأمر الأخلاقي وموقع الإلزام من الطبيعة البيولوجية للإنسان، وغير ذلك؟ وكيف نُقيّم الاجتهادات الإسلامية المعاصرة في فلسفة الأخلاق؟ وما أبرز توجُّهاتها ومشاربها واجتهاداتها؟
  • وأخيرًا، ما الدور الذي يُمكن أن يؤدِّيه التنظير الأخلاقي الإسلامي في النقاش الأخلاقي العالمي؟ وهل يُمكن للحوار الأخلاقي بين التقاليد الثقافية والدينية المختلفة أن يكون مُثمِرًا؟ وبأيِّ معنى؟
  • المحور الثاني: في أخلاق الذات والتواصل

أ‌) صيغ العيش المعاصر في عصر التواصل الفائق:

يهدف هذا المحور إلى تناول الإشكال الأخلاقي والقِيمي في ألصق وجوهه بالإنسان وتجربته المعيشة. فمنذ صعود التقنية الصناعية، بدأت أمارات النزعة الفردانية بالنموِّ في المدن الحديثة، التي فصلت الإنسان عن محيطه الطبيعي والاجتماعي، وأحالت علاقته الوجاهية والتكافلية إلى علاقات تعاقدية مؤطّرة القانون (اللاشخصي). وإذا كان النقد الأخلاقي والفلسفي قد تناول هذه الظاهرة في تأثيرها في قدرة الإنسان على التأمُّل والتسامي والإحسان الأخلاقي، فإن تسارع التطور التقني، وتزايد إيقاع الاستهلاك الرأسمالي، ومستجدات تقنيات التواصل الاجتماعي (وآخرها الميتافيرس)، قد أفرزت صيغًا ما بعد إنسانية من التواصل مع الآخر ومع الذات.

في مواجهة الصيغ التشاؤمية لواقع الإنسان المعاصر، التي تصفه بأنه "إنسان أجوف" و"إنسان سائل" و"مفرط النرجسية"...إلخ، انتعشت بعض المذاهب الأخلاقية المعلمنة، التي تحاول إيجاد صيغٍ للعيش بالتفلسف، لتستعيد بعض ألوان الحكمة الرواقية والتأملية، التي يُراد منها أن تحصِّن الإنسان من التشتُّت والخواء والتسارع المفرط.

ونقترح على الباحثين لتناول هذا المحور الأسئلةَ التالية:

  • ما أَثَر التطورات الحاصلة في التقنية وأنماط الاقتصاد في صيغ العيش المعاصرة؟ وما هي أبرز هذه الصيغ؟ وهل تصف هذه الصيغ حقًّا الواقع الأخلاقي والقِيمي للإنسان المعاصر، أم أن غاياتها هي التحذير من المآلات المستقبلية؟ وكيف يُمكن وصف الواقع الأخلاقي للمجتمعات الحديثة اليوم وصفًا علميًّا؟
  •  ما أبرز المحاولات للتغلُّب على حالة التِّيه القِيمي والفقر الأخلاقي والخواء الروحي التي تصفها الأدبيات النقدية للواقع الأخلاقي المعاصر؟ وهل تستطيع هذه المحاولات الأخلاقية الجديدة (مثل صيغ العيش بالتفلسف، أو "جماليات الحداثة"، أو إنعاش المنظومات الأخلاقية الدينية بصورة معلمنة) أن تقاوم إفرازات عصر الاستهلاك والتواصل المفرط؟

ب‌) أخلاق التزكية وآداب التعارف: آليات التفعيل

يهدف هذا المحور إلى دفع النقاش حول مزايا أخلاق التزكية الروحية وآداب التعارف التواصلي إلى الواقع العملي عبر البحث عن آليات تفعيل منظومة القيم الأخلاقية في صلة الفرد بنفسه وبمحيطه الاجتماعي. ونقترح على الباحثين جملةً من الأسئلة البحثية:

