الزمن في العالم الإسلامي أوائل العصر الحديث
الملخّص
"ما هو الزمن إذًا؟ أنا أعرفه كفايةً، بشرط ألا يسألني أحدٌ عنه. فإن سألني أحدهم وحاولت شرحه، أرتبك". لقد أربك سؤال القديس أوغسطين (354-430م) -كيف نقوم بمفهمة شيء عادي وواضح كالزمن؟- العلماءَ الاجتماعيين والفلاسفةَ منذ عصره وحتى عصرنا. فقد أوضح ستيفين هوكنج بجلاءٍ في كتابه الشهير "تاريخ موجز للزمن" الآثارَ الثورية لنظرية النسبية التي وضعها ألبرت أينشتاين (1897-1955م).
فعلى العكس من إسحاق نيوتن (1643-1727م) الذي اعتبر أن الزمن جانبًا موضوعيًّا من العالم الطبيعي، وخلفية مطلقة لا تتغير بالحركة أو المادة، قدَّم أينشتاين نموذجًا نسبيًّا جديدًا، تتغير فيه سرعةُ الساعات بتغيُّر سرعتها وموقعها.
وقدّم عالمُ الاجتماع إميل دوركهايم (1858-1917م) – المعاصر تقريبًا لأينتشاين – نظريةً موازيةً للنسبية الزمنية؛ أطروحةً عن الزمن من المنظور الاجتماعي وليس الكوني. فتبعًا لكانط، ادَّعى دوركهايم أن التصنيفات الأساسية للفهم (والتي من بينها الزمنُ بالتأكيد) ليست معطًى قبليًّا، بل هي أبنيةٌ اجتماعية.
ورغم أن هناك طرقًا عدةً لمقاربة موضوع الزمن؛ إلا إننا اخترنا المنظورَ الاجتماعيَّ أو الثقافي، ومن هذا المنظور، قام الإسلامُ بإعادة بناء النظامِ الزمنيِّ على ثلاثة أبعاد: البعدين التقويمي والاحتفالي، وبعدِ الترتيب الزمني. وسيصف هذا الفصل أصولَ النظام الإسلامي وتطورَه من بداياته على يد النبيِّ محمد (570 تقريبًا-632م)، وحتى شكله النهائي مع نهاية الإمبراطورية العباسية (750-1258م)، مع تركيز خاص على الطابع الثوري للمفهوم الجديد. وبتمهيده لبقية الكتاب، يمثل المدخل خلفيةً لكل فصل، يمكن من خلالها تعريفُ المعلم المميز لكلِّ بُعدٍ زمنيٍّ من الأبعاد: التقويمي والاحتفالي وبُعدِ الترتيب الزمني.