سياسة تفسير الحديث: بين الإسلام السياسي وتنظيم داعش

سياسة تفسير الحديث

- قدّم المُؤلف هذه الدراسة في الفصل الأخير من كتابه "قال رسول الله: شرح الحديث في ألف عام".

لعل من المألوف بين بعض الناشرين الأكاديميين أن نراهم يطلبون في إلحاح من المؤلِّفين الذين ينشرون لديهم أن يتجنَّبوا الإشارة في مؤلَّفاتهم إلى الأحداث الجارية. وليس الغرضُ من هذه العادة المتبعة ألَّا يكون لكتاب المؤلِّف صلةٌ بالواقع الراهن، وإنما الغرضُ منها أن يتخذ هذا الكتابُ صورةَ العمل الخالد غير المتصل بزمن معيَّن، على نحو من شأنه أن يسمح له باحتياز سُلْطةٍ يمارسها على القُرَّاء المعاصرين، وأن يظلَّ قائمًا ترجع إليه الجماهيرُ في المستقبل القريب والبعيد. ويمكن الوقوفُ على هذا التشوُّف إلى التحرُّر من الصلة بالزمن في كثيرٍ من الخطابات العلمية في الماضي والحاضر، وليس موروثُ تفسير الحديث بِدْعًا من ذلك. على أن من جوانب الغاية الأكبر التي تُحَرِّكُني في هذا الكتاب أن أُبَيِّن أنه حتى حين تتجاوب أصداءُ الإتقان في المنجزات التفسيرية لشروح الحديث بين الجماهير عبر العصور والمحيطات، فقد جرت العادةُ أيضًا بتصنيف هذه الشروح في أزمنة معيَّنة وبيئات مخصوصة، وبقراءتها في عصور محدَّدة وبيئات خاصَّة يعيش في كَنَفها جمهورُ القُرَّاء اللاحقين الذين يُقْبِلُون على قراءة هذه الشروح.

ومن قبيل المفارقة أن يكون الباعثُ الذي يُولِّد في نفس الشارح هذا التشوفَ إلى تجاوز الزمن هو نفسُهُ أمارةً صادقةً على وظيفة الشرح في سياقٍ اجتماعيٍّ وتاريخيٍّ بعينه. ولقد يسعنا أن نقف على عددٍ موفورٍ من الأمثلة الدالَّة على هذا الباعث في موروث شرح الحديث قبل العصر الحديث وفي إبَّانه. بيد أن نزوع الشرح إلى التقيُّد بالزمن الراهن -بتسليط الضوء على الأحداث الاجتماعية والسياسية الجارية في تفسير أحدهم- إن يكن مجرَّد لمحاتٍ عارضةً في زوايا بعينها من موروث شرح الحديث فيما قبل الحداثة، فقد بلغ على يد الشُّرَّاح والقُرَّاء في العالم الإسلامي خلال العصر الحديث مستوى غير مسبوق. وقد رأينا مصداق ذلك في الباب الثالث من هذا الكتاب، حيث برزت وقائعُ الحياة اليومية في ظل الكولونيالية البريطانية بين سطور الشروح التي دوَّنها الكشميريُّ والعثمانيُّ.

ولا ريب أنني حين أشير في خاتمة كتابي هذا إلى السياسة المعاصرة [لشرح الحديث] أُسهم في هذا التحوُّل الحديث نحو التقيُّد بالزمن الراهن عوضًا عن التحرُّر منه لمخاطبة جمهوري في العصر الحاضر وفي المستقبل جميعًا. بيد أنه ينبغي أن يكون من الواضح الآن، إذا رجعنا في عجالة إلى التضمين الانعكاسي لبورخيس، أن الكتاب الذي بين يديك أو الذي تطالعه على شاشتك الإلكترونية -شأن موروث شرح الحديث نفسه الذي عكف على تحليله- إنما هو نتاجُ زمنِهِ، حتى وإن كان يطمح إلى جذب جماهير القُرَّاء في المستقبل. ولعل تأريخه [بزمن محدَّد] يساعدني في تجلية مقصودي، دون التعمية عليه.

داعش وشرح الحديث وإحياء الرِّق

لعل أبرز حركة معاصرة اتخذت من شرح الحديث أداةً لتحقيق أغراضها الخاصة تلك الحركةُ المسلحةُ ذات الرُّوح السلفية التي طبَّقت شهرتُها الآفاق في العصر الحاضر، واصطُلِح على تسميتها بـ"الدولة الإسلامية" (IS)، أو الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (ISIS)، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL)، داعش[1]. وعلى الرغم من هيمنة أخبار هذه الجماعة على الصحف المتداولة، فمن السابق لأوانه أن نقرِّر ما إذا كان سيذكرها أحدٌ على المدى البعيد أم سيطويها النسيانُ. وسواءٌ أكُتِبَ البقاءُ لها أم انحدرت شمسُها إلى المغيب، فإنها توضِّح لنا -مع ذلك- بعضَ الاتجاهات الأوسع في المذهب السلفي في مطالع القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى بعض الاتجاهات الجديدة، ولا سيما في توظيفها للموروث السُّني لشرح الحديث.

ناصر الدين الألباني

ناصر الدين الألباني

وكانت الحركاتُ السلفيةُ التي ظهرت خلال القرن العشرين، أي: قبل نشأة تنظيم الدولة، قد عُنِيَتْ بإحياء دراسة نقد الحديث؛ حيث نشر ناصر الدين الألباني (ت 1999م)، ذلك العالمُ الثائرُ على التقاليد القديمة، سلسلةً من الرسائل التي أعاد فيها تقييمَ موثوقية أسانيد الأحاديث التي كان يُظَنُّ أنها صحيحةٌ عصورًا متطاولةً، ثم أعاد نشرها بعد ذلك في خلاصةٍ وافيةٍ تقع في عدَّة مجلدات مطبوعة. وكان الألبانيُّ يزيد على ذلك أحيانًا بأن يُقَدِّم شرحًا إضافيًّا يوضِّحُ به معنى الحديث مشفوعًا ببعض التعليقات التي تتناول كيفية العمل به، وإن كان الإسهامُ العلميُّ الرئيسُ الذي أسداه يكْمُن في إعادة تقييم صحَّة الأحاديث، لا في تفسير معانيها تفسيرًا جديدًا[2].

وكان هؤلاء العلماءُ من السلفية -الذين سبق وجودُهم نشأةَ تنظيم الدولة (ISIS) واضطلعوا بتقديم شروح على جوامع الحديث- يُكْبِرُون شُرَّاح العصر المملوكي من أمثال النووي وابن حجر غايةَ الإكبارِ، فتجاوبت في أعمالهم بذلك أصداءُ الجهودِ التي بذلها صديق حسن خان أواخر القرن التاسع عشر. ومن علماء السلفية الذين ظفروا بمكانةٍ رفيعةٍ بين كبار العلماء السعوديين محمد بن صالح العثيمين (ت 2001م)، الذي ألقى شرحًا حيًّا على "صحيح البخاري" كان تجميعًا لمؤلفات العصر المملوكي في الغالب[3]. وثمة كذلك عالمٌ سلفيٌّ آخر من كبار علماء المملكة العربية السعودية، ونعني به عبد العزيز بن باز (ت 1999م)، الذي يُعْرَف أيضًا بابن باز، وقد دوَّن "تعليقات" على كتاب "فتح الباري" لابن حجر، كان بوسع القُرَّاء التعويلُ عليها حين وجدوا أن بعض تفسيرات قاضي قضاة الشافعية خلال العصر المملوكي [أي: ابن حجر صاحب الفتح] لا تنقع غُلَّتَهم. وعلى الرغم من أن ابن باز انتقد كتاب ابن حجر، فقد أكَّد مركزيةَ دوره بحسبانه أحد أسلافه في شرح الحديث[4]. ولمَّا كانت مسائلُ الطهارة واللباس والعقيدة هي محور تركيز هذه النصوص وأولئك العلماء؛ حيث زاد اهتمامُهم بها فيما يبدو على اهتمامهم بالأوضاع السياسية المعاصرة، فقد تمكَّنت إحدى فرق السلفية غير المسيَّسة والآخذة بمبدأ السمع والطاعة من أن تُرَسِّخ وجودَهَا في عدَّة أصقاع متفرِّقة؛ كجنوب شرق آسيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية[5].