  • تحوَّلت التزكية عبر التاريخ الإسلامي من مفهومٍ قرآنيٍّ مركزيٍّ عامٍّ إلى علمٍ اصطلاحيٍّ خاص، تناوله الصوفية بالتفصيل والعناية. وانتقل الارتياض الروحيُّ من ركيزة إيمانية فردية وجماعية إلى طريقة مخصوصة مهيكلة في الطرق الصوفية. فما الذي يقدِّمه هذا التراث الروحي العريض من آليات وأدوات يُمكن تفعيلها في واقع اليوم، لرفع السويَّة الأخلاقية والروحية للفرد وللمجتمع المسلم في عصر ما بعد الأخلاق؟
  •  ما هي أُسس التربية الأخلاقية والروحية التي ينبغي تعزيزها وتمكينها في واقع التربية المعاصر في المجتمعات المسلمة؟ وما هي أبرز التجارب العملية في هذا الميدان؟ وكيف يُمكن قياس نتائجها والاستفادة منها؟
  • إذا كان الفرد الأخلاقي محاصرًا بطوفان من الدعايات الاستهلاكية وتقنيات التشتُّت، فكيف يُمكن تعزيز أدوات المقاومة الأخلاقية والحصانة الروحية لديه؟ وإذا كان التصوُّر الأخلاقي في الإسلام يقوم على مركزية مفهوم الجماعة المؤمنة، فكيف يُمكن تخليق هذه الجماعة ضمن معطيات الواقع الاجتماعي المعاصر؟
  • تعزِّز خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي من نزعات النرجسية والفردانية والاعتداد بالرأي وحبِّ الظهور، فهل يُمكن للآداب الأخلاقية الإسلامية أن تُسهم في تخفيف حدَّة هذه المظاهر السلبية؟ وهل يستطيع الوازع الأخلاقي وحده أن يغالب الغرائز الطبيعية التي تشجِّعها هذه الخوارزميات؟
  • المحور الثالث: في الأخلاق الاجتماعية والسياسية

أ‌) عصر الصراع والبحث عن السلام الدائم:

يتناول هذا المحور السؤال الأخلاقي في حقلٍ تكاد أدبياته ووقائعه أن تستبعد الأخلاق جملةً وتفصيلًا من اعتبارها. فقد دأبت جُلُّ مدارس علوم السياسة والاجتماع والعلاقات الدولية على تدبير شؤون الاجتماع بين البشر، أفرادًا وجماعات وأممًا، عبر النظر في آليات إدارة الصراع الحتميِّ بين الفاعلين المتنافسين على الموارد والنفوذ والمصالح، وأخذت النظريات الواقعية والبنائية تضع "المصالح المجرَّدة" فوق كلِّ اعتبار لصياغة السلوك السياسي "العقلاني" للدول والفاعلين السياسيين، في الوقت الذي انحسرت فيه القيم الأخلاقية لتصبح ورقةً في الدعاية السياسية. 

شهدت بواكير العصر الحديث نزاعًا نظريًّا في تأسيس الحداثة السياسية والاجتماعية، بين اتجاهاتٍ تسعى إلى إرساء قواعد أخلاقية إنسانوية بديلة عن الأخلاق الدينية، تقوم على مفاهيم "العقد الاجتماعي" و"التسامح" و"المساواة بين المواطنين" وأخلاقيات "الدين المدني" و"المسؤولية الاجتماعية" و"الحرب العادلة" و"السعي للسلام"، واتجاهاتٍ ترى أن وظيفة "العلم الجديد" هي وصف الواقع وتفسيره، وليس تغييره أو فرض معيار أخلاقي عليه من خارجه، فحقائق العالم الاجتماعي وحركة السياسة تقوم على صراع البقاء والنفوذ، سواء كانت رهاناته مادية أم رمزية.

ومن ثَمَّ حلَّ القانون محلَّ الأخلاق الدينية في تنظيم العلاقات الاجتماعية، وحلَّت المواطنة التعاقدية محلَّ الأخوة الإيمانية، وحلَّت قيم "الدين المدني" محلَّ منظومة قيم "الدين المنزَّل". أما في المجال الدولي، فقد باتت مصالح الدول القومية هي الاعتبار الأول للسياسات الاقتصادية والعسكرية الخارجية. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بُذلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لإيجاد أُطر عالمية، وهيئات ومواثيق دولية، تكفل تغليب لغة الحوار على لغة البطش، وتدعو إلى تفعيل أخلاق السلم والتعاون، فإن المتحصّل كان أدنى من المأمول بلا شكّ.

