قراءة في علمانية هشام جعيّط - نعم لعلمنة الشريعة لا لعلمنة الدولة!

قراءة في علمانية هشام جعيط

ملخّص

يهدف هذا المقال -في المقام الأول- إلى عرض موقف هشام جعيط من العلمانية في الفضاء العربي الإسلامي. وهو موقف يتَّسم بالغموض والالتباس، فهو من ناحية يدعو إلى علمنة التشريع والأخلاق، ومن ناحية ثانية يرفض علمنة الدولة رفضًا قاطعًا. ويهدف -في المقام الثاني- إلى تفكيك هذا الموقف بردِّه إلى الخطاب التأسيسي لجعيط الذي ينتظم وينسجم بمقتضاه ما يبدو ملتبسًا في فكره، وتحديدًا موضوع العلمانية، ونعني بذلك جدلية البداوة والحضارة.

مقدمة

للمفكر التونسي الراحل هشام جعيط موقفٌ متميزٌ من العلمانية مقارنة مع نظرائه العرب(1) عمومًا والتونسيين تحديدًا. ولعل ما يميّز موقفه أنه لم يكن مجرَّد رد فعل أو انخراط في الجدل الدائر بين الإسلاميين وخصومهم العلمانيين بقدر ما كان موقفًا مبدئيًّا وجزءًا من رؤيته الإصلاحية التي أبان عنها بشكل مفصل منذ النصف الأول من السبعينيات في كتابه «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي». وملخَّص هذا الموقف أن العلمانية التي يقترحها بوصفها جزءًا من عملية الإصلاح يجب أن تكون غير معادية للدين. يقول: «ونحن نؤيد بقاء هذه العقيدة ونؤيد إصلاحها. لا يجب أن يتمَّ الإصلاح على حساب الدين، بل يقع في نفس الوقت بواسطة الدين وفي الدين ومستقلًّا  عنه». إن العلمنة التي يقترحها لا ينبغي أن تشمل كلَّ  مناحي الدين، فهي ضرورية في مجال التشريع، وبدرجة أقل في مجال الأخلاق، وهي مرفوضة تمامًا عندما يتعلَّق الأمر بهوية الدولة. إنه موقف ملتبس ومبهم وغامض، ليس فقط في نظر بعض قارئيه، بل في نظر صاحبه بصريح العبارة. 

أعثرنا البحث على نصَّيْن  نقديَّيْن  تناولا هذا الالتباس؛ النص الأول للناقد المغربي عبده الفلالي الأنصاري الذي عزا هذا التناقض إلى حنين جعيط إلى يوتوبيا الزمن التأسيسي الذي ظلَّت صورته تراود المسلمين منذ الفتنة الكبرى، وكأنه يستبدل دعوته إلى فصل المجتمع عن الشريعة بالدعوة إلى تعويض ذلك بالدولة، والأمر لا يخلو من تناقض كذلك، فعملية الاستعاضة هذه هي نوع من الانتقال من أسلمة المجتمع إلى استبطان الإسلام في شكل عقيدة وأخلاق حيَّة تتمظهر على مستوى الوعي، وخصوصًا في أولئك القائمين على شؤون المجتمع(2). وأما النص الثاني فهو للباحث التونسي محمد المزوغي(3) الذي رأى في موقف جعيط من العلمانية تناقضًا رهيبًا واختلالًا  بنيويًّا في التفكير، وتصورات منحرفة تنمُّ عن تشتُّت ذهنيّ بين خيار عقائديّ  متجذّر في الذات وبين نزعات حداثية منقوصة وغير مرغوب فيها(4). بل إن المزوغي يرى أن الشطر المحمود من موقف جعيط من العلمانية إنما هو لأجل استرضاء القرَّاء الفرنسيين (الكتاب كُتب أصلًا  باللغة الفرنسية) في فترة شهدت فيها المجتمعات الغربية احتجاجاتٍ نسويَّة عارمة ومطالبة بمزيدٍ من المساواة(5).

علمانية جعيط هي خلاصة نظره في التاريخ الإسلامي وكذلك التاريخ الغربي الحديث، وهي تقع ضمن شبكة معقَّدة من الأحداث والمفاهيم تتعلَّق بطبيعة الإسلام وبطبيعة الحداثة وما بينهما من تآلف وتنافر.

لا يمكننا التسليم بتوصيف جعيط لموقفه ولا بموقف الناقدين سالفي الذكر. فأما حديث جعيط عن نفسه، فلا ينبغي أخذه على محمل الظاهر، بل هو خطاب موجَّه بالأساس إلى كل الذين يخوضون في مثل هذه المواضيع الشائكة بشيء من الاستسهال والتبسيط. وأما موقف الفيلالي، فمردُّه -في تقديرنا- إلى رؤيته التجزيئية للموضوع؛ إذ اكتفى بالمواد المتعلِّقة بالعلمانية مباشرة، أي ذلك الفصل المخصَّص للموضوع في كتاب «الشخصية»، في حين أن علمانية جعيط هي خلاصة نظره في التاريخ الإسلامي وكذلك التاريخ الغربي الحديث، وهي تقع ضمن شبكة معقَّدة من الأحداث والمفاهيم تتعلَّق بطبيعة الإسلام وبطبيعة الحداثة وما بينهما من تآلف وتنافر.

