التأريخ كرهان أخلاقي: علم التاريخ وإنتاج الذوات الأخلاقية

دراسات - التأريخ كرهان أخلاقي علم التاريخ وإنتاج الذوات الأخلاقية

مقدمة

يعتمد علم التاريخ على مجموعة من المرتكزات والبديهيات، وهي أن التاريخ هو دراسة للماضي لفهم الحاضر واستشراف جيد وموفق للمستقبل. فلا يمكن للمؤرخ أن يبقى سجين الماضي، فهو أولًا وأخيرًا ابن زمانه. كما لا أحكام معيارية في علم التاريخ (من قبيل "رجل طيب"، "رجل شرير"، "رجل جميل"...). ويُعَدُّ التاريخ أبا العلوم بسبب اعتماد جميع العلوم عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى باعتبار الإنسان مؤرخًا بالفطرة وبالضرورة.

الفرضية الأساسية التي ندافع عنها في هذا المقال هي أن التاريخ هو العلم الأفضل والأمثل والأكثر تأهيلًا لفهم زبدة الممارسات الأخلاقية للجنس البشري، لا فقط دراستها وتأريخها، بل قدرة هذا العلم على توريثها وإعادة إنتاجها، وخاصةً بناء الكائنات/الكينونات الأخلاقية في زمن صعب وهو عصر "ما بعد الأخلاق". إذا لا يمكن أن نشكِّل الذوات الأخلاقية اليوم بمعزلٍ عن علم التاريخ. يعتمد علم التاريخ على ثلاثة أسئلة أساسية: أين؟ متى؟ كيف/لماذا؟ ونستخرج من هذه الأسئلة ثلاث ركائز أساسية: المكان، والزمان، والمفهوم. وتسعى هذه المرتكزات إلى فهم طبيعة تشكُّل الحدث التاريخي من خلال أبعاد أساسية: الفاعل، والرهان، والاستراتيجيات[1]. ومن الصعوبة بمكان فهم جغرافيات القوة وتقنيات نسج شبكات النفوذ والمصالح بدون فهم طبيعة الفاعلين، ونوعية رهاناتهم وأطماعهم ومنافعهم ومكاسبهم، ومن ثَمَّ تبيُّن طبيعة الاستراتيجيات والوسائل الموظَّفة للوصول إلى الغايات والرهانات. ويتيح لنا ارتباط علم التاريخ بالماضي والحاضر والمستقبل اكتسابَ العبرة من "تدافع" أهل الماضي وصراعاتهم، لتجنُّب حصولها في الحاضر ومن ثَمَّ تفاديها مستقبلًا. ولهذا فإن التشابك المعرفي بين علم التاريخ والأخلاق يُهدد ضرورة كل فاعل اجتماعي (فرد، مجتمع، دولة أو مؤسسة) يبتغي توظيف استراتيجيات ظالمة أو متحيزة أو عنيفة من أجل حيازة رهاناته. كما يتميز علم التاريخ عن بقية العلوم بميزتين أساسيتين: ارتباطه الوجودي بالإنسان، فالإنسان كائن تأريخي عن وعي أو بدون وعي. فهو يؤرخ في كل لحظة في حياته من قبيل: ذهبت البارحة، أكلت، درست، مرضت، تأخرت عن عملي لأسباب...إلخ. وارتباطه بالأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل. وفي رأيي أن الهدف الأسمى لعلم التاريخ هو: إنتاج الذوات الأخلاقية، وطبيعة التشكُّل الإبستيمولوجي لعلم التاريخ بارتباطه بالأزمنة الثلاثة ومعايشته الحينية للإنسان يسمح له بإنتاج هذه الذوات أكثر من غيره من العلوم.

