جهود التجديد في علوم الحديث: دراسة تحليلية نقدية
الملخّص
كثرت الدراسات التي تناولت مناهج المحدثين، وما اعتراها عبر الزمن، وعُقدت ندواتٌ ومؤتمراتٌ لمعرفة واقع علوم الحديث والتفكير في آفاقه. والكل يقرُّ بأن الحديث وعلومه يعرف مشكلاتٍ عدَّة، ترجع إلى مناهجه، أو مناهج دراسته. وأهمها مدى كفاية قواعده، وتشتُّتها، وتفرُّقها بين الفنون الحديثية، وطريقة عرضها، والمفارقة بين التنظير وواقع النقد بها، وحاجتها إلى قواعد علومٍ أخرى في بعض مراحل تطبيقها.
وتنازع في هذا تياران: تيار يريد لها الاحتفاظ بما هي عليه؛ لكونها تحتضن قواعد ما صحَّ وما رُدَّ من الأخبار، وأي عبثٍ بها يؤدي إلى انهيار بناءٍ قائمٍ. وتيار يرى ضرورة تقويم ما هو قائم، وإبداع ما يلزم إذا كان ضروريًّا للإجابة عن إشكالاتٍ دفع بها الزمان ظهرت على بعض ما صحَّ من الأخبار، أو ما ضعف منها.
فأصبح النقاش يحتدُّ بين من يرى ضرورة التجديد في قواعد العلم، واستدعاء علومٍ أخرى خادمة، وبين من يرى التجديد فقط في عرض مضمونه، وهو أمر يتفق عليه الجميع. إن هذا النقاش الذي يسعى لحلِّ مشكلات علم الحديث يتطلب منَّا دراسةً علميةً لمادة مصطلح الحديث للوقوف على خصائصه، وتحديد ماهيته، وضبط مفاصله المنهجية، وكيف كانت علاقته بالعلوم الأخرى، وكيف وقع الانفصال إن كان هناك اتصال...
ولا يكفل لنا هذا إلَّا الوقوف على جهود التجديد التي عرفها هذا العلم، وتحليلها ونقدها؛ لأن أي تجديدٍ لا بدَّ أن يعتبر بخصوصيَّة الموضوع، وبالقصور الذي اعترى القواعد القائمة، أو بالفراغ الذي يفسح المجال للخطأ بالوقوع، وقد لا يكون التقدير في ذلك صحيحًا، مما يعطي شرعية النقد وإعادة التطوير.