وهنا نقترح الأسئلة المركزية التالية:

  • ما هي العلاقة الممكنة بين الدولة والأخلاق؟ وهل يمكن أن تكون الدولة أخلاقيةً، سواء في شؤونها الداخلية والخارجية؟ وما طبيعة هذا الفاعل (أي: الدولة)، وهل تقع عليه من الإلزامات الأخلاقية ما يقع على الفرد؟ أي باختصار: ما هو موقع الأخلاق في نظام الاجتماع السياسي؟ 
  •  في زمن العولمة وترابط المعمورة، تتزايد التحديات الكوكبية المشتركة التي تهدِّد شعوب العالم جميعًا (حروب الدمار الشامل، التلوُّث البيئي، الرأسمالية المتوحشة…)، فهل تتوافر المنظومة الدولية على القدرة على مواجهة هذه التحديات؟ وهل تكفي جهود المنظمات والفاعلين من غير الدول لإنجاح هذه المساعي؟
  • إذا كانت الأخلاق شرطًا فطريًّا للاجتماع الإنساني، فما هي منظومة الأخلاق التي من شأنها أن تكفل ازدهار البشر في علاقاتهم الاجتماعية داخل نظام الدولة الحديث؟ وكيف ترتسم العلاقة بين القانون والأخلاق؟ وما حدود منظومة الأخلاق المدنية؟ وهل تلبّي شروط الإحسان الأخلاقي؟
  • في وجه تغوُّل النزعات القومية وصعود اليمين الشعبوي وما يرافق ذلك من سياسات إقصائية، ما الأدوار التي تؤديها منظومات أخلاق "الاعتراف" و"التعدُّدية الثقافية والدينية" في التعايش بين المجموعات الإثنية والثقافية المختلفة؟ وما المأمول من هذه المنظومات وما أدواتها الفاعلة في تحقيق وعودها؟

ب‌) الشهادة لله والقيام بالقسط: بأيِّ معنى؟

يهدف هذا المحور إلى تحريك سؤال الأخلاق الإسلامية من مربَّع الأخلاق الفردية والجماعية الضيِّقة إلى مسرح الاجتماعي السياسي العالمي والمحلي. فإذا كان المسلمون اليوم جزءًا من منظومة الدولة القومية والنظام الدولي، وإذا كان الترابط الكوكبي حقيقةً فَرَضتها التقنية الحديثة ووسائل الاتصال والنقل، فإن الاجتهاد في البحث عن حلول أخلاقية لتجاوز مأزق الفصل بين الأخلاق الدينية ذات العمق الروحي وبين ميدان الاجتماع السياسي ضرورةٌ ذاتية وعالمية، مترتِّبة على خيرية الأُمَّة المحمديَّة وشهادتها على الناس.

كما يُعنى هذا المحور بإثارة النقاش حول مسألة شديدة الأهمية والتأثير، ظهرت آثارها في السلوك السياسي للعديد من الفاعلين "الإسلاميين"، وهي غياب إطارٍ رشيدٍ لتنظيم العلاقة بين "المصالح" و"الأخلاق" والحاجة إلى تحديد مساحات وحدود الممارسة "البراغماتية" والثبات "المبدئي" في مجالٍ سياسيٍّ تحكمه إكراهاتُ الواقع، وتضيق فيه حدود الممكن وتنخفض سقوفه.

ونقترح تناوله عبر الأسئلة البحثية التالية:

  • كيف يؤثر التصوُّر القرآني في مبادئ الاجتماع البشري وغاياته؟ وكيف تُرجِمَ هذا التصوُّر على أرض الواقع في المدوَّنة الفقهية وفي التجربة التاريخية الإسلامية؟
  • كيف يُمكن ترجمة مبادئ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و"صلة الأرحام" و"حقوق الجار" وغيرها من الوصايا الأخلاقية إلى منظومة اجتماعية تراحمية؟ وما موقع القيم الأخلاقية ودورها في النهوض بخيريَّة المجتمع من الرادع القانوني؟
  • بالعودة إلى المواقف السياسية النبوية، وأبواب السياسة الشرعية والسِّيَر وغيرها من أبواب التراث الفقهي وآدابه، وبالاستفادة من التجارب والتنظيرات السياسية الرشيدة، كيف يُمكن ضبط العلاقة بين "المصالح" و"المبادئ" في الممارسة السياسية؟ 
  • ما هي القيم التي حكمت علاقة المسلمين بغيرهم داخليًّا وخارجيًّا؟ وكيف فصَّلت المنظومة الفقهية نظام الحقوق بين المجتمعات وبين الدول؟ وما موقع الأخلاق من المصالح السياسية في هذا التفصيل؟ هل أسهمت مثلًا منظومة الضيافة والإجارة في استقبال موجات اللاجئين والمهاجرين في بلاد المسلمين؟
  • المحور الرابع: في أخلاق الجسد والفطرة