وبناءً على ذلك، فعندما ننظر إلى موقف جعيط من العلمانية في إطار براديغم البداوة والحضارة الذي يحتكم إليه في دراسة الإسلام فلسفةً وتاريخًا، وفي إطار براديغم الدين والحداثة الذي يحتكم إليه في دراسة تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر، ندرك أن دعوته إلى علمنة الشريعة/ المجتمع وأسلمة الدولة إنما هي دعوة في غاية الانسجام. فلمَّا كان الإسلام -ككل الأديان بصورة عامَّة- قد نقل العرب من البداوة إلى الحضارة، ولمَّا كانت الدولة هي أداة هذه النقلة ومظهرها الصافي، ولمَّا كانت الشريعة تحيل على قِيم قَبَليَّة بدويَّة عفا عليها الزمن؛ أدركنا حقيقة موقف جعيط من العلمنة. 

العلمانية في كتابات جعيط: أو في استبداد المرجعية التاريخية

 ظلت العلمانية قضيةً ثابتةً في فكر جعيط لم يخلُ منها أيُّ  كتاب من مدونته. فقد كانت حاضرةً في أول مناسبة أطلَّ  فيها على عموم القرَّاء من خلال مجلة الإذاعة والتلفزة التونسية سنة 1966م، وكانت خاتمة كتابه الخاتم «التفكير في التاريخ.. التفكير في الدين» الصادر قبيل وفاته ببضعة أشهر. ولكن حضورها تراوح بين الحضور الصريح، سواء من خلال إثارة الموضوع بصفة مباشرة(6) أو من خلال إثارته من زاوية علاقة الدين بالسياسة في الإسلام(7)، والحضور غير المباشر ولكن الواضح جدًّا بحكم وحدة تفكير هشام جعيط، سواء من خلال موضوع المدينة والدولة كما في كتاب «الكوفة» أو من خلال نقده الشديد للمقاربات الإثنولوجية الاستشراقية لتاريخ الإسلام كما في كتاب «أوروبا والإسلام»، وأخيرًا من خلال جدلية البداوة والحضارة التي انتظمت كل كتاباته وكانت أكثر حضورًا في ثلاثية «في السيرة النبوية».

العلمانية أولًا   وأخيرًا

يفضي تتبُّع موقف جعيط من العلمانية إلى إثبات مركزية هذه القضية في كتاباته، ومن ثَمَّ في فكره. فقد تناولها في كل كتاباته تقريبًا، سواء الكتابات الفكرية الخالصة أو البحوث والدراسات التاريخية أو المقالات والحوارات الصحفية. فهي من المقولات الناظمة لفكره ومشروعه الإصلاحي، وليست مجرَّد مبحث فكري أو تاريخي أكاديمي. وخلافًا لما يبدو في الظاهر، فإن علمانية جعيط ليست موقفًا فكريًّا وسياسيًّا مسبقًا اتخذه مقولةً لتحليل التاريخ الإسلامي، بل هي خلاصة دراسته للتاريخ الإسلامي (وكذلك للتاريخ الغربي) تمامًا مثلما كانت العصبية عند ابن خلدون خلاصة لدراسته للتاريخ، وهو التشابه الذي افتخر به جعيط(8).

وعلى هذا الأساس تراوح تناوله لهذه القضية بين التناول النظري والتناول التاريخي، وذلك من خلال جملة من المقولات والجدليات، أهمها مقولة الدولة وجدلية البداوة والحضارة التي تفرعت عنها عموديًّا جدلية الدين والسياسة، وأفقيًّا جدلية الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة. وككل المفكرين ذوي الشأن، كان لجعيط كتاب تأسيسيٌّ هو بمثابة «رؤيته الميتافيزيقة»، أي التأسيسية، ذلك أن كتاب «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي»(9) هو الذي أسَّس لفكر الرجل ورؤاه. ورغم أن جعيط قد خصَّص فصلًا  كاملًا  بعنوان: «في الإصلاح» في باب «الإصلاح والتجديد في الدين»، تناول من خلاله مشكلة العلمنة بشكل مفصل، فإنه من الصعب الاكتفاء بذلك؛ لأن الموضوع لا يُدرك في جوهره إلَّا من خلال ربطه ببقية مواضيع الكتاب، وأساسًا موضوع «الدولة» و«الشخصية»، وأساسًا «جدلية البداوة الحضارة» التي تنتظم الكتاب.

الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي

غلاف كتاب الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي

يندرج الكتاب ضمن تيار «الحركة النقدية الجديدة» الذي ظهر في أعقاب هزيمة 1967م، وهي «مجموعة الكتابات النقدية التي شكَّلت أول عملية نقد جديَّة للنظام البطركي الحديث ولثقافته»(10) في مسعى منها لإدراك جذور الهزيمة، ومن ثَمَّ البحث عن المنهج الأمثل لاستئناف المشروع النهضوي. تنبني رؤية جعيط على جملة من الأُسس الفكرية والمنهجية، حيث يرفض جعيط فكريًّا ما يسميه بالحداثة الأيديولوجية أو العقلانية البدائية، سواء كانت ليبرالية أو ماركسية، كما يرفض الرؤى التقليدية بالحماس نفسِه. أما منهجيًّا، فهو يدعو إلى مقاربة جذرية للموضوع، أي العودة إلى القاع التاريخي للظواهر وتجاوز النزعة التجزيئية التي تفصل هذه الظواهر عن بعضها بعضًا، ويدعو في الوقت نفسِه إلى المزاوجة بين الإيمان والمعرفة، وبين الصدق والحماس والروح النقدية. ضمن هذين الإطارين الفكري والمنهجي، رأى جعيط أن الحل لوضع الفوات الحضاري الذي يعيشه العرب يكْمُن في إصلاح العقيدة الذي لا ينبغي بأية حال أن يكون استنساخًا للمسعى المسيحي في القرن السادس عشر ولا في القرن التاسع عشر (ص10). وإصلاح العقيدة بعيدًا عن النموذج المسيحي الغربي يقتضي اعتماد علمانية جديدة في أسلوبها، وتعني الجدة هنا أن نستخلص مقومات هذه العلمانية من التاريخ الإسلامي بدل اعتماد وصفة جاهزة من التاريخ الغربي.