زعم الظواهريُّ  أنه لم يفعل شيئًا سوى تكرار الشرح الكلاسيكي على الحديث عن طريق النقل الأمين المستفيض عن "فتح الباري" لابن حجر، وإن أخفى في الوقت نفسِه حقيقة أن قراءتَهُ تأثرت تأثرًا عميقًا بزمنه التاريخي والسياسي.

وقد دمجت الفرقةُ السلفيةُ المقاتلةُ، التي يُقَال لها عادةً: السلفية الجهادية، موروثَ شرح الحديث في الأحداث المعاصرة، وإنْ على صورةٍ تَشِي بتجاوز الموروث المملوكي للزمن؛ فانظر إن شئْتَ إلى أيمن الظواهري (المولود سنة 1951م) -النائب السابق لأسامة بن لادن (ت 2011م)، والزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، أحد التنظيمات السلفية المسلحة- حيث نشر كتابًا معنونًا بـ"الحصاد المُرّ" سنة 1988م، وهو الكتاب الذي أُعِيدَتْ طباعتُهُ عدَّة مرات في تسعينيات القرن الماضي، واستنسخ فيه -على نحوٍ حرفيٍّ- كثيرًا من صفحات "فتح الباري" لابن حجر، واستخدم نقولًا مطوَّلةً منه بوصفها أدلةً على أن المسلمين يجب عليهم الخروجُ على أيِّ زعيم من زعماء الدول ذوات الأغلبية المسلمة، إذا انطبق عليه التعريفُ الذي وضعه الظواهريُّ للكُفْر[6]. وقد زعم الظواهريُّ في هذا المقام أنه لم يفعل شيئًا سوى تكرار الشرح الكلاسيكي على الحديث عن طريق النقل الأمين المستفيض عن "فتح الباري" لابن حجر، وإن أخفى في الوقت نفسِه حقيقة أن قراءتَهُ تأثرت تأثرًا عميقًا بزمنه التاريخي والسياسي، كما تأثَّر ابنُ حجر بزمنه*.

 والحقُّ أننا واجدون استخدامًا جديدًا ومغايرًا لـكتاب"فتح الباري" في مجلة "دابق"، وهي المجلةُ الدعائيةُ التي أصدرها باللغة الإنجليزية تنظيمُ الدولة الإسلامية؛ فقد سعى أحدُ دعاة تنظيم الدولة المجهولين عند تناوله لقضية "الحملة الصليبية الفاشلة" إلى تبرير إحياء الرِّق من خلال شرح حديث جاء فيه أن "من أشراط الساعة" "أن تَلِدَ الأَمَةُ ربَّتَها [7]. وقد حظي هذا الحديثُ المـُشْكِلُ، الذي أخرجه البخاريُّ في صحيحه، بشرح مستفيض منذ نشأة تقليد الشرح في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي).

ومن الملاحظ أن هذا الداعية وضع معنى الحديث -عوضًا عن نزعه صراحةً من موروث الخلاف بين الشروح- في سياق اختلاف الآراء بين شُرَّاح الحديث البارزين خلال العصر المملوكي، كالنووي في شرحه على "صحيح مسلم"، وابن رجب الحنبلي في شرحه على "الأربعين النووية"، وابن حجر في شرحه على "صحيح البخاري"، فقد ناقش كلٌّ منهم معنى هذا الحديث، ولكنه لم يُغْلق باب المناقشة بالكليَّة. وفي هذا المقام سرد الداعيةُ المذكورُ التاريخَ التفسيريَّ للحديث على الرغم من أنه يُورِثُ الحلَّ الجديدَ الذي قدَّمه تنظيمُ الدولة شيئًا من التعقيد فيما يبدو.

وقد ذهب فريقٌ من شُرَّاح الحديث المسلمين خلال العصور الوسطى إلى تفسير الحديث بمعناه الظاهر، ووضعوا فرضيةً تشبه عقدة أوديب؛ حيث يصبح ولدُ العبد الذي أُبعد عن أبيه ملكًا، ويشتري أُمَّهُ بغير قصد، ويُنجب منها طفلًا. وقد فهم ابنُ حجر العبارة المـُشْكِلة في الحديث على أنها مجازٌ يُعَبِّر عن انتشار الفُسُوق؛ حيث تنقلب التراتبياتُ الاجتماعيةُ للأسرة والمجتمع رأسًا على عقب في العموم.

وإذا كان الداعيةُ الداعشيُّ قد خالف ابنَ حجر في قراءته المجازية للحديث، فإنه لم يكن يعتقد أن الأخير قد أخفق في إدراك صحيح معنى الحديث لقصور في تفكيره، وإنما زعم هذا الداعيةُ أن صاحب الفتح عجز عن فهم الحديث خارج حدود سياقه التاريخي؛ إذ كان -في تصوُّر الداعية- يعيش في عصرٍ بدت فيه مؤسسة الرِّق أمرًا مألوفًا، ولا يمكن أن يكون المعنى الظاهر للحديث -"أن تلد الأَمَةُ ربَّتَها"- مُؤْذِنًا بنهاية الزمان. ولهذا السبب، ذهب هذا الداعيةُ إلى أن ابن حجر لم يكن يَسَعُهُ إلَّا أن يفهم الحديث هذا الفهم المجازي.

ويؤكِّد الداعيةُ الداعشي -خلافًا لما تقدَّم- أن المعنى الظاهر للحديث، وهو أن "الأَمَةَ تَلِدُ ربَّتَها"، معنى مُشْكِلٌ حقًّا بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في العصر الحاضر الذي شهد إلغاء الرِّق؛ ومن هنا فقد زعم أن إحياء تنظيم الدولة للرِّق يمكن تناوله حرفيًّا بوصفه "أحد أشراط الساعة"[8]. وبعيدًا عن تصوير تفسيره بوصفه تكرارًا متحررًا من الزمن لهذا الحديث المـُشْكِل، فقد ذهب هذا الداعيةُ الداعشيُّ إلى أن المعنى لا يتبيَّن إَّلا في سياق عالَمٍ هيمن عليه إلغاءُ الرق. وهكذا، كان التقيُّدُ بالزمن وليس التحرُّر منه هو السبيل الأساسي إلى تفسير هذا الحديث، فيما يرى هذا الداعيةُ/الشارحُ الداعشي.