أ) ما بعد الإنسانية وما بعد الطبيعة البشرية:

لم تقتصر التحديات التي تواجه منظومة الأخلاق التقليدية على مجالات تطبيق الأخلاق، أو على إحلال منظومات أخرى محلّها، بل بات التحدي يمسُّ الأُسس والتصورات العميقة التي يقوم عليها البنيان الأخلاقي نفسه. إذ لا يستطيع المتأمِّل في أسئلة الأخلاق المعاصرة أن يتجاهل ما تنادي به المساعي العلمية من إعادة تشكيل الطبيعة البشرية تشكيلًا جديدًا.

لقد غدت قضايا الأدوار الجندرية وتغيير الجنس وطبيعية الميول المتعدِّدة قضايا مفروضةً على أجندة الحقوق العالمية. فإذا كانت الأسرة في الإسلام -وفي غيره من الأديان أيضًا- تقع في قلب الرؤية الأخلاقية عن المجتمع، فإن مفهوم الأسرة بات مُهدَّدًا بألوان هجينة من الأُسر. لقد باتت الافتراضات البنائية مهيمنةً على ساحة النقاش الأخلاقي الغربي؛ إذ لم تعُد لمفاهيم "الفطرة" أو "الروح" صلاحية "علمية"، في وجه النزعات القائلة بإمكانية التشكيل الاجتماعي المستمرّ للذوات.

ومن جهة أخرى، تعاظم الانفصال بين أحكام "الواقع" وأحكام "القيمة" عند بعض التيارات الفكرية، ثم انتهى إلى إبطال أحكام القيمة برمَّتها. فبات الإنسان هو منظومته الجينية، التي تفسِّر سلوكه وميوله ورغائبه، والتي لا ينبغي لأي منظومة أخلاقية مفروضة من الخارج أن تحرمه من تلبية متطلباتها. كما بات من المُتصوَّر عند دعاة التقدُّم اللانهائي أن يصبح الذكاء الصناعي جزءًا من نسيج الإنسان الحيوي، فينقله من طَوره البشري القاهر إلى طوره الفائق الذي لا حدَّ لقدراته!

وفي هذا السياق، نقترح تناول مجموعة من الأسئلة البحثية:

  • هل كانت الأصول الفلسفية للأخلاق الحديثة، بانفصالها عن الأخلاق الدينية وتصورها للوجود والإنسان، مؤديةً بالضرورة إلى هذه المآلات التي باتت تُوصف بأنها ما بعد إنسانية؟ وكيف يُمكن تفسير ذلك في ظلِّ حقيقة أن تلك الأصول الفلسفية كانت تنادي بمركزية الإنسان؟
  • طرح العديد من المفكرين الغربيين تحذيراتٍ من المآلات المُقلِقة للتلاعب بالطبيعة البشرية، وتأثيرها المدمِّر في مبدأ "الهوية الأخلاقية"، فما أبرز المقترحات النظرية لتفادي هذه المآلات؟ وهل يُمكن إقامة البنيان الأخلاقي على فلسفة جديدة عن الجسد؟
  • ما هي العلاقة بين "الواقع" و"القيمة" أو بين الطبيعة والشريعة؟ ومن أين يُمكن للنظريات ما بعد الدينية ثم ما بعد الكانطية أن تستمدَّ مبدأ "الإلزام الأخلاقي"؟

ب) الزوجية والفطرة والروح: إلى أين؟

يتناول هذا المحور التصور الإسلامي لقضايا الجسد والفطرة والروح والعائلة والجنسانية، ويسعى إلى تشجيع الباحثين على المشاركة في النقاشات المعاصرة عبر تثوير المضامين الأخلاقية في الوحي وفي التراث، وعبر النظر في المشترك الأخلاقي العالمي لدى مختلف ثقافات العالم غير الغربية، للبحث عن أرضية إيجابية يُمكن عبرها إقامة ميثاقٍ أخلاقيٍّ يحفظ للإنسان إنسانيته، وينمّيه ويرقّيه، دون أن ينتهي به إلى تدمير خصيصته الإنسانية.