فهل يمثِّل علم التاريخ وسيلةً مثاليةً لإنتاج النُّظُم المعرفية الأخلاقية؟ وهل يمكن أن يُسهم علم التاريخ في تشكيل الفضيلة لدى الفاعلين الاجتماعيين؟ وهل يمكن أن نعدَّ الهدف الأسمى لعلم التاريخ هو تشكيل الذوات الأخلاقية؟

  1. الأخلاق والبحث التاريخي

ترتكز الأخلاق أساسًا على التسامح والعدل، وحب الخير للآخر والسعي إلى الفضيلة، وهي السعادة بامتياز. والكائن الأخلاقي ليس هو الله ولا "الإنسان الفائق" ولا "السيد" أو "المارد" ولا الشهواني، فالأخلاق ذات بُعدين: روحي وقيمي؛ "إذ إن القيمة تكون بمثابة علامة نصبها ناصب لكي تُرشد الإنسان في واقعه إلى الطريق الذي يوصله إلى حياة مسؤولة. وأما البُعْد الروحي فيجعل للخلق أثرًا بالغًا في النفوس"، والأهم من ممارسة الأخلاق هو الوعي بهذه الممارسة، أي لحظة اللاتعارض بين العقل والروح، حيث تُمارس الأخلاق عن إرادة وبحرية مطلقة دون قيد أو شرط أو مقابل، ودون أن تُفرض علينا من الخارج أو تحت الإكراه. وقد تناول عدد كبير من المؤرخين الأخلاق بوصفها حقلًا بحثيًّا جديرًا بالدراسة، فقد مثَّلت الأخلاق أساسًا وأفقًا لعدد كبير من المثقفين، حيث شكَّلت الأخلاق هاجسًا في التاريخ لدى المؤرخين والعلماء عمومًا. فقد تشابكت ثنائية الأخلاق والتاريخ مع حقول معرفية أخرى من قبيل الفضيلة والسعادة والطبيعة والعدالة والحق والواجب والرغبة والقانون والدين والسياسة والطاعة والسلطة. وليس من قبيل الصدفة أن "منعرج" التفكير في علاقة الأخلاق بالتاريخ قد ارتبط بترسُّخ مؤسسة الدولة ذات السيادة من ناحية، ومن ناحية أخرى بتطور مؤسسة الحرب، أي بُعيد النهضة الأوروبية[2].

وقد أبرزت علاقة الأخلاق بالتاريخ مشكلة أخرى أساسية، وهي إمكانية إصدار الأحكام القيمية. وتحيلنا هذه النقطة إلى خطر آخر، وهو الإسقاط التاريخي. ولهذا طُرح السؤال عن مدى إمكانية اعتماد الأخلاق وتشابكها مع التاريخ بوصفها وسيلة مثالية للتنبؤ بطبيعة رهانات الفاعل الاجتماعي حاضرًا ومستقبلًا.

وقد طرحت مسألة إصدار المؤرخين

أخلاقية أو تناولهم مدى ملاءمة الحدث التاريخي للمرتكزات الأخلاقية ومدى اعتماد المؤرخين على الخيارات الأخلاقية جدالًا واسعًا، خاصةً دور المفاهيم الأخلاقية في التأثير في حيادية المؤرخ، سواء عند اختياره للموضوعات التي يتناولها بالبحث، أو عند نسجه لخيوط بحثه، وخاصةً الاستنتاجات، وإنتاج الأفكار المتحيزة. كما أخضعت دراسات أخرى للبحث المسؤولية الأخلاقية للمؤرخ، سواء في اختياره حقوله البحثية أو طبيعة تعامله في إطار المؤسسة العالِمة ومدى قدرته على ممارسة دوره النقدي. وقد أبرزت علاقة الأخلاق بالتاريخ مشكلة أخرى أساسية، وهي إمكانية إصدار الأحكام القيمية. وتحيلنا هذه النقطة إلى خطر آخر، وهو الإسقاط التاريخي. ولهذا طُرح السؤال عن مدى إمكانية اعتماد الأخلاق وتشابكها مع التاريخ بوصفها وسيلة مثالية للتنبؤ بطبيعة رهانات الفاعل الاجتماعي حاضرًا ومستقبلًا. وقد مثَّلت مسألة اعتماد علم التاريخ وسيلةً للتنبؤ واستقراء المستقبل مصدرَ جدل معرفي. وهذا ما اعتمد عليه أساسًا علم المستقبليات، سواء في أوروبا أو في العالم العربي[3].