وقد ذهب المنظِّرُ طلال أسد (Talal Asad) إلى أن التقليد الخِطَابي "ليس هو التكرار الظاهر لأحد الأشكال القديمة"، ولكنه تجلٍّ لتصورات ممارسي الخطاب "للكيفية التي يتصل بها الماضي بالممارسات القائمة في العصر الحاضر"[9]. ولم يكن ما قرَّره الداعيةُ الداعشي ولا أيمن الظواهري -من منظور طلال أسد- مجرَّد تكرار لشكل قديم، ولكن ثمة اختيارٌ مقصودٌ من قِبَل مفسِّر الحديث لإظهار أو إخفاء هذا التفاعل بين مفاهيم الماضي والحاضر. وإذا كانت المقاربةُ التفسيريةُ التي قدَّمها الظواهريُّ تهدف إلى تطبيق الآراء التي يحتملها موروثُ ما قبل الحداثة على الواقع الراهن بقطع النظر عن التغيير الذي يطرأ بفعل مرور الزمن، فإن التأويل النصي الذي ساقه ذلك المفسِّرُ الداعشيُّ المجهولُ، يسترعي الانتباه -في المقابل- إلى احتمالية استمرار القدرة التفسيرية لهذه الآراء إلى العصر الحاضر؛ الأمر الذي من شأنه تعزيزُ الدور المزدوج المتمثِّل في الحفاظ على سلطة الآراء الموروثة، وفي الوقت نفسِه النص على إمكانية أن القرَّاء الحاليين يمكنهم فهمُ معنى الحديث على نحوٍ لم يستقم للشُّراح في الزمن الماضي.

تفسيرات معاملة الرقيق بين رعاية الزمن والتحرُّر منه

فيما يتصل بإحياء داعش للرِّق، ثمة حديثٌ آخر من أحاديث "صحيح البخاري" برز مؤخرًا في حملات الدعاية التي كانت داعش تقوم بها مُصْطَنِعَةً فيها لغةً أجنبيةً، كما ظهر في إحدى الوثائق المكتوبة بالعربية التي تتناول أحكامَ الرق، وهي الوثيقةُ التي أصدرها مكتبُ داعش للبحوث والفتاوى. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي ذر الغفاري، أحد مشاهير الصحابة والمتوفى سنة 653م تقريبًا، وجاء فيه أن بعضهم رأى أبا ذر ذات يوم وعليه حُلَّةٌ وعلى غلامه حُلَّةٌ مماثلةٌ؛ فلما سُئل عن هذا السلوك غير المألوف، أجاب قائلًا: "إني ساببْتُ رجلًا، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبيُّ: أعيَّرتَهُ بأُمه؟ ثم قال: إنَّ إخوانَكم خَوَلُكم، جعلهم اللهُ تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فليُطْعِمْهُ مما يأكل، وليُلْبِسْهُ مما يلبس، [ولا تُكَلِّفُوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم]". وينتظم هذا الحديثُ مستويين من السرد؛ أحدهما: ما أمر به النبيُّ [صلى الله عليه وسلم] من إطعام العبيد وإلباسهم مما يأكل سادتُهم ومما يلبسون، والآخر: تطبيق أبي ذر لظاهر معنى الحديث؛ ومن هنا فقد ألبس عبدَهُ مما كان يلبسه.

فكيف فهمت داعش هذا الحديث، في ظل التداخل بين تبريرهم لإحياء الرِّق والتاريخ العميق ذي المستويات المتعدِّدة لموروث شرح الحديث؟ وما الذي يمكن أن تَقِفَنَا عليه هذه الحالةُ من الاستراتيجيات التفسيرية المعاصرة ومبادئ شرح الحديث في العموم من الأندلس في عصر بني أمية، إلى مصر المملوكية، إلى الهند في العصر الحديث، والشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين؟

كانت أول محاولةٍ تتغيَّا إخضاع طريقة أبي ذر في فهم الحديث لنظرةٍ مدققةٍ هي تلك التي قامت بها أقدمُ جماعةٍ معروفةٍ من شُرَّاح الحديث في الأندلس خلال القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وهم القضاةُ المالكيةُ الذين ربما احتشدوا لمواجهة نشأة المذهب الظاهري الوليد بقرطبة في إبَّان السنوات الأخيرة من الخلافة الأموية هناك. وقد أنكر المهلبُ بن أبي صفرة المالكي -أحد شُرَّاح الحديث- المعنى الظاهر لحديث أبي ذر، وسخر من فكرة أن هذا الحديث يحمل أمرًا لمالكي العبيد أن يُلبسوا عبيدهم مما يلبسون، وأن يطعموهم مما يأكلون؛ حيث رأى أنه ليس عليهم إلَّا الوفاءُ بالحاجات الأساسية لعبيدهم، فليس عليهم إلَّا كسوتُهم بما يستر العورة وإطعامُهم بما يسدُّ الجوعة[10]. وذهب المهلب إلى أنه من غير المعقول أن يَلْزَم المولى -"إذا كان يأكل الفراريج والفراخ ويأكل خبز السميد والأطعمة الرقيقة، وكانت كسوته الشطوي والنيسابوري"- أن يُطْعِمَ رقيقَهُ أو يكسوهم من ذلك[11]. ومن المحقَّق أن هذا الرأي قد انتفع به مجتمعُ البلاط الثري بقرطبة أواخر العصر الأموي.

على أن المهلب فيما ذهب إليه من رأي لم يكن يريد مجرَّد استرضاء رُعَاتِهِ، وإنما كان الرأيُ الذي ساقه موصولَ السببِ بالاختلافات بين مفهوم الزمان والمكان في عصره ومفهومهما في العصر الذي يُعْتَقَدُ أن هذا الحديث تُدُوول فيه أولَ مرة؛ حيث زعم أن الصحابة الأوائل الذين خُوطِبوا به لم يأكلوا مثل هذه الأطعمة الغنيَّة الشهيَّة قطُّ، وإنما كان الغالبُ على قُوتِهم -كما يذكر- التمرَ والشعيرَ[12]. فكيف أمكنهم -إذن- توسيعُ دلالة الحديث بحيث يتعيَّن على مالكي العبيد إطعامُهم من هذه الأطعمة الغنيَّة التي لم يذوقوها قطُّ؟

وسواء أكان فهمُ المهلَّب للتاريخ دقيقًا أم لا، فما أعنيه في هذا المقام هو أن تفسيره كان يرتبط في وضوحٍ بتصور الكيفية التي كانت تعكس طريقةُ اللباسِ ونمطُ الغذاءِ من خلالها السطوةَ والمكانةَ في بيئته التاريخية، ويرتبط أيضًا بالسياق التاريخي الذي يُعتقد أن الحديث انتشر فيه أولَ مرة. وفي هذه الحالة، نجد المهلب يعارض في قراءته -التي تهتدي بمفهومه للتاريخ- المعنى الظاهر للحديث وتفسيره وفقًا لهذا المعنى الظاهر على حدٍّ سواء، وهو التفسيرُ الذي صاغه أحدُ صحابة محمَّد [صلى الله عليه وسلم]، فمنح [أي: المهلب] مالكي العبيد سلطةً تقديريةً واسعةً فيما يتصل بكيفية رعايتهم لعبيدهم توسيعًا عليهم أو تزمتًا معهم.

وحين انتقل المركزُ الإقليميُّ لنشاط شرح الحديث بصورة كبيرة في القرون السابع والثامن والتاسع للهجرة (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر للميلاد) إلى مصر والشام، خالف شُرَّاحُ العصر المملوكي تفسيرَ المهلب، وآثروا قراءة الحديث وتطبيقه على نحو وثيق الصلة بمعناه الظاهر؛ فبعد أن حلَّل ابنُ حجر قولَ النبي: "فليطعمه مما يأكل"، قرَّر أن هذه العبارةَ يُرَادُ بها المواساةُ في العموم، ولا تستلزم المساواة من كل جهة بين العبيد ومالكيهم[13]. ومع ذلك، يرى ابنُ حجر أن المساواة المطلقة من كل وجه هي الأكمل، أُسْوةً بصنيع أبي ذر الذي ألبس غلامه مما كان يلبس.

