نحو فقه قِيمي
الملخّص
يُعدُ الفقه المسار الذي من خلال يتم الإجابة عن أسئلة الحياة بمختلف تمظهراتها، فالتعبير عن القيم واخلاقيات المجتمعات ورقيها، من خلال المسار الذي تمرر فيه أكثر إجاباتها أو غالبها. فالدرس الشرعي مَدْعُوٌ لأن ينظرَ في انتظام المسائل الفقهية تحت سقف القيم.
طرح الأسئلة الفلسفية الكبرى وتحويلها إلى ممارسات، يحتاج إلى جهد مكثف، والنظر الفقهي القيمي أحدها؛ والإشكالية العميقة عدم تحويل القيم، إلى واقع في الحياة.لاشك أنَّ النصَ القرآني والنبوي عند تقرير الأحكام يرسمان البعد القيمي الأخلاقي من الحكم الشرعي، تأكيداً على البعد المقاصدي في خارطة التشريع.
أي أن الأمر لا ينتهي عند حلال أو حرام، بل الأمر يتعدى ذلك إلى استحضار القيم والأخلاق من الأحكام؛ لأن الشريعة بطبيعتها أخلاقية قيمة. فالأحكام قد تكون في وقت ما عند تطبيقها لا تعبر عن القيمة الأخلاقية، أو لا تحقق مقصد الحكم، فيتأخر التطبيق أو يتعذر لحين تتقدم القيم والمقاصد أولاً والأحكام ثانياً. وقد يكون الفعل جائزاً فقهاً لكنه لا يُقبل أخلاقاً وقيماً، فالمنظور القيمي يُعد المنهج المسدد للنظر الفقهي.
شَكَلَ الدرس الفقهي الذي يقدم إجابات فورية موصوفة بالحكم الشرعي، انماطاً من التدين، الذي غالباً ما يستحضر الصورة والشكل للفعل، ويحكم عليه بالحل والحرمة تبعاً لذلك بمعزل عن القيم المقاصدية، والأخلاق البنيوية التشريعية. فالمنهجية التي تسعى الورقة إلى حضورها في الواقع الشرعي بشكل عام، والفقهي بشكل خاص، أن يسير المسار الفقهي مستحضراً السياقات الشرعية الأخرى (العقدي، الأخلاقي المقاصدي)؛ لأنها بجملتها تعبر عن الواقع التشريعي المنزل.
فالقصد أن ينتقل الفقه من الإجابة على مستوى الحلال والحرام، إلى التأسيس للقيم ورسوخها من خلال الأحكام الفقهية العملية، والتحدي الأكبر الانتقال إلى إنتاج حلول للأزمات الواقعية والمستقبلية؛ لأن الأصل من الفقه المحافظة على كليات الشريعة ومبادئها، وقيمها الأساسية عند تطبيق الأحكام. وهذا ما يُوحيه معنى الفقه، والذي يدل على أنها مادة عميقة تتجاوز السطحية، فهو معنى ذو أبعاد غائية مفاهيمة منهجية.