موقع التخصُّصات الدنيوية من خارطة علوم الوحي نحو مقاربة في البناء المنهجي

موقع التخصصات الدنيوية من خارطة علوم الوحي

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن شمولية الدين (وإمكانية خضوع كل الحياة للعبادة) لا تعني أنْ يظل المتخصِّص في علوم الدنيا خاضعًا لرأي الفقيه، إلا فيما يخص الدين المحض، وأما الذي له صلة بالمناط الواقعي والفنون الأخرى، فليس لِعالم الشرع الدخول فيه باستقلال فضلًا عن احتكاره، بل قد يقع عليه اللوم والغلط إنْ تسرّع في الإفتاء وتنزيل الحكم قبل استكمال التصور الكامل للقضية عبر المتخصِّص فيها، فإن من وظائف علوم الدنيا أنها تساعد على فهم الحياة ومناطات الأحكام.

فكرة البحث

إن تكامل العلوم هو الأصل المطلق الذي يجب أن يضبط العلاقة بين التخصُّصات كافَّة، فالأُمم في كل زمان ومكان بحاجة للمعرفة الإنسانية بمختلف أشكالها وحقولها، ولكن ثمة إشكال يقع حين يغيب الوعي التكاملي بين العلوم التي تنتمي للوحي والدين مع العلوم الأخرى الدنيوية التي يكون مصدرها العقل الصرف أو المجتمع أو الطبيعة وغير ذلك.

ومن هنا فإن الفكرة التي أردت تقديمها: رفع الوهم الذي قد يرد على عدد من العقول في اعتقادهم حصول المعارضة بين العلوم التي مصدرها الوحي وتلك التي أنتجها الإنسان بالتجربة والتأمُّل في حركة المجتمعات والأمم، فالبحث يعيد النظر في هذه الدعوى من حيث المبدأ والمنهج، ويكشف عن الدور السُّنني الذي لا يمكن إنكاره لهذه العلوم، وأثرها في التخصُّصات الشرعية، واستفادتها من البُعْد الديني؛ لنمائها وانتشارها.

قيمة البحث

أهداف البحث

  • أن تُسهم الدراسة في العناية بالعلوم الدنيوية عمومًا، سواء كانت طبيعية أو عقلية أو إنسانية...
  • أن يُساعد في تجسير الهوة المفتعلة بين التخصُّصات الشرعية وغيرها.
  • معالجة الإشكاليات المعرفية الحاجبة عن تكامل بين المجالين.

محاور البحث

سيكون المخطط العملي وفق العناصر التالية أو ما يقاربها بحسب المادة المتوفِّرة:

التمهيد:

  • خارطة العلوم في الحضارة الإسلامية.
  • البنية المنهجية لتمايز المجالين: الديني والدنيوي.

المبحث الأول: القواعد المؤسِّسة لمشروعية التخصُّصات الدنيوية:

المطلب الأول: مبادئ شرعية وبراهين الوحي.

المطلب الثاني: الكليات الشرعية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: موقف علماء الإسلام من العلوم الدنيوية.

المبحث الثاني: مدى التفاعل المنهجي والاعتبار المعرفي بين المجالين:

المطلب الأول: دور العلوم الدنيوية في العقل الفقهي.

المطلب الثاني: احتياج الصناعات الدنيوية للوحي.

الخاتمة:

النتائج والتوصيات.

حول هذه المحاور سيكون العرض لهذا البحث، مع محاولة الاختصار والاكتفاء بالأصول الكلية؛ نظرًا لطول الموضوع واتساع مادته، نسأل الله التوفيق والإعانة.


التمهيد

قبل الدخول في المباحث الرئيسة سأشير لقضيتين بوصفهما مدخلًا فكريًّا لموضوع الورقة، هما: خارطة العلوم في الحضارة الإسلامية، ثم البنية المنهجية لتمايز الديني والدنيوي.

أولًا: خارطة العلوم في الحضارة الإسلامية

يتناول العلماء هذا الأمر ضمن حديثهم عمَّا يُعرف بـ«تصنيف العلوم»، والمراد به في هذا المقام مقارب للمعنى اللغوي: تمييز الأشياء بعضها عن بعض، وأصله في لغة العرب من قولهم: صنَّفت الشجرة، إذا أخرجت ورقها[1]. وتصنيف الشيء: جعله أصنافًا[2]، وجاء في بعض المعاجم المعاصرة معنى ملائم لمجال البحث في تاريخ العلوم، وهو القول بأن التصنيف: «تقسيم الأشياء، أو المعاني، وترتيبها في نظام خاص، وعلى أساس معيَّن، بحيث تبدو صلة بعضها ببعض»[3].

وتظهر فكرة التصنيف أكثر بالمثال لعرض خارطة التخصُّصات والفنون، والغرض من هذا المحور: هو التأكيد على حضور التخصُّصات الدنيوية عند رصد العلوم وتقسيمها لدى العلماء.

وسأستعرض فيما يلي بعضَ النماذج لعدد من العلماء في تخصُّصات مختلفة حول تصنيف العلوم، مع محاولة تعيين مأخذ العالم في النظر:

  1. تصنيف الإمام الفقيه والأصولي الشافعي رحمه الله (ت204هـ):

يقول الشافعي: «إنما العلم علمان: علم الدين، وعلم الدنيا. فالعلم الذي للدين هو: الفقه، والعلم الذي للدنيا هو: الطب. وما سوى ذلك من الشعر ونحوه، فهو عناء أو عيب»[4].

وفي نقل آخر عنه يقول: «العلم علمان: علم فقه الأديان، وعلم طب الأبدان»[5]. وقال أيضًا: «العلوم ثلاثة: علم الأبدان، وعلم الأديان، وعلم الديوان. فأما علم الأبدان فالطب، وأما علم الأديان فالفقه، وأما علم الديوان فالحساب»[6].

وكأن الإمام رحمه الله يريد التنبيه على أهمية هذه الحقول المعرفية كما سيتضح أكثر عند كلامه ضمن موقف العلماء من هذه التخصُّصات الدنيوية، فليس المقصد منه المفاضلة، بل لكل علمٍ مجاله وأهميته ودوره في الحياة، ومن هنا «نوصي طالب العلم بألَّا يذمَّ ما جهل منها، فهو دليل على نقصه وقوله بغير معرفة، وألَّا يُعجَب بما علم فتطمس فضيلته، ويستحقّ المقت من الواهب له ما وهَب، وألَّا يحسد من فوقه حسدًا يؤدِّيه إلى تنقيصه، فهذه رذيلتان»[7].

  1. تصنيف الأديب اللغوي ابن قتيبة رحمه الله (ت276هـ):

يقول: «العلوم جنسان: أحدهما: علم إسلامي نتج من بين الدين واللغة كالفقه والنحو ومعاني الشعر، وهذا للعرب خاصة ليس للعجم فيه سبب إلا تعلُّمه واقتباسه، وللعرب سناؤه وفخره، والآخر: علم متقادم تتشارك فيه الأمم، لا أعلم منه فنًّا إلا وقد جعل الله للعرب فيه حظًّا، ثم تنفرد من ذلك بأشياء لا تشارك فيه»، ثم ذكر العلوم التي برع فيها العرب كعلم الخيل والنجوم والفراسة والخطب ونحوها[8].

والسياق الحاكم لابن قتيبة هو سياق الرد «ودفع الخصم عمَّا يَنسب إليه العرب من الجفاء والغباوة» كما يُعبِّر[9]؛ ولذلك كان تصنيفه متجهًا للتاريخ قبل الإسلام وبعده من جهة، ولجنس العرب من جهة أخرى، فالنوع الأول من تلك العلوم محدَّد المصدر، والثاني كأنه يشير فيه لأصل الحسّ وتجارب المجتمعات، وهذا من العقلي والطبيعي أن تتفاضل فيه الأمم بعضها على بعض بحسب احتياجهم وبيئتهم، فالعرب يمتازون بعلوم خاصة، كما أن الفرس والهنود والأتراك واليونان وغيرهم يتقدمون في علوم أخرى[10].