  1. التأريخ: الأخلاق طريق المستقبل

يتبيَّن لنا عدم اعتماد المؤرخين على "العبرة" الأخلاقية التاريخية عند محاولتهم استشراف المستقبل. وفي هذا الإطار، يرتكز المؤرخ بول كنيدي (Paul Kennedy) على التاريخ لمحاولة استشراف المستقبل، مرتكزًا فقط على التكنولوجيا والطبيعة والصراعات الدولية[4]. وقد خصَّص أيضًا ألفين توفلر (Alvin Toffler) مُجمل أعماله للتحولات التكنولوجية دون الاهتمام بالموروث الأخلاقي للحضارات ودوره في بناء المستقبل[5].

بول كيندي وألفين توفلر
                      ألفين توفلر (Alvin Toffler) -  بول كنيدي (Paul Kennedy) 

وفي المقابل، لم تركز التجربة العربية في استشراف المستقبل على دور التاريخ، وخاصةً الاستفادة من الموروث الأخلاقي لبناء معرفة متينة عن المستقبل، سواء على مستوى دورية "استشراف للدراسات المستقبلية"، حيث دُرست الديموغرافيا والتكنولوجيا والصراعات الدولية والثروات الطبيعية المُكتشفة (الغاز) وانعكاس ذلك على المستقبل، أو دورية "مستقبليات: رؤى واستشراف" على نحو أقل حدَّة، حيث خُصِّصت مقالات قليلة جدًّا لمسألة الأخلاق[6]، بدون توظيف فكرة الموروث الأخلاقي في فهم الجغرافيا الحضارية للمستقبل. وبعيدًا عن علم المستقبليات والاستشراف، مثَّلت تيمة الأخلاق حقلًا بحثيًّا خصبًا في العالم العربي، حيث نُظر لها تاريخيًّا (أعمال محمد أركون مثلًا في حقل الأنسة) أو عبر فلسفة الفارابي أو الرازي أو نظرة المعتزلة للأخلاق، أو من خلال دراسة الأخلاق الإسلامية في سياقات معاصرة، سواء من خلال دراسة أطروحات وائل حلاق أو الموروث الصوفي وراهنيته أو عبر تبيئة مفهوم المواطنة ذات الأسس الأخلاقية[7].

حاول عدد من المفكرين فهم حاجة المجتمعات الحديثة إلى تهذيب أخلاقي معاصر، مثل موقف هيلاري بوتنام (Hilary Putnam) الداعي إلى عدم فصل الواقع عن القيمة، ويورغن هابرماس (Jürgen Habermas) المتمثل في أخلاقيات الحوار، بل وضروريته وأهمية طرح المشكلة للنقاش في الفضاء العام، والإرث المعرفي المتين لطه عبد الرحمان حول وجوبية الفعل الأخلاقي[8]. وقد وُظِّف النقد الأخلاقي في سيرورة تشكُّل الحضارات من طرف زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman) متأثرًا بالإرث العريق لمدرسة فرانكفورت. تتمحور الأفكار الأساسية لباومان في مسألة تسليع الإنسان وحرمانه من جوهره والمتاجرة بأحاسيسه، مع فقدان كامل للمعايير والثوابت، حيث تمثِّل الأخلاق خطرًا عن هذه النُّظُم الحياتية[9]. ولهذا تأثَّر عبد الوهاب المسيري بهذه المنابع المعرفية، سواء روَّاد مدرسة فرانكفورت أو باومان، حيث رسَّخ مشروعه الفكري أساسًا على نقد فكر الحداثة المنتهِك لكل قيمة وثابتة، ولهذا يسهل على نُظُم سياسية كثيرة شرعنة الظلم وتبريره، وانتهاك الحرمات الإنسانية، وهذا ما يجعل من الأخلاق -مرة أخرى- حجر عثرة أمام هذه النُّظُم لا قاعدة بناء[10].

بوتنام وهابرماس وباومن
هيلاري بوتنام (Hilary Putnam) - زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman) - يورغن هابرماس (Jürgen Habermas)

مثَّلت مسألة علاقة الأخلاق بسيرورة الحضارات هاجسًا أساسيًّا لدى باحثين آخرين من خارج علم التاريخ، فقد أبرز عدد منهم ضياع النفس البشرية الحديثة في خضمِّ أتون الاستهلاك والقهر والاستغلال والدور المهم للأخلاق في إنقاذ إنسانية الإنسان، وقد أُنتجت أفكار مهمة حول فقدان السياسة للمنظومات القيمية مع نشأة المنطق المكيافيلي في الحكم، حيث تُعَدُّ الأخلاق عائقًا وحجر عثرة، مما يعطل تمدُّد الرأسمالية، وينزع عنها ذخيرتها الأيديولوجية؛ ولهذا عالج أولي لاغرسبيتز (Olli Lagerspetz) مسألة الثقة وأهميتها الحيوية في الوجود البشري، حيث لا يمكن للثقة أن توجد وتُنتج معرفة ومصلحة وفضيلة بدون أخلاق[11].

