مراتب العلوم - عن تصنيف العلوم في تاريخ الفكر الإسلامي
كلمات مفتاحية: مراتب العلوم – التأليف في الإسلام – العلوم الإسلامية – الببليوغرافيا – علوم الأوائل
مقدمة المترجم
غُرست شجرة العلوم الإسلامية منذ قدوم الرسالة المحمدية، ورُويت بالنقل والعقل، حتى أثمرت المصنفات المختلفة لعلوم الإسلام منذ القرن الثاني من الهجرة النبوية. وقد تحوَّلت المعارف في الحاضرة الإسلامية -بتعبير فرانز روزنتال- من "العلم" بالمفرد إلى "العلوم" بالجمع، وذلك لمَّا تكاثرت العلوم وتشعَّبت.
ولا غرو -والحال كذلك- أن أُفردت المؤلفات التي عُنيت بترتيب العلوم وتصنيفها وتحرير اصطلاحاتها وفهرستها إلى غير ذلك من الجهد العلمي الذي عُرف في الحضارة الإسلامية. وكان عادة أسلافنا تكثير المباحث، وذكر المعلومة حيثما حَلَّ مكانها وإن كانت لا تنتمي لموضوع الكتاب المؤلَّف فيه خاصَّة: "فالاستطراد سِمة من سِمات التأليف عند كثير من علمائنا ومؤلِّفينا"[1]. ولذا نجد المعلومات حول العلوم في الإسلام وتصنيفها متناثرةً في مواطن متفرقة، فنجد طرفًا منها بين كتب مسائل العلوم، مثل كتب الفقه والحديث والتفسير واللغة، ونجد طرفًا آخر في كتب الطبقات والتاريخ، ونجد طرفًا ثالثًا -وهو موضوعنا- في المصنفات التي عُنيت بإحصاء العلوم ومراتبها، ونجدها في غير ذلك من المظان.
وقد أصبح "علم التصنيف" أو "ترتيب العلوم" أو "مراتب العلوم" علمًا قائمًا بذاته[2]، وأُفرد بالتصنيف والتأليف فيه. وقد أُحصيت المصنفات التي عُنيت بتصنيف العلوم فوصلت إلى أكثر من ثلاثين مؤلفًا؛ كما أوردها إبراهيم الأبياري في تحقيقه لـ"مفتاح العلوم" للخوارزمي[3]. وقد زاد بعضهم فوق ذلك بكثير، حتى أوصلها إلى قريبٍ من تسعين عنوانًا مستقلًّا في الباب[4].
لكن المدقِّق يجد أن في هذا العدد مبالغة؛ إذ لهذه المصنفات المذكورة طرق مختلفة في الترتيب والتنظيم، فلا يصدق عليها جميعًا أنها تشترك في تصنيف العلوم وترتيبها. فبعضها يختصُّ بترتيب العلوم وتصنيفها عامَّة، وبعضها في ترتيب عدد من العلوم، وبعضها لعلم واحد من العلوم، وبعضها في التعريفات والحدود، وبعضها في الإحصاء والفهارس العامة، وبعضها -وهي كتب معاصرة- ليست في ترتيب العلوم أصلًا، وإنما في إحصاء المخطوطات[5]، وفرق ما بين اللفظين؛ إذ إن أعدادًا كبيرة من كتب تراثنا العربي قد فُقدت ولم يبقَ إلا عناوينها، على عكس كتب فهرسة المخطوطات التي تذكر الموجود من تراثنا بالفعل.
يتناول أمير دزيري -في هذه الورقة- موضوع "تصنيف العلوم" أو "مراتب العلوم"، ويحاول تلخيص الركام المتناثر من المعلومات في سردية تاريخية متماسكة يسهل عرضها وتتبُّعها. وقد بدأ دزيري بالحديث عن بواكير التصنيف الإسلامي ووشائج الصلة بين الإسلام وعلوم اليونان، ثم عرج على معيارية العلم عند المحدثين والمتكلمين والصوفية والاتجاهات الغنوصية، وأثر هذه المعيارية في نظرة تلك المجموعات المختلفة للعلوم ومراتبها. ثم ختم ورقته بتتبُّع المحطات الأساسية في نشأة الببليوغرافيا الإسلامية وتطورها. ويخلص دزيري إلى أن غرض المصنِّفين في مراتب العلوم كان تعليميًّا وتربويًّا في المقام الأول، أي لإرشاد طلاب العلم إلى طريق العلم والترقي في الطلب.
أما عن الترجمة فقد راجعتُ كل النقول على أصولها العربية، وحين استخدام المؤلف طبعة مختلفة يتعذر الوصول إليها، أحلت إلى الصفحة في الطبعة التي اعتمدتها من الموطن نفسِه. وبعد مقابلة النص الألماني بالأصل العربي، استخدمت المصطلحات العربية التي أوردها المصنفون في مراتب العلوم، إلا ما رأيت أنه يخرج عن مقصود المؤلف، فقد أثبت مراده في متنه وأوردت النص العربي في الهامش. أما إذا أحال دزيري إلى كتاب أجنبي له ترجمة عربية، فغالبًا ما أشرت لذلك ونقلت النص من الترجمة العربية مباشرة، وأحلت إليها، ما أمكنني ذلك.
كما استخدمت الهوامش لتوضيح بعض الغوامض. وما كان من تعليقٍ للمترجم فقد أُتبع في الهامش بكلمة (المترجم)، حتى يتميز عن كلام المؤلف. وأرجو أن أكون قد وُفِّقت في نقل النص على صورته اللائقة عربيًّا.
مقدمة
إن كل مُحاولة لتصنيف العلوم في تاريخ الإسلام الفكري أو الشرعي، أو في تاريخ الآداب الإسلامية، هي في جوهرها محاولة ذاتية وجزئية، وقبل ذلك محاولة لوضع نظام معياري للعلوم. فأي منهجية للتصنيف علينا مراعاتها عند ترتيب أو عرض مختلف العلوم؟
شغل تصنيف العلوم ("ترتيب العلوم" و"علم التصنيف" و"تقاسيم العلوم") موقعًا سجاليًّا كبيرًا في تاريخ الفكر الإسلامي، وتباينت المقاربات والاتجاهات في هذا الحقل المعرفي، واضطربت مقاربة المصنفين للفن الواحد من العلوم، فضلًا عن علاقته ببقية العلوم الأخرى. ومنذ وقت مبكِّر في تاريخ الفكر الإسلامي، شكَّل مفهوم "العلم" عنصرًا أساسيًّا في الثقافة الدينية والأدبية. وستتطور هذه الحالة لاحقًا لتصبح سمةً عامةً في الوعي الإسلامي، حتى إن فرانز روزنتال قد وصف "العلم" بأنه أحد المفاهيم الأساسية للحضارة الإسلامية[6]. ومنذ نزول الوحي، كان للعلم دور رئيس في بنية التدين الإسلامي. إذ ثمة عهد من الإله للبشر بأن يهبهم من العلم ما يُدركون به العالم، ووعد اللهُ المؤمنينَ به والمنقادين لأوامره أن يدركوا بالعلمِ الكونَ من حولهم إدراكًا خاصًّا، وأن يصلوا بالعلم إلى كُنه غايتهم الإنسانية في هذا الوجود، بل وأن يعينهم العلم أيضًا في تدبير شؤونهم العامَّة[7].
ويتجلَّى هذا التصور للعلم في عددٍ من الآيات القرآنية، وأوضحها مطلع سورة العلق -وهي أولُ ما نزل من الوحي-: {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 3]. وقد ميَّز القرآن بين "أهل الكتاب" و"غير الكتابيين"، وجعلهما صنفَيْن مختلفَيْن. فـ"الكتاب السماوي" يُعَدُّ معيارًا للتفرقة في الرتبة والمكانة بين الصنفَيْن، وجعل القرآن "الكتاب السماوي" حدًّا فاصلًا بين الموحدين والوثنيين: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 8-9].
وقد كان هذا الوعد الإلهي لإدراك المؤمنين غاية وجودهم بعلمٍ من عنده، هو سِرّ العداء الشديد بين الأنبياء والشعراء. فادعاء الشعراء قدرتهم على تفسير العالم إثر وصولهم لمعارف خفية يُوحيها إليهم الجن إنما هو تحدٍّ لمهمة الرسل التفسيرية لهذا العالم[8]: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ" [الرحمن: 33]. وفي سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1].
إن غضضنا الطرف عن اختلاف منهجيات المُصنفين ومقارباتهم، فإننا نجدهم يتفقون على نقطة مركزية، هي أن ترتيب العلوم وتصنيفها ليس غاية في ذاته، بل تقف خلف هذا التصنيف غايةٌ أخرى، وغالبًا ما تكون غاية تعليمية.
والمكانة المميزة للاشتغال بالعلوم وتصنيف العلوم في تاريخ الفكر الإسلامي إنما هي نتيجة التأكيد الإسلامي على أهمية العلم. والمعنى المراد بمفهوم "العلوم" في السياق الإسلامي ليس مقصورًا على العلوم الدينية فحسب (وعلينا أن ننتبه إلى أن مصطلح "الدينية" هو مصطلح وُلِدَ بأخرة مع نظرتنا الحديثة للعلوم)، فالعلم في الحضارة الإسلامية يشمل عامَّة مجالات الحضارة، مثل: "العلوم الدينية والعلوم الفلسفية"، و"العلوم النظرية والعلوم التطبيقية"، و"العلوم المتخصصة والعلوم العامة"، و"العلوم المساعدة والعلوم الأصلية". وتعتمد منهجية مؤلفات ترتيب العلوم الإسلامية وتصنيفها اعتمادًا أساسيًّا على زاوية التناول التي يتخذها المصنفون من العلم. وإن غضضنا الطرف عن اختلاف منهجيات المُصنفين ومقارباتهم، فإننا نجدهم يتفقون على نقطة مركزية، هي أن ترتيب العلوم وتصنيفها ليس غاية في ذاته، بل تقف خلف هذا التصنيف غايةٌ أخرى، وغالبًا ما تكون غاية تعليمية، أي يتغيا بها إرشاد طلاب العلم -بقدر المستطاع- إلى التدرُّج المناسب والترقي في العلوم، وتُقربهم من المعارف الإسلامية. وينصُّ كثير من المصنفين في مراتب العلوم الإسلامية على هذه الغاية في المقدمة. وتبعًا لذلك، ستكون أحوال الطلبة الشخصية وكذلك المنهجية المناسبة لدراسة العلوم إشكاليةً متصلةً، وسمةً مركزيةً في ثقافة العلم والتعليم الإسلامي.