  1. تصنيف العالم الفلكي والرياضي الخوارزمي رحمه الله (ت387هـ):

ذكر في سياق مقدمته قوله: «وجعلته مقالتين: إحداهما لعلوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية، والثانية لعلوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم»[11].

وقد ذكر في المقالة الأولى: علم الفقه والأصول، وعلم الكلام، والنحو، والشعر والعروض، والتاريخ ونحوها. وذكر في الثانية: الفلسفة، والمنطق، والطب، والعدد، والهندسة، والنجوم، والموسيقى، والكيمياء وغيرها.

ولعلَّ الأساس الذي انطلق منه البلخي هو الاختصاص ومزيد العناية ببعض الفنون دون غيرها، فهو وإن لم ينصّ على العرب ابتداءً فإنه صرّح بالشريعة وهي عربية الأصل، وأعقبها بما يقترن بها من العلوم العربية، فكأنه أراد سرد التخصُّصات التي تنشأ من الدين وللعرب اختصاص بها كالعروض والتاريخ وغيرها، وذلك يتأكد بالمقالة الثانية التي ذكر فيها علوم العجم، فهذه المعارف وإن كان للعرب مشاركة في بعضها كالطب والتنجيم والعدد، فإنها قد تكون في عصر المؤلف مما غلب عليه العجم، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالتقنين والكتابة.

ثانيًا: البنية المنهجية لتمايز المجالين: الديني والدنيوي

بالنظر لعدد من العلماء الذين مايزوا بين المجالين؛ كان المأخذ لهم في ذلك تباين المصدر والأساس الباعث عن النشأة، ومن هنا يمكن ملاحظة الركيزة المنهجية التي يُبنى عليها هذا العلم أو ذاك بالشكل التالي:

  1. العلوم اللسانية، مثل: اللغات وما تفرّع عنها كالشعر، والنثر، والأمثال.
  2. العلوم العقلية، مثل: الفلسفة، والمنطق، والرياضيات ونحوها.
  3. العلوم الطبيعية، مثل: ما يسميه البعض علوم الكون كالجغرافيا، والأحياء ونحوها.
  4. العلوم الإنسانية، مثل: التاريخ، والاجتماع وغيرها، ويمكن إرجاع ما سبق لهذا النوع باعتبار النظر لمبدع العلم.
  5. العلوم الدينية، مثل: التخصُّصات التي ارتبطت بالوحي مباشرة كالعقيدة، والفقه، والتفسير وغيرها.

فهذا التقسيم يدلنا على نمط التعامل مع العلم، وطريقة فهمه وتطويره وغايته، فما يتأسس على التجربة والحسّ لا يشبه ما له علاقة محضة باللسان والعقل، ولا يماثل ما له سند متصل بالوحي الإلهي وتفرّع عنه، وعدم المراعاة لهذا الأمر يُوقع في الزلل وسوء الفهم.

ومن القضايا المهمة المؤثرة في الفهم التي لها صلة بمصدر العلوم وأغراضها ما يمكن تسميته بـ«إدراك حقائق العلوم» وطابعها العام وسماتها الذاتية، فالعلوم الدينية مثلًا من سماتها الجوهرية أنها نقلية، فتعتمد على النصوص المتعالية من عند الله سبحانه وتعالى، مما منحها صفة أخرى وهي أنها مترابطة وإن تمايز بعضها عن بعض بالموضوع، ولكنها تظل متصلة، وليست منفصلة كغيرها من التخصُّصات التي ربما تتباعد بسبب تنوع مواردها وخضوعها لتطور الحياة الإنسانية واحتياجاتها.

المبحث الأول: القواعد المؤسِّسة لمشروعية التخصصات الدنيوية

المبحث الأول

توطئة: الخلق والأمر

قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ربنا سبحانه وتعالى خالق كل شيء ومدبر ما في الكون؛ ولذلك كان له الأمر والحكم في خلقه، فهذا أصل شرعي يفيد ضرورة الاتساق وكمال الاتصال بين أوامره التي أُسِّست عليها العلوم الدينية، والخَلْق الذي بُنيت عليه التخصُّصات الدنيوية، ومقام الآيات يوضح المبدأ الأساسي في الصلة بين هذين المجالين: التفصيل والهداية فيما يخص الدين، والحذر من تحريفه، ثم تحديد طريق الحق، والاعتبار بمخلوقاته، وأخيرًا النهي عن الإفساد في الأرض، فكأن السياق يضع الأصول المعيارية لقبول العلوم كافَّة كمعيار الحق والصواب، ومعيار النفع وعدم الإفساد.

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 52-56].

قال ابن سعدي: «{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها، والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمَّن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمَّن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء»[12].

المطلب الأول: مبادئ شرعية وبراهين الوحي

ثمة قضايا ودلائل تؤكد العلاقة الوطيدة بين الإنسان وكافة المعارف والعلوم التي يستخرجها المرء من الطبيعة، فالعقل المنتج لها إما من حركة جنسه أو عبر تأمُّله في الكون عمومًا، وسأستعرض فيما يلي الحجج التالية في تأسيس التخصُّصات الدنيوية:

أولًا: مبدأ التسخير

التسخير من مادة «سخر»، وهي تدلُّ على «احتقار واستذلال. من ذلك قولنا: سخَّر الله عز وجل الشيء، وذلك إذا ذلَّـلَه لأمره وإرادته»[13]، «والتسخير: التذليل، وسفن سواخر، إذا أطاعت وطابت لها الريح»[14]. وفي ضوء هذا المعنى جاء التعبير القرآني، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 20-21].

قال الزجاج (ت311هـ): «تسخير ما في السماوات: الشمس والقمر والنجوم، ومعنى تسخيرها للآدميين: الانتفاع بها في بلوغ مَنَابِتهم، والاهتداء بالنجوم فِي مَسَالِكِهِم، وتسخير ما في الأرض: تسخير بحارها وأنهارها، ودوابها وجميع منافعها»[15]، وقال الطبري (ت310هـ): «يقول تعالى ذكره: {ألم تروا} أيها الناس {أن الله سخر لكم ما في السموات} من شمس وقمر ونجم وسحاب {وما في الأرض} من دابة، وشجر، وماء، وبحر، وفلك، وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم، ومصالحكم، لغذائكم، وأقواتكم، وأرزاقكم، وملاذكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه»[16].

وهذا التسخير منحة من الخالق سبحانه وتعالى، وهو مبدأ أساسي للبشر كافَّة في إبداع المعارف من خلال التأمُّل والتجربة في هذا الكون الفسيح، وسهولة إخضاع هذه المخلوقات للإنسان ليس للانتفاع الذاتي فحسب، بل لقيام الحياة كافَّة وإنشاء العلوم والصناعات التي تُسهم في الاستفادة الكاملة من تلك المسخرات الربانية، وهو ما أشار إليه عدد من المفسرين، فالانتفاع من هذه المخلوقات يتعذّر «لولا ما ألهم الله إليه الإنسان من وسائل التغلُّب عليها بتعرُّف نواميسه وأحواله وحركاته وأوقات ظهوره، وبالاحتيال على تملُّكه مثل صيد الوحش ومغاصات اللؤلؤ والمرجان، ومثل آلات الحفر والنقر للمعادن، ومثل التشكيل في صنع الفلك والعجل، ومثل التركيب والتصهير في صنع البواخر والمزجيات والصياغة، ومثل الإرشاد إلى ضبط أحوال المخلوقات العظيمة من الشمس والقمر والكواكب والأنهار والأودية والأنواء والليل والنهار، باعتبار كون تلك الأحوال تظهر على وجه الأرض، وما لا يحصى مما ينتفع به الإنسان مما على الأرض، فكل ذلك داخل في معنى التسخير»[17].