على الرغم من أننا نستطيع أن نلاحظ اشتباك ابن حجر مع السياسة العالمية في مواضع أخرى من شرحه، فإنه فيما يتصل بحديث أبي ذر آثر الابتعاد عن تقلبات السياسة العالمية والإقليمية، وكذلك عن التغيرات التي طرأت على مؤسسة الرقيق عبر الزمن.

ومن هنا، أنكر ابنُ حجر الحجة التاريخية التي عوَّل عليها المهلبُ والمتعلِّقة بنمط طعام الصحابة الأوائل، بحسبانها افتراضًا عقليًّا محضًا. وحتى لو صحَّ أن الصحابة لم يكونوا يأكلون إلَّا التمر والشعير، فإن هذا لا ينفي المعنى الظاهر للحديث لدى ابن حجر، وهو أن مالكي العبيد ينبغي عليهم السعي إلى الاقتراب من المساواة المطلقة مع عبيدهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا[14]. وعلى الرغم من أننا نستطيع أن نلاحظ اشتباك ابن حجر مع السياسة العالمية في مواضع أخرى من شرحه، فإنه فيما يتصل بحديث أبي ذر آثر الابتعاد عن تقلبات السياسة العالمية والإقليمية، وكذلك عن التغيرات التي طرأت على مؤسسة الرقيق عبر الزمن، فنراه -بدلًا من ذلك- يفسِّر الحديث من خلال خصائصه اللغوية مع الإشارة [في تضاعيف الشرح] إلى حديث آخر.

وقد انتقلت قاعدةُ شرح الحديث للمرة الثالثة إلى جنوب آسيا، في غمرة بزوغ العولمة الحديثة وتوطُّد الهيمنة الغربية سياسيًّا وثقافيًّا وقانونيًّا. ووجد شُرَّاحُ الحديث في الهند -على نحو ما رأينا في الفصول السابقة- بعض الاستراتيجيات الجديدة للمحافظة على نوعٍ من الصلة بماضيهم والقيام بدور الوساطة في مواجهة التحديات الأخلاقية والقانونية والسياسية التي اعترضت حاضرَهم بفضل هذه الصلة. وقد شملت هذه الاستراتيجياتُ توظيفَ الأعراف الأدبية للعربية خلال العصر المملوكي، وادعاءَ صلات دم تربطهم بصحابة النبي [صلى الله عليه وسلم]، وقراءةَ المصادر التأسيسية مرةً أخرى، وإدراجَ أنفسهم في تاريخ تفسيري انتقل من المرجعيات الدينية في الجزيرة العربية قبل العصر الحديث إلى زمن الحداثة.

بيد أن العصر الحديث في الهند شهد أيضًا ظهور بعض وسائل الإعلام الجديدة وانتشار المعرفة بالقراءة والكتابة، الأمر الذي أفضى إلى توسيع دائرة رُعاة شراح الحديث والجماهير، وتغيير طريقة اتصال الشُّرَّاح بهم. وقد رأينا في هذا العصر أنماطًا للقراءة ذات طابع ديمقراطي، وتساهلًا في تحديد المهارات التي يقتضيها شرحُ الحديث؛ إذ لم تعُد مكانةُ مُفَسِّر الحديث وسلطتُهُ وممارسةُ الأساليب المتقنة [في شرح الحديث] من الشروط الأساسية في تفسير الحديث. وقد وجدت هذه الأصواتُ الجديدةُ في شرح الحديث ميدانًا لمناقشة السياسة العالمية والإقليمية، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر.

وإذا راجعنا حديث أبي ذر ومعاملة الرقيق في هذا العصر، وجدناه مفسَّرًا في أحد الشروح الموضوعة على مصنَّف حديثي يرجع إلى العصر المملوكي، وهو كتاب "رياض الصالحين"، وقد صدر هذا الشرحُ بالإنجليزية والأوردية سنة 1999م ولقي رواجًا كبيرًا، وهو من تأليف شارح سلفي مغمور من باكستان يُدْعَى صلاح الدين يوسف. وقد قرَّر يوسف أن الرِّقَ قد أُلْغِيَ الآن من حيثُ هو نظامٌ [اجتماعيٌّ]، ولكنه ذهب إلى أن حديث أبي ذر لم يصبح -مع ذلك- "مجرَّد حبر على ورق"، بعبارة وائل حلاق[15]. وزعم يوسف -في المقابل- أن الحديث يجب تفسيره "لإقامة المساواة بالمعنى الصحيح للكلمة" بين الرأسماليين "والعمَّال الكادحين الذين يعملون في المصانع والمحال التجارية والبيوت"[16].

ولقد كان يوسفُ وابن حجر كلاهما يهدفان إلى تحقيق المساواة المطلقة بين العبد وسيده باعتبارها المثالَ الذي ينبغي احتذاؤه، على الرغم من أن يوسف كان يعدّ لفظة "العبد" تعبيرًا مجازيًّا واسعًا يصدق على أيِّ عامل كادح. بيد أنه إذا كان ابنُ حجر قد نأى بتفسير الحديث عن عوارض التاريخ، فإن يوسف أقام تفسيرَهُ صراحةً على الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة، أُسْوةً بصنيع المهلب في الأندلس خلال العصر الأموي، فانتهى بذلك إلى حُكْم مغايرٍ. زد على هذا أن يوسف أكَّد أن هذا الحديث قدَّم مفهومًا للمساواة أوضحَ مما قدَّمته الأيديولوجياتُ المنافسةُ في العصر الحاضر. وكان يوسف يرى أن هذا الحديث يحفظ على العبد إنسانيتَهُ، وهو الأمرُ الذي ستزعم خطاباتُ حقوق الإنسان أن ممارسة الرق تنفيه بحكم التعريف.

Dabiq issue 9

مجلة دابق- العدد 9 / 2015

وبعدُ، فسوف ننتقل الآن إلى عددٍ لاحقٍ من مجلة "دابق" التي تنشرها داعش باللغة الإنجليزية، وفيه أن هذه القراءة المجازية "للعبودية" بوصفها العمالةَ المأجورةَ التي تتعرض للاستغلال لا تفي بالمطلوب. ففي هذا العدد، تُلَخِّص داعيةٌ داعشيةٌ تحمل اسمًا حركيًّا هو أم سمية فوائدَ إحياء الرِّق بالنسبة إلى المسلمين وغير المسلمين على حدٍّ سواء[17]. أما فيما يتعلَّق بالمسلمين، فقد ذهبت إلى أن الرِّق يهيئ للرجال فرصة الإشباع الجنسي الحلال خارج إطار الزواج دون مقارفة تلك الكبيرة المتمثِّلة في إقامة علاقة غير شرعية. وقد سخرت أمُّ سمية من العلماء المسلمين من أصحاب "المداراة السياسية"؛ حيث لاذوا في رأيها بالصمت رياءً إزاء المباذل الأخلاقية التي ينطوي عليها "البِغَاءُ"، في حين تمسكوا بخطاب نِسْويٍّ وآخر حقوقي يُنْكِر ممارسات داعش الرامية إلى إحياء "الرق". وقد شمل تعريفُهَا للبغاء في هذا المقام العملَ في مجال الجنس، وإن أشارت في العموم إلى هذا النوع من الفجور الاقتصادي والسياسي والثقافي الغربي[18]. وتعتقد أُم سمية أن إعادة تأسيس نظام الرق هو الدواء الناجع لهذا الداء.

