العقل العلمي وشروط ميلاد العلوم الإنسانية في نظام المعرفة الإسلامي الجديد علم النفس نموذجًا
الملخّص
إن أسئلة كثيرة تضع نفسها على المشتغلين بتجديد نظام المعرفة العلمية في الإسلام، وخاصة بالنسبة للعلوم الإنسانية عمومًا وعلم النفس خاصة. وهي الأسئلة الكبرى المتعلقة بما يسمى "شروط ميلاد العلم". ولا يمكن الاستفادة المجملة من البحث النفسي الغربي دون استحضار هذه الشروط.
وعمومًا تنقسم هذه الشروط إلى نوعين:
أولهما: خارج منظومة المعرفة: وهو الشرط التداولي الذي يسمح بنشوء فكر علمي بين علماء، يتحولون به إلى جماعات علمية، ومن ثم ينشأ "مجتمع العلم" ذي التقاليد العلمية الراسخة التي تُنتج المعرفة إنتاجَ غالبٍ مقتدر، بدلَ استنساخِها استنساخَ مغلوبٍ منقهر.
ولا شك أن البحث في هذه الشروط يقتضي الحسم في المعضلات العميقة التي تعوق عملية إنتاج المعرفة في العالم الإسلامي اليوم، والتي نجمعها في الأسئلة الآتية:
ماهي الشروخ والمعضلات الكبرى في العقل الإسلامي والعقل الغربي المعاصرين؟
ما هي مداخل النظر التصحيحي التكاملي الذي من شأنه أن يمهد الطريق لإنتاج سليم للمعرفة الإنسانية في المجتمع العلمي الإسلامي المعاصر؟
وما هي المفاتيح المساعدة على اقتحام مشروع بناء العلوم الإنسانية موضوعيًّا ومنهجيًّا؟
وثانيهما: داخل منظومة المعرفة: وهو قدرة العالم المنتج للعلم على الإجابة على أسئلة ثلاثة يركز عليها فقهاء العلوم ومؤرخيها عند النظر في ميلاد العلم واستقلاله بذاته، وهي: ما هو موضوع العلم؟ خاصة وموضوع "الإنسان" عمومًا لم يدرس مستقلًّا في علم خاص من قبل، فكان مشتتًا بين تخصصات متعددة. فموضوع النفس مثلًا كان طرفٌ منه تابعًا لعلم الأخلاق والزهد والتربية، وكان طرف منه دائرًا على كتاب النفس لأرسطو، ثم تعرض في السياق الثقافي الغربي إلى ولادة قيصرية عسرة، وبالتالي: ما موقع علم النفس من نظرية تصنيف العلوم الإسلامية؟ وما هي المجالات النظرية والتطبيقية التي يمكن أن يشغلها؟
ما هو منهج العلم؟ كيف يمكن إيجاد أصول وقواعد ينبني عليها، وإجراءات تفصيلية تمثل خطوات العمل، تراعي خصوصية الموضوع الإنساني أصالة (والنفسي بالتبع) من جهة، وخصوصية المجال التداولي الإسلامي من جهة أخرى؟
ما طبيعة الحقائق والأنساق النظرية النفسية التي تنجم عن تطبيق المنهج المحدد في الموضوع المحدد؟ وكيف تتكيف القوانين العلمية النفسية مثلًا مع نظام المعرفة العلمية في الإسلام؟
وأخيرًا ما هي المفاهيم الأولية المفتاحية التي ينبني عليها علم النفس، كي لا يكون العمل العلمي مجرد آراء شخصية عابرة، أو شطحات فلسفية، أو خواطر أدبية، وبالتالي: كيف نحسم الموقف من بعض الثنائيات المصطلحية كالموضوعية والذاتية، والعقلانية والإمبريقية، والكمية والكيفية، والتفسير والفهم؟