وكل تلك الأمور التي ألهم الله بها الإنسان مما يختص بالعلوم الدنيوية، سواء في شكلها النظري أو التطبيقي، فالعلم يُعطيك القدرة على فهم ما وراء المخلوقات، وأخذ العبرة منها، وحسن الانتفاع بها، وتحفيز العقل على توظيفها وتجديدها.

ثانيًا: مبدأ الاستخلاف

الاستخلاف من «خلف»، وهو يأتي لمعانٍ عدَّة، المراد منها: «أن يجيء شيء، بعد شيء يقوم مقامه»، ومنه قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف} [الأعراف: 169][18] ، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] قال الواحدي (ت:468هـ): «وأراد بالخليفة: آدم، في قول جميع المفسرين، جعله خليفة عن الملائكة الذين كانوا سكان الأرض بعد الجن، وذلك أن الله خلق السماء والأرض، وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجن الأرض، فعبدوا دهرًا طويلًا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جندًا من الملائكة يقال لهم: الجن»[19].

والآيات متعدِّدة في تأكيد هذا المعنى في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69]، وقال: {خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [يونس: 14]، والمراد كما فسَّره عدد من السلف خلف بعد خلف، أي قرن بعد قرن[20]، ومِن حكمة الله وعدله أنه جعل في ذات الأرض مقوِّمات العيش والسَّكَن قبل أن يخلق البشر؛ إذا لا معنى لأمرهم بأي شيء قبل الحِفاظ على نفوسهم وبقاء نوعهم من الدمار والذوبان، قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10]، قال ابن عاشور (ت1393هـ): «أي جعلنا لكم قدرة، أي أقدرناكم على أمور الأرض وخولناكم التصرف في مخلوقاتها، وذلك بما أودع الله في البشر من قوة العقل والتفكير التي أهلته لسيادة هذا العالم والتغلُّب على مصاعبه»[21]، وقوة العقل والتفكير عامل جوهري في ابتكار علوم الدنيا.

إن من ضروريات هذا الاستخلاف: عمارة الأرض؛ حتى تكون صالحة للحياة، وأهم عامل للقيام بوظيفة العمارة وبناء الحضارة الحسية والمعنوية: العلوم بأنواعها كافَّة، قال الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، ومعنى استعمر الله تعالى عباده في الأرض: أي طلب منهم العمارة فيها[22]، وذلك «يدل أن الله يريد عمارة الأرض، لا التخلِّي والتبتُّل»[23]، وإنشاء العلوم والتخصُّصات عمارة وتنمية لمقدرات الكون واغتنامها، قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 3-5]، وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5].

وبهذا تعلم أن مجمل العلوم الدنيوية لا سبيل للحياة دونها، ولا الاستمرار بعبادة الله في الأرض دون الأخذ بأسبابها؛ ولهذا امتنَّ الله جل وعلا على خلقه بأن سهَّل لهم السَّيْرَ على الأرض، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، كما ألهم بعض رسله تكريمًا له علمًا خاصًّا لا يمكن تحصيله بالعقل والتجربة دون الوحي منه سبحانه وتعالى، وهو منطق الطير، ووهبه علومًا أخرى يمكن الوصول إليها بالتجربة كصناعة الملابس ونحوها، قال سبحانه: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 79-81].

ثالثًا: مبدأ الإدراك

أعني بذلك امتلاك أصل الوعي، والقدرة على الفهم والتمييز، وهذا المعنى يساعد عليه الاستخدام العربي للمفردة، فالإدراك من «درك» وهو اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته، وتدارك القوم، أي تلاحقوا، أي لحق آخرهم أولهم[24]، والمعنى الجامع لذلك هو الوصول، سواء كان ذلك لأمر حسيّ أو معنويّ، وفي النهاية: «الدرك: اللحاق والوصول إلى الشيء»[25]، فبلوغ الغاية وامتلاك ما يتحقق به ذلك من الإدراك[26]، «ومن رأى شيئًا ورأى جوانبه ونهاياته، قيل: إنه أدرك، بمعنى أنه رأى وأحاط بجميع جوانبه»[27]، فالمراد مطلق التصور سواء معه حكم أم لا.

والله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان عن باقي المخلوقات، فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وهذا التكريم لبُّه العقل الذي يعي ويُدرك، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].

إن مِن آثار خلقه واصطفائه أيضًا أن الله جلَّ وعلا منح البشر اللغة والتعبير عن المعاني والعلوم، فقال: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4]، وقال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]، وأعطاهم أهمَّ وسائل الابتكار للعلم، فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]، وقال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، وذكر في محكم التنزيل كل ما يعينهم على المعرفة مثل: التعقُّل والكتابة والألواح والأسفار والكتب ونحوها، ولا ريب أن ذلك للفهم عنه مراده الرباني ومنهاجه الشرعي في هداية خلقه، ثم ما يتصل بذلك من العلوم الدنيوية التي يهبها الله لعباده في كل عصر وحين.

«فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض، وأن التفقه إنما هو على بعضهم دون بعض. وكذلك ما عدا الفرض في عُظْم الفرائض التي لا يسع جهلها، والله أعلم. وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم، ولو ضيعوه معًا خفت ألَّا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم

المطلب الثاني: الكليات الشرعية في الفقه الإسلامي

في الفقه وعلومه كالأصول والقواعد الفقهية ثمة مبادئ مؤسِّسة يمكن توظيفها في تأصيل كافة العلوم والمعارف النافعة التي ترشد المرء في قيام الحياة، وهي متعدِّدة، وسأكتفي فيما يلي بعرض بعضها باختصار مكتفيًا بوجه اعتبارها وتأسيسها لهذه التخصُّصات في الجملة دون الدخول في تفاصيل مسائلها المبثوثة في مظانها[28]:

  1. قاعدة الفروض الكفائية

ويأتي أيضًا برسم الواجب الكفائي، ويتناوله علماء الأصول في مقابل فروض الأعيان التي يلحظ فيها الشارع الذوات وقيامها بالأفعال، بخلاف الكفائي الذي يكون النظر فيه لحصول الفعل، قال الجصّاص: «ومن الأمر ما يكون فرضًا على الكفاية ويتوجه به الخطاب إلى جماعتهم، نحو الجهاد والصلاة على الجنائز ودفن الموتى وغسلهم، ونحو التفقه في الدين، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122]، فدلَّ على أنه فرض على الكفاية»[29]. وقال الباقلاني: «ومن الفروض ما هو فرض على الكفاية دون الأعيان. ومعنى وصفه بأنه فرض على الكفاية: أنه لازم لكل واحد من الأُمَّة في عينه بشريطة إن لم يقم به غيره، فإن فعله الغير سقط عن سائر الباقين»[30].

ففي هذين النقلين تقريب وإيضاح لهذه القاعدة وشيء من التأسيس لها، ومِن أهم الذين أصّلوا لها الإمام الشافعي رحمه الله، حين يقول في آية: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122]: «فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض، وأن التفقه إنما هو على بعضهم دون بعض. وكذلك ما عدا الفرض في عُظْم الفرائض التي لا يسع جهلها، والله أعلم. وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم، ولو ضيعوه معًا خفت ألَّا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا أشكّ، إن شاء الله، لقوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39]»[31] ، ولعلماء الفقه وأصوله تقاسيم علمية ونقاشات متعدِّدة حول مسائل هذا الأصل العلمي.