واللغة العربية -مثلها مثل بقية اللغات السامية، كالسنسكريتية والعبرية والآرامية- تحوي عددًا من التعبيرات لمصطلح (عِلم)، مثل الجذور: (دَرَىَ، عَرَفَ، شَعِرَ، عَقَلَ، يَقِنَ، فَقِهَ، فَكَّرَ، فَهِمَ، ظَنَّ، زَعَمَ، ذَكَرَ، بَيَّنَ، دَرَسَ)[9]، لكن سرعان ما اتخذت مؤلفات تصنيف العلوم الجذر (علم) للدلالة على مفهوم المعرفة/العلم. والجذر اللغوي لهذه اللفظة هو مادة (عَـ لَـ م) وهو جذر يشير في التاريخ العربي القديم[10] إلى علامات الطريق وأماراته التي توجِّه الرحَّالة والقوافل. ومن القرائن التي تؤيد ذلك أن لفظة (جهل) هي مضاد (علم) وليس (نكر). فالجذر (نكر) يشير -ضمنًا- إلى تعمُّد ترك المعرفة، بينما يشير الجذر (جهل) -على العكس- إلى (عدم المعرفة) بغير عمد. فعلامات الطريق قد لا تكوّن معلومة ابتداءً، لكن إن تجاهلها الإنسان متعمدًا، فهذا يعني أنه قد يفقد حياته. ورغم ورود الجذر (نكر) في القرآن، فإنه لم يُستعمل في سياق مضادة العلم، وربما كان للفظة (الجاهلية) -لما تحمله من حمولة ثقيلة- سببٌ في استخدام الجذر (جهل) بدلًا من (نكر) كنقيض لمصطلح (العلم) في الإسلام. وعلى كُلٍّ، فكلا المصطلحين (علم) و(جهل) قد شكَّلا منذ صدر الإسلام رابطة قوية، دائمة التأثير في تاريخ تطور تاريخ الشريعة، وكان لهما بصمتهما الممتدَّة في تاريخ الفكر الإسلامي[11]. أما كلمة (علوم) فهي جمع (علم)، لكنها لم ترد بالجمع في القرآن ولا الحديث النبوي. وعلينا أن نحدِّد الآن متى سيتحوَّل (العلم) من حالة مفردة إلى حالة مراكمة (علوم)، حتى يتطلب الترتيب والتصنيف؟
يَعزو المؤرخ وفيلسوف التاريخ ابن خلدون (809هـ/1406م) تطور العلم من مفهومه الفردي إلى مفهوم جماعي لمختلف المعارف، إلى عاملين: الأول: التطور الكميّ الواسع للعلوم ذاتها، سواء في استحداث علوم جديدة، أو بزيادة التدقيق والترقي -بمرور الوقت- في المعارف القائمة بالفعل. الثاني: التمايز الجليّ بين العلوم وبعضها البعض، مما سيجعل الحدود بين العلوم ظاهرة مع الوقت أيضًا. وقد ولَّد هذان العاملان الحاجة إلى التصنيف والترتيب والتنظيم للعلوم، لا سيما في الحواضر الكبرى من العالم الإسلامي، مثل: بغداد، وقرطبة، والقيروان، البصرة، والكوفة. وكان من آثار مثل هذا التطور للعلوم زيادة عدد المؤلفات والآداب الإسلامية[12].
وتُعَدُّ مصنفات مثل "الموطأ" لمالك بن أنس (179هـ/796م) و"الأم" للشافعي -مؤسس المذهب المصري[13]- (204هـ/820م) و"السيرة النبوية" لابن إسحاق[14] (150هـ/767م)؛ بمنزلة المصنفات المستقلة الأولى في تاريخ الفكر الإسلامي، وقد نحت هذه المصنفات منحًى منهجيًّا في الكتابة العلمية، فكانت نقطة تحوُّل عند مقارنتها بالأعمال السابقة عليها، التي غلب عليها النقولات الشذرية [الآثار][15].
حفريات الصلة مع العصور القديمة: علوم الأوائل وعلوم الأواخر
في صدر الإسلام، كان الوعي بالتاريخ الفكري للعلوم -ولمفهوم العلم ذاته- مقصورًا على حيز جغرافي محدَّد، ومحتوى ديني محدود. ولم يقتصر أثر التوسع الجغرافي للدول الإسلامية الحاكمة بعد ذلك على التلاقي بكُتَّاب أو مؤلفات أو رؤى جديدة للعلوم فحسب، وإنما وضع تساؤلًا أساسيًّا حول العلاقة بين العلوم العربية والإسلامية وبين العلوم الوافدة. ومن ذلك الحين، سيكون للتصورات الفارسية/الساسانية واليونانية المرتبطة بتفسير الوجود أَثَرُها المتصل في تقسيم المعارف العربية والإسلامية، وخاصةً المصنفات اليونانية.
وقد بحث بالفعل فيلسوف العرب الكندي (توفي بين 252-259هـ/866-873م)[16] في أعماله الفلسفية إمكانية الدمج بين أفكار الحضارة اليونانية والمعتقدات العربية الإسلامية في تفسير العالم، وسعى إلى إقامة الوفاق بين كلا المصدرين للعلوم والمعارف[17]. وقد رأى الكندي أن الفلسفةَ تتطلع للوصول إلى "الحق الأول"، وهذا التطلُّع يتحقق عند بحثنا عن أصل "العلة الأولى".
ومن ذلك الحين، سيجعل الكندي كل محاولة بحث عقلانية هي محاولة للوصول إلى مفهومي الحق والعلة[18]، وذلك بصرف النظر عن مصدر الحق، أو مَنْ أسهم في تشكيله، فـ"ينبغي لنا ألا نستحي من استحسان الحق، واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنّا، والأمم المباينة لنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق"[19]. ومن هذه النظرة لمفهوم "المعرفة الإسلامية" و"الحق/الحقيقة الفلسفية" دمج الكندي بين علوم الإسلام وإرث اليونان، متخذًا بذلك موقفًا مباينًا للموقف العربي التقليدي حول المعرفة والحقيقة.
وبذلك ابتعد الكندي عن النظرة العربية المميزة لمفهوم الحق، بل كان يرى مفاهيم الحق والعلم الإسلامي موافقةً لمعارف اليونان. ومن لدن الكندي ستنشأ صِلة بين "علوم الأوائل" التي تمثِّل معارف اليونان الفلسفية، و"علوم الأواخر" التي تمثِّل معارف عصره، وستشكِّل هذه الصلة سرديةً ممتدةً ونقطة جدل مرجعية في محاولات تصنيف العلوم الإسلامية في القرون التالية.
العلم الإنساني يتطلب جهدًا تراكميًّا متأنيًا لتطوره، وهذا سبيل التنشئة الفلسفية. أما العلم الإلهي، فقد حملته الرسل بشرائعها التي أوحى بها الله إلى جميع البشر، بصرف النظر عن استعدادهم الفلسفي للوصول للحقائق.
ومن المؤسف أن كتابه "ماهية العلم وأقسامه" لم يصلنا كاملًا، وقد استطعنا -بالكاد- إعادة بنائه مما حفظته المصادر المتأخرة له[20]، وخاصةً من رسالة فرعية له بعنوان "رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل الفلسفة"[21]، التي نجد فيها أن الكندي يفرق بين نوعَيْن من العلوم: "العلم الإلهي"، و"العلم الإنساني"[22]. ولا يختلف العلمان في ماهية كلٍّ منهما فحسب، وإنما يختلفان في المعنى أيضًا. فالعلم الإنساني يتطلب جهدًا تراكميًّا متأنيًا لتطوره، وهذا سبيل التنشئة الفلسفية. أما العلم الإلهي، فقد حملته الرسل بشرائعها التي أوحى بها الله إلى جميع البشر، بصرف النظر عن استعدادهم الفلسفي للوصول للحقائق. وبهذا التوافق جنب الكندي -مبدئيًّا ولأجل مؤقت- الصدام بين العلوم الدينية والفلسفة، ووضع من البداية غرض "البحث عن المعرفة" هدفًا مشتركًا لعلوم الشريعة والمعارف الفلسفية[23].
تنتمي أعمال جابر بن حيان (200هـ/815م) أيضًا إلى هذه المرحلة المبكِّرة من مراحل تصنيف العلوم. ولجابر أعمال عديدة في تاريخ العلوم، ويُعَدُّ صاحب أول منهجية في تصنيف العلوم الإسلامية. لكننا نرى في سيرته الحياتية شيئًا من الغموض، فقد ادعى تلمذته على الإمام الشيعي جعفر الصادق[24]، ويُقال إنه كان قريبًا من معتقدات القرامطة الأوائل[25]. ولأننا لم يصلنا أيُّ عمل من أعماله كاملًا، فلا يمكننا معرفة مواقفه إلا من طريق المصادر اللاحقة. وقد أعرب بعض المعاصرين والببليوغرافيين (المفهرسين) عن شكّهم في نسبة أعماله إليه. ولهذا السبب يفضِّل بيتر كراوس[26] عند الحديث عن أعمال ابن حيان -التي ظهرت بين القرن الثاني إلى الرابع الهجري/الثامن إلى العاشر الميلادي- أن يشمل الحديث عددًا من المُسهمين في كتابتها غير ابن حيان، من الكُتَّاب والمُحرِّرين والنسَّاخ[27].
ويعتمد ابن حيان في تصنيفه للعلوم بصورة كُلية على الأساس اليوناني، ويبدو أنه عَالِم مُطالع لِعَالَم الأفكار عند أرسطو، والإسكندر الأفروديسي، وفرفوريوس الصوري، وأفلاطون، وجالنيوس، وإقليدس، وبطليموس، وأرشميدس. أما فيما يتصل بآرائه، فيبدو أن ابن حيان كان من التوفيقيين بين الأيادن، فقد بنى نظامه المعرفي على أساس غنوصيّ. وبسبب الخلفية الغنوصية، يمكننا وضعه بجوار إخوان الصفا في إطار واحد. فمفهوم العلم عنده متصل بالمفهوم ذاته في "رسائل إخوان الصفا"، وهو مفهوم وحدة الحقيقة والمعارف والإدراك، فيرفض تأطير مفهوم العلم بحيز ثقافي أو جغرافي أو زماني ضيق[28].
الفارابي
أما عند الفارابي (339هـ/950م) -والمعروف بشارح أرسطو- فإن العلاقة بين "علوم الأوائل" و"علوم الأواخر" التي تتخذ شكل التكامل بين مصدري العلوم اليونانية والإسلامية، ستمثِّل تحديًا كبيرًا. فعند تصنيفه للعلوم اليونانية أدرج الفارابي العلوم الإسلامية ذاتها تحت هذا التصنيف. فالفارابي -مثل سلفه الكندي- يتبع فكرة أرسطو الأساسية، القائلة بأن المعرفة تجلب بالضرورة السعادة والرضا. ونتيجةً لهذه الفكرة، يرى الفارابي إمكانية دمج الإلهيات في التصنيف اليوناني للعلوم. فالبحث الإسلامي عن معرفة الله يطابق عند اليونان البحث عن علة الوجود، وكلا النهجَيْن غايتهما الوصول للسعادة (راجع: "تحصيل السعادة" و"التنبيه على سبيل السعادة" للفارابي)[29]. ومن هنا، كان منطلق الفارابي أيضًا أن ثمة اتفاقًا ذاتيًّا بين علوم الأوائل وعلوم الإسلام (العلوم الأصيلة والعلوم الدخيلة)[30].
ويحدِّد الفارابي في كتابه "إحصاء العلوم" خمسة علوم: 1- اللغة. 2- المنطق. 3- العلوم الرياضية. 4- علم الطبيعة وما بعد الطبيعة. 5- السياسة/الأخلاق، والقانون، والتربية الدينية[31]. ويتجاوز الفارابي بهذا التصنيف بعض فنون التصنيف الأرسطي للعلوم، لكنه يقول بالتمايز بين المعارف النظرية والمعارف العملية.
وقد أدت نظرته للدمج الذاتي بين "الفلسفة اليونانية" و"مفهوم الحقيقة الإسلامية" إلى إدراج العلوم الإسلامية في التصنيف اليوناني للعلوم، فأدرج الإلهيات تحت المعارف النظرية من الميتافيزيقا [اليونانية]. ويجعل علوم الشريعة، وكذلك الاتجاهات الدينية لعلم الكلام الإسلامي؛ مندرجين تحت المعارف العملية، مثلهم مثل الفتاوى الدينية[32].