إذا كان الكتاب الأول «محاولة نقدية وأنثروبولوجية وتاريخية-فلسفية»(11) درس من خلالها الشخصية العربية ومصيرها، فإن كتابه الأخير «التفكير في التاريخ.. التفكير في الدين» هو بمثابة مقاربة فلسفية تاريخية ذات حمولة بيداغوجية(12). فقد تناول من خلاله موضوع العلمانية في علاقته بالحداثة وبالدين. وحرص جعيط في هذا الكتاب على التذكير بمكانة الدين في التاريخَيْن   القديم والحديث، مركزًا على بُعده الإنساني ودوره التمديني والحضاري وعلاقته بنشأة الدولة؛ إذ لا شيء في رأيه يضمن استمرار الدين مثل الدولة (ص43). هذا الدور بدا وكأنه يتقلَّص مع ظهور الحداثة، ولكن من المفارقة أن انتشار الأفكار العلمانية التي جاءت بها الحداثة قد أدى إلى تزايد الاهتمام بدراسة الأديان (ص61-62).

ومن أكثر مظاهر هذا الاهتمام ذلك الجدل الذي ظهر منذ ستينيات القرن العشرين حول «الجذور الدينية للحداثة». وقد خصَّص له جعيط العنوان الأخير من الفصل الثامن من القسم الثاني من الكتاب، وعرض من خلاله عددًا من المؤلفات التي تناولت الموضوع، وملخَّص هذا الجدل يدور حول ما إذا كانت الحداثة قطيعة مع المسيحية أم استمرارًا لها؛ ذلك أن مفكرين وفلاسفة غربيين كثيرين يرون أن الحداثة ليست سوى علمنة للمُثُل والمبادئ المسيحية، ففكرة لانهائية العالم ليست سوى علمنة لفكرة لانهائية الله المسيحية، وفكرة التطور هي نفسها فكرة العناية الإلهية، والمساواة هي الأخوة المسيحية...إلخ (ص145 وما بعدها). 

تبدو مسألة العلمانية معقَّدة، ولعل تعقيدها نابعٌ من كونها قضيةً تاريخيةً بالأساس. ومن هنا ينبع الإشكال. وهنا نفهم لماذا حرص جعيط في كتابه التأسيسي على أن يقارن نفسه بابن خلدون، فهو يفعل لعصره ما كان فعله ابن خلدون لعصره. وربما هذا معنى قوله في مقدمة كتابه الأخير بأن هدفه من الكتاب بيداغوجيٌّ صِرف.

اللجوء إلى التاريخ

بعد هزيمة 1967م لاحظ غالي شكري أن قسمًا مهمًّا من المثقفين العرب لجأ (بالمعنى السياسي للكلمة) إلى الآخر الحضاري هربًا من قسوة الواقع وطلبًا للحلول السهلة والمريحة(13). ولكن هشام جعيط لجأ إلى التاريخ رغم كل تعقيداته؛ لأنه كان يؤمن أن كل نظرٍ في قضية راهنة يتطلب حتمًا إلمامًا بالماضي إذا ما أردنا تناولها بطريقة بنَّاءة(14). يظهر ذلك بشكلٍ جليٍّ في كتاب «الشخصية»، حيث ارتبطت كل تحليلاته للقضايا العربية المعاصرة بجذورها التاريخية والتراثية كما سنبيِّنه لاحقًا. من هذا المنطلق، فإن موضوع العلمانية قد اندرج في كتابات جعيط بإشكالية العلاقة بين التاريخ والدين (أو الثيولوجيا كما في الحالة المسيحية كما بيَّن ذلك ميشال دي سارتو)(15)، وهي إشكالية تاريخية داخلية، أي شأن تاريخي داخلي يرتبط بماهية الدلالة التاريخية لعقيدة دينية في سياق زمني محدَّد، وبالمقاييس المعتمدة لفهمها وتفسيرها انطلاقًا من مصطلحات عصرها. 

الإسلام ارتبط منذ نشأته بالسياسة والحرب، فعدم تمكُّن الرسول من نشر دعوته في مكة دفعه إلى الاعتماد على السياسة والحرب لنشرها، فخصومه لم يروعوا إلا بالقوة، فالمجال الذي وُجِد فيه كان مجالًا  حربيًّا بامتياز.