وهذه القاعدة الشرعية الكلية من ألصق القواعد بالعلوم الدنيوية وكافة منافع الحياة، سواء التي أمر الشارع بتحصيلها أم لا، وقد استدلَّ العلماء بها في تقرير وتأسيس قضايا كثيرة تتعلق بشؤون الناس ومصالحهم وسياستهم، وسأذكر بعض الأمثلة مع محاولة الحفاظ على حروف العلماء:

  • فروض الكفايات قاعدة كلية تتعلق بها مصالح دينية ودنيوية، لا تنتظم الحياة إلا بحصولها، وهذا يصدق على علوم كثيرة كالطب والهندسة ونحوهما[32].
  • الحِرف والصناعات وما به قوام المعاش كالحراثة، حتى الحجامة والكنس[33].
  • اتخاذ المدن للاجتماع والتعاون بين الناس، فالمرء لا يمكنه الاكتفاء بنفسه[34].
  • ومن فرض الكفاية في العلوم: كل علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب والنحو واللغة، والعلم بأصول الصناعات والفلاحة كالحياكة والسياسة والحجامة[35].
  • منها: الخياطة والحياكة والحجامة والبناء والبيع والشراء ونحوها، إذ لا يقوم صلاح العالم إلا بها[36].
  • ومنها: المزارعة من فروض الكفاية، فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما في معناها من غرس الشجر[37].
  • ومن ذلك: القضاء، والشهادة، والإمامة والأمر بالمعروف، والحرف المهمة ورد السلام، وتجهيز الميت، وفك الأسير[38].

وهكذا، والأمثلة متكاثرة، والمهم هنا ليس التمثيل فحسب، ولكن التقعيد والقيام بالتفريع عليها بالضوابط العلمية كالاحتياج العام، والضرورة، وما ينفع الناس ويمنحهم القوة والنهضة في العلوم والحضارة.

  1. قاعدة مقدمة الواجب الشرعي

ولها صيغة أخرى: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والضابط لهذه القاعدة: تحصيل الوسائل التي يتوقف عليها إيجاد الواجب لا مقدمات الوجوب التي جعلها الله علامة على الفعل، وقد «أجمع المسلمون أن ما يتوقف الوجوب عليه من سبب، أو شرط، أو انتفاء مانع لا يجب تحصيله؛ كالنصاب في وجوب الزكاة، فلا يجب تحصيله إجماعًا، وكالإقامة في وجوب الصيام، فلا يجب تحصيلها لذلك إجماعًا، وكالدين في منع وجوب الزكاة، فلا يجب دفعه لتجب الزكاة إجماعًا»[39].

وهذا القدر من القاعدة لا إشكال فيه ولا نزاع، وإنما حديث العلماء في هذه القاعدة حول الوسيلة المؤدية لتطبيق العبادة كالمشي لصلاة الجماعة في المسجد، والعناية بالطريق إليها ونحو ذلك، وجملة من العلماء يُدخلون ذلك في أصل الوجوب المستفاد من خطاب الشارع ابتداء؛ لتوقفه عليه، ومنهم مَن يتحرج في تسمية الوسيلة بالواجب[40].

ومن الأقوال الموجزة في تلخيص القاعدة وتوضيحها قولُ ابن قدامة: «ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم إلى: ما ليس للمكلف، كالقدرة واليد في الكتابة، وحضور الإمام والعدد في الجمعة، فلا يوصف بوجوب. وإلى ما يتعلق باختيار العبد، كالطهارة للصلاة، والسعي إلى الجمعة، وغسل جزء من الرأس مع الوجه، وإمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم، فهو واجب»[41]، وما يدخله الاختيار عند المرء يراه بعض العلماء متضمنًا في الخطاب، عملًا بقاعدة أخرى شهيرة: "الوسائل لها أحكام المقاصد".

ومهما يكن من أمر، فإن الخطابات الشرعية العامة كالأمر بالقوة والسيادة ونحوها تدخل فيما سبق ضمن الواجب الكفائي، وعليه فسواء قلنا بإدخالها في مقدمة الواجب أو لم نقل به فهي ثابتة وتحصيلها مطلوب بهذه القاعدة أو تلك، وهذا لا شك فيه وقد أشار له عدد من العلماء.

ومن النصوص التي تؤسس للقاعدتين قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]

قال ابن سعدي: «أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدَّم المسلمون ويندفع عنهم به شرُّ أعدائهم، وتعلُّم الرمي، والشجاعة والتدبير؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي»، ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال؛ ولهذا قال تعالى: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته.

فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابًا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المُعدَّة للقتال التي تكون النكاية فيها أشدَّ، كانت مأمورًا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب»[42].

وفي الموسوعة الفقهية: «لما كان إقامة الصناعات فرض كفاية كان توفير المحترفين الذين يعملون في هذه الصناعات فرضًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[43].

قال ابن تيمية: «اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بيِّنًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسُّنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية»[44].

وقال أيضًا: «المقصود هنا أن الله إذا أوجب على العباد شيئًا، واحتاج أداء الواجب إلى تعلُّم شيء من العلم، كان تعلُّمه واجبًا، فإذا كان معرفة العبد لما أمره الله به تتوقف على أن يعرف معنى كلام تكلم به بغير لغته وهو قادر على تعلُّم معنى تلك الألفاظ التي ليست بلغته أو على معرفة ترجمتها بلغته، وجب عليه تعلُّم ذلك»[45].

يقول حاجي خليفة (ت1067هـ) عن علم باسم البنكامات: «يعني: الصورة والأشكال المصنوعة، لمعرفة الساعات المستوية والزمانية... غايته: معرفة أوقات الصلوات، وغيرها، من غير ملاحظة حركات الكواكب، وكذلك معرفة الأوقات المفروضة، للقيام في الليل، إما للتهجد، أو للنظر في تدابير الدول، والتأمل في الكتب، والصكوك، والخرائط، المنضبط بها أحوال المملكة، والرعايا، ولا يخفى أن هذين الأمرين: فرض كفاية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[46].

  1. قاعدة المصالح المرسلة

من أشهر القواعد الشرعية في الأصول والفقه الإسلامي، وهي تعتمد على اعتبار كل ما ينفع وينفي الضرر، والتعريف الشائع لها هو: المصلحة التي «لم يشهد الشرع لا لبطلانها ولا لاعتبارها»، ولا شكَّ أن هذه المصالح على رُتب، وهذه المراتب جزء من تقنين النظرية المصلحية، يقول الغزالي: «المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها تنقسم: إلى ما هي في رتبة الضرورات، وإلى ما هي في رتبة الحاجات، وإلى ما يتعلق بالتحسينات والتزينات، وتتقاعد أيضًا عن رتبة الحاجات»[47].

وهذه القاعدة اعتمدها كافة أئمَّة المذاهب في التقرير والترجيح بنسبٍ متفاوتة وألفاظٍ متقاربة في المعنى، ولم تختص بالمالكية فحسب وإن اشتهروا بها. قال القرافي المالكي: «وأما المصلحة المرسلة، فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدتَ المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وجمعوا وفرقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهدًا بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب»[48].

إن الحديث عن تفاصيل مسائل هذا الأصل الكلي وحججه متداولٌ في كتب الأصول والدراسات المستقلة، والأمثلة حوله متعدِّدة لا تنتهي، سواء في السابق أو الحاضر أو المستقبل، والإشارة لهذه التطبيقات هي الغاية هنا في مجال العلوم والفنون، ولا بدَّ من التنبيه هنا إلى أن هذه القواعد تتعاضد وتتكامل؛ ولذلك تتكرر أمثلتها.

وفي سياق كلام العز ابن عبد السلام عن المصالح في كتابه الفريد، ذكر عدَّة تقسيمات لها، منها قوله: «ثم المصالح ثلاثة أضرب: أحدهما: أخروية... الضرب الثاني: مصالح دنيوية، وهي قسمان أحدهما ناجز الحصول... والقسم الثاني: متوقع الحصول كالاتجار؛ لتحصيل الأرباح، وكذلك الاتجار في أموال اليتامى؛ لما يتوقع فيها من الأرباح، وكذلك تعليمهم الصنائع والعلوم لما يتوقع من مصالحها وفوائدها، وكذلك بناء الدار وزرع الحبوب وغرس الأشجار، وكل ذلك مصالحه متوقَّعة غير مقطوع بها»[49].