ثمرات العلوم- أبو حيان التوحيدي
وقريبًا من عصر الفارابي، وفي شرق نيسابور، وُلِدَ أحد الأعلام المهمين، وهو أبو حيان التوحيدي (414هـ/1023م). وقد فهم التوحيدي العلوم بشمولية. ففي رسالته "رسالة في بيان ثمرات العلوم" غضب التوحيدي على جماعة من أهل العراق، لهم موقف من علوم الأوائل، ويزعمون أن "ليس للمنطقِ مَدْخَلٌ في الفقه، ولا للفلسفة اتصالٌ بالدِّين، ولا للحكمة تأثيرٌ في الأحكام"[33]. وقد عارض التوحيدي هذه المقولة معارضة شديدة، ورأى "أن العلم أشرفُ من الجهل، بل لا شرف للجهل، فيكون غيرهُ أشرف منه؛ لأن الجهل عدمٌ، هكذا قيل، والوجودُ أشرفُ من العدم، والصحَّة أشرف من السقم"[34]. وللبرهنة على رأيه، عدَّد التوحيدي في مدخل رسالته فروع العلم المختلفة، خاصةً علوم اليونان. ومن بين مجالات العلوم الأربعة عشر التي يُعددها[35]، ذكر القياس والكلام والمنطق. وهو ما يعني أن التوحيدي يُدرج ضمن العلوم الإسلامية إنجازاتٍ لعلماء من الأوائل أو لعلماء من الخارجين عن الإسلام (علماء غير المسلمين). ومن اللافت في منهجية التوحيدي لتصنيف العلوم أنه عَدّ التصوف واحدًا من العلوم الدينية، وبهذا الإفراد لا يكون التصوف الإسلامي عِلمًا مستقلًّا فحسب، بل ربما يكون إشارةً على أول محاولة إسلامية حول علمية التصوف الإسلامي[36].
أحد المصنفين أيضًا في "ترتيب العلوم" هو محمد بن أحمد الخوارزمي (365هـ/876م)[37]. ومع الخوارزمي ستصبح أطروحة التوافق الضمني بين علوم الإسلام وعلوم غير المسلمين (علوم اليونان خاصة) محلَّ نظر، وسيتضح أن الجهود الواسعة التي بذلها فلاسفة المسلمين الأوائل -لمحاولة إيجاد هذا التوافق- غير مبرهنة. ففي كتابه "مفاتيح العلوم"، يُظهر الخوارزمي درايتَهُ بالتصنيف اليوناني للعلوم، بل ويستخدم هذا التصنيف في بعض الفصول. لكن الخوارزمي يقسم العلوم الإسلامية على نهجٍ مغايرٍ للفارابي والكندي، فهو لم يدرج العلوم الإسلامية تحت التصنيف الأرسطي السائد لتصنيف العلوم، وإنما أشار إلى قِسمين قَسيمين (متوازيين) من العلوم: "العلوم الإسلامية والعربية"، و"علوم العجم من اليونان وغيرهم من الأمم"[38].
يعدّد الخوارزمي العلوم الإسلامية بـ: الفقه والكلام والنحو وعلم الكتاب [القرآن] والشعر والعروض، وأخيرًا الأخبار (التاريخ). أما علوم الأمم الأجنبية فيذكر: الفلسفة والمنطق والطب وعلم العدد (الأرتماطيقي - الحساب) والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والحيل (الميكانيكا) والكيمياء[39].
ويقوم تصنيف الخوارزمي للعلوم -من حيثُ محتواه- على ما يُشبه حزمة التعريفات. فيبيِّن التعريفات لكل فرعٍ من الفروع العلمية، أو يبيِّن تعريف كل علم استقلالًا. ويهدف إلى إعادة تصنيف الفن من الفنون المختلفة، بعد إعادة تعريفه السائدة، مع الإشارة إلى نقاط الخلاف الأساسية حول العلوم ذاتها.
وبالأخير، فإن ديمتري غوتاس يصف تصنيف الخوارزمي للعلوم بأنه ترتيب جرديّ، وأنه أقلُّ موسوعية وإحاطة بالفروع المعرفية كافَّة، كما كان الحال في تصنيف الفارابي والكندي على سبيل المثال[40].
لكن محاولة الخوارزمي لتصنيف العلوم كانت رائدةً في رسم العلاقة بين العلوم العربية الإسلامية وبقية العلوم الأخرى، وظلت محاولته حالةً فكريةً متماسكةً بين المصنفين المسلمين للعلوم. حتى إن ابن خلدون اعتمد على أطروحة الخوارزمي، ولم يستطع تجاوز أهمية التمييز بين "العلوم الحكمية الفلسفية" و"العلوم النقلية الوضعية"، مع إقراره بأن المصدرين المعرفيَّيْن [اليوناني والإسلامي] يكمل بعضهما بعضًا[41]. ثم ظهرت هذه العلاقة الإشكالية بين مصدري العلوم مرة أخرى في أعمال العالم الأندلسي ابن رشد (595هـ/1298م)، الذي رأى أن عليه التصدي لهجوم أبي حامد الغزالي (505هـ/1111م) الشديد على الفلسفة الإسلامية بعموم، وعلى العلوم اليونانية فيها بخصوص[42]. ففي كتابه "تهافت الفلاسفة" أدان الغزالي فلاسفة الإسلام بثلاثة مسائل رآها تتعارض مع العلم الإسلامي[43]، وبهذه الإدانة أفسد الغزالي -لفترة طويلة- السُّمعة الرمزية التي تمتعت بها الفلسفة. وعلى صدى عمل الغزالي وبعد قرنَيْن من زمانه، شرع العالم الدمشقي ابن تيمية (728هـ/1328م) بكتابه "الرد على المنطقيين" في استمرار توجيه اللكمات إلى الفلسفة الإسلامية، ودافع عن الاستقلال المعرفي للعلوم الإسلامية، وهو ما عنى به تنقية معارف العلوم العربية الإسلامية من الموروثات الخارجية[44].
إننا نرى أيضًا أن معظم الجهود المبذولة لتصنيف العلوم كانت تهدف لربط العلوم الإسلامية بنظام التصنيف اليوناني، وذلك عند فلاسفة المسلمين، أمثال الكندي والفارابي وابن سينا.
وكردّ فعل على كتاب الغزالي، استفرغ ابن رشد وسعه في البرهنة على أن الفلسفة جزءٌ من مراتب العلوم الإسلامية، وقدَّمها باعتبارها واجبًا دينيًّا. وهو ما يعني أن ابن رشد عاد إلى نموذج التوافق بين الفرعَيْن المعرفيَّيْن، كما قرَّر عدد من أصحابه من الفلاسفة السابقين. يقول ابن رشد: "فإن الغرض من هذا القول أن نفحص على جهة النظر الشرعي: هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع، أم محظور، أم مأمور به، إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب؟ فنقول: إن كان فعل الفلسفة ليس شيئًا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات إنما تدلُّ على الصانع لمعرفة صنعتها. وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتمّ، كانت المعرفة بالصانع أتمّ، وكأن الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحثّ على ذلك"[45].
وإذا سلمنا بأن منهجية تصنيف العلوم الإسلامية قد خضعت لإطارٍ فلسفيّ يونانيّ سابق على الإسلام، فإننا نرى أيضًا أن معظم الجهود المبذولة لتصنيف العلوم كانت تهدف لربط العلوم الإسلامية بنظام التصنيف اليوناني، وذلك عند فلاسفة المسلمين، أمثال الكندي والفارابي وابن سينا أيضًا (428هـ/1037م)، حين نقلوا تصور "وحدة الحقيقة" و"وحدة المعرفة" وإمكانية التداخل بين مصدري المعرفة للوصول إلى الغاية الوجودية بالبحث عن السعادة وتحقيقها. وقد كانت إشارتهم صريحةً لجعل الإلهيات الإسلامية جزءًا من الميتافيزيقا في معارف اليونان. ولذا جهد الفلاسفة المسلمون في محاولة دمج العلوم الإسلامية في التصنيفات العلمية الموجودة سلفًا في تقسيم العلوم خاصة التصنيفات الأرسطية والأفلاطونية. وإلى جانب المصنفين المذكورين سلفًا ومصنفاتهم، يمكننا أن نُحصي أيضًا عددًا من النماذج الأخرى الدالَّة على هذا التفكير التصنيفي ذاته.
فنجد -على سبيل المثال- كتاب "جوامع العلوم" لابن فريعون (أو ابن فريغون)[46] (توفي في منتصف القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) كمثال رائق ومثير للدهشة في تفريعاته العلمية، فالمؤلف يظهر الفروع العلمية في صورة مشجرات علمية[47]. ونجد مثل ذلك أيضًا عند أبي الحسن العامري (381هـ/992م) في كتابه "الإعلام بمناقب أهل الإسلام". فقد قام العامري بمقاربة فلسفية معرفية للعلوم، وأكَّد على وحدة أركان الدين، وهي: العقيدة والعبادة والشريعة[48]. أما الفيلسوف الفارسي المسلم ابن مسكويه (421هـ/1030م)[49]، فقد ظلَّ وفيًّا لمشروعه حول الفضائل الأخلاقية، لكنه يشير إلى هذا التقسيم للعلوم أيضًا في الترتيب المنهجي الذي وضعه للعلوم في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق"[50].
علم الكلام وتخصيص العلم ومفهوم المعرفة
على الرغم من هيمنة المقاربات الفلسفية والغنوصية لمفهوم العلم في الجدل الإسلامي في القرون الإسلامية الأولى، فإن الطابع الأكاديمي الذي سيتحوَّل إليه علم الكلام الإسلامي -عند تشكيل المذاهب الكلامية المختلفة خاصَّة- سيُحدث تحولًا ملحوظًا في توظيف مفهوم العلم. فمن تلك اللحظة، سيكون "العلم" و"مفهوم المعرفة" نقطة انطلاق مرجعية لأي سجال كلاميّ.
كيف برز مصطلح العلم في القرآن؟ وما تأويل قوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}؟ وهل علم الله مساوٍ لعلم الإنسان؟ وما الذي يبلغ بعلم الإنسان اليقين الذي لا يقبل الشكّ؟ وهل مصطلحات مثل "علم اليقين" و"حق اليقين" و"عين اليقين" هي مستويات مختلفة للإدراك البشري، أم أن الإدراك حالة ذاتية، لا تقبل التقسيم أو التجزئة؟ وما عِلّيّة الأخلاق والأحوال النفسية للإنسان؟ من هذه الأسئلة أصبح تعريف "العلم" منطلقًا مركزيًّا في التعاطي مع أطروحات علماء الكلام الإسلامي[51].
ونتيجةً لهذا التطور، شرع أحد أهم مفسري علم الكلام الأشعري، وهو ابن فُورك (406هـ/1015م)، في شرحه لمقالات أبي الحسن الأشعري (324هـ/935م) بفصل "في إبانة مذهبه -يعني الأشعري- في معنى العلم وحده". وسيصبح تعريفه للعلم بأنه: "ما به يعلم العالمُ المعلومَ" هو التعريف النموذجي للعلم في المدرسة الأشعرية[52]. ووفقًا لهذا التصور، فقد جعل الأشعري "علم الله" إحدى الصفات السبع في عقيدته عن الله؛ أي أن الله يعلم، لكن كيفية علم الله وكُنهه تختلف عن علم غيره من المخلوقات، التي يعلمها الإنسان. وبدون تعريف لمصطلح العلم -كما في تعريف الأشعري المختار للعلم- فلن يكون ثمة فائدة من علم الكلام. ويحظى مفهوم العلم بمكانة بارزة في المدارس الكلامية الإسلامية كافَّة، ويظهر هذا عند الجويني (478هـ/1085م)، وابن عقيل (513هـ/1119م)، والشيرازي (476هـ/1083م)، والقاضي عبد الجبار (478هـ/1085م). وقد استقصى روزنتال اثني عشر تعريفًا مختلفًا على الأقل للعلوم في المدارس الكلامية في عرضه لمفهوم العلم في الإسلام[53].
رسائل ابن حزم الأندلسي
أما الإمام الأندلسي ابن حزم (456هـ/1064م)، فقد كان مثالًا فريدًا لإقامة الصلة بين الإشكاليات الكلامية والمنهجية العلمية لمراتب العلوم. فبجانب رسالته "التقريب لحد المنطق"، نجد له رسالة مفردة في تصنيف العلوم بعنوان "رسالة في مراتب العلوم"، وهي رسالة إحصائية للمعارف المدرجة داخل التصنيف الإسلامي للعلوم. وبدأ ابن حزم مقاربته بإعادة النظر في العلاقة بين الفنون المتباينة، وعارض الميل للاقتصار على علم واحد (التعصُّب للصنعة)[54]، الذي يقع فيه بعض المشتغلين بالعلوم، ويرون العالم كله من خلال تخصُّصهم فقط. ثم يواصل ابن حزم ذكر عشرات العلوم التي قسمها إلى مجموعتَيْن منفصلتَيْن: "العلوم المرتبطة بالثقافة/العلوم غير المشتركة بين الأمم"، و"العلوم غير المرتبطة بالثقافة/العلوم المشتركة بين الأمم".