 يرى جعيط فيما يتعلَّق بالدين عمومًا أنه أحد العناصر الأساسية التي صنعت تاريخ الإنسان ولعبت الدور الحاسم في تمدينه وتحضيره، بل إن الدين لعب دورًا محوريًّا في ظهور الحداثة(16). أما فيما يتعلَّق بالدلالة التاريخية للإسلام، فقد طرح جعيط ما يعتبره السؤال المركزي الذي ينبغي طرحه والإجابة عنه، وهو: لماذا يبدو الإسلام أكثر استعدادًا أو قابلية من غيره لإنشاء بنياتٍ سياسية داخله أو بواسطته؟ كما طرح الإجابة: لأن الإسلام ارتبط منذ نشأته بالسياسة والحرب، فعدم تمكُّن الرسول من نشر دعوته في مكة دفعه إلى الاعتماد على السياسة والحرب لنشرها، فخصومه لم يروعوا إلا بالقوة، فالمجال الذي وُجِد فيه كان مجالًا  حربيًّا بامتياز(17). وقد تجلَّى هذا البُعْد السياسي بشكلٍ جليٍّ في «الدولة»، بما هي عنصر تنظيم وتوحيد سياسي واجتماعي(18). ولمَّا كان هذا البعد السياسي عنوان حداثة وعقلانية(19)، فقد شنَّ جعيط حملةً شعواء على المقاربات الإثنولوجية الاستشراقية التي تعاملت مع الإسلام كما لو كان ديانة بدائية(20).

ولذلك فعلمانية جعيط ترتبط رأسًا بالدولة. ولكن دور هذه الدولة لا يُدرك إلا من خلال جدلية البداوة والحضارة، فالدولة التي وضع بنيانها الرسول وتأسَّست وظهرت في أثناء حروب الردة وعززتها الفتوحات هي ما كان ينقص العرب قبل الإسلام ليتجاوزوا هامشيتهم وعزلتهم التاريخيتَيْن، ومن ثَمَّ هي جوهر الإسلام نفسه.

جدلية البداوة والحضارة بوصفها خطابًا تأسيسيًّا

إن تاريخ الإسلام في منظور جعيط هو تاريخ الصراع بين البداوة والحضارة بتوسُّط الدولة. لقد كان القرآن خطابًا تحرريًّا توجه رأسًا إلى عالم البداوة العربي لتخليصه من قِيمه القَبَليَّة البالية ولتوحيده، ومن ثَمَّ جعله قوة حضارية. والوسيلة الأساسية لإنجاز هذا المشروع هي الدولة. من هذا المنطلق ما فتئ جعيط يؤكِّد في معرض رؤيته البانورامية للتاريخ والمجتمع الإسلاميَّيْن   أنه أنثروبولوجيًّا سادت البداوة وتاريخيًّا سادت المدن، أي إن المدينة/ الدولة هي التي صنعت تاريخ المسلمين. ورغم كل رياح الحداثة التي هبَّت على المجتمعات الإسلامية، فقد ظلَّت في جوهرها بدويةً. ولقد تجلَّت هذه البداوة في تشريعات الفقهاء بالخصوص.

الدولة: جوهر الإسلام 

 في الفترة نفسِها التي صدر فيها كتاب «الشخصية»، كان في فرنسا جدل فكريٌّ وفلسفيٌّ حول الدولة طرفاه رؤية تطورية ترى في الدولة غاية كل مجتمع إنساني، أي إن ظهورها شكَّل نهاية مرحلة البداوة والبدائية، ورؤية مخالفة يمثلها عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي بيار كلاستر Pierre Claster الذي بيَّن في أطروحته ما سمَّاه «مجتمع اللادولة»، أي إن المجتمعات البدائية كانت تعرف الدولة وتعقلها، ولكنها كانت تتجنَّبها حفاظًا على طبيعتها ووجودها المتسمَيْن  بالحرية والتشتُّت(21). ومما لا شكَّ فيه أن جعيط يتبنَّى الرؤية الأولى، فالدولة في رأيه من القضايا الجوهرية بالنسبة إلى المؤرخ، وهي مثلها مثل الدين صانعة للتاريخ(22). وفي الحالة الإسلامية، فإن المدينة/ الدولة لم تكتفِ  بصناعة تاريخ المسلمين، بل هي الحدُّ الفاصل بين البداوة والحضارة.

بيار بلاستر

بيار كلاستر

 لقد شنَّ جعيط حملةً نقديةً قاسيةً على أصحاب الرؤى الإثنولوجية الذين رأوا في الإسلام ظاهرة بدوية خالصة. فقد رأى في ذلك موقفًا استشراقيًّا متحيزًا أو جاهلًا  بالإسلام. لقد ظهر الإسلام في بيئة حضرية، وهي مكة القرشية. وهذا ما يفسِّر موقف القرآن السلبي من الأعراب. والموقف المعتدل للقرشيين من الرسول ومن الإسلام الذي فسَّره جعيط بسوء فهم القرشيين لرسالة الرسول إذ كانت تنتابهم الخشية من أن يفجر هذا الدين الجديد حياتهم المتمدنة(23) قبل أن يدركوا أن الإسلام مجسدًا في ظاهرة الدولة هو حقًّا وحصريًّا ما كان ينقصهم(24). لذلك فإن الإنجاز الأساسي الذي يُحسب للإسلام الأول لا يتمثَّل في توحيد العرب، فقد حصل ذلك عرضًا(25)، ولا في نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، لأن ذلك ببساطة لم يكن هدف المسلمين الأوائل، بل هو إنشاء الدولة التي ستكون محور الصراع الدامي بين المسلمين فيما عُرف بالفتنة الكبرى. 