وكذلك ذكر فصلًا عن البدعة بسبب إشكال تعلُّقها بالمصالح، فيقول عن أمثلة ما يسميه بالبدع المندوبة: «منها: إحداث الربط والمدارس وبناء القناطر، ومنها كل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها: صلاة التراويح، ومنها الكلام في دقائق التصوف، ومنها الكلام في الجدل في جمع المحافل للاستدلال على المسائل إذا قصد بذلك وجه الله سبحانه»[50]، ويدخل في ذلك ابتكار العلوم والصناعات؛ لاحتياج البشرية لها.

يقول ابن القيم: «إن تعلُّم هذه الصناعات فرض على الكفاية، لحاجة الناس إليها، وكذلك تجهيز الموتى ودفنهم، وكذلك أنواع الولايات العامة والخاصة التي لا تقوم مصلحة الأمة إلا بها»[51].

وقال ابن سعدي عن تطبيقات هذه القاعدة: «ويستدل بهذا الأصل العظيم والقاعدة الشرعية على أن علوم الكون التي تُسمَّى: العلوم العصرية، وأعمالها، وأنواع المخترعات النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم؛ أنها داخلة فيما أمر الله به ورسوله، ومما يحبه الله ورسوله، ومن نِعَم الله على العباد لِما فيها من المنافع الضرورية والكمالية، فالبرقيات بأنواعها، والصناعات كلها، وأجناس المخترعات الحديثة تنطبق هذه القاعدة عليها أتمَّ انطباق، فبعضها يدخل في الواجبات، وبعضها في المستحبات، وشيء منها في المباحات؛ بحسب نفعها وما تثمره، وينتج عنها من الأعمال والمصالح. كما أنها أيضًا تدخل في هذا الأصل الشرعي، وهو: الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. ومن فروع هذا الأصل: وجوب تعلُّم الصناعات التي يحتاج الناس إليها في أمر دينهم ودنياهم، صغيرها وكبيرها. ومن فروع هذا الأصل: وجوب تعلُّم العلوم النافعة»[52].

وبعد، فبهذا يُعلم أن التخصُّصات الدنيوية أو ما يُطلق عليها العلوم الطبيعية والعقلية والإنسانية ليست دخيلةً على علومنا، حتى الفنون المترجمة استوعبتها الحضارة الإسلامية، وحافظت عليها ومحَّصتها واستفادت منها، والقواعد الشرعية التي تؤيد هذه التخصُّصات متعدِّدة غير ما ذكرته، ولكن تلك أهمها وأشملها، ولعلَّ من أبرز ما لم أذكره: قاعدة الإباحة، وفتح الذرائع ونحوها، ويمكن أن تدخل بعض تفاصيل الإباحة في الواجب الكفائي، وفتح الذرائع في المصلحة.

وفي المطلب التالي تأكيدٌ لهذه القواعد والمبادئ السابقة، عندما أستعرض كلام العلماء في ضرورة هذه التخصُّصات وعدم تعارضها المطلق للدين من كل جهة.

«لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه»

  1. المطلب الثالث: موقف علماء الإسلام من العلوم الدنيوية

أقوال العلماء في أهمية العلوم عمومًا كثيرة ومتداولة، وقبل ذكر الأمثلة على ذلك أشير لقضية مهمة، تُعَدُّ من الإشكاليات الجوهرية في هذا الموضوع، وهي وجود بعض النصوص الشديدة من العلماء في ذمِّ وخطورة عدد من التخصُّصات ولا سيما العقلية كالفلسفة والمنطق، وهذه الأحكام غالبًا ما تكون محدودة النطاق والتأثير، ولها حالة خاصة لدى أربابها، تظهر عند تحليل الملابسات التي قيلت فيها هذه الآراء، فإما أن تكون مقيدة بعوام المسلمين عمومًا، وإما أن تكون تحذيرًا لضِعاف العلم الشرعي؛ خشية أن تعلق الشُّبه بهم في أمور الدين دون جواب، وإما المنع بإطلاق، وهذا مما لا يسوغ دون تفصيل.

ومن القضايا المهمة بين العلماء في كافة التخصُّصات الاحترام المتبادل فيما بينهم، والتخلُّق بأدب العلم، وأن يحفظ كل واحد منهم حقَّ صاحبه وإن اختلف معه، ويحفظ له تقدُّمه في فَنِّه، فـ«من الواجب على أرباب الصناعات... ألَّا يحمل أحدًا فرطُ الإعجاب بنفسه وبصناعته على الاستخفاف بما سواه، وألَّا يحمله الاغترار بما أوتيه من المهارة في خاصّيِّ صناعته على الخوض فيما ليس هو من شأنه، بل يعمل على تفويض كل صناعة إلى أربابها، ويوفِّي العارفين بها والمتقدمين فيها أبلغَ حقوقهم من التبجيل والتعظيم»[53].

ومن أقدم الأقوال وأهمها لعلماء المسلمين ما ورد عن إمام المذهب الشافعي وشيخ الشافعية، إذ يروي عنه أحد تلاميذه قوله: سمعت الشافعي يقول: «لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه»[54].

وحكى عنه حرملة أيضًا: «كان الشافعي يتلهف على ما ضيَّع المسلمون من الطب، ويقول: ضيَّعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى»[55].

والأمر لا يختصُّ بالطب فحسب وإن كان هو الأهم، فعدد من الصناعات والعلوم تأخر المسلمون كثيرًا بسبب غيابها وعدم الاهتمام بها، سواء ما يتعلق بالطبيعة أو الإنسان، رغم أن الأوائل لهم إبداع فيها ومشاركة كالهندسة والفلك والأحياء والكيمياء وغيرها، فليس من العلم ولا الديانة التقليل من هذه الفنون الإنسانية، ولا تضييق مجالها، وتقليل أثرها، بفهوم لا تُدْرِك غورها، ولا تعرف ثمرتها.

قال أبو حيان التوحيدي: «فقد وضح لكل ذي حِس مقيد (متزن)، وعقل متأيد، ورأي صحيح، وذكاء صريح، أن هذه العلوم كثيرة المنافع، عامَّة المصالح، حاضرة المرافق، وأن الناس لو خلوا منها، وعروا عنها؛ لتبدَّد نظامهم، وانقطع قوامهم، وكانوا نهبًا لكل يد، وحيارى طول الأبد»[56]، وإثبات نفعها وضرورتها لقيام حياة البشر، واستخلافهم في الأرض وعمارتها يكفي في قيمتها وإباحتها، دون تمطيط الكلام واجتراره بما يُسمى: «مشاريع الأسلمة»، فمِن الأولى صرف الجهود (العقلية والمالية والسياسية) في بناء ذات العلوم من داخل حضارة المسلمين وفق أخلاقهم ودينهم، وتبقى الترجمة عاملًا مساعدًا!

إنَّ إباحتها مع تحقُّق نفعها قضية محكمة لا جدل فيها، وهذا مسوغ علمي (عقلي وديني) في المحافظة عليها مِن البشر عمومًا (مسلمهم وكافرهم)، فهذه العلوم لو «أمعنا النظر فيها نجدها ترجع لحفظ الأمور التي اتفقت الشرائع على وجوب المحافظة عليها، أعني: الدين، والبدن، والعرض، والمال»[57]، وقديمًا قال الإمام الغزالي رحمه الله (ت505هـ): «ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا»، «ولا يتم الدين إلا بالدنيا»[58].