وكذلك كان الرِّقُّ -في رأي أُم سمية- أداةً إلهيةً لإذلال أعداء داعش، وإن لم يكن مجرَّد أداة للتصدي لخصومها الإقليميين؛ كالمجتمع اليزيدي في العراق، الذي كان نساؤه وأطفالُهُ بالتبعية يعانون الخطف والبيع والإكراه على البغاء، وإنما كان أيضًا أداةً لمناهضة الأعداء الأيديولوجيين على الصعيد العالمي، ممَّن اتخذوا من إلغاء الرق أساسًا واقعيًّا ومجازيًّا [رمزيًّا] لالتزاماتهم الأخلاقية وسردياتهم التقدُّمية منذ عصر الأنوار. بيد أن أُم سمية نصَّت -وهي تقرر حُجَّتَها- على تحذير مهم، وهو أن الله ربما أراد من الاسترقاق إذلالَ [الكافرين]، ولكن مالكي العبيد يجب عليهم الرأفةُ بعبيدهم، تَبَعًا للحديث الشهير المروي عن أبي ذر والمتعلِّق بمعاملة العبيد: "فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون"[19].

ما عدَّه يوسف من المسلَّمات -وهو عالمُ ما بعد إلغاء الرِّق- لم تنظر إليه أمُّ سمية بعين الاعتبار؛ فمصطلح الرق يجب أن يُفْهَم على معناه الظاهر، لا بوصفه تعبيرًا مجازيًّا عن طبقة العمَّال الكادحين، والخادمات في البيوت، وما أشبه.

وقد ذهبت أمُّ سمية في شرحها لهذا الحديث إلى أبعد مما ذهب إليه الموروثُ الكلاسيكيُّ للشرح؛ حيث أكَّدت أن الرحمة بالرقيق ربما يترتَّب عليها في نهاية المطاف هدايةُ الكافرين الذين تمَّ استرقاقهم إلى سبيل النجاة. فليس ثمة إذن في رأيها هدفٌ مستترٌ أراده اللهُ؛ "فقد جعل تحريرهم من دار الكفر سبيلَ نجاتهم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم"[20]. ولقد بدا من قبيل المفارقة أن يكون التحرُّرُ بالنسبة إلى هذه الداعية الداعشية كامنًا في إحياء الرِّقِّ. لقد كررت أمُّ سمية دعوى يوسف القائلة بأن الإسلام أقام "المساواة بالمعنى الصحيح للكلمة" بفضل هذا الحديث، فقرأته صراحةً بوصفه نصيرًا للتحرُّر، ومن حيث كونه يطرح بديلًا لخطابات حقوق الإنسان التي لا تعدو أن تكون شعارات "للحرية" و"المساواة"[21]. بيد أن ما عدَّه يوسف من المسلَّمات -وهو عالمُ ما بعد إلغاء الرِّق- لم تنظر إليه أمُّ سمية بعين الاعتبار؛ فمصطلح الرق يجب أن يُفْهَم على معناه الظاهر، لا بوصفه تعبيرًا مجازيًّا عن طبقة العمَّال الكادحين، والخادمات في البيوت، وما أشبه. بيد أنها لم تُعْنَ في الوقت نفسِه بتطبيق الحديث بمعناه الظاهر كما طبَّقَهُ أبو ذر، وإنما قرأت النصَّ بوصفه مجرَّد أمر للمسلمين بإحسان معاملة الرقيق، دون المساواة، كما ينصُّ ظاهرُ معنى الحديث.

ولعل هذه المقاربة كانت صدى للمنشور الأخير الذي أصدره بالعربية مكتب داعش للبحوث والفتاوى تحت عنوان "الأمر بالإحسان إلى الرقيق"[22]. وإذا كان هذا المكتب قد أغفل مناقشة خطابات حقوق الإنسان التي ضمنتها أمُّ سمية [مناقشتَها لشرح الحديث]، فقد أعاد إنتاج مناقشة الحديث من تفسير القرآن للقرطبي، أحد علماء القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، والذي كرَّر بدرجة كبيرة الموقف الأصيل للمهلب؛ حيث ذهب إلى أن الحديث ينبغي أن يُفْهَم على أنه لا يعدو أن يكون تشجيعًا عامًّا للمرء على الإحسان إلى عبيده، وجزم بأنه ليس ثمة خلافٌ في أن مالكي العبيد يجوز لهم أن يعاملوهم على أنهم دونهم، ما داموا قد وفروا لهم ضرورات حياتهم الأساسية. ويغضُّ مكتبُ البحوث والفتاوى في هذا المقام الطَّرْفَ عن المعنى الظاهر لقول النبي والسلوك المثالي لصاحبه الذي تأسَّس على هذا القول، مؤيِّدًا رأي الشراح المستقى من الموروث العلمي في عصر ما بعد الكلاسيكية.

استمرارية أم تغيير؟ منفتح أم حرفي؟

اسمحوا لنا أن نرجع مرةً أخرى إلى نظرة طلال أسد التي ذهب فيها إلى أن التقليد [الخِطَابي] "ليس هو التكرار الظاهر لأحد الأشكال القديمة"، ولكنه تجلٍّ لتصورات ممارسي الخطاب "للكيفية التي يتصل بها الماضي بالممارسات القائمة في العصر الحاضر". ومن هذا المنظور، ليس أحدٌ من هؤلاء المفسِّرين يكرِّر تقليدًا [موروثًا] متحرِّرًا من الزمن يمارس المسلمون من خلاله الرِّقَ وينظمِّونَهُ، وإنما يقرؤون على نحو استراتيجي -كما يفعل المفسِّرون جميعًا بدرجة ما- الموروثَ الإسلاميَّ مع أخذ سياقاتهم في الزمن الحاضر وفي المستقبل جميعًا بعين الاعتبار. واستنادًا إلى هذه الأُسُس، لا تختلف المناهجُ التفسيرية التي اتبعتها داعش اختلافًا جوهريًّا عن تلك التي عوَّل عليها أسلافُهم، على الرغم من أن القواسم المشتركة التي تجمع بينهم وبين أولئك الذين اشتبكوا مع تاريخهم صراحةً أكثر مما بينهم وبين أولئك الشُّرَّاح الذين حاولوا تجاوز هذا التاريخ.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

فتح الباري بشرح صحيح البخاري- ابن حجر العسقلاني

ويُعَدُّ المفهومُ الجديدُ الذي صاغه دعاةُ داعش للزمن عنصرًا أساسيًّا. وإذا كان ابنُ حجر قد صنَّف كتابَهُ ["فتح الباري"] ليكون أثرًا موسوعيًّا باقيًا يمكن أن ينجو من عوادي الزمن ومصدرًا مرجعيًّا تلوذ به الأمةُ، فإن دعاة داعش فسَّروا الأحاديث كأنهم يعيشون في آخر الزمان؛ ولهذا السبب، فإن أوضاعهم القائمة كانت عاملًا أساسيًّا في إماطة اللثام عن معنى الأحاديث المـُشْكِلة؛ وهو ما يوضح إلى أيِّ حدٍّ لم يكن شرحُ الحديث ممارسةً تقتصر على النظر إلى الماضي فحسب، ولكنها ممارسةٌ تستشرف في العادة وبدرجة نسبية المستقبلَ القريب والبعيد.

