أزمة دولة الرعاية الاجتماعية في سياق التحولات السوسيو-اقتصادية

فقر دولة رعاية اجتماعية اقتصاد

الملخَّص

ظهر مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية – La notion de l’Etat Providence، في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كنتيجة لما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية من تردِّي وانهيارِ القيم المعيارية التي ارتكزتْ عليها الليبراليةُ الكلاسيكية، ممَّا دفع الدولةَ إلى التفكير في خلقِ توازنٍ بين متطلّبات التنمية، وإعادة الإعمار وبين متطلّبات الرعايةِ الاجتماعية من خلال التوجُّه نحو التخطيطِ الاقتصادي. وكنتيجةٍ لذلك ظهرت الكينزية بحيث صار الاجتماعي محركًا للاقتصادي، وبدأ التفكيرُ في تمويل نفَقات الرعاية الاجتماعية من خلال إنشاء الضريبة على الدخل، غير أن تضخُّم النفقات الاجتماعية أدى إلى تقلُّص الموارد بسبب التحولات الاجتماعية والديمغرافية والاقتصادية، وأدى تزايد حجم الاقتطاع الضريبي إلى بُروز القطاع غير المهيكل، وتراجع معدّلات النمو، وتدنّي الأجور، وانتشار البطالة ونِسب الفقر، وتحولت هذه الأوضاع إلى أزمة خانقة، ومن ثمَّ ظهور أزمة دولة الرعاية الاجتماعية.

أدى الحدُّ من الإنفاق إلى إعادة النظر في السياسات الاجتماعية، وظهور أفكار وأطروحاتٍ جديدة مع ميلتون فيردمان Milton Friedman، وتراجع الليبرالية الكلاسيكية خاصةً النظرية الكينزية، والدعوة إلى العودة إلى أفكار آدم سميث Adam Smith، وبالتالي إبعاد الدولة عن التدخل في الاقتصاد، في إطار عودة مفهوم الدولة الضبطية – La notion de l’Etat Gendarme، من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد، وضبط المجالَيْن  الاجتماعي والاقتصادي بواسطةِ خلق مسافةٍ بينهما وترك الحرية للمجال الاقتصادي؛ كي يسترجع عافيته، وفي المقابل كبحُ جماح هيمنةِ المجال الاجتماعي على الاقتصاد وتأمين تحول الدولة واندماجها في نظام السوق، وتشجيع الخوصصة، والحد من هامش الحريات العامة، ومواجهة الاحتجاج باستعمال القوة العمومية، وفي المقابل تأمين هيمنة الرأسمال على صُنع السياسات العمومية وتدبيرها في إطار بُروز مفهوم الليبرالية الجديدة – La notion de new libéralisme، وهذا المعطى أدّى إلى تراجعِ دور القوى السياسية لصالح خَلق تحالفٍ بين التقنوقراط والرأسمال، وخضوع الدولة للمؤسسات المالية الدولية والشركات المتعدِّدة الجنسيات، وبالتالي رفعُ الدولة يدَها عن الخدمات الاجتماعية كنتيجة لهذه الديناميات السوسيو-اقتصادية.

الكلمات الدلالية