وفي نص مهم يقول الفيلسوف المتكلم أبو الحسن العامري رحمه الله (ت381هـ) عن عدد من هذه العلوم: «فأمَّا العدد فإن الارتياض به والمهارة فيه تُنيفُ بالإنسان على أبواب ينغمس لها الفكر في اللذات العقلية... وهو المحتكم إليه في المعاملات. وأمَّا الهندسة فهي تتلو العدد في جلالة القدر وعِظم الخطر، بل هي أقرب إلى الإدراك لوقوعها تحت الأمثلة الحسية، وأوسع منه نفاذًا»، ثم ذكر عدة شواهد من الواقع في أهمية علم الهندسة. وقال: «وأمَّا التنجيم فهو ما لا ينكر شرفه»، ثم ختم فقال: «فهذه هي مجامع ما يُرتفق به من صناعة الرياضيين، وقد عُلم أنه ليس بينها وبين علوم المِليَّة (الدين) عِناد ولا مضادة»، وقال أيضًا الكلام ذاته في العلوم الطبيعية: «فهذه مجامع ما يُرتفق به من صناعة الطبيعيين، وقد عُلم أنه ليس بينها وبين العلوم المِليَّة عناد ولا مضادة»[59]، فهذا تكامل أصيل بين العلوم، والوعي به يُغني عن كثير من سكب المِداد، وإشغال الوقت بمعارك الأسلمة الوهمية.

 

المبحث الثاني: مدى التفاعل المنهجي والاعتبار المعرفي بين المجالين

المبحث الثاني

سيكون هذا المبحث في مطلبين متعاكسين، يُكمّل أحدهما الآخر:

المطلب الأول: دور العلوم الدنيوية على العقل الفقهي

التخصُّصات التي لها علاقة بحياة الناس وحركتهم لها أثر ظاهر في إنزال الحكم الفقهي؛ وذلك يدخل عمومًا في تحقيق المناط، وهو كما يُعبر الشاطبي (ت790هـ): «معناه أن يثبت الحكم بمُدْركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله»[60]، فالعلوم الدنيوية ومعرفة واقع الناس عامل لا غنى عنه في الفقه الإسلامي، ليس في تنزيل النصوص فحسب، بل أيضًا في فهم النوازل ومجريات الحياة، يقول ابن القيم: «ولا يتمكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علمًا.

والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله»[61].

ومن أقدم الأقوال التي توضِّح أهمية التدقيق والوعي لدى الفقيه والمفتي والقاضي ما ورد في كتاب الخليفة الراشد عمر رضى الله عنه إلى أبي موسى رضى الله عنه، حين قال له: «الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسُّنة، فتعرف الأمثال والأشباه، ثم قِس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها فيما ترى»[62]، وهذه العملية الاجتهادية في النظر والمقايسة كمالها يتم بحسن المعرفة للواقع، ولا سيما في الأحكام الظنية ومستجدات الناس.

يقول القرافي (ت684هـ) في نقل ظاهر يبيِّن ضرورة التخصُّصات الإنسانية: «كم يخفى على الفقيه والحاكم الحقُّ في المسائل الكثيرة؛ بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذوي الهِمم العلية ألَّا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم»[63]، ويقول أيضًا: «الأحكام المترتبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير بتغيرها»[64].

وتحدَّث القرافي رحمه الله عن علم الفلك والمواقيت حديث العالم الخبير، فبيَّن ما يشتمل عليه من العروض والأطوال والقطب والكوكب والشمس والرياح، وذلك عند الكلام على تحديد القبلة للمصلِّي في كتابه "الذخيرة"[65].

ومِن أهم ما يتوجب التنبيه عليه في هذا السياق القواعد الشرعية التي لها صلة باعتبار الواقع عمومًا في النظر الفقهي، مثل: قاعدة العرف، والعادة مُحكّمة، وتغيّر الأحكام بتغير الزمان، قال النووي: «فهل تجري العادة المطردة مجرى الإباحة؟ فيه وجهان: أصحهما تجري»، وقال: «فإن جهلت العادة فوجهان، وأصحهما يحل لاطراد العادة المستمرة بذلك»[66]. وقال السيوطي: «اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تُعدّ كثرة»[67].

وقال ابن القيم في سياق كلامه عن أهمية معرفة الناس لدى الفقيه: «فهذا أصل عظيم (معرفة الناس) يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيهًا فيه، فقيهًا في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيهًا في الأمر له معرفة بالناس تُصَوِّر له الظالم بصورة المظلوم وعكسه والمُحِقّ بصورة المُبطل وعكسه، ورَاج عليه المكرُ والخداعُ والاحتيال... وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعُرْفياتهم لا يميز هذا من هذا، بل ينبغي له أن يكون فقيهًا في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعُرفياتهم، فإن الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله»[68].

وبذلك تعلم مدى ضرورة المراعاة لهذه العلوم عند الفقيه بكافة أنواعها وتخصُّصاتها، مثل: الفلك، والرياضيات والحساب، والطب، والفيزياء والكيميا ونحوها، ولا يلزمه التعمُّق فيها، ولكن يكفيه الاستعانة بأهلها، وكذلك لا بدَّ للشرعي من النظر في علم الاجتماع وعلم النفس والقراءة في تواريخ الأمم والحضارة، ومتابعة ما يجري في عصره من أمور سياسية واقتصادية، كما ينمي ذهنه ويُمحِّص تفكيره بالمعارف العقلية القديمة والحديثة كالفلسفة والمنطق ونحوها؛ فهذه الفنون تمنح المرء القدرة النظرية على البناء والتجريد، وتُسهم في تجديد البحث وابتكار العلوم.

ففصل الخطاب في هذا الشأن التأكيد على أن الفقيه ينبغي له «أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته في معرفة حقيقة النازلة وواقعها بكل وسيلة ممكنة، فإن كانت مما يمكن أن يدركها المجتهد بنفسه فهو الأولى والأحرى، وإن كانت مما يتعذر معرفته على غير أهل الاختصاص، كالمسائل الطبية الدقيقة، والمعاملات المالية المعقدة، وما أشبهها من مسائل العلوم الأخرى، فيجب عليه استشارة أهل الاختصاص في كل حادثة، مراعيًا في ذلك التثبُّت والتحرِّي في السؤال، وبناء فهمه لها على رأي من يغلب على ظنِّه أنه من أعلم أهل الاختصاص بها، مع كونه ثقة عدلًا، وهذا المنهج أكَّد عليه القرآن في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهو الأحوط للمجتهد في ظل كثرة وقائع العصر وتنوعها واتسامها بالدقة والتعقيد»[69].

المطلب الثاني: احتياج الصناعات الدنيوية للوحي

سبق في المحور السابق بيان مدى أهمية العلوم غير الشرعية للفقيه، وسأشير هنا إلى النقاط التي تحتاج فيها العلوم الدنيوية إلى الوحي ونصوص الشريعة، ومن ذلك ما يلي:

أولًا: مشروعية النظر

لا شكَّ أن الدين فطريٌّ في النفوس، والمرء دومًا ما تكون تعاليم الدين موجِّهة لتفكيره وحركته، والإسلام مهيمن على الأديان وخاتم لها، وهذا يجعله أكثر شمولًا لمطالب الناس واستيعاب عقولهم وأفكارهم، فليس فيه الآصار والأغلال، ولا الرهبانية في الأمم السابقة، بل دين حياة وآخرة، وجعل الله فيه كافة مقومات الجذب والبقاء، قال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، وقد سبق بيان أهمية هذه العلوم وأثرها في الأحكام؛ مما يعطي المشروعية لها في الجملة، وذلك مما فتح المجال لعدد كبير من علماء الشريعة عبر التاريخ للمشاركة في تلك العلوم كالطب والفلك والفلسفة وغيرها.

ثانيًا: البناء العلمي

الكتاب الأم في الحضارة الإسلامية هو القرآن الكريم؛ ولهذا كانت له الصدارة في تشكيل وعي المسلم، ومن الأسس العلمية المطلقة التي جعلها التنزيل معيارًا للنظر في كافة الأمور والمعارف: فكرة الحجة، قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فلا يُقبل سوى الدليل المعتبر في كل شأن من شؤون الحياة؛ ولذلك نفى الله العلم والبصيرة على كل مقلِّد لا يخضع للدليل بعد وضوحه، قال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]، فكتابنا العزيز يدعو للمنهج العلمي الرصين الذي يتسق مع الإنصاف والعقل، وهذا شامل في كل العلوم الدينية والدنيوية.