وربما تكون هذه المسألةُ مفيدةً لألوان الخطاب التي تقدِّمها الأكاديميةُ والمجال العام على حدٍّ سواء. وقد جرت العادةُ بوصف مقاربة داعش للحديث بأنها حَرْفيةٌ نقليةٌ، ولكن هل يتَّسم هذا الوصفُ بالدقَّة؟ إن الحرفيَّة تنطوي على ضرب من الجمود، والالتزام الصارم بظاهر النص المعتمَد عوضًا عن استلهام روحه، وفوق ذلك الرفض الرجعي المتشدِّد لاستيعاب معنى النص في مواجهة التغيُّر التاريخي. ومن المعلوم أن الترجمة الحرفية ترجمةٌ رديئةٌ؛ لأن لغتها لم تمسسها يدُ التعديل حتى تلائم بيئتَها الثقافية والزمنية الجديدة.

على أن المقاربة التفسيرية التي تبنَّتها داعش استوعبت تمامًا معاني هذه الأحاديث، فتحدَّثت بطلاقة إلى أصحاب اللغة العاميَّة الحديثة: في عالم ما بعد إلغاء الرق الذي وسمته العولمةُ وهيمنت عليه خطاباتُ حقوق الإنسان، وأمست فيه الإنجليزيةُ هي لغةَ التواصل المشترك؛ حيث تتعالى أصواتُ الصور والمشاهد ومقاطع الفيديو على اليوتيوب وربما كانت أعلى صوتًا من النصوص، وحيث أُضْفِيَ الطابعُ الديمقراطي على جمهور القرَّاء بفضل حرية الاطلاع على الوسائط الإعلامية على الإنترنت؛ وحيث تمَّ التساهلُ في تحديد المهارات التي يستوجبها تفسيرُ الحديث، وإغفال المؤهلات التي كانت بمنزلة المتطلبات الضرورية التي لا بُدَّ من استيفائها لممارسة الشرح العلمي على مدار أكثر من ألف عام.

 وتُعارضُ الأكاديميةُ النظرَ إلى دُعاة داعش بحسبانهم مشاركين في الموروث الغني لشرح الحديث على أيِّ نحو إلَّا أن يكون مُفْضِيًا إلى إفساده، وهي معارضةٌ مفهومةٌ في ضوء الأعمال الوحشية المروِّعة التي صدرت عن هذه الجماعة. ولكن إذا كان التحقيقُ العلميُّ يختلف عن عمل الدعاية المضادة، فإنه يجب علينا التوفُّرُ على تحليل استراتيجيات المنهج التفسيري الذي اتبعته داعش في سياق الموروث المتراكم عوضًا عن تقديم صورة كاريكاتورية لها. فإذا آثرنا لزوم مصطلح الحرفية لوصف المنهج الداعشي، وهو مصطلحٌ ربما يؤدي إلى الغموض أكثر مما ينتهي بنا إلى الكشف والوضوح، فهي حرفيةٌ تتألَّف من طائفة متنوعة [من العناصر] وتتَّسم بقدرٍ كبيرٍ من المرونة، ولا تهمل أو تبالغ عادةً في تبسيط موروث ما بعد الكلاسيكية، وتُفصِح أحيانًا عن الخلافات الداخلية للموروث؛ من أجل التوصُّل إلى حلول جديدة في السياق الاجتماعي والسياسي الراهن.

*****

بعد مرور عام من زيارتي لمسجد الإيمان بدمشق للمرة الأولى في تلك الأمسية المنعشة سنة 2009م، رجعتُ إلى مجلس شرح العرقسوسي لـ"صحيح البخاري"، وهو المجلسُ الذي كان يُعْقَد كل أسبوع، فيغشاه جمهورٌ محليٌّ يعتزي إلى أقاليم مختلفة وتمثِّلُهُ أجيالٌ متباينةٌ. وقد جعلتُ أدوِّن متعجِّلًا، حافي القدمين متربِّعًا، بعضَ الملاحظات في مفكرتي، في حين كان الآخرون يصورون الحدث بهواتفهم المحمولة أو كاميرات الفيديو، ويثبتون ما يلوح لهم في حواشي النشرات المطبوعة أو يحفظونه في ذاكرتهم.

وحين بلغ المجلسُ نحو منتصفه، انتقل العرقسوسيُّ إلى حديثٍ ربما بدا للوهلة الأولى أمرًا مألوفًا إلى حدٍّ ما، وفيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أجاز التمتُّع والقران[23]. وقد بدا العرقسوسيُّ أول الأمر وكأنه ينأى بتفسيره للحديث عن السياسة المعاصرة، من خلال اللياذ بالمرجعيات العلمية التقليدية في النحو والبلاغة والحديث في خلال ألف عام، مُقَدِّمًا تصورَهُ للتاريخ التفسيري للحديث، قبل أن ينتقل إلى الممارسات القائمة المتصلة به؛ حيث وجَّه طائفةً من الأسئلة المتتابعة إلى الطلاب الأقرب إليه مجلسًا، فسألهم عن عاداتهم في الحج وخبراتهم التي اكتسبوها من هذه الشعيرة؟ وهل كانوا يتمتعون أو يقرنون أو يفردون بالحج؟ وهل كانت هذه الممارساتُ المتعددةُ تتسق مع الحديث قيد الدرس؟ فتسابق الطلابُ إلى الإجابة عن هذه الأسئلة بشيءٍ من التفصيل متشوِّفين إلى معرفة الحُكْم الذي سيقرره الشيخُ. وأما الجمهورُ الأكبرُ [ممَّن يجلسون بعيدًا عن الشيخ]، فلا يكادون يسمعون هذه الإجابات التي لم يُستخدم فيها الميكروفون.

ربما يفتقر وصفُ العرقسوسي للمذهب السلفي إلى الإنصاف، بيد أن إنكاره لهذا المذهب ربما راق أنصارَهُ، وربما راق أيضًا النظامَ البعثيَّ في سوريا، وهو النظام الذي دأب على النظر إلى السلفية بوصفهم دُعاةً إلى نزعة طائفية متشدِّدة يمكن أن تفضي إلى تدمير سلطة الدولة.

وبعد أن يتنقل العرقسوسيُّ بين طائفة واسعة من الآراء التي تمتدُّ من النطاقات الزمنية والمكانية الواسعة إلى المناقشة الأضيق لعادات جمهور الطلاب الحاضرين في مسجد الإيمان، يوسِّع مجال الدرس مرةً أخرى ليشمل الأوضاع السياسية الأشمل التي تواجه المجتمع السُّني في الشرق الأوسط وغيره من أقطار المعمورة. ومن الحق أن إجازة هذا الحديث الوارد في "صحيح البخاري" تنوعَ ممارسات الحج [من حيث التمتُّع والقران والإفراد] كانت فرصةً للعرقسوسي كي يُعْرِب عن رأيه في الهُويَّة السُّنية وتسامحها إزاء الاختلافات الداخلية. وقد شفع ذلك بتوجيه ضربة شديدة إلى خصومه من السلفيين الذين كانوا يروِّجون -فيما يزعم- لفهم متحجِّر للمذهب السُّني. وقد ذهب العرقسوسيُّ معوِّلًا على النص إلى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أراد أن يستوعب الأطياف المتعدِّدة للأُمَّة، خلافًا لأولئك السلفيين الذين كانوا يرومون -في رأيه- الحُكْمَ على مَنْ يعجز عن اتباع نموذج وحيد للسلوك الإسلامي الصحيح= بالابتداع. وربما يفتقر وصفُ العرقسوسي للمذهب السلفي إلى الإنصاف، بيد أن إنكاره لهذا المذهب ربما راق أنصارَهُ، وربما راق أيضًا النظامَ البعثيَّ في سوريا، وهو النظام الذي دأب على النظر إلى السلفية بوصفهم دُعاةً إلى نزعة طائفية متشدِّدة يمكن أن تفضي إلى تدمير سلطة الدولة.