فأما العلوم والمعارف المرتبطة بالثقافة، فهي العلوم الشرعية والتاريخية واللغوية. غير أن ابن حزم لا يقصد بمصطلح "علم الشريعة" فيما يبدو الصواب من الشرعيات، بل يقصد بمصطلح "علم الشريعة" معنى أوسع يشمل المعتقدات الشعبية التي تتجاوز الزمان وتضرب في مختلف البيئات الثقافية. وربما كان مستنده في ذلك قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48][55]. فهذه العلوم ثابتة لكل أُمَّة؛ لأن كل أُمَّة لها معتقداتها، وتاريخها الخاص. ثم هناك بعض العلوم المشتركة بين الأمم (العلوم غير الثقافية)، وهي: علم الفلك والحساب، والطب والفلسفة، والميتافزيقا[56].
كان مقصد ابن حزم من محاولته لترتيب العلوم أن يجعل هذا الترتيب مناسبًا للغايات التعليمية، ويرقى بطلاب العلم، مثله في ذلك مثل كثيرٍ من المصنفين في مراتب العلوم. لذا يقدِّم ابن حزم نصائحه لكل علمٍ في تحصيله وطلبه[57]. ففي مطلع العمر يُلقّن الطفل الكتابة والقراءة، ثم يدرس النحو واللغة والشعر. ثم في المرحلة التالية يدرس علم العدد (الحساب)، ثم العلوم الطبيعية والمنطق في وقت لاحق. ثم يأتي التاريخ والفلسفة معًا بعد ذلك. أما في المرحلة السابعة والأخيرة، فعلى الطالب أن ينصرف إلى علوم الشريعة[58]. ويُخضع ابن حزم ترتيبه للعلوم لمبدأ المنفعة من العلوم، ولأن العلوم الدينية هي الأنفع للإنسان في الآخرة، فإنه يقدِّمها على بقية المعارف والعلوم الدنيوية[59].
لكن سرعان ما نقد علماء من ذوي الميول الصوفية هذا التضييق المدرسي لمفهوم المعرفة والعلم، الذي انتشر في الحياة الفكرية للإسلام نتيجةً لنفوذ علم الكلام. فقد لاموا على متكلمي الإسلام إخلاءهم مفهوم العلم عن مراده بمقارباتهم المذهبية. وعارض هؤلاء المتصوفة مفهوم "العلم" الذي ساد مدرسيًّا، محاولين الرجوع إلى المفهوم الغنوصي[60] القديم للعلم، الذي ظهر -على سبيل المثال- مع أنموذج جابر بن حيان، واتخذوا مصطلح "المعرفة" بديلًا لهم عن مصطلح "العلم".
وفقًا للتصور الصوفي، ستشكّل المعرفة والإدراك محورًا مهمًّا في العلاقة بين العقيدة والعلم. فالإيمان والعلم -وفقًا للمنظور الصوفي- يشكّلان وحدة واحدة.
ولم يرد مصطلح "معرفة" بلفظه في القرآن بخلاف مصطلح "علم"، لكن مصطلح المعرفة سيبني تصورًا كُليًّا للإدراك، وهو تصور قريب من الغاية الأخروية من العلوم. ومع الإشراق الصوفي سيتجلَّى المعنى الباطني للعلم والإدراك. ويخبرنا الحكيم الترمذي (توفي بعد 285هـ/898م) بأن "العلم نور، وكلما كان العبد أخشى لربّه، أشرق النور في صدره"[61]. ووفقًا للتصور الصوفي، ستشكّل المعرفة والإدراك محورًا مهمًّا في العلاقة بين العقيدة والعلم. فالإيمان والعلم -وفقًا للمنظور الصوفي- يشكّلان وحدة واحدة، وبين المصطلحَيْن نوع من التداخل الشرطي. وقد أشار إلى ذلك المعنى الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"، الذي أسَّس به أكبر محاولة فعَّالة لمتصوفة الإسلام في استرداد مفهوم "العلم" من المعنى المذهبي المجرد[62].
آثار مختارة في "فضل المعرفة"
هناك بُعد آخر يتصل بتصنيف العلوم، وهو الآثار المرتبطة بـ"فضل المعرفة" أو بالأحرى "فضل طلب العلم". فثمة نُقولات -متباينة الحجم- يُوردها المصنفون للترغيب في فضل العلم وحفظه، سواء آداب قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال الحكماء والعلماء، مع ما تحفل به هذه الآثار من الفوائد الأخرى.
جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر
يُورد العالم الأندلسي ابن عبد البر (463هـ/1070م) -وهو معاصر لابن حزم- في مؤلَّفه الحاشد "جامع بيان العلم وفضله" مثالًا بوصايا لقمان (وهو شخصية تاريخية ذكرها القرآن): {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 12-13]، وتختلف آراء العلماء حول وصاياه والمراد منها. لكن وصايا لقمان تظل عند ابن عبد البر -وكثير من العلماء- نموذجًا عمليًّا للعالم المسلم. ومثال ذلك نجده فيما أخرجه ابن عبد البر: "قال لقمان لابنه: يا بني، ما بلغتَ من حكمتك؟ قال: لا أتكلف ما لا ينبغي. قال: يا بني، إنه قد بقي شيء آخر: جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء"[63].
يحتوي كتاب ابن عبد البر على ما يقارب الـ 2500 نقل وحكاية وبيت شعر [وأثر]. وبرغم هذا العدد من النقولات، فإننا قلما نجد إشارةً مباشرةً إلى سؤال المنهجية في تصنيف العلوم، ففي الحكاية المذكورة عن لقمان الحكيم مثلًا، هل قصد الحكمة بالمعنى الفلسفي، أم الغنوصي؛ أم أنه يقصد بها العلم بوصفه طريقًا للنجاة الأخروية؟ لكن -عوضًا عن ذلك- تدلنا هذه النقولات على المنطلقات المركزية لمعيارية المعارف وأنواعها.
يذكر ابن عبد البر قولًا آخر لأبي إسحاق الحوفي: "العلوم ثلاثة: علم دنياوي[64]، وعلم دنياوي وأخروي، وعلم لا للدنيا ولا للآخرة. فالعلم الذي للدنيا علم الطب والنجوم وما أشبه، والعلم الذي للدنيا والآخرة علم القرآن والسُّنن والفقه فيهما، والعلم الذي للدنيا ولا للآخرة علم الشعر والشغل به"[65].
وينتقد إحسان عباس -وهو باحث معاصر متخصِّص في مصنفات الفلسفة العربية- ما يراه ضيق نظر في مثل هذه الأقوال، التي نجدها عند ابن عبد البر بمثابة خلاصات تعليمية. ففي مثل هذه النقولات يُقْصَر مفهوم العلم على العلوم الشرعية، أما بقية العلوم الأخرى فهي غير معتبرة لأنها ليست من الشريعة، أو يُنظر إليها باعتبارها علومًا مساعدة/علوم آلة لخدمة للشريعة[66].
وبناءً على نقد إحسان عباس، فإن هذه النقولات الحاشدة التي جُمعت في عمل ابن عبد البر الضخم، والتي وردت أيضًا في أعمال أخرى من مصنفات العلوم الإسلامية، لا يمكنها أن تُحيلنا على مؤشرات حول العلم فحسب، وإنما تدلُّ أيضًا على معيارية العلوم وغايتها وبنيتها. بيد أن ثمة مشكلة أساسية في مثل هذه المؤلفات، وهي أن الرواية تغلب عليها، وتخلو من مناقشة لمتونها، ولا تقدِّم ترجيحًا أو نقاشًا للآثار المتعارضة بداخلها.
نشأة الأعمال الببليوغرافية وتطوّرها
الفهرست للنديم
تمثِّل الأعمال الببلوغرافية أيضًا إحدى المقاربات المهمَّة في مجال تصنيف العلوم الإسلامية. وكتاب "الفهرست" للوراق البغدادي ابن النديم (385هـ/995م)[67] هو أشهر -وعلى الأرجح أول- كتاب ببليوغرافي في الإسلام[68]. وقد كان طموحًا في كتابه؛ إذ أخبر أن "هذا فهرست كتب جميع الأمم، من العرب والعجم، الموجود منها بلغة العرب وقلمها، في أصناف العلوم وأخبار مصنفيها، وطبقات مؤلفيها، وأنسابهم وتاريخ مواليدهم، ومبلغ أعمارهم وأوقات وفياتهم، وأماكن بلدانهم ومناقبهم ومثالبهم، منذ ابتداء كل علم اختُرع إلى عصرنا هذا، وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة"[69].
وقد جمع ابن النديم معلومات وفيرة عن المصنَّفات والمُصنِّفين. وذكر ملاحظاته النافعة في مدخل كل علمٍ من العلوم، والتي سمَّاها مقالات. وقسم كل مقالة لعدد من الفنون (جمع: فن)[70]:
المقالة الأولى[71]: علم الخط والكتابة، وعلم الديانات، وعلوم القرآن.
المقالة الثانية: في النحو والنحويين.
المقالة الثالثة: في الأخبار والآداب والسِّيَر والأنساب.
المقالة الرابعة: في الشعر والشعراء.
المقالة الخامسة: في الكلام والمتكلمين.
المقالة السادسة: في الفقه والفقهاء والمحدثين.
المقالة السابعة: في الفلسفة والعلوم القديمة.
المقالة الثامنة: في الأسمار والخرافات والعزائم والسِّحْر والشعوذة.
المقالة التاسعة: في المذاهب والاعتقادات.
المقالة العاشرة: في أخبار الكيميائيين والصنعويين.
وبهذا التبويب تتبع ابن النديم عامَّة العلوم المنتشرة في زمانه. وقد بدأ باللغة والكتابة لأنهما أصل البيان الفكري، ثم واصل كتابَهُ بمنهجية وموضوعية لعامَّة العلوم. ومن اللافت وضعه للعلوم التاريخية في المرتبة الثالثة، وهو أمر غير معتاد. ومن اللافت أيضًا إفراده الكتابات حول الخرافات والأساطير بالتبويب، وهو أمر قلما نجده في مصنفات العلوم العربية الإسلامية الأخرى.
وتظهر ميزة فهرست ابن النديم في إعطائه نظرةً معمقةً لتنوع الأعمال التي صدرت منذ صدر الإسلام وحتى القرن الرابع الهجري. وبهذه المنهجية يمكننا تتبُّع التطورات المهمة في التاريخ الفكري للمسلمين باستفاضة. وحتى الأعمال الذاتية التي لم تُحفظ بمرور الوقت ولم تصلنا كاملة، يمكننا -بأقل تقدير- التعرف على عناوينها من خلال هذا الفهرست. وقد أصبح الفهرست مرجعًا أدبيًّا للمؤلفين اللاحقين ممن سيكتبون لاحقًا أعمالهم الببليوغرافية، مثل: فخر الدين الرازي (607هـ/1210م) في كتابه "حدائق الأنوار في حقائق الأسرار"، وشمس الدين الفناري (835هـ/1431م) في كتابه "أنموذج العلوم"، والسيوطي (911هـ/1505م) في كتابه "النقاية"[72].
مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم- طاشكبري زاده
وفي القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، ستُستأنف مساعي ابن النديم الببليوغرافية، ويظهر ذلك خاصَّة مع عمل الموسوعي العثماني طاشكبري زاده (968هـ/1561م). ففي كتابه "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم" يمزج بين المصدرين المختلفين في تقسيمات العلوم الإسلامية. فطاشكبري زاده يريد بمصطلح "السعادة" تأكيد الصلة بين الإدراك والرضا كما عند الفلاسفة المسلمين أمثال الفارابي وابن مسكويه، فيمدّ جسرًا -من هذه الجهة- للمفهوم الأرسطي للعلم[73]. لكنه -من جهة أخرى- يربط العلم بمفهومه الإسلامي والمتمثِّل في إرادة الآخرة، ومن ثَمَّ فهذه السعادة ذاتها إنما هي فرعٌ عن الاشتغال بعلوم الإسلام[74].