لم يكن الفتح في سبيل نشر الإسلام، وإنما في سبيل توسيع مجال الدولة والتمكين لها؛ ولذلك لم يكن قادة الفتوح من الأعراب ذوي الماضي الحربي العريق، وإنما من أرستقراطية قريش الذين لم يمارسوا الغزو أبدًا في حياتهم(26). ولذلك كان الشغل الشاغل لهؤلاء الفاتحين هو الانفصال عن الشعوب المفتوحة تعزيزًا لإسلامهم. لقد كانت الدولة هي الوسيلة الناجعة للحفاظ على الإسلام، خاصةً أن إمكانية اضمحلاله بدت واضحةً من خلال حروب الردة(27). هذه الدولة هي التي تقاتل المسلمون لأجلها في الفتنة. وإذا أردنا خلاصةً لأسباب هذه الفتنة وجدناها في تصورين للدولة: تصوُّر إسلامي يُفرِط في الدولة (والعبارة لجعيط)، وتصوُّر أعرابي أو بدوي يرفض هذا الإفراط ويحاربه(28)

البداوة: معضلة الإسلام 

حرص جعيط على التنبيه إلى أن ما نجده في بعض الكتب التراثية من تمجيدٍ للبدو والبداوة لا علاقة له بالحقيقة التاريخية، وإنما هو أثر من آثار الصراع مع الشعوبية في العصر العباسي(29). فالحقيقة التاريخية تقول بأن الإسلام كانت تحدوه رغبة عارمة في القطع مع الماضي البدوي للعرب، ولأجل ذلك ابتدع لفظة الجاهلية(30). هذه الحقيقة تؤيدها الدراسات الفيلولوجية، فالألفاظ القرآنية من قبيل المصر والقرية والمدينة تحيل كلها على نمط عيش إسلامي جديد يتعارض مع البداوة(31)، ومع ذلك لم يسع الإسلام إلى إقصاء البدو كما كان يحصل في الجاهلية لسببين: أولهما أن كل سكان الجزيرة العربية -بما فيهم أهل المدن والحضارة- كانوا بدوًا، وثانيهما رغبة الإسلام في الاستفادة من الطاقة الحربية للبدو. وهذا هو معنى قول جعيط: «أنثروبولوجيًّا سادت البداوة، وتاريخيًّا سادت المدن»(32).

إننا إزاء بنية أنثروبولوجية معقَّدة(33) آثارها في القرآن نفسه، كما يرى جعيط، إذ نجد فيه آثارًا من هذه البداوة على مستوى بعض التشريعات(34). ومن ثَمَّ فإن منتهى ما أنجزه الإسلام في هذا المستوى تمثَّل في تأطيره للبدو بقوة التنظيم السياسي والعسكري(35). والنتيجة أن البدو ظلوا على مدى تاريخ الإسلام عنصرَ قلق وعدم استقرار(36). وربما هذا ما يفسر غلبة الطابع البدوي على الشخصية العربية الإسلامية إلى اليوم، وإن بدرجات متفاوتة حسب الأقطار وحسب المراحل التاريخية(37).

يدعو جعيط إلى تحرير الأخلاق الإسلامية من الموروث البدوي عبر مزاوجتها بالقيم الحديثة بإعطاء مسؤولية أكبر للعقل الفردي والدعوة إلى الثقة بالحياة.

يظهر هذا الطابع البدوي بشكل مميز في أخلاق المسلمين التي غلبت عليها عادات وتقاليد وأفكار خاطئة(38) أدت إلى مأسسة الأخلاق، أي غلبة الامتثالية والرياء (أخلاق القطيع). ولعل أخطر نتيجة لهذه المأسسة تجلَّت في تحطيم الجانب الدنيوى في حياة الفرد، مما دفعه إلى ما سمَّاه جعيط تصعيد الغريزة الذي عبَّر عنه كتاب «الأغاني» بكل وضوح(39). لقد انتهى الأمر بالمجتمع الإسلامي إلى الانقسام على نفسه (المتمتعون بمباهج الدنيا والزاهدون فيها). ولذلك يدعو جعيط إلى تحرير الأخلاق الإسلامية من الموروث البدوي عبر مزاوجتها بالقيم الحديثة بإعطاء مسؤولية أكبر للعقل الفردي والدعوة إلى الثقة بالحياة(40).

ضمن هذه الرؤية الميتافيزيقية تتنزل دعوة جعيط إلى علمنة التشريع و«أسلمة» الدولة. فالدولة عنوان الإسلام وعنوان استمراره، وأما التشريع فقد ارتبط بأسباب النزول وبحوادث معيَّنة بما في ذلك ذاك المتعلق بالمرأة الذي يحيل في جزء منه على عالم البداوة(41)، النقيض الطبيعي والتاريخي للإسلام وللدولة. وفي هذا السياق، تصبح العلمنة إصلاحًا للشخصية العربية الإسلامية وإغناءً لها(42). وبذلك تنسجم الدولة مع التشريع ومع المجتمع من جهة الارتباط بالحداثة(43).

