راهنية سؤال التجديد في العلوم والثقافة والمنهج.. إمكانات وعوائق
الملخّص
إن الأصلَ في الأفكار والعلوم والمعارف التجددُ والتطور باستمرار، مثلها في ذلك مثل الكائنات الحية التي تنتقل من طور إلى آخر، ولهذا وجب أن تراعى فيها لحظات النشأة والازدهار والأفول والانهيار، هذا فضلًا عن إمكانات التواصل والتلاقح فيما بينها وإن اختلفت وتعددت مرجعياتها.
وتبقى المقاربة السكونية المخلة بشرط التجدد والتجديد في العلوم والمعارف، مراوحة مكانها على الدوام منتجة ومكررة إنتاج نفس مظاهر الأزمة والعلل الفكرية، ما دامت لم تتحرر من أسر وهيمنة النماذج الذاتية أو الغيرية التي لم يعد لها مبرر وجودي في سياق التداول الراهن ولم تحرر منهجية وآلية اشتغالها من تقليد تلك النماذج والارتهان لها.
ولهذا بقيت مشاريع النهضة والتحديث والإصلاح والتجديد في شرق الأمة وغربها- مشاريع نظرية صورية، ونخبوية ضيقة، وشعاراتية سطحية، هي أقرب إلى التطلعات والآمال والأحلام منها إلى التمكين الفكري والعملي، المعتبر لشرط السياق والواقع، والمراعي لواقع التنوع والاختلاف، والمنضبط إلى أصول العلم والمعرفة، والمستأنف لحركة التجديد والاجتهاد والإبداع تفاعلًا مع الواقع والعناصر الفاعلة فيه مع المرونة والاعتدال المطلوب في كل مقاربة.
لقد هيمن الصراعُ الفكريُّ على مكونات الأمة قرونًا من الزمن، وورث الفكر الإسلامي المعاصر هذا الصراع الذي كان ولا يزال سببًا في إجهاض مشاريع الإصلاح والنهضة فيه، حتى غدا جزءًا من نسيجه الثقافي، بل والذي تحول في حالات من الغلو والتطرف إلى عنف وقتال مسلح أجهز على مقدرات الأمة المادية، وشوش على إمكاناتها الفكرية النهضوية والإصلاحية.
وسنحاول في هذا البحث معالجةَ بعض من هذه الاختلالات على مستوى مفهوم التجديد، وتجديد العلوم والثقافة والرؤية والمنهجية الضرورية لذلك، هذا علمًا بأن سائر مفاهيم ومفردات الدين بحاجة إلى مقاربة تجديدية تصحيحية بما يجعلها قادرةً على تأطير وتوجيه فكر وسلوك المسلمين.