في ثقافة سوء الفهم: الإسلام والغرب
مقدمة المترجم
لطالما كان البحر الأبيض المتوسط منطقةً استراتيجيةً لجميع الحضارات التي تمركزت على ضفافه منذ فجر التاريخ، حال هذا المقال الذي يبرز فيه الفيلسوف الأمريكي ذو الجذور الكينية في جامعة هارفارد الأمريكية كوامي أنتوني مدى أهمية الحوض المتوسطي باعتباره نقطةَ اتصالٍ تربط الشرق بالغرب والجنوب بالشمال. وفي هذا الإطار، يذكر العلاقات التي جمعت كلًّا من أوروبا والإسلام في الفترة القروسطية التي اتسمت بالحروب والعلاقات العدائية المتبادلة.
لكن رغم ذلك، يدافع الكاتب في مقالته عن عالميَّة الحضارة، وأنها نتاج إنسانيٌّ بحت وليست حكرًا على فئةٍ أو مجموعةٍ دون غيرها في نقدٍ واضحٍ للمركزية الغربية وخاصةً الأوروبية، أوروبا التي حسب رأيه ما كانت لتكون دون ما أخذته وما جلبه لها المسلمون من علومٍ ومعارفَ متعدِّدة.
هذا، ويدعو الفيلسوف من خلال استقرائه لتاريخ المتوسط إلى إدراك الفكرة القائلة بأن جميع البشر يبنون حضارةً واحدة، وهي الحضارة الإنسانية، ولكن كل يساهم من خلال ثقافته التي تميزه وبها يتميَّز عن غيره.
يمثِّل التواصل والخطاب أرقى الأساليب التي انتهى إليها الإنسان في محاولة سَبْر أغوار عالمه ومستقبله، والحضارة هي الوريث الفعلي لهذا العمل الإنساني الخالص. وقد لعبت الجغرافيا دورًا محوريًّا في بلورة ونشأة العديد من الممالك والإمبراطوريات التي تفاعلت فيما بينها في سيرورة متواصلة من السلم والحرب.
من هذا المنطلق يبحث هذا المقال في أُسس العلاقة التي جمعت كلًّا من الحضارتين الإسلامية والغربية على مدى فتراتٍ زمنية متفرِّقة منذ ظهور الإسلام حتى الوقت الراهن. والكاتب من المهتمين بالعلاقات البين-حضارية خاصةً في حوض البحر الأبيض المتوسط. وما يدعو لترجمة هذا المقال هو التطورات الحاصلة بحوض المتوسط، خاصةً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي والأزمات الإنسانية التي حلَّت ببعض البلدان العربية والإسلامية عمومًا من تهجير قسريٍّ وحروبٍ أهلية.
في خضمِّ كل هذا مثَّلت أوروبا قبلةً لسكان جنوب المتوسط، وعادت بذلك الذكريات للوراء بالنسبة إلى الكثيرين، فأوروبا في الضمير الجمعي الإسلامي هي أرض الأجداد والجهاد، حيث سكن أهل الأندلس، وهي أرض لطالما كانت وجهة المهاجرين والفاتحين فيما قبل.
هذا الخليط الأنثروبولوجي والسوسيولوجي الطريف هو ما جعل الكثيرين – ومنهم كوامي أنتوني أبياه – يراجعون أطروحاتهم حول مدى تشعُّب العلاقة بين حضارتين كبيرتين. والأهمُّ من ذلك، هو مدى سوء الفهم الحاصل لكلٍّ منهما عن الآخر.
وهنا تكْمُن أهمية هذا المقال الذي يبتدئ تدريجيًّا في تحليل الأحداث الكبرى التي جمعت كلًّا من الحضارتين الإسلامية والغربية ليصل بنا إلى الفكرة التي ترى في الأندلس – وهي نتاج تلاقح الإسلام بالغرب – ذروة ما وصلت إليه البشرية في القرون الوسطى.
يطرح المقال العديد من التساؤلات الحارقة، مثل السبب وراء عدم وجود الروح الإبداعية نفسها بين الحضارتين فيما يلي الفترة القروسطية، ويخلص إلى أن ذلك عائدٌ إلى عدَّة أسباب، لعل أهمها الهيمنة والتوسُّع الأوروبي خاصةً بعد القرن التاسع عشر في مقابل انحسار الدور الريادي للعرب خاصةً والمسلمين عامةً.
هذا، ويمثِّل المقال نبذةً عمَّا يحدث من تطوراتٍ في علاقة بالبحوث والدراسات التي تعالج الواقع العربي وتاريخه، والذي من شأن القراء العرب متابعته، خاصةً ونحن في عصر لا مجال فيه للتوقف أو التحسُّر على الماضي.