وعبر أربع مقدمات مستفيضة في "فضيلة العلم والتعلُّم والتعليم"، و"شرائط المتعلم ووظائفه"، و"وظائف المعلم"، و"في بيان النسبة بين طريق النظر وطريق التصفية"؛ يكرِّر طاشكبري زاده المقولات الإسلامية عن المراد من العلم والتزكية بطلب العلم[75]. ثم بعد المقدمات يشرح زاده منهج الترتيب الخاص به، فكل الأشياء/المعارف يُعرب عنها في الكتابة (الخطي)، أو الكلام (العباري)، أو التجريدي (الأذهان)، أو المادي (العيني). والوجود المادي (العيني) هو الوجود الحقيقي بالأصالة، وهو ما يعبّر عنه بالكتابة والكلام (الخطي والعباري). أما الوجود التجريدي (الذهني)، فثمة خلاف هل هو وجود حقيقيّ أم اعتباريّ[76].
لذا فأنواع المعارف الثلاثة الأولى (الكتابي والشفهي والمادي) هي ميدان (العلوم العالية)، وهي علوم ذات طبيعة خاصة؛ إذ تنطلق من الوجود الواقعي، وتنقسم بدورها إلى علوم نظرية وعملية. وتعلُّم العلوم العملية ليس هدفًا في ذاته، أما العلوم النظرية فهي على العكس من ذلك، وتعلُّمها هدف في ذاته. ويمكن التمييز أيضًا بين نوعَي المعرفة النظرية والعملية بالنظر إلى طبيعة مدخلات كلٍّ منها، فقد تكون المدخلات من علوم الوحي الإلهي (العلوم الشرعية) أو تكون معارف عقلية (العلوم الحكمية). وقد لخَّص طاشكبري زاده هذه النظرةَ للوجود في أصول سبعة للعلوم، وهي ظواهر العلوم، وسمَّى كل أصل منها دوحة، وتنقسم كل دوحة إلى أطراف (جمع: طرف)[77].
ومن هذا يتبيَّن أن تقسيم طاشكبري زاده يتخذ معاييرَ منهجيةً في أساسه، وأن مُدخلات المعرفة والمناهج هي الأكثر حسمًا في نسبة الفرع المعرفي في مكانه. وبهذا يخفف طاشكبري زاده -بِرَويَّة- الصراع المستمر من تقسيم العلوم في الإسلام إلى علوم إسلامية وعلوم دخيلة. ويتكوَّن عمل طاشكبري زاده -على غرار ابن النديم- من علوم مفردة بذاتها، ومعارف مأخوذة من التعريفات العلمية، وتقارير علمية، وفهارس للمؤلفين، كما أنه يزدوِّنا بمعلومات ببليوغرافية.
بعد طاشكبري زاده بزمن قليل، جاء كاتب جلبي واسمه المشهور "حاجي خليفة" (1067هـ/1657م) بكتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، الذي يُعَدُّ أحد المؤلفات الأساسية في تصنيف العلوم الإسلامية. وعلى النقيض من المؤلفين السابقين في مجال تصنيف العلوم، لم يعتمد حاجي خليفة على محددات تصنيفية للعلوم التي يعالجها، وإنما تعامل مع العلوم وفقًا للترتيب الأبجدي. وبهذا تخلَّص حاجي خليفة من إشكال "معيارية التقسيم" للعلوم، الذي ينشأ بالضرورة عند اتخاذ أي منهجٍ من المناهج المختلفة في تصنيف العلوم[78].
تنقسم العلوم عند التهانوي -كما يُبيِّن في مقدمته- إلى "علوم العربية" وتشمل الأدب والفيلولوجيا/فقه اللغة، و"العلوم الشرعية" وتحوي المعارف الدينية والوجودية، و"العلوم الحقيقية" وتحوي بقية الفلسفات والعلوم الطبيعية.
ثم أخرج محمد التهانوي (1158هـ/1746م) عملًا آخر أوسع في إحصاء العلوم، وهو "كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم". والطبيعة الإحصائية لهذا العمل تعيد التأكيد على أهمية التعريف والاصطلاح وأنهما أصلٌ في معرفة العلوم، وهو موقف كان واضحًا سلفًا عند الخوارزمي. وبهذا الكتاب يتخذ التهانوي الطريق المعهود في التصنيف الإسلامي للعلوم؛ إذ يجعل الاصطلاح هو الأصل المعياري الذي تُصنف عليه العلوم. وتنقسم العلوم عند التهانوي -كما يُبيِّن في مقدمته- إلى "علوم العربية" وتشمل الأدب والفيلولوجيا/فقه اللغة، و"العلوم الشرعية" وتحوي المعارف الدينية والوجودية، و"العلوم الحقيقية" وتحوي بقية الفلسفات والعلوم الطبيعية. وثمة اعتبار آخر مهم في "كشاف اصطلاحات الفنون"، وهو أن أصول التهانوي في شبه القارة الهندية قد مكَّنته من الإشارة إلى عدد من المؤلفات والكتابات المحلية أكثر بكثير من بقية المصنفين السابقين، وقد كُتبت هذه الأعمال بالعربية والفارسية والتركية.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي/الثاني عشر الهجري، ولج محمد ابن أبي بكر المرعشي (الشهير بساجقلي زاده) (1145هـ/1733م) إلى مصاف العلماء المشتغلين بتصنيف العلوم بكتابه "ترتيب العلوم". ومن المحتمل أن يكون ساجقلي زاده قد أظهر كتابه في حدود عام 1716م[79]. فقد ترك عددًا من المؤلفات الإسلامية في علوم مختلفة، ثم كرَّس جهده لقضية طلب العلم[80]. وغلبت عليه نفعية العلوم الأخروية، التي استخدمها بعض مصنفي العلوم السابقين أيضًا، وهو أمر يظهر بوضوحٍ في مدخل كتابه؛ إذ اعتبر نفعية العلم في الآخرة معيارًا حاسمًا لتحقيق المراد من العلم.
وقد قسم ساجقلي زاده كتابه إلى خمسة أقسام: مقدمات، ومقصدين، وتذييل، وخاتمة. في المقدمات عرض رؤيته للنظرية المعرفية، التي يمكن بها التفريق بين "العلوم النافعة" و"العلوم الضارة" والعلوم الحيادية (علوم لا ينفع علمها ولا يضرّ جهلها)[81]. وفي العلوم النافعة ذكر ساجقلي زاده علوم العربية والعلوم الإسلامية. وفي العلوم الضارة أورد السِّحْر والفلسفة. وأما العلوم الحيادية، فتنتمي إليها بقية علوم الطبيعية.
في المقصد الأول من الكتاب، يتتبع ساجقلي زاده عددًا كبيرًا من تعريفات وببليوغرافيا العلوم النافعة -بحسب وصفه- بالشرح. وفي المقصد الثاني يقسم العلوم تبعًا لنِفعها الأُخروي في التربية التعليمية [طلب العلم]. وبهذا التصنيف يكون ساجقلي زاده قد حقَّق مقصده الأساسي من عمله، وهو التوجيه النافع لطلاب العلم المبتدئين. فكثير من طلاب العلم يشكون من خوضهم في مسائل علمية دقيقة قبل تصوّر أذهانهم لمباحث العلم الكبرى؛ وذلك لأن مُعلِّميهم أرشدوهم -بصورة خاطئة- إلى قراءة الشروح والمتون الطويلة والحواشي قبل إحكام الأصول[82]. ولذا عارض ساجقلي زاده المصنفين الذين يكرسون جهدهم لبحوث غامضة لا فائدة خلفها، ورأى أن الكتابات الدينية ينبغي أن تكون ذات تأليف إجمالي[83]. وذكر رسالة إثبات الواجب لجلال الدين الدواني (918هـ/1512م) مثالًا للذم في التأليف، وذكر كتابَي "المواقف" للإيجي (756هـ/1335م) و"المقاصد" للتفتازاني (792هـ/1390م) مثالَيْن للمؤلفات الممدوحة[84]. لكن ساجقلي زاده يحثُّ الطلاب أيضًا على الترقي في طريق العلم حتى المستويات العُليا، وهي فكرة استوحاها من الغزالي؛ إذ سمَّى المستوى المبتدئ بـ "الاقتصار"، والمتوسط بـ "الاقتصاد"، والتكميلي بـ"الاستقصاء". لكن من الأفضل للطلاب والمُعلمين أن يحدِّدوا احتياجاتهم العلمية ومخرجاتهم من دراستهم[85].
ولم يدخر ساجقلي زاده وسعًا في نقد تراتبية التعلُّم العثماني المعاصر له، بل السخرية من علماء التكميل [متقدمي طلاب العلم]. يقول: "فقد رأينا بعض ما يُسمَّى "بالتكميل" لا يقدر على قراءة القرآن قدر ما تجوز به صلاته، وهو قد يتصدى للفتوى، وقد هدم التقوى من أساسها، ويتورع عن الشبهات ويفسد الصلوات كل يوم خمس مرات"[86]. أما الفصل الثالث من كتابه "ترتيب العلوم" فقد قصره ساجقلي زاده على علوم القرآن.
وخَصَّص زاده الفصل الأخير للجدل الفلسفي، فتتبع الموقف المتباين من الفلسفة. وكان في صف المستريبين من الفلسفة، واتبع رأي الغزالي القائل بأن المنطق وعلم الكلام هما الحيز المقبول النافع والموصى به من معارف الفلسفة. ويرى أن غاية العلوم الفلسفية أنها علوم مساعدة ابتداءً، ثم هي تبعٌ للمنفعة الأخروية منها ثانيًا، وقد رأى ساجقلي زاده الفلسفة من جملة فروض الكفايات، التي تسقط عن الجماعة إذا قام بها البعض. ويفرق بحذرٍ بين فروع الفلسفة المختلفة، كمباحثها في الإلهيات ومباحثها في الطبيعيات[87].
وفي رؤيته لظواهر العلم، يتبع ساجقلي زاده النظام الإسلامي الغالب في تصنيف العلوم، وينتقد الإرث الباطني في تناول العلم، وخاصةً المذهبي/المدرسي منه. يقول زاده: "ثم إنهم بكثرة ما يتخيلون رب العزة جلّ جلاله بعلة العِلل وأول سلسلة الأسباب يزول من صدورهم تعظيمُ ربّ الأرض وربّ السماوات"[88]. وليس من قبيل المصادفة أن نرى بصمات الغزالي الظاهرة في كتاب "ترتيب العلوم"[89].
خلاصة
إلى هنا تنتهي هذه المحاولة، التي أردت بها إعطاء نظرة عامَّة على المصنَّفات والمُصنِّفين والمباحث والتطورات المركزية في فن تصنيف العلوم الإسلامية. وقد اتضح لنا الاتساع الكبير لهذه المقاربات، وبيَّنَّا وجهات النظر المركزية في الموضوع. ومثل هذا الاتساع يجعل من الصعوبة عرض هذه الأعمال المتنوعة وتقديمها في سياق واحد متجانس. وبرغم هذا الاختلاف، فقد سلطنا الضوء على أساس المقاربات السابقة في فرع تصنيف العلوم الإسلامية، وهي مقاربات تميل إلى الفلسفة الغنوصية، أو المقاربات الكلامية المذهبية، أو المقاربات الصوفية الباطنية، والمصنفات الأثرية النقلية، ولدينا أيضًا موسوعات ببليوغرافية لتصنيف العلوم الإسلامية.