ولم يكن الرئيسُ السوريُّ يحضر مجلس شرح الحديث، خلافًا لما درج عليه كثيرٌ من السلاطين والأمراء في العالم الإسلامي قبل العصر الحديث. بيد أن مسجد الإيمان كان يقع بالقرب من المركز الرئيس لحزب البعث، وكان يُعْتَقَدُ اعتقادًا جازمًا أن مجلس شرح العرقسوسي يخضع لرقابة الدولة. وفي سنة 2013م، أضحت الأهميةُ السياسيةُ لهذا المسجد واضحةً غاية الوضوح؛ حيث شهد حادثة اغتيال ومذبحة شهيرة في أثناء الحرب الأهليَّة الجارية في سوريا[24]، وهي المذبحةُ التي راح ضحيتها محمد سعيد رمضان البوطي، أحد أبرز العلماء السُّنة وأغزرهم إنتاجًا في سوريا آنذاك، وخمسون من تلاميذه أو نحو ذلك؛ إثر وقوع انفجار في أثناء أحد المجالس المعقودة لتفسير القرآن وشرح الحديث. وكان البوطيُّ أحدَ أنصار النظام السوري.

وقد تمَّ تصويرُ التفجير الذي وقع سنة 2013م بواسطة كاميرا فيديو كانت قد أُعِدَّتْ لتسجيل مجلس الشرح، هذا التفجير الذي لا يعدو أن يكون شاهدًا بسيطًا على بعض الإجراءات الانتقامية من الشارح. وبدلًا من توزيع الفيديو على جمهور الطلاب، فقد تمَّ تداولُهُ على هيئة مشاهد مصورة بين الصحفيين والمراسلين توثيقًا لصورةٍ جديدةٍ من صور التدنِّي [الأخلاقي] في الحرب. ومما يبعث على الأسف حقًّا أن هذا المجلس الذي شهد لحظة وقوع الانفجار العنيف فأسكت الشارح وطلابه ربما يمثِّل أكبر مجالس الشروح الإسلامية التي يتابعها غيرُ المسلمين في الغرب.

وعلى الرغم من كل هذه التغيرات الهائلة التي حدثت من عصر المخطوطات إلى عصر الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي والمتفجرات ذات التقنية العالية، فإن شرح الحديث لبث قائمًا بحسبانه ميدانًا للتنافس على السلطة ورأس المال فضلًا عن التحقيق البارع للإتقان التفسيري والالتزام بالمعايير. وأسوةً بقضية الباجي في الأندلس، والمنافسات التي خاضها ابنُ حجر في حضور السلطان المملوكي، وتدخل سلطان الكجرات في تقليد شرح الحديث، لا يزال الشرحُ الحيُّ في العصر الحاضر مجالًا تتداخل فيه السياسةُ والتفكيرُ التفسيري في مشهد إبداعي وهدَّام في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن هذا التاريخ يقع غير بعيد من ظاهر تقليد الشرح المكتوب، فإن تسليط الضوء على الأوقات والأماكن التي شهدت الشرح الحيَّ للحديث يُبرز الجوانب الاجتماعية والسياسية التي تجسدها الثقافة والخبرة التفسيرية.

ومن أجل بلوغ هذه الغاية، سعى هذا الكتابُ سعيًا جادًّا إلى فهم كلٍّ من شرح الحديث الحيِّ والمدوَّن في سياقاته المحلية والعالمية، فضلًا عن توسيع نطاق المراحل التي شملها تاريخُهُ الطويل. وقد قدَّمْتُ في سبيل تحقيق ذلك تاريخًا عريضًا لمجالس شرح الحديث التي كانت تُعْقَد بصورة دورية، وعمليات التأليف والتنقيح الطويلة التي تأثرت بالضغوط الاجتماعية المحلية والعالمية، فضلًا عن الاهتمام بما دار حول الحديث من مباحثاتٍ تستند إلى أُسس منطقية على مدار ألف عام. وتشغل السلطةُ والعقلُ في هذه السياقات موقعًا تأسيسيًّا على نحو متبادل، حتى إننا لا نستطيع الاقتصار على أحدهما دون الآخر. وإذا أردنا أن نفهم الموروثات التفسيرية بوصفها ممارسةً اجتماعيةً، فإن علينا أن نضع نصب أعيننا المكاسبَ الاجتماعيةَ والماديةَ بالإضافة إلى وجوه الإتقان التفسيري الكامنة في الموروث.

إن الشُّراح كانوا يسعون إلى الحفظ من خلال الإبداع، ويتطلعون إلى الإبداع من خلال الحفظ، في مفارقة واضحة.

والحقُّ أننا إذا نظرنا إلى موروث شرح الحديث بوصفه ممارسةً اجتماعيةً، فسوف يتبيَّن لنا أن أداة الشرح أداةٌ إبداعيةٌ وغير أصيلة في الآن نفسِه؛ فهي تُعْنَى بالإبداع قدر عنايتها بالحفظ. بيد أن حَمَلَة لواء معايير الموروث ومُثُله لم يسعوا إلى الحفظ من أجل الحفظ ولا راموا الإبداع في ذاته. ومن المحقَّق أن الباجي وابن حجر والكشميري وغيرهم [من الشُّراح] كانوا قادرين -في بعض الأحيان- على صياغة توليفات أصيلة بعد التمرُّس من الحديث والتضلُّع من تاريخ الجدل التفسيري الذي كانوا يستوحونه. بيد أن الطريقة التي اتبعوها في صياغة التاريخ التفسيري للحديث وإعادة صياغته -من حيث اختياراتهم للآراء التي يُضَمِّنُونها شروحَهم أو يحذفونها، وكيفية ترتيبها، واختصارها، ومدى تأثيرها- قد تكون هي الأكثر دلالةً في الغالب. ويمكن القولُ بعبارة أخرى: إن الشُّراح كانوا يسعون إلى الحفظ من خلال الإبداع، ويتطلعون إلى الإبداع من خلال الحفظ، في مفارقة واضحة. وفي هذا المقام، تتبدى صحةُ المسلَّمة التي قرَّرها فوكو (Foucault)، والمتمثِّلة في العبارة المقتبسة التي صدَّرنا بها هذا الكتاب، وهي أن "مهمَّة الشَّرْح أن يخبرنا لأول مرة بما قد سَبَق قولُهُ، وأن يكرِّر ما لم يُقَل تكرارًا لا يعرف الكَلَل"[25].

على أن ذلك لا يعني أن شُرَّاح الحديث لم يكونوا يهتمون إلَّا بقراءة ما يشغلهم من النص والموروث المتراكم على نحو خفيّ. فالحقُّ أن السطوة التي يتمتَّع بها موروثٌ فكريٌّ معيَّن فيُكتب له البقاءُ فترات زمنية طويلة تكْمُن في حثِّ المفسِّرين على ضرورة انفتاح التزاماتهم وأنشطتهم الراهنة بحيث يمكن أن تُشَكِّلها النصوصُ والآراءُ التي ورثوها. وعلى هذا النحو، ربما يكون من الأفضل النظرُ إلى الشرح بوصفه ثمرةَ عملياتٍ طويلة من التفاوض وإعادة التفاوض حول العلاقات المتبادلة بين الشُّراح والجماعات التفسيرية من جهة، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم من جهة أخرى.