ومحلُّ الشاهد الذي لا مرية فيه عند كل الاتجاهات المختلفة والمتوسطة بين القولين: هو أن القرآن الكريم له أثر إيجابي، قوي وفاعل في بناء العلوم الدنيوية وابتكارها.

وكذلك فإن القرآن الكريم يحثُّ على النافع من العلوم، وقد أسَّس ذلك في نفوس العلماء اهتمامًا بالغًا بكافة التخصُّصات الدنيوية، ومن هنا كان للفرقان الأثر الجلي في تثوير المعارف وتوسيع المعاني القرآنية، فهو كالبحر المحيط الذي «ينطوي على أصناف الجواهر والنفائس»[70]؛ ولهذا كان التفسير «هو العلم الذي جعل للشرع قِوامًا، واستعمل سائر المعارف خدامًا، منه تُؤخذ مبادئها، وبه تُعتبر نواشئها، فما وافقه منها نصع، وما خالفه رفض ودفع، فهو عنصرها النمير، وسراجها الوهاج، وقمرها المنير»[71].

وهذه الشمولية وسَعة المعاني جعلت بعض العلماء يتجاسر على القول بأنه «احتوى على علوم أُخَر من علوم الأوائل، مثل: الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك»، وقال أيضًا: «وفيه من أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها»، ثم ذكر مأخذ تلك العلوم من القرآن، وضرب أمثلة على الصناعات كالخياطة، والحدادة، والبناء، والفلاحة، والنسيج والغزل، والملاحة، والكتابة، والطبخ وغيرها»[72]، ومثل هذا الرأي منقول أيضًا عن عدد من علوم العقليات كالفلسفة والمنطق.

ونقاش هذا الاتجاه وذكر المخالفين من العلماء له موطن آخر، وهو مطروق في أكثر من موطن عند المتقدمين أو المتأخرين، ومحلُّ الشاهد في هذا السياق الذي لا مرية فيه عند كل الاتجاهات المختلفة والمتوسطة بين القولين: هو أن القرآن الكريم له أثر إيجابي، قوي وفاعل في بناء العلوم الدنيوية وابتكارها.

ثالثًا: الضبط الأخلاقي

الأديان تمنحك منهجًا في الحياة، ومبادئ ترشدك في التعامل مع الأشياء، وعزل الدين عن العلوم قد يورث مفاسد جسيمة يعجز المرء عن التعامل معها دون الرجوع للشرائع السماوية، فالفقه الإسلامي حافل بالقواعد الشرعية التي تكفل للناس حقوقهم الذاتية، سواء لحماية أعراضهم وأموالهم وعقولهم أمام أي أحد يريد التعدي عليها باسم العلم أو غيره.

ومن هذه القواعد التي تُعتبر مبادئ أخلاقية يستصحبها العالم في عمله، سواء في الطب أو الهندسة أو غيرها، مثل: الأصل براءة الذمة، والضرر يزال، والأمور تقدر بقدرها، والأصل في الأشياء الإباحة وهكذا، وهي مشهورة ومتكاثرة ولها تفاصيل متعدِّدة وتطبيقات تتصل بحركة العالم في مجاله، وكذلك، مثل قيم: الصدق، والعدل، والأمانة، والإنصاف ونحوها.

فالعلوم الدينية تؤسس للمعايير المطلقة التي تُبنى عليها الحضارات والمعارف كالحق والخير والجمال، قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17]، وقال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]

وعليه فإن العالم في أي تخصُّص شرعي عقلي طبيعي بحاجة لما يُطلق عليه اليوم: أخلاقيات العلم، وأدبيات البحث، ونصوص الوحي وكلام أئمة الإسلام في التفسير والحديث والفقه والعقيدة مليئةٌ بالضوابط والآداب العامة والخاصة التي يمكن الاهتداء بها في المجتمع العلمي.

رابعًا: الجزاء الأخروي

الثواب والعقاب، والتفكير في المآل والعاقبة من أهم القضايا المنهجية التي تمتاز بها الأديان عن غيرها، والعامل الجوهري الذي حفز علماء الإسلام للمشاركة وابتكار العلوم الدينية والدنيوية هو الجزاء والنفع؛ ولذلك (كما سبق) كانت قاعدة الواجب الكفائي من أهم الأسس التي انطلقوا منها مستشعرين هذا الفضل من المولى سبحانه وتعالى في بناء المعارف والصناعات.

ومِن أعظم كليات الدين في هذا السياق: القاعدة المحكمة والمجمع عليها: «الأمور بمقاصدها» التي أسَّسها الحديث النبوي الشريف عنه عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وهو من أشهر الأحاديث الصحيحة في الإسلام، فهذا المبدأ السمح يؤكد سَعة رحمة الله وفضله، مع أهمية استحضار النيَّة في أي عمل؛ لأن «العبادات لا يميزها عن العادات، ولا يميز رتب بعضها عن بعض إلا النيَّة، ولا يحصل الثواب إلا بها، ومنه كتابات العقود، وكل أداء ملتبس ونحوه يفتقر إلى النيَّة المميزة»[73].

فمن هنا أصبحت العناية بموضوع الجزاء في التخصُّصات الدنيوية أمرًا مهمًّا؛ لأن الاشتغال بها من قبيل النفع المتعدي للناس، والذي قد يبقى أثره قرونًا، والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين، وهو أكرم بالثواب لكل ساعٍ للخير ونصرة الحق، قال سبحانه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]، وقال جلَّ وعلا: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 120-122]، والعلوم النافعة من الخير والقوة التي تغيظ الأعداء وكل معادٍ لتقدُّم المسلمين، وهي أساس كل حضارة ونهضة.

 

الخاتمة

النتائج والتوصيات

وبعد، فالحمد لله الذي يسَّر إتمام هذا البحث الذي غمرني بكثير من السعادة أثناء القيام به؛ بسبب ما وجدته من سعة مقاصد العلوم الشرعية، وشمولها لكافة مناشط الحياة النظرية والتطبيقية، وقد ظهر لي من النتائج والتوصيات ما يلي:

  • العلوم الدينية والدنيوية متعاونة لا يُغني بعضها عن بعض.
  • عظمة مضامين الشريعة الإسلامية وعلومها من الأصول والقواعد، فالفقه علم اجتماعيٌّ يصعب للفقيه أن يمارسه دون الاحتكاك مع الواقع وعلومه.
  • سَعة الأُفق وبُعْد النظر عند عدد من العلماء الذين أسهموا في الجمع بين التخصُّصات المعرفية دون منازعة.

ومن التوصيات:

  • الإسهام في معالجة الإشكاليات الكبرى التي كان لها الأثر في تشويه هذه التخصُّصات، كعزلها عن الدين، بمعنى «عَلْمنة العلم»، والطغيان المادي، وكذلك الوعي بسياقات الاجتهاد من بعض العلماء الذين وقفوا ضد بعض العلوم، وحسن التعامل مع الهزيمة الحضارية، واختلاف الدين، ولا يكون ذلك عاملًا في التقليل من تلك العلوم.
  • ضرورة العناية بمثل هذه الموضوعات التي تكشف عن وعي العلماء بعلومهم وواقعهم وحسن التعاطي معه.
  • مزيد الدراسة وإظهار القواعد الأصولية المؤسِّسة للنظر العلمي.

والحمد لله ربِّ العالمين من قبل ومن بعد على الإعانة، وأسأل الله أن يفتح لي مغاليق العلم ويشرح صدري لكل خير ونافع.