لكن لا يمكننا -حتى مع هذا التقسيم الحذر- أن نتعامل مع هذه المقاربات بصرامة أيضًا. فعلى سبيل المثال، فإن كتاب "مفتاح العلوم" للنحوي أبي يعقوب يوسف ابن أبي بكر السكاكي (626هـ/1229م) يبدو من اسمه أنه وثيقُ الصلة بموضوعنا، لكنه في الحقيقة يقتصر على العلوم المتصلة بفقه اللغة[90]. ومثل هذه التداخلات تزيد القناعة بأن فنَّ تصنيف العلوم الإسلامية مما يصعب التعامل معه بوصفه وحدةً واحدةً.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن التصنيف الإسلامي للعلوم يُظهر -بمرور السنين- نقاطًا محورية ثابتة يدور حولها في مباحثه، مثل إشكالية التعارض الشديد بين المعتقدات الثقافية (الخاصة بكل أُمَّة) وبين المعتقدات العالمية (المشتركة بين الأمم). وسنجد مسألة "النفع الأخروي" للعلوم نقطة مستحضرة دومًا، وتمثِّل معيارًا أساسيًّا في معيارية وشرعية التعاطي مع العلوم. ومن اللافت للانتباه أيضًا تأكيدُ المؤلفين الدائم في تصنيف العلوم أنَّ غايتهم غاية تعليمية بهذا الترتيب للعلوم. وهذه الغاية تظهر عند الحديث عن المراد من دراسة كل علمٍ من العلوم.
الهوامش
* بروفيسور أمير دزيري، بروفيسور ألماني من أصل تونسي [1984-...]، عمل في جامعة إيرفورت، ومونستر بألمانيا، وهو أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة فريبورغ بسويسرا، وهو مدير المركز السويسري لدراسات الإسلام والمجتمع، وتتركز أبحاثه على التاريخ الفكري والعلمي والفلسفي في الإسلام، وموضع الإسلام في المجتمعات العلمانية والتعددية، ودراسات النقد الكنسي بين تاريخ الفكر الإسلامي.
[1] انظر مقدمة محمود الطناحي لكتاب "أعمار الأعيان" لابن الجوزي، ص2.
[2] وكان طاشكبري زاده أول من نصَّ على أنه علم مستقل وسمَّاه علم التصانيف.
[3] بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1989م، ص9 وما بعدها.
[4] محمد حسن كاظم الخفاجي، تصنيف العلوم عند العرب، مجلة المورد، العدد 3، يوليو 1983م، ص13-56. وقد أورد أسماءهم.
[5] مثل: "تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان، و"تاريخ الترث العربي" لسزكين، و"اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" لإدوارد فنديك.
[6] Franz Rosenthal, Knowledge Triumphant. The Concept of Knowledge in Medieval Islam, 2. Aufl. (Leiden: Brill, 2007), 1–2.
[تُرجم هذا الكتاب إلى العربية بعنوان "العلم في تجلّ: مفهوم العلم في الإسلام في القرون الوسطى"، ترجمة: يحيى القعقاع وإخلاص القنانوة، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019م). وتقع الإحالة المذكورة في ص18 من الترجمة العربية. يقول روزنتال: "فكلمة (علم) هي أحد تلك المفاهيم التي سادت الإسلام، ومنحت الحضارة الإسلامية شكلها ولونها المتميزين". (المترجم)].
[7] مقدمة ابن خلدون، تحقيق: عبد الباري محمد الطاهر، (القاهرة: 2007م)، ص440.
[الطبعة التي اعتمدها المؤلف في النقل عن مقدمة ابن خلدون من طبعات الكتاب غير المشهورة وغير المعتمدة عند عدد من الباحثين. وهي من تحقيق أحمد جاد، ومراجعة وتقديم عبد الباري محمد الطاهر. وقد أصدرت لها دار الغد الجديد طبعة أخرى في عامي 2012 و2017. ولم أتوصل إليها. لكنني تكبدت عناء البحث والتخريج لكل إحالة أحالها المؤلف على طبعة الدكتور إبراهيم شبوح للمقدمة. والموضع المنقول عنه هو قول ابن خلدون: "وانظر إلى قوله تعالى في مبدأ الوحي على نبيّه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ من عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]، أي: أكسبه من العلم ما لم يكن حاصلًا له بعد أن كان علقةً ومضغةً. فقد كشفت لنا طبيعته وذاته ما هو عليه من الجهل الذاتيّ والعلم الكسبيّ، وأشارت إليه الآية الكريمة، تُقرر فيه الامتنان عليه بأوّل مراتب وجوده، وهي الإنسانيّة، وحالتاها الفطريّة والكسبيّة في أوّل التنزيل ومبدأ الوحي. {وكان الله عليمًا حكيمًا} [النساء: 17]". انظر: مقدمة ابن خلدون، تحقيق: إبراهيم شبوح وإحسان عباس، (تونس: 2006م)، ج2، ص174. (المترجم)].
[8] يبدو أن ثمة تداخلًا في اللاهوت الغربي بين الشعراء والأنبياء؛ إذ كلاهما يُحاول تفسير العالم وغايته الوجودية، ويبدو أن هذه الفكرة أتت لديزيري من هذا التداخل. وهناك دراسات ألمانية عديدة حول النبوة والشعر، ويدخل في ذلك أساطير الجن مع الشعراء، ولعل هذا سبب استدعاء ديزيري لهذه المقارنة بين الأنبياء والشعراء في هذا السياق. وللمزيد يمكن مراجعة:
- Gabriela Wacker: Poetik des Prophetischen. (Berlin-2013).
- A. Hardt ; E. Schmitz ; A. Thome: Dichter und Propheten (Trier, Spee, 1973).
ويُشير ديزيري إلى أن النبوة والشعر قرينان في تفسير العالم، وأن الشعراء قد يدَّعون أنهم يُوحى إليهم من قِبل الجن لتفسير هذا العالم. وقد اختار أن يعقد المقارنة بين الشاعر -وما لديه من قدرة بلاغية وما يُوحيه إليه الجن من معانٍ- (وليس الكاهن) وبين النبي؛ لأن وجه المقارنة أن كلًّا منهما يزعم امتلاكه للحكمة وفهم الوجود وتفسيره؛ لذا كثر جدًّا ادعاء الحكمة في شعر الشعراء ونَسَبه بعضهم للجن، بعكس الكهان فهم يعرفون بعض الغيب دون ادعاء للحكمة أو انشغال بفهم العالم وتفسيره. ولذا كان تحدي النبي للكهان والشعراء والبلغاء جميعًا. وقد كثرت جدًّا الأساطير العربية عن علاقة الشعراء -خاصة قبل الإسلام- بالجن، وما أوحاه إليهم الجن من معانٍ نقلها هؤلاء الشعراء في شعرهم، حتى ذكروا أنَّ لكل شاعرٍ جنيًّا. وإن كان في هذه الحكايات أساطير ومبالغات مختلفة، إلا أن أصلها ثابت لاستفاضتها ونقلها حتى في صدر الإسلام. وقد أورد الحافظ ابن كثير بابًا في ذكر هواتف الجن وإنشاد الشعر لمبعث سيدنا رسول الله ﷺ فراجعه إن شئت. وللمزيد انظر:
- عبد اللطيف العريشي، الجانب الأسطوري في أخبار شعراء المعلقات، (الرياض: جامعة الملك سعود، 2005م).
- عمار الشاهر وآن الجلبي، الجن وشياطين الشعراء في الأدب العربي، مجلة أدب الرافدين، العدد 38، 2004م، ص227-290.
- حسن صالح سلطان، الإلهام الجني والكشف عن البعد الداخلي ونشر الحياة الخاصة في الشعر الجاهلي، مجلة التربية والعلم، جامعة الموصل، العدد 1، 2007م، ص147-161. (المترجم)
[9] روزنتال، مصدر سابق، ص31.
[10] يقصد استخدام العرب لها قديمًا. (المترجم)
[11] المصدر السابق، ص7-18، وص33.
[أشار روزنتال في المصدر المذكور إلى أن الجذر (نكر) موجود في جُلّ اللغات السامية، بينما الجذر (جهل) غير موجود إلا في العربية، ثم طرح سؤالًا فيلولوجيًّا مقارنًا بين اللغات السامية للوصول إلى سبب اختيار (جهل) مضادًا لـ(علم). وذكر أمورًا غير ما أشار إليها ديزيري. (المترجم)].
[12] المقدمة، ص404-405. [والنص في طبعة شبوح، ج2، ص182-183. (المترجم)].
[13] الشافعي هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، مؤسس المذهب الشافعي سواء في آرائه القديمة أو في آرائه الجديدة في مصر. ومن الخطأ أن يقال إنه مؤسس المدرسة الفقهية في مصر، وكان في مصر فقهاء قبله مثل الليث بن سعد المندثر مذهبه. (المترجم)
[14] الذي وصل إلينا هو سيرة ابن هشام (ت218هـ)، وهي اختصار وتهذيب لمرويات ابن إسحاق في السيرة، وقد تناول سيرة ابن هشام بالتحرير والاختصار والإضافة، والنقد أحيانًا. راجع مقدمة "تهذيب سيرة ابن هشام" لعبد السلام هارون. ويحسن التنبيه هنا إلى أن هناك مؤلفات سبقت هذه الكتب المفردة، لكن هذه الكتب من مزاياها أنها النواة لما قد نسميه بالتصنيف الموضوعي. وراجع: المدخل للطناحي، ص41. (المترجم)
[15] Gregor Schoeler, The Oral and the Written in Early Islam (London; New York: Routledge, 2006), 28–42.
[تُرجم هذا الكتاب بعنوان "الكتابة والشفوية في بدايات الإسلام"، ترجمة: رشيد بازي، (بيروت: المركز الثقافي للكتاب، 2018م). والفصل المشار إليه من الكاتب هو الفصل الأول في الكتاب. (المترجم)].
[16] J. Jolivet und R. Rashed, "al-Kindī", in Encyclopédie de l’Islam, First published online 2010.
[17] Jean-Charles Ducène, "Lorsque l’ordre des livres contrevient à l’ordre des sciences: les répertoires d’Ibn Al-Nadim (XE S.) Et Muḥammad Ibn Al-Akfani (M. 1349)", in Diversitate si Identitate Culturala in Europa 14, Nr. 2 (2017): 110–14; Yaʿqūb Ibn Isḥāq al-Kindī, Die erste Philosophie. Arabisch-Deutsch, hrsg. von Matthias Lutz-Bachmann (Freiburg im Breisgau; Basel; Wien: Herder, 2011), 25–30.
[18] Yaʿqūb Ibn Isḥāq al-Kindī, Rasāʾil al-Kindī al-falsafiyya, hrsg. von Muḥammad ʿAbd al-Hādī Abū Riḍā (Kairo, 1978), 25; al-Kindī, Die erste Philosophie, 37–38.
[والأصل في كتاب "رسائل الكندي الفلسفية" التي حققها وأخرجها محمد عبد الهادي أبو ريدة (القاهرة: دار الفكر العربي، 1950م)، بداية من ص98، وفي ص102 من الطبعة ذاتها كلام صريح له في الأخذ عن اليونان حقائقهم. (المترجم)].
[19] Al-Kindī, Die erste Philosophie, 65.
[20] Gerhard Endress, "The Cycle Of Knowledge: Intellectual Traditions and Encyclopædias of the Rational Sciences in Arabic Islamic Hellenism", in Organizing Knowledge. Encyclopaedic Activities in the Pre-Eighteenth-Century Islamic World, hrsg. von Abdou Filali-Ansary und Gerhard Endress (Leiden; Boston: Brill, 2006), 110.
[21] Vgl. die Werkübersicht bei Peter Adamson und Peter Ernst Pormann, The Philosophical Works of Al-Kindī (Oxford: Oxford University Press, 2012), li
[22] Jolivet und Rashed, "al-Kindī".
[يمكن مراجعة النص العربي في: رسائل الكندي، ج1، ص372. (المترجم)].