وتُعَدُّ القصةُ التي تحكي لنا كيف فسَّر المسلمون الحديث وأعادوا تفسيره خلال ألف سنة -بوصفها محورًا رئيسًا للحياة الاجتماعية والفكرية- هي الحلقة المفقودة في فهم الأكاديمية المختلط للإسلام وتاريخه. والحقُّ أن في إثراء معرفتنا بهذا الموروث وإضفاء بُعْد تركيبي عليها إثراءً لحاضرنا الذي لا يزال يشهد محاولات لتعريف الحديث وإعادة تعريفه للجمهور الحيّ. وبعدُ، فلستُ أزعم أن هذه الخاتمة تقدِّم نهاية للكتاب، ولكنها -أسوةً بكثيرٍ من الشروح غير المكتملة- التي عرفها موروثُ شرح الحديث لا تعدو أن تكون مقدمةً إلى مزيدٍ من النقاش والأسئلة والشرح.


الهوامش

[1] لمعرفة المزيد عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، انظر:

Cole Bunzel, “From Paper State to Caliphate: The Ideology of the Islamic State,” The Brookings Project on U.S. Relations with the Islamic World 19 (2015): 1-42.

وللوقوف على مزيد من التفاصيل عن مفهوم داعش للزمن، وهو أمرٌ وثيقُ الصلة بهذا الفصل، انظر:

Shahzad Bashir, “Islam and the Politics of Temporality: The Case of ISIS,” in Time, Temporality and Global Politics, ed. Andrew Hom, Christopher McIntosh, Alasdair McKay, and Liam Stockdale (Bristol: E-International Relations, 2016).

وأما فيما يتعلَّق بـ"السلفية"، فقد عرَّفها جوناثان براون (Jonathan A. C. Brown) بأنها حركة إصلاحية حديثة تسعى إلى "تجديد الأمة الإسلامية من خلال إحياء عظمة الإسلام في عصوره الأولى"، وبعث "سُنَّة النبي من جديد عن طريق إسباغ أهمية مطلقة على الدراسة الكلاسيكية للحديث وسُنَن المجتمع المبكِّر". انظر: (Brown, The Canonization of al-Bukhārī and Muslim, 305). وللمزيد عن جينيالوجيا أكثر تفصيلًا للتعريف المتحوِّل للسلفية، انظر:

Henri Lauziere, “The Construction of Salafiyya: Reconsidering Salafism from the Perspective of Conceptual History,” IJMES 42 (2010): 369-89.

 [2] Brown, The Canonization of al-Bukhārī and Muslim, 321-34.

[3] وقد تُدُوولت التسجيلاتُ الصوتيةُ لهذا الشرح على الإنترنت. انظر: شرح "صحيح البخاري"، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، منشور على الرابط التالي:

Islamway.net, https://ar.islamway.net/collection/903/.

[4] عبد العزيز بن باز، طبعة جديدة لفتح الباري، بولاق، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 2008م، ص11-109.

[5] للوقوف على مثال لإحدى هذه الحالات في أمريكا الشمالية، انظر:

Joel Blecher and Josh Dubler, “Overlooking Race and Secularism in Muslim Philadelphia,” in Race and Secularism in America, ed. Vincent Lloyd and Jonathan S. Kahn (New York: Columbia University Press, 2016), 122-50.

ولمعرفة المزيد عن هذا التيار السلفي العابر للقومية، انظر:

Laurent Bonnefoy, “How Transnational Is Salafism in Yemen?” in Global Salafism: Islam’s New Religious Movement, ed. Roel Meijer (Oxford: Oxford University Press, 2009), 321-41.

[6] أيمن الظواهري، الحصاد المر، مركز الفجر، 1991م، ص31.

· لعل من المناسب أن نورد في هذا المقام عبارة أيمن الظواهري بنصِّها لنرى كيف وظَّف أقوال ابن حجر؛ إذ يقول: "فإذا استقرَّ حُكْمُ هذه المسألة، وهو كفرُ مَنْ لم يحكم بما أنزل اللهُ، فما هو الواجب على المسلمين تُجاه الحاكم الذي خرج من الملَّة الإسلامية؟ يقول الحافظ ابنُ حجر رحمه الله: ونقل ابنُ التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماءُ في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم: لا يجوز عقدُ الولاية لفاسق ابتداءً، فإن أحدث جورًا بعد أن كان عدلًا، فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع، إلَّا أن يكفر فيجب الخروجُ عليه..." إلخ. (المترجم)

[7]  Anonymous, “The Revival of Slavery before the Hour,” Dabiq 4 (2014): 16.

ومن أجل مناقشة هذا الجزء من الحديث والوقوف على تاريخه بقدر أكبر من التفصيل، انظر:

Younus Mirza, “ ‘The Slave Girl Gives Birth to Her Master’: Female Slavery from the Mamlūk Era (1250-1517) to the Islamic State (2014-),” Journal of the American Academy of Religion (2017): https://doi.org/10.1093/jaarel /lfx001.

[8]  Ibid.

[9]  Asad, “The Idea of an Anthropology of Islam,” 14-15.

[10] ابن بطال، شرح صحيح الباري، 7/64.

[11] السابق.

[12] السابق.

[13] الكلمة العربية التي يستخدمها ابن حجر في هذا المقام للتعبير عن (parity) هي "المساواة".

[14] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري 5/207.

[قال ابن حجر: "فالمرادُ المواساة لا المساواة من كل جهة. لكن من أخذ بالأكمل كأبي ذر، فعل المساواة وهو الأفضل، فلا يستأثر المرء على عياله من ذلك وإن كان جائزًا". (المترجم)].

[15]  Hallaq, Sharīʿa, 390.

[16] صلاح الدين يوسف، شرح رياض الصالحين، لاهور: دار السلام، 1999م، ص1011.

[17] Umm Sumayyah al-Muḥājirah, “From Our Sisters: Slave Girls or Prostitutes?”

Dabiq 9 (2015): 48.

[18] صورت داعش هجومَهَا على باريس في نوفمبر سنة 2015م بوصفه هجومًا على "عاصمة البغاء"، وهو ما يشكِّل امتدادًا لهذا الخطاب إلى حدٍّ بعيد.

[19] Al-Muḥājirah, “From Our Sisters,” 48.

[20] Ibid.

[21] Ibid.

في دراسة صدرت مؤخرًا عن الكتب المدرسية التي أقرت داعش استخدامها في قاعات الدرس، ثمة فقراتٌ كثيرةٌ تنتقدُ حقوق الإنسان بشيء من التفصيل انتقادًا صريحًا. انظر:

Jacob Olidort, “Inside the Caliphate’s Classroom: Textbooks, Guidance Literature, and Indoctrination Methods of the Islamic State.” (Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 2016).

[22] السبي: أحكام ومسائل، نشرة ديوان البحوث والإفتاء، 2014م.

[23] انظر: صحيح البخاري 1/296 (كتاب: الحج، باب: التمتُّع والقران)، حديث رقم 1592.

[24] See “Syria Mosque Blast: Pro-Assad Cleric among Dozens Dead,” BBC News, March 21, 2013, www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-21887877.

[25] Foucault, “The Order of Discourse (1970),” 58.