الخلافة بين مقاصد الوحي وسنن التاريخ - مقاربة نقدية في مشروع عبد الرازق السنهوري

الخلافة وتطورها إلى عصبة أمم شرقية كتاب عبد الرازق السنهوري

من أهمِّ البحوث التي أُنجزت في موضوع الخلافة رسالةُ الدكتوراه التي أنجزها عبد الرزاق السنهوري (1895-1971م)، والتي عنوانها: "الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أُمم شرقية"، وهي في أصلها أطروحة باللغة الفرنسية من جامعة ليون سنة 1926م، وقد تُرجمت للعربية منذ أكثر من ثلاثين عامًا، حيث اقتصر الدكتور توفيق الشاوي على ترجمة الجزء القانوني منها دون الجزء الثاني التاريخي، وبرَّر ذلك بقوله: "إن ما يهم الأجيال الصاعدة هي الأصول الشرعية والفقهية، التي تمكِّننا من تصحيح ما وقع في الماضي من انحرافٍ عن هذه الأصول الفقهية التي نتخذها أساسًا لنهضتنا ومسيرتنا في المستقبل" .
لكن عمله هذا لم يكن سليمًا؛ لعدَّة اعتباراتٍ منها:

  • أن عمل السنهوري في رسالة الدكتوراه قد شكَّل رؤيةً معرفيةً مترابطة الأجزاء، وهذا شأن كل البحوث العلمية الأكاديمية، فكيف يحقُّ تسمية ما قام به الدكتور توفيق الشاوي في هذا العمل ترجمة، وهي تستبعد كثيرًا من الأجزاء فيها، وهذا مؤذِن بخللٍ كبيرٍ في فهم مقصد المؤلِّف من عمله ككلٍّ.
  • أن الشق التاريخي الذي أُهمل سابقًا بالغُ الأهمية في هذه الدراسة العلمية؛ لأنه يمثِّل الأساس المرجعي للشق القانوني، ومن ثَمَّ فترجمته أَوْلَى من إهماله.
  •  أن الأمانة العلمية تقتضي مراعاة رؤية المؤلِّف في ترتيب المعارف وفي ترجمتها دون تصرُّف فيها، وهذا ما لم تحترمه الترجمة السابقة.

لكل هذا؛ حرص "مركز نهوض للدراسات والنشر" على الترجمة الكاملة لهذه الرسالة العلمية النفيسة، للاستفادة منها، وقد قام على ترجمتها: د.كمال جاد الله - د.سامي مندور - د. أحمد لاشين، مع دراسة تحليلية للدكتورعلي فهد الزميع، وهو عمل في حوالي 448 صفحة، صدرت طبعته الأولى سنة 2019 ببيروت.
إن هذا البحث يهدف إلى بيان معالم الفكر السياسي الإسلامي؛ بغيةَ تجديده ونفض غبار ما علق به في سياق تداوله التاريخي، وهو ما ولَّد لدى بعض التجارب السياسية الإسلامية المعاصرة فراغًا صعُب معه مجاراة الواقع، بتبنِّي مناهج متطورة قادرة على استيعاب المستجدات، فلجأت للتقليد بدلًا من منهج الاجتهاد والتجديد.
لقد اخترتُ لبيان هذه الرؤية المعرفية نموذج عبد الرزاق السنهوري في كتابه "الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أُمم شرقية"، من خلال استكشاف معالم رؤيته الاجتهادية في نظام الخلافة. لكن هدف هذه الدراسة لن يقتصر على عنصر الوصف، بل سيتعدَّاه للتحليل والنقد؛ لفتح زوايا نظرٍ قد تكون غائبةً نتيجةَ تغيُّر الواقع (سواء واقع المؤلِّف أو الناقد)، وهو ما سيفتح آفاق تعميق النظر في الرؤية المستقبلية الطموحة لفكرة البحث.
ومن أجل تحقيق ذلك، نظمتُ البحث وَفق ثلاثة محاور متكاملة: أولها يدرس رؤية المؤلِّف في الشق القانوني التشريعي، الذي سمَّاه تأسيس الخلافة في الفقه (عرض نظري). والثاني رؤيته في الشق التاريخي الذي سمَّاه نظام الخلافة في جانبه العملي. والثالث خاصٌّ بالنقد والتحليل، وعنوانه: نقد وتحليل لرؤية السنهوري في الخلافة.