 

فهرس لأهم المراجع

 

  • آداب الشافعي ومناقبه، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد لرازي ابن أبي حاتم، حقق أصله وعلق عليه: عبد الغني عبد الخالق، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م. أساس البلاغة، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ/1998م.
  • الإعلام بمناقب الاسلام: المؤلف: أبو الحسن العامري، تحقيق ودراسة: أحمد عبد الحميد غراب، الناشر: الرياض، دار الأصالة للثقافة والنشر والاعلام، 1988م.
  • باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن: المؤلف: محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابورىّ الغزنوي، تحقيق: سعاد بنت صالح بن سعيد بابقي، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة، عام النشر: 1419هـ/1998م.
  • البحر المحيط في أصول الفقه:  المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، الناشر: دار الكتبي، الطبعة: الأولى، 1414هـ/1994م.
  • التحرير والتنوير: المؤلف: محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، الناشر: الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984هـ.
  • التقريب والإرشاد (الصغير):  المؤلف: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي، المحقق: د. عبد الحميد بن علي أبو زنيد، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثانية، 1418هـ/1998م.
  • جامع البيان عن تأويل آي القرآن:  المؤلف: محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422هـ/2001م.
  • السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي:  المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، مؤلف الجوهر النقي: علاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني، الناشر: مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة الأولى، 1344هـ.
  • سير أعلام النبلاء:  المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405هـ/1985م.
  • شرح تنقيح الفصول:  المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، المحقق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة: الأولى، 1393هـ/1973م.
  • شرح مشكل الآثار:  المؤلف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1415هـ/1494م.
  • الصحاح فى اللغة والعلوم : معجم وسيط، تجديد صحاح الجوهرى والمصطلحات العلمية والفنية للمجامع والجامعات العربية / تقديم عبد الله العلايلى، اعداد وتصنيف نديم مرعشلى واسامة مرعشلى، الناشر: بيروت، دار الحضارة العربية، ١٩٧٥م.
  • الصحاح: المؤلف: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ‍/1987 م.
  • الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق):  المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، الناشر: عالم الكتب.
  • الفروق في اللغة: المؤلف: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد أبو هلال العسكري، المحقق: جمال عبد الغني مدغمش، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1422هـ/2002م.
  • الفصول في الأصول:  المؤلف: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة: الثانية، 1414هـ/1994م.
  • قواعد الأحكام في مصالح الأنام: المؤلف: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء، تحقيق: نزيه حماد - عثمان جمعة ضميرية، الناشر: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 2010م.
  • كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون:  المؤلف: مصطفى بن عبد الله كاتب جلبي القسطنطيني المشهور باسم حاجي خليفة أو الحاج خليفة، الناشر: مكتبة المثنى، بغداد، تاريخ النشر: 1941م.
  • الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية:  المؤلف: أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي، أبو البقاء الحنفي، المحقق: عدنان درويش - محمد المصري، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت.
  • لسان العرب:  المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1414هـ.
  • المستصفى في علم الأصول:  المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، المحقق: محمد بن سليمان الأشقر، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ/1997م.
  • معجم مقاييس اللغة:  المؤلف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، الطبعة: 1399هـ/1979م.
  • مفاتيح العلوم:  المؤلف: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب، ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه: نعيم زرزور، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1407هـ/1987م.
  • مناقب الشافعي للبيهقي:  المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المحقق: السيد أحمد صقر، الناشر: مكتبة دار التراث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1390هـ/1970م.
  • الموافقات:  المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/1997م.
  • الوسيط في تفسير القرآن المجيد: المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1415هـ/1994م.
الهوامش

[1] انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس (صنف).

[2] انظر: لسان العرب، ابن منظور (صنف).

[3] الصحاح في اللغة والعلوم، إعداد: نديم مرعشلي، وأسامة مرعشلي (ص738).

[4] آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص321).

[5] مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 114).

[6] منازل الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، أبو زكريا يحيى بن إبراهيم الأزدي (ص212).

[7] رسائل ابن حزم (4/ 81).

[8] فضل العرب والتنبيه على علومها (ص121).

[9] المصدر السابق.

[10] انظر: طبقات الأمم لابن صاعد (ص19)، فقد تحدث في باب جميل عن الأمم التي عُنيت بالعلوم والحِرف والنوع الذي غلب على كل أُمَّة.

[11] مفاتيح العلوم (ص13).

[12] تفسير السعدي، تيسير الكريم الرحمن (ص291).

[13] مقاييس اللغة لابن فارس (سخر).

[14] الصحاح للجوهري (سخر).

[15] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 199).

[16] تفسير الطبري، جامع البيان (ط. هجر) (18/ 566).

[17] التحرير والتنوير (17/ 321-322).

[18] مقاييس اللغة (خلف)، وانظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 341).

[19] التفسير الوسيط للواحدي (1/ 113).

[20] تفسير عبد الرزاق (3/ 73).

[21] التحرير والتنوير (8/ 33-34).

[22] أساس البلاغة للزمخشري (1/ 678).

[23] باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن، أبو القاسم الغزنوي النيسابوري (2/ 667).

[24] انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (درك)، ولسان العرب (درك).

[25] النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (درك).

[26] انظر: الفروق اللغوية للعسكري (ص89)، وشمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، نشوان بن سعيد الحميرى (4/2081).

[27] الكليات للكفوي (ص66).

[28] سأتوسع لاحقًا -بإذن الله- في الموضوع مع إضافة القواعد ومحاور أخرى مهمة في كتاب خاص.

[29] الفصول في الأصول (2/ 157).

[30] التقريب والإرشاد (الصغير) (2/ 312).

[31] الرسالة للشافعي (ص366).

[32] انظر: العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (ط. العلمية) (11/ 352)، المنثور في القواعد الفقهية للزركشي (3/ 33-35).

[33] انظر: البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (1/ 321)، وقد رد على الممانع لذلك التقرير.

[34] مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (1/ 100).

[35] انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 42).

[36] انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (3/ 110).

[37] انظر: منح الجليل شرح مختصر خليل (6/ 335).

[38] مختصر خليل (ط. العلمية) (ص89).

[39] رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (2/ 659).

[40] انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (1/ 296)، ورفع النقاب عن تنقيح الشهاب (2/ 659).

[41] روضة الناظر وجنة المناظر (1/ 118).

[42] تفسير السعدي (ص324).

[43] الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 73)، وفيها نقول لعدد من علماء المذاهب الفقهية.

[44] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 527).

[45] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (2/ 105).

[46] كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 255).

[47] المستصفى للغزالي (1/ 416)، والاقتباس في التعريف منه أيضًا.

[48] شرح تنقيح الفصول (ص394).

[49] قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 43).

[50] قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 205).

[51] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ط. عالم الفوائد) (2/ 645).

[52] القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة (ص6-8).

[53] الإعلام بمناقب الإسلام، أبو الحسن العامري (ص:118).

[54] سير أعلام النبلاء (ط. الرسالة) (10/ 57).

[55] مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 116).

[56] المقابسات، أبو حيان التوحيدي (ص99)، المقابسة (2)، وكان سياق حديثه عن الطب، والهندسة، وعلم النجوم، وغيرها من العلوم العربية.

[57] أليس الصبح بقريب، ابن عاشور (ص96).

[58] إحياء علوم الدين (1/12، 17)

[59] الإعلام بمناقب الإسلام، أبو الحسن العامري (84-88).

[60] الموافقات (5/ 12).

[61] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ت. مشهور) (2/ 165).

[62] السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي (10/ 115).

[63] الفروق للقرافي (4/ 11).

[64] الفروق للقرافي (3/ 29).

[65] انظر: الذخيرة (2/13، 125).

[66] المجموع (9/ 150، 153).

[67] الأشباه والنظائر (ص90).

[68] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ت. مشهور) (6/ 113-114).

[69] النوازل الأصولية للدكتور أحمد بن عبد الله بن محمد الضويحي، مجلة كلية الشريعة – السعودية.

[70] جواهر القرآن، الإمام الغزالي (ص41).

[71] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي (1/7-8).

[72] انظر: الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي (ص16-17)، وهو رأي منقول منه.

[73] تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشي (3/474)، والغيث الهامع شرح جمع الجوامع للعراقي (ص660).