خاتمة

ما من شكٍّ  في أن هشام جعيط مفكر حداثيٌّ مُشبَع بقيم الحداثة، وهو لا يتوانى عن التصريح بذلك(44). ولكنه يحرص دومًا على التمييز بين التاريخي والقيمي، فإذا كانت الحداثة تتعارض مع الشريعة كما بناها الفقهاء، فإن البديل ليس الارتماء في أحضان حداثة سطحية، بل بتجديد الدين. وتجديد الدين لا يفترض نقد التراث ونقد الحركة الإصلاحية في القرنَيْن  التاسع عشر والعشرين فحسب، بل يفترض كذلك -وربما أساسًا- نقد الحداثة وعدم التسليم بكل مخرجاتها، ومنها قضية علاقة الدين بالسياسة. وإنه لمن الجدير بالملاحظة أن نقد جعيط للحداثة لم يصدر فقط عن رؤية نقدية، وإنما أيضًا انطلاقًا من شعورٍ حادٍّ بالولاء الثقافي(45)، وربما هذا ما يفسِّر التباس بعض مواقفه وكذلك الروحانية العالية التي تتميَّز بها كتاباته. ولذلك فإن علمنة التشريع في المجتمعات العربية الإسلامية لا ينبغي أن تقود الدولة إلى الانفصال عن الدين، فهي «بالأساس وعي التاريخ إزاء قوى النسيان»(46). إنها الضامن لاستمرار الدين فاعلًا  في الوجدان وفي التاريخ. وبلغة أوضح: ليس للإسلام كنيسة تحميه؛ ولذلك فالدولة هي التي تؤدي هذه الوظيفة(47).


الهوامش

(1) رغم بروز رؤى علمانية متميزة يمثلها بالخصوص عبد الوهاب المسيري (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة) وعزيز العظمة (العلمانية من منظور مختلف) وعزمي بشارة (الدين والعلمانية في سياق تاريخي)، فإن موقف جعيط يظلُّ موقفًا متميزًا لسببَيْن: أولهما ريادته للموضوع، وثانيهما فرادة موقفه؛ إذ لم يرفض العلمانية بوصفها مبدأ، وإنما حصرها في المجال التشريعي. أما في تونس فالتيار الغالب هو القبول بالعلمنة حسًّا ومعنًى مع بعض المحاولات لتأصيلها في التراث الإسلامي (عبد المجيد الشرفي أنموذجًا).

(2) Abdou Filali- Ansari, «Hichem Djaït ou la tyrannie du paradigme», in, Penseurs maghrébins contemporains, Cérès Productions c collection horizon maghrebin n 10, p 115.

(3) من الواضح من خلال محتوى الكتاب ولغته أنه لا علاقة له بالبحث الأكاديمي ولا حتى بالبحوث الفكرية والسياسية التقليدية، فهو يقع في صلب الجدل السياسي والإعلامي العقيم الذي عرفته تونس بُعيد وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد الثورة، بل إنه صورة مُعبّرة عن الاستقطاب الذي عرفته الساحة الفكرية والسياسية والإعلامية آنذاك. فالكتاب ينبني على رؤية استقطابية تجعل جعيط وكل الإسلاميين في العالم في مواجهة بورقيبة ومعه كل العلمانيين، بحيث تحوَّل الكتاب إلى دفاع مستميت عن البورقيبية (والكمالية) في جزء منه، وهجوم عنيف على زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في جزء آخر. لقد حوى الكتاب كلَّ هَنَات الكتابة الأيديولوجية الفجَّة.

(4) محمد المزوغي، منطق المؤرخ هشام جعيط: الدولة المدنية والصحوة الإسلامية، بيروت-بغداد: منشورات الجمل، ط1، 2014م، ص71.

(5) المرجع السابق.

(6) راجع: خواطر حول الإسلام المعاصر، مجلة الفكر، تونس، ج11، عدد9، 1966م، ص96-99 ( وقد استعمل آنذاك عبارة لائكية إلى جانب عبارة العلمانية، ص97). وراجع أيضًا: الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، بيروت: دار الطليعة، ط2، 1993م، ص6. حيث اعتبر الكتاب جزءًا من الجدل الراهن حول علمنة السياسة والدولة، الذي دشَّنه علي عبد الرازق في كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم».

(7) راجع: حوار حول الطقوس والدين في الإسلام والحياة المعاصرة، مجلة الإذاعة والتلفزة، تونس، س7، عدد 167، 1966م، ص24-25. وانظر كذلك كتاب «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي»، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1984م، ص101 وما بعدها. وكذلك:

Penser l’histoire, penser la religion, Cérès éditions 2021, pp 144-152

(8) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص7.