[23] Endress, "The Cycle Of Knowledge", 111.
[24] هو الإمام جعفر بن محمد (ت148هـ) من علماء السُّنة أيضًا وسادتهم، كما أنه الإمام السادس عند الشيعة. وهو من سادة آل البيت ويتصل نسبه بسبط رسول الله الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب. (المترجم)
[25] P. Kraus und M. Plessner, "Djābir b. Ḥayyān", in Encyclopédie de l’Islam, First published online 2010.
[26] أثبتنا ما كتبه المؤلف (أي بيتر كراوس) لكن الصواب: بول كراوس، وهو مستشرق يهودي ألماني، وهو أهم مَن عرَّف بابن حيان ودرس حياته وأخرج أعماله. وكان قد استوطن مصر وانتحر فيها عن 44 سنةً في لغز مُحير، ومن طريف الموافقات أنه كان صهر الفيلسوف اليهودي الشهير ليو شتراوس، ثم تزوج ابنة أحد المستشرقين اليهود بعد وفاة زوجته. ويكاد كراوس أن يكون أول من عرَّف العرب بجابر بن حيان، حتى إن الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود في كتابه "جابر بن حيان" الصادر عن سلسلة أعلام العرب الشهيرة عام 1961م يقول: "وإنه لواجب علينا في هذا المقام أن نُحيي ذكرى بول كراوس الذي لولا ما قدَّم إلينا من مخطوطات لجابر، جمعها من مختلف مكتبات أوروبا … لولا هذه الآثار لكانت الكتابة عن ابن حيان ضربًا من المحال"، ص9-10 بتصرف. وقد ترجم عبد الرحمن بدوي هذه الرسائل بعنوان "مجموعة من رسائل جابر بن حيان" (باريس: دار بيبليون، 2009م). وأقرَّ بدوي في مقدمة كتابه أن جابر بن حيان لم يكن يُعرف في الحضارة الإسلامية حتى أتى المستشرقون في مطلع القرن الماضي واهتموا بما يسمونه "الحياة الروحية" في الإسلام وممثليها، وكان ابن حيان أحد أشهر من اهتموا بأعماله. أما كراوس فيقول عنه بدوي: "وعناية الأستاذ كراوس بجابر عناية قديمة شاملة … حتى أصبح أعظم حجَّة في كل ما يتصل بجابر". وقد عرَّف بدوي بكراوس في كتابه هذا تعريفًا وافيًا فليُطلب هنالك. ولتُطلب ترجمة جابر بن حيان في أعلام الزركلي. (المترجم)
[27] Kraus und Plessner, "Djābir b. Ḥayyān".
[لكراوس رؤية نقدية في أعمال جابر بن حيان، وقد تلقاها كثير من المستشرقين، ولم ينازع في أغلبها كثير من الباحثين العرب؛ وهي أن الكتب المنسوبة لابن حيان -وهي بحسب حاجي خليفة 600 رسالة- إنما هي كتب لمجموعة من الإسماعيلية المشتغلين بالكيمياء وقد نسبوها لابن حيان لاحقًا، بيد أن أغلبها ليست له. قال الزركلي: "ويظهر أن حياة جابر كانت غامضة في أوائل القرن الرابع للهجرة حتى أنكر بعض الكُتَّاب وجوده، وقال بعضهم: إن كانت له حقيقة فما صنَّف إلا كتاب "الرحمة"، وردَّ عليهم ابن النديم بأن الرجل له حقيقة، وتصنيفاته أعظم وأكثر". وقد عارض أطروحة كراوس فؤاد سزكين، وأثبت كثيرًا من هذه المخطوطات لجابر. ولتفصيل أوسع حول هذا الجدل، يمكن مراجعة مادة:
(Jābir b. Ḥayyān - جابر بن حيان) في (دائرة المعارف الإسلامية - الإصدار الثالث -Encyclopaedia of Islam, THREE). (المترجم)].
[28] Paul Kraus, Jabir ibn Hayyan: contribution à l’histoire des idées scientifiques dans l’islam (Kairo, 1943).
[29] Vgl. Osman Bakar, Classification of Knowledge in Islam: A Study in Islamic Philosophies of Science (Cambridge, 1998), 124–26; Abu-Nasr Muhammad Ibn-Muhammad al-Farabi, De scientiis. Secundum versionem Dominici Gundisalvi; lateinisch – deutsch = Über die Wissenschaften: die Version des Dominicus Gundissalinus, übers. von Jakob Hans Josef Schneider (Freiburg: Herder, 2006), 102–13.
[30] أبو نصر الفارابي، إحصاء العلوم، (بيروت: 1997م)، ص5.
[31] السابق، ص15.
[آثرت نقل كلام دزيري كما هو، حتى يُستوعب المعنى الذي قد يصل للقارئ الألماني من هذه المفردات؛ لكن تعبيرات الفارابي عن العلوم الخمسة كانت كالآتي: 1- علم اللسان. 2- علم المنطق. 3- علم التعاليم. 4- في العلم الطبيعي والعلم الإلهي. 5- العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام. والعلم الثالث الذي سمَّاه الفارابي "علم التعاليم" هو ما يسميه أرسطاطاليس العلم الرياضي. ويضيف عليه الفارابي علومًا أخرى. انظر مقدمة تحقيق إحسان عباس لرسالة "مراتب العلوم" لابن حزم (رسائل ابن حزم، ج4، ص14). (المترجم)].
[32] السابق، ص8-13.
[33] التوحيدي، من رسائل التوحيدي، اختيار ودراسة: د. عزت السيد أحمد، (دمشق: 2001م)، ص227.
[34] المصدر السابق.
[وقد ترجم دزيري قول الفارابي "الصحة أشرف من السقم" إلى "الصواب أفضل من البطلان"، فجعل الصحة هنا مرادفًا للصحة الحكمية، وظاهر كلام التوحيدي أنها صحة الأبدان، وهي مضرب مثل من التوحيدي، وعلامته أن التوحيدي جعل ضدها السقم، والأصل في السقم أن يكون في الأمراض. (المترجم)].
[35] وهي: الفقه والكتاب والسُّنَّة والقياس والكلام والنحو واللغة والمنطق والطب والنجوم والحساب المفرد بالعدد والهندسة والبلاغة والتصوف. (المترجم)
[36] السابق، ص238.
[لا يعرف اللاهوتيون الغربيون التصوف بوصفه علمًا له تقاليد راسخة وممارسات كما هو الحال في الإسلام، وإنما يعرفونه بوصفه تجربة روحية فردية بالأساس؛ لذا يلفت انتباههم دومًا التعبير عن التصوف في الإسلام بلفظة العلمية. وقد أشار إلى ذلك الباحث الشهير في حقل الفلسفة الإسلامية بالألمانية أولريش رودولف، وهو أبرز تلاميذ جوزيف فان إس، وذلك في محاضرته:
Religion und Wissenschaft in islamischer Tradition - Vortrag von Prof. Dr. Ulrich Rudolph.
ويُمكن مراجعة مادة (تصوف - Mystik) في الموسوعة الميسرة للمفردات الإسلامية. (المترجم)].
[37] هكذا أثبت المؤلف تاريخ وفاة الخوارزمي، وهو مختلف فيه. ونلحظ أن الكاتب قدم التوحيدي (414هـ) على الخوارزمي (264هـ) رغم تقدُّم الخوازمي. وسبب هذا الخطأ -في أغلب الظن- أنه تبع فيه وَهْم الدكتور العلامة إحسان عباس في مقدمته لتحقيق رسائل ابن حزم. والبادي من المقابلة أن المؤلف كثير الاعتماد على الدكتور عباس. (المترجم)
[38] الخوارزمي، مفاتيح العلوم، تحقيق: إبراهيم الإبياري، (بيروت: دار الكتاب العربي)، ص15.
[39] السابق، ص17-18.
[40] Dimitri Gutas, "The Greek and Persian Background of Early Arabic Encyclopedism", in Organizing Knowledge. Encyclopaedic Activities in the Pre-Eighteenth-Century Islamic World, hrsg. von Abdou Filali-Ansary und Gerhard Endress (Leiden; Boston: Brill, 2006), 91.
[41] المقدمة، ص405.
[42] Amir Dziri, Die "ars disputationis" in der islamischen Scholastik: Grundzüge der muslimischen Argumentations- und Beweislehre (Freiburg im Breisgau: Kalām, 2015), 173–86.
[43] كلها من معارف الفلاسفة في الإلهيات لا الطبيعيات كما هو معلوم، وهي: مسألة قِدم العالم، ومسألة علم الله بالكليات دون الجزئيات، ومسألة بعث وحشر الأجساد. (المترجم)
[44] المصدر السابق، ص123-247.
[مشروع ابن تيمية في الرد على المنطقيين كان في نقد بعض ماهيات المنطق وتعريفاته، وقد انتقد ابن تيمية أيضًا اعتماد أبي حامد على المنطق وإدخاله في العلوم الإسلامية كما أدخله في كتابه "المستصفى من علم الأصول". لكن الغزالي قد مدح المنطق وألَّف فيه واستخدمه في علوم الشريعة، وإن كان نقد الفلاسفة في الإلهيات. فيبدو أن هناك نظرًا في القول إن نقد أحدهما صدى للآخر أو أنهما يتواردان على محل واحد في الباب، وإن كان ثمة تشابه. (المترجم)].
[45] Ibn Rushd, Massgebliche Abhandlung – Faṣl al-maqāl, übers. von Frank Griffel (Berlin: Verlag der Weltreligionen, 2010), 10.
[ينقل المؤلف عن النسخة الألمانية، ومقابله ما أثبتناه في النسخة العربية فليراجع في: ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق: د. محمد عمارة، (القاهرة: دار المعارف، 1969م)، ص22. (المترجم)].
[46] هو مبتغي بن فريعون، تلميذ لأبي زيد البلخي إمام المعتزلة الشهير، ولا يُعرف له ترجمة تفصيلية غير أنه كان من تلاميذ البلخي المعتزلي الشهير، وكان معاصرًا للنديم صاحب الفهرست. أما كتابه المذكور فهو "جوامع العلوم" أخرجه فؤاد سزكين عن مخطوطة وحيدة عام 1985م في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت. ثم أعاد تحقيقه الأستاذ قيس كاظم الجنابي، وصدر عام 2007م عن مكتبة الثقافة الدينية في القاهرة. ويمتاز هذا العمل بكثرة التشجيرات للعلوم في مخطوطته، وهو ما أشار إليه الكاتب لاحقًا. وهي طريقة غير معهودة في تصنيفات ذلك الفن. وصور هذه التشجيرات في المخطوط لا المطبوع. للمزيد انظر: علي رضا بلوط، "معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم - المخطوطات والمطبوعات"، ج4، ص422. ومقدمة فؤاد سزكين للنسخة الألمانية من الكتاب والجنابي للنسخة العربية. وانظر كذلك مادة (ابن فريعون - Ibn Farīghūn) في النسخة الثالثة من دائرة المعارف الإسلامية. (المترجم)
[47] Vgl. Hans Hinrich Biesterfeldt, "Ibn Farīghūn", hrsg. von Kate Fleet u.a., Encyclopaedia of Islam, THREE, First published online 2017; Ibn Farīʿūn, Kitāb Ǧawāmiʿ al-ʿulūm. Compendium of the Sciences, hrsg. von Fuat Sezgin (Frankfurt am Main, 1985).