وفي سبيل ذلك، نقترح الأسئلة البحثية التالية:

  • يزداد حضور مفهوم "الفطرة" في الخطاب الإسلامي المعاصر، فكيف يُمكن تحرير هذا المفهوم؟ وما علاقته بشبكة المفاهيم ذات الصلة: الطبيعة البشرية، مواراة السوءات، الاستعداد الأصلي للإيمان، الذاكرة الغيبية لميثاق الإشهاد...إلخ؟ وما هي المقتضيات الأخلاقية لهذا المفهوم؟
  •  ما هو نظام العلاقة بين الطبيعة والشريعة في التصور الإسلامي؟ وكيف تستمدُّ الشريعة صلاحيتها من توافقها مع الطبيعة البشرية أم من قدرتها على توجيهها أخلاقيًّا؟ وما حدود ذلك؟
  • للتطوّرات الحاصلة في حقول العلوم الطبيعية (الجينوم، الذكاء الصناعي، علوم النسل...) أدوار إيجابية في علاج بعض الأمراض ودرء بعض الآفات الصحية، فكيف نُقيّم المشاركة الفقهية في التعاطي مع هذه المسائل؟ وهل يُمكن التمييز بين النافع والضارّ منها؟ وهل يُمكن فصل التطبيقات المفيدة عن الأصول الفلسفية لها؟ 

خاتمة

إننا على وعيٍ بأن الأسئلة التي يطرحها هذا الملف، ويهيب بالباحثين تناولها، أسئلةٌ واسعة النطاق، ويتعذَّر تناولها جميعًا في ملفٍّ بحثيٍّ محدود الحجم، غير أننا نأمل من هذه الأسئلة رَسْم خريطة لأبرز التحديات والأسئلة التي فرضتها أجندة ما بعد الأخلاق على الأديان عامَّة، وعلى الإسلام خاصَّة. كما أننا نعتقد أن شبكة المباحث الأخلاقية غير منفصلٍ بعضها عن بعض، حتى إن الاجتهاد البحثي في معالجة سؤال من أسئلتها ينعكس على تحسين قدرتنا على معالجة بقية الأسئلة، وذلك لاشتراك التحديات الأخلاقية المعاصرة اليوم في شرطٍ فلسفيٍّ واحد، وفي مخيالٍ اجتماعيٍّ مشترك، ولاشتراك منطلقات الاجتهاد الأخلاقي المطلوبة من مصادر مشتركة ذات عمقٍ إسلاميٍّ مع انفتاحه على دوائر النظر الأخلاقي والتزكوي والفلسفي القديمة والمعاصرة. 

لأجل ذلك، فإن معايير قبول المواد المقدَّمة للملف -من مقالات بحثية ودراسات مطوَّلة وترجمات- ستعتمد بالدرجة الأولى على جودة المعالجة وقدرتها على الجمع بين التشخيص المعمّق للمُشكِل الأخلاقي، وبين الاجتهاد الأصيل والجريء لاستنطاق ملامح الإجابات الأخلاقية، وتنزيلها على الواقع العلمي والحياتي لمجتمعاتنا. 

إننا على ثقة بأن المعالجات الأخلاقية الأصيلة المركَّبة، المستوفية لشروط النظر العلمي والأخلاقي، والجامعة بين صحَّة تصوُّر المشكلة وتشخيصها العميق، وبين القدرة على استنطاق الحلول النظرية والعملية من المصادر الأخلاقية للوحيَيْن والتراث الإسلامي والعالمي، من شأنها أن تتدارك حالة التِّيه القِيمي المعاصر، وانحلال المعايير الأخلاقية وقدرتها على الإلزام الفردي والتوجيه الاجتماعي، وهو ما سيُسهِم في تحصين مجتمعاتنا وتوليد مسارات فكرية وتربوية بديلة، ويُسهم أيضًا في الحوار الأخلاقي العالمي، تعارفًا وتعرُّفًا وتعريفًا وعرفانًا.