(9) صدر الكتاب أولًا بالفرنسية عن دار Seuil بباريس سنة 1974م تحت عنوان: La personnalité et le devenir arabo-islamiques، ونقله إلى العربية المنجي الصيادي تحت عنوان: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، وصدر عن دار الطليعة، بيروت، سنة 1984م. والملاحظ أن الترجمة كانت رديئة جدًّا، بدءًا بالعنوان نفسِه؛ إذ عجز المترجم عن إيجاد الصيغة المُثلى التي تضيف الشخصية والمصير إلى العروبة والإسلام معًا. وأما المتن فقد حوى أخطاء وهنات كبيرة جدًّا، فبالإضافة إلى عدم ترجمة العناوين الفرعية والسهو عن ترجمة بعض الجمل والفقرات، لم يكلف المترجم نفسه عناء العودة إلى المعاجم المختصَّة لترجمة بعض المصطلحات (فقد ترجم مثلًا المصطلح الفرويدي le ça -أي الهو- بـ«هذا»)، ولم يفهم بعض المصطلحات والتعابير الأخرى، فترجم مثلًا islam provincial والمقصود به في سياق الكتاب «الإسلام البدوي» أو عالم العربان كما يسميه المؤرخون التونسيوءن بـ«النزعة الجهوية»، كما ارتكب أخطاء تاريخية، فلم يميّز بين العاص بن هشام المكنى بأبي البختري وهشام بن عمرو. ولذلك فقد اعتمدنا بالأساس على النسخة الفرنسية عندما يتعلَّق الأمر بترجمة مقاطع أو جمل، وفي انتظار صدور مقالنا التقييمي لهذه الترجمة.

(10) لمزيد من التفاصيل حول هذه الحركة، راجع: هشام شرابي، البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1987م، الفصل الثامن، ص97-114.

(11) هشام جعيط، الشخصية، ص7.

(12) Hichem Djaït, Penser l’histoire, penser la religion, Cérès éditions 2021, p9.

(13) غالي شكري، أقواس الهزيمة: وعي النخبة بين المعرفة والسلطة، القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1990م، ص28. والجدير بالملاحظة أن غالي شكري قد نوَّه بما سمَّاه «الحوار المتصل مع التاريخ» الذي عمد إليه جعيط، وذلك في مقال بعنوان: «رسالة إلى هشام جعيط» حُررت بتاريخ 28 مارس 1983م، خصَّصها لإبداء ملاحظات حول كتاب «أوروبا والإسلام». لمزيد من التفاصيل، راجع: ص146 وما بعدها.

(14) هشام جعيط، الفتنة، ص8. ولمزيد من التفاصيل حول أهمية دراسة التاريخ الإسلامي لفهم مشكلة العلمنة في المجتمعات العربية الإسلامية، راجع: 

Amr.H.Ibrahim, «la laïcité spécifique de l’Islam», In, Autres Temps. Les cahiers du christianisme social. N10, 1986.pp.21-30.

(15) Michel de Certeau, l’écriture de l’histoire, collection folio /histoire, Gallimard, 1975, p 38.

(16) أثار جعيط هذا الموضوع في آخر كتبه منطلقًا من الجدل الذي عرفته أوروبا منذ ستينيات القرن العشرين حول هذه القضية. راجع:

Hichem Djaït, Penser l’histoire, penser la religion, pp 144-152.

(17) المرجع السابق، ص33.

(18) المرجع السابق ص34-35.

(19) يرى جعيط أن الإسلام هو أكثر الأديان التوحيدية عقلانيةً. راجع: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص197، وهو يتابع في ذلك تحليلات المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي الذي نشر هذه الفكرة منذ خمسينيات القرن العشرين. راجع: 

Arnold Toynbee, La religion vue par un historien, traduit de l’anglais par Marcelle Veill, éd Gallimard, 1963, p 30

(20) هشام جعيط، أوروبا والإسلام، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1995م، ص47 وما بعدها.

(21) لمزيد من التفاصيل راجع كتابَي كلاستر:

La société contre l’Etat, Editions de Minuit, Paris, 1947.

Archéologie de la violence : La guerre dans les sociétés primitives, Editions L’Aube, Paris, 2005.

وقد تُرجم الكتابان إلى العربية. ترجم الكتاب الأول محمد حسين دكروب تحت عنوان: مجتمع اللادولة، وصدر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1981م. وترجم الكتاب الثاني علي حرب تحت عنوان: في أصل العنف والدولة، وصدر عن دار مدارك للنشر سنة 2013م.

(22) Hichem Djaït, Penser l’histoire, penser la religion, p 9.

(23) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص138.

(24) هشام جعيط، في السيرة النبوية ج2: تاريخية الدعوة في مكة، بيروت: دار الطليعة، 2006م، ص28.

(25) Hichem Djaït, Penser l’histoire, penser la religion, p 28.

(26) هشام جعيط، الفتنة، ص 42

(27) لاحظ جعيط أن الفتوحات انطلقت مباشرة بعد القضاء على المرتدين، بحيث بدت وكأنها استمرار لهذه الحرب التي كانت تهدف بالأساس إلى إنقاذ الدولة التي وضع الرسول أسسها. راجع: الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1993م، ص20.

(28) هشام جعيط، الفتنة، ص67. والملاحظ أن ردَّ جعيط على عبد العزيز الدوري في هذه النقطة بدا ملتبسًا، فهو يرفض ما ذهب إليه الدوري من أن البدو هم الذين قتلوا عثمان بحكم رفضهم الطبيعي والتاريخي للدولة، ولكنه يقول بأن عثمان قُتل لأنه أفرط في الدولة!

(29) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص152. ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، راجع كتابنا «القرآن ومجتمع اللادولة: قراءة في مفاهيم الجاهلية والكفر والجهاد»، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2019م، ص79-88.

(30) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص153.

(31) هشام جعيط، الكوفة، ص75، وص200 وما بعدها.

(32) هشام جعيط، الفتنة، ص12-13.

(33) هشام جعيط، في السيرة النبوية ج2، ص45.

(34) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص114.

(35) هشام جعيط، الكوفة، ص75.