[48] الدين هنا يشمل أي دين. وقد استخدم المحقق مصطلحات العقيدة والمعرفة والعمل. راجع: كتاب الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق: أحمد عبد الحميد غراب، ص22. والعامري أحد متأخري فلاسفة الإسلام. وهو من تلاميذ البلخي أيضًا. وللمزيد حوله راجع مقدمة المحقق لكتابه "الإعلام بمناقب الإسلام". وحول تكامل العلوم عنده انظر: حسن بالي، التكامل المعرفي عند أبي الحسن العامري وأهميته في مد الجسور بين العلوم، مجلة الجامعة القاسمية للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، المجلد 2، العدد 1، 2022م. وانظر أيضًا: سمر الفوالجة، تصنيف العلوم عند العامري ومنهجه في علم الأديان. (المترجم)
[49] هكذا أثبته ديزيري، وقال ابن حجر: "هو أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي أبو علي صاحب كتاب تجارب الأمم، واشتهر على الألسنة أبو علي ابن مسكويه، وإنما هو لقبه هو، ذكر ذلك ياقوت في الأدباء"، انظر: نزهة الألباب، ج2، ص177. (المترجم)
[50] Endress, "The Cycle Of Knowledge", 114.
[51] روزنتال، مصدر سابق 46-49. [ص53 وما بعدها من النسخة المترجمة. (المترجم)].
[52] ابن فورك، مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، تحقيق: أحمد عبد الرحيم السايح.
[53] روزنتال، مصدر سابق، ص46-69. [ص75-105 من النسخة المترجمة. (المترجم)].
[54] لم يستخدم ابن حزم لفظة "التعصُّب للصنعة" فيما وقفت عليه في الرسالة، وإن كان المعنى نفسه قد قرَّره ابن حزم مراتٍ في رسالته. أما هذه اللفظة فهي من كلام محقق رسائل ابن حزم الدكتور إحسان عباس. قال: "...وثاني هذين المجالين -يعني اللذين عُنيت بهما الرسالة- هو الرد على تعصُّب الفرد للصنعة التي يحسنها أو ما يمكن أن يُسمى (غرور المعرفة القليلة)". انظر: رسائل ابن حزم، ج4، ص9. (المترجم)
[55] ابن حزم الأندلسي، رسائل ابن حزم، تحقيق: إحسان عباس، (بيروت: 2007م)، ص78.
[56] نصُّ كلام ابن حزم: "فالعلوم تنقسم أقسامًا سبعة عند كل أمة وفي كل زمان وفي كل مكان، وهي: علم شريعة كل أمة، فلا بدَّ لكل أمة من معتقد ما، إما إثبات وإما إبطال، وعلم أخبارها وعلم لغتها، فالأمم تتميز في هذه العلوم الثلاثة، والعلوم الأربعة الباقية تتفق فيها الأمم كلها، وهي [علم النجوم]، وعلم العدد والطب، وهو معاناة الأجسام، وعلم الفلسفة، وهي معرفة الأشياء على ما هي عليه من حدودها من أعلى الأجناس إلى الأشخاص، ومعرفة إلهية"، رسائل ابن حزم، ج4، ص78. (المترجم)].
[57] نجد هذا الكلام في ص65 وما تلاها من المصدر نفسه. (المترجم)
[58] المصدر السابق، ص27-29.
[59] المصدر السابق، ص64 -78.
[قال ابن حزم: "فإذا الأمر كما ذكرنا، فأفضل العلوم ما أدى إلى الخلاص في دار الخلود ووصل إلى الفوز في دار البقاء. فطالب هذه العلوم لهذه النية هو المستعيض بتعب يسير راحة الأبد، وهو ذو الصفقة الرابحة والسعي المنجح الذي بذل قليلًا واستحقَّ كثيرًا، وأعطى تافهًا وأخذ عظيمًا. وهو الذي عرف ما لا يبقى معه فزهد فيه، وميز ما لا يزايله فسعى له، ونسأل الله أن يجعلنا في عدادهم بمنِّه آمين"، المصدر السابق، ص64-65. (المترجم)].
[60] لو قال المفهوم الباطني عوضًا عن الغنوضي لكان أَوْلَى. فالغنوصية هي أبعد صور الباطنية، وليس كل باطنية المتصوفة من قبيل الغنوصية. وقد وُجدت معارضة صوفية لاحتكار المقاربة الكلامية لمفهوم العلم، بمعنى أن الصوفية عبّروا عن العلم بسرّ لا ينكشف، وهو ما يقارب الطرح الباطني من هذه الجهة، بيد أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة المعنى الغنوصي الموغل في الباطنية. والدليل على ذلك أن المقاربات التي سيذكرها الكاتب لبعض المتصوفة -كالحكيم الترمذي وغيره- لم تكن باطنية بالمعنى الغنوصي، بل الأمر على العكس تمامًا، وإنما كان الواحد منهم يجد مشقة في التعبير عمَّا يجده في نفسه من العلم أو المعرفة واليقين، فيعبّر عنه بما يقدر عليه ويترك بقية ما يجد في نفسه دون بيان لأنه من علوم الباطن، أو لا يستطيع أن يُبرهن على ما يجده في نفسه من حقائق ومعارف. ولبعض هؤلاء المتصوفة الذين وسعوا مفهوم العلم عن المفهوم الكلامي ردود على الباطنية الغلاة، كالغزالي صاحب "الإحياء" في التصوف، وصاحب "فضائح الباطنية" أيضًا، فليتنبه لهذا، فليس كل تأويل باطني صوفي تأويلًا باطنيًّا غنوصيًّا بالضرورة. (المترجم)
[61] نقل المؤلف عن روزنتال ص164 من الأصل الإنجليزي.
[والجملة في ص206 من الترجمة العربية. وقد أخطأ صاحب كشافات الترجمة العربية في التعرف على أبي محمد الحكيم الترمذي الصوفي المتقدم، فجعله أبا عيسى الترمذي صاحب "الجامع". وأصل الكلام للحكيم الترمذي في عدَّة مواضع من كتابه "الصلاة ومقاصدها"، وقد أشار روزنتال إلى تعليق مهم حول معنى "النور" عند الحكيم الترمذي كتبه الأستاذ عثمان إسماعيل يحيى في تحقيقه لكتاب "ختم الأولياء" للترمذي، ص121، هامش 18. (المترجم)].
[62] Bakar, Classification of Knowledge in Islam, 171.
[63] ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبو الأشبال الزهيري، (القاهرة: 2011م)، ص438.
[64] هكذا في الأصل، فأثبتناه كما هو. (المترجم)
[65] رسائل ابن حزم، ص8.
[وقد نقله ديزيري من مقدمة المحقق إحسان عباس للمجلد الرابع لرسائل ابن حزم، وقد أحال الدكتور عباس على ابن عبد البر، لذا قال ديزيري ابن عبد البر وأشار إلى رسائل ابن حزم. والأثر في كتاب ابن عبد البر، ج2، ص792. (المترجم)].
[66] المصدر السابق، ص8-9.
[67] الصحيح أنه النديم لقبه وليس اسمه، فهو محمد بن إسحاق النديم، ورّاق بغدادي عالم بالكتب والمصنفات، وتوفي عام 380هـ. وإنما ننقل في المتن ما أثبته المؤلف (ابن النديم). وفيما يتصل باسمه، ومذهبه، وتاريخ وفاته؛ راجع: مقدمة الدكتور أيمن فؤاد سيد في تحقيقه لفهرست النديم (نشرة مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي). (المترجم)
[68] عبد الستار الحلوجي، المخطوطات والتراث العربي، (القاهرة: 2001م)، ص143-160.
[قال الحلوجي بعدما أورد بعض محاولات الببليوغرافيا العربية قبل ابن النديم التي لم يصلنا إلَّا أخبارها: "...وإذن فابن النديم ليس الأب الشرعي لعلم الببليوغرافيا العربي كما توهم أكثر الباحثين، فقد سبقه غيره على الطريق … ومعنى ذلك أن علم الببليوغرافيا عند العرب تمتدُّ جذوره إلى أواخر القرن الثاني الهجري، أي ما قبل الفهرست بما يقرب من قرنين كاملين"، المصدر نفسه، ص140-141. (المترجم)].
[69] ابن النديم، كتاب الفهرست، تحقيق: رضا تجديد المازندراني، (طهران: 1971م)، ص3. وأيضًا:
Vgl. Muḥammad ibn Isḥāq Ibn al-Nadīm, The Fihrist of al- Nadīm. ATenth-Century Survey of Muslim Culture, übers. von Dodge Bayard (New York: Columbia University Press, 1970), 1–2.
[70] الفهرست، ص3-5.
[71] تصرف الكاتب في كلام ابن النديم عند ذكر عنوان المقالة الأولى، وعلينا الالتزام بما أراده في المتن؛ لأنه كتب مراده بطريقة النقحرة (الحروف اللاتينية للكلمة العربية -Transkription). أما نص كلام ابن النديم فالآتي: "المقالة الأولى: وهي ثلاثة فنون: الفن الأول: في وصف لغات الأمم من العرب والعجم ونعوت أقلامها وأنواع خطوطها وأشكال كتاباتها. الفن الثاني: في أسماء كتب الشرائع المنزلة على مذاهب المسلمين ومذاهب أهلها. الفن الثالث: في نعت الكتاب الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وأسماء الكتب المصنفة في علومه وأخبار القراء وأسماء رواتهم والشواذ من قرأتهم". (المترجم)
[72] محمد ابن أبي بكر المرعشي، المعروف بساجقلي زاده، ترتيب العلوم، تحقيق: محمد بن إسماعيل السيد أحمد، (بيروت: 1988م)، ص25-26.
[73] Francesca Bellino, "The Classification of Sciences in an Ottoman Arabic Encyclopaedia: Ṭāškubrīzādah’s ‚Miftāḥ Al-Saʿāda‘", in Quaderni di Studi Arabi 9 (2014): 172–73.
[74] أحمد بن مصطفى الشهير بـطاشكبري زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، (بيروت: 1985م)، ص3-7.
[75] السابق، ص9-70.
[76] المصدر السابق، ص75.
[للإيضاح انظر: فيصل الحفيان، "المعرفة اللغوية في نظرية طاشكبري زاده التصنيفية - التداخل والتكامل"، معهد المخطوطات العربية، 2018م. (المترجم)].
[77] السابق، ص75، 287.
[78] Vgl. Kâtip Çelebi, Kashf al-ẓunūn ʿan asāmī al-kutub wa-al-funūn, übers. von Gustav Flügel (London, 1858).
[مما يجدر التنبيه عليه هنا أن ترتيب حاجي خليفة الألف بائي ليس ترتيبًا للكتب فقط، وإنما هو ترتيب للكتب والعلوم معًا: "فعلم النحو مثلًا يُذكَر في حرف النون، مع ذكر أبرز الكتب المصنَّفة فيه، والجبر والحساب يذكران في الجيم والحاء. وغالبًا ما يذكر الكتاب مرتين: مرة في فنِّه، ومرة في مكانه من حروف الهجاء. فكتاب مثل "النهاية" لابن الأثير، يذكره في حرف الغين، في أثناء حديثه عن علم "غريب الحديث"، ثم يورده في حرف النون، وهو حقُّ مكانه". للمزيد انظر: الموجز للطناحي، ص99. (المترجم)].
[79] Khaled El-Rouayheb, Islamic Intellectual History in the Seventeenth Century: Scholarly Currents in the Ottoman Empire and the Maghreb (Cambridge: Cambridge University Press, 2015), 115.
[80] المرعشي، مصدر سابق، ص52-54.
[81] السابق، ص82-93.
[82] السابق، ص80-81.
[83] كان يقصد بذلك ألَّا تتشعب المباحث دون فائدة، أو بما يعود بالضرر على المتلقي، ووضَّح مقصوده بالمثال التالي. (المترجم)
[84] السابق، ص150.
[85] السابق، ص217-218
[86] السابق، ص70.
[وهو نقل عن المحقق وأصله في الكتاب ص221. (المترجم)].
[87] السابق، ص227-230.
[88] السابق، ص151.
[89] El-Rouayheb, Islamic Intellectual History in the Seventeenth Century, 117.
[90] السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر، مفتاح العلوم، تحقيق: نعيم زرزور. [وهو كتاب مشهور في البلاغة، وقد جعله السكاكي في ثلاثة أقسام: قسم في الصرف، وآخر في النحو، وثالث في البلاغة. لكن غلب عليه البلاغة وعُرف به. (المترجم)].