(36) عبَّر جعيط عن ذلك بثنائية الجغرافيا والتاريخ، فكل الشعوب البدوية أو المتبدية بعبارة ابن خلدون لم يكن لها تاريخ قبل الإسلام، فهو الذي أخرجها من عزلتها وهامشيتها وأدخلها التاريخ. راجع: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص74 الهامش رقم 54، وص86، وص91، وص175. ولمزيد من التفاصيل حول حقيقة أن البدو يملكون جغرافيا لا تاريخًا وأن الدين هو الذي أدخلهم التاريخ، راجع:

Gilles Deuleuze, et Felix Guattari, «Traité de nomadologie : la machine de guerre» in, Capitalisme et Schizophrénie, T2, Paris, 1980, pp 434-527

(37) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص154.

(38) المرجع السابق، ص116.

(39) المرجع السابق، ص117.

(40) المرجع السابق، ص118.

(41) المرجع السابق ص115. وراجع كذلك: أزمة الثقافة الإسلامية، بيروت: دار الطليعة، ط1، 2000م، ص13.

(42) المرجع السابق.

(43) يرى جعيط أن فشل مشروع حزب البعث لتوحيد الأمة العربية يعود لافتقاده نظرية في الدولة. راجع: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص66. كما يرى أن المملكة العربية السعودية وليبيا قد فشلتا في اللحاق بركب الدول الحديثة، لغلبة الطابع البدوي عليهما. انظر: المرجع نفسه، ص76.

(44) هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، ص13.

(45) حرص جعيط في أغلب كتاباته على التذكير بانتمائه التاريخي والروحي للإسلام وللثقافة العربية الإسلامية. راجع على سبيل المثال: الفتنة، ص8. ولعل حملته الشعواء على بعض المستشرقين تُفهم في هذا السياق. وقد تجلَّى هذا الولاء بشكل لافت للنظر في مقاله حول «الآيات الشيطانية» لسلمان رشدي. فعلى الرغم من أن جعيط قد أبدى تعاطفه مع سلمان رشدي بعد فتوى الخميني بإهدار دمه، فإنه لم يفوت الفرصة لينبِّه إلى أن التحركات وردود الفعل الشعبية على رواية رشدي تشهد بوجود فكرة اسمها «الأمة الإسلامية»، رغم اختلاف الألوان والأعراق التي ينتمي إليها المسلمون، وأن الدولة الحديثة لم تطمس فكرة الأمة. راجع: مجلة «اليوم السابع»، س5، عدد 232، سنة 1989م.

(46) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص118.

(47) هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، ص11.


المراجع :

مؤلفات هشام جعيط

  • أزمة الثقافة الإسلامية، بيروت: دار الطليعة، ط1، 2000م.
  • أوروبا والإسلام، بيروت: دار الطليعة، 1995م.
  • حوار حول الطقوس والدين في الإسلام والحياة المعاصرة، مجلة الإذاعة والتلفزة، تونس، س7، عدد 167، 1966م، ص24-35.
  • خواطر حول الإسلام المعاصر، مجلة الفكر، تونس، ج11، عدد9، 1966م، ص96-99.
  • الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1984م.
  • الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1993م.
  • في السيرة النبوية ج2: تاريخية الدعوة في مكة، بيروت: دار الطليعة، 2006م. 
  • الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1993م.

المراجع العربية

  •  عزمي بشارة، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2015م.
  •  محمد الرحموني، القرآن ومجتمع اللادولة: قراءة في مفاهيم الجاهلية والكفر والجهاد، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2019م.
  • هشام شرابي، البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر، بيروت: دار الطليعة، ط1، 1987م.
  • غالي شكري، أقواس الهزيمة: وعي النخبة بين المعرفة والسلطة، القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1990م.
  • عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992م.
  • محمد المزوغي، منطق المؤرخ هشام جعيط: الدولة المدنية والصحوة الإسلامية، بيروت-بغداد: منشورات الجمل، ط1، 2014م.
  • عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، القاهرة: دار الشروق، ط1، 2002م.

المراجع الأجنبية

  • Ansari, Abdou Filali, «Hichem Djaït ou la tyrannie du paradigme», in, Penseurs maghrébins contemporains, Cérès Productions c collection horizon maghrebin n 10, pp 101-105.
  • Claster , Pierre:
    -Archéologie de la violence : La guerre dans les sociétés primitives, Editions L’Aube, Paris, 2005. La société contre l’Etat, Editions de Minuit, Paris, 1947.
    -De Certeau, Michel de Certeau, l’écriture de l’histoire, collection folio /histoire, Gallimard, 1975.
    -Deuleuze , Gilles, et Felix Guattari, «Traité de nomadologie : la machine de guerre» in, Capitalisme et Schizophrénie, T2, Paris, 1980, pp 434-527.
  • Djait, Hichem:
    -La personnalité et le devenir arabo-islamiques, Editions du Seuil, Paris, 1974.
    -Penser l’histoire, penser la religion, Cérès éditions 2021.
  • Ibrahim, Amr.H, «la laïcité spécifique de l’Islam», In, Autres Temps. Les cahiers du christianisme social. N10, 1986. pp.21-30.
  • Toynbee, Arnold, La religion vue par un historien, traduit de l’anglais par Marcelle Veill, éd Gallimard, 1963.