وقد تتبَّع الباحث عبد الرزاق بلعقروز مكمنَ الخلل في الحضارة الغربية، وتوصل إلى أن نقطة التوتُّر الأساسية تكمُن في فلسفة القيم والأخلاق، من خلال نقد مفهوم "عصر ما بعد الأخلاق"، مُبرزًا آثاره السلبية على الوجود البشري عمومًا معنويًّا وتعميريًّا، مؤكدًا على أهمية التربية الأخلاقية. فقد أسَّست الحداثة ورسَّخت مفهوم النجاعة والنفعية، حيث فُصل بين الروح والجسد، وبين العقل والقلب. فمفاهيم من قبيل "التسامح" و"التواصل" و"الاعتراف" و"التعارف" تتصادم وتتنافى مع المنظومة المعرفية والسياسية للحداثة التي شُرعن فيها التمدُّد الاستعماري والتفوق العِرقي والتصنيفات التحقيرية بأنواعها[12]. وقد ناقش أشيل مبيمبي في كتابه "الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية" فكرة التطور المطرد للبشرية نحو الأفضل، وفنَّد هذه الأطروحة، حيث تزامن التطور البشري وتشابك مع نمو مستمر لوحشيته وأنانيته. فلم يكتفِ الإنسان بالإضرار بنفسه، بل لحقت شروره الحيوان والطبيعة[13]. كما بيَّن تود سلون (Tod Sloan) المآل الذي وصلت له حياتنا الحديثة، سواء من ناحية "تسليع" ثقافاتنا أو من ناحية "استعمار عالم الحياة"، مع فقدان الإنسان السيطرة على حياته العامة والخاصة و"تدمير المعنى"[14].

وسيتبيَّن لنا آخر هذا الفصل المكانة المحورية التي احتلها سؤال الأخلاق في العمل التأريخي عمومًا، وخاصةً في علاقة الأخلاق بالماضي والعِبرة منه لمحاولة استشراف مستقبل متخلِّص من كل سلبيات الماضي. ولهذا مثَّلت الأخلاق لُبَّ الممارسات الاستشرافية المتميزة، وضرورة أساسية لبناء عالم أفضل وأقل ظلمًا.

  1. التأريخ وإنتاج الكائن الأخلاقي: مرتكزات الظلم في الماضي وتعاملنا معها حاضرًا ومستقبلًا

وُظِّفت أحداث تاريخية معزولة عن سياقاتها في تمييز البشر وإنتاج صور نمطية وتصنيفات تحقيرية عديدة، من قبيل المركزية التاريخية للغرب وأحقيته في ذلك[15]. وقد نشأ في هذا السياق مفهوم الحضارة (Civilization)، حيث تسبَّبت مجموعة من السياقات العالمية في ظهور مصطلح "حضارة" بمعناه الحديث خلال القرن الثامن عشر. وكان أهم العوامل هو الاستكشافات الأوروبية (أمريكا خاصة)، إلى جانب الخطر المحدق الذي لعبه الوجود العثماني في البحر المتوسط وفي أوروبا، وهذا ما استفز الوعي الأوروبي لإنتاج صور تحقيرية عن "الآخر"؛ ولهذا يمكن اعتبار إنتاج صورة للآخر الهمجي ردَّ فعل على التهديد التركي. كما نجد عوامل أخرى مهمة أسهمت في إنتاج مفهومي "الحضارة" و"المتحضر"، وهو التقدُّم العلمي والتقني (علم البيولوجيا، علم النباتات، علم الحيوان، التطور التقني)، فقد أصبح بإمكان أوروبا أولًا أن تقارن نفسها وتطورها بتخلُّف الآخرين (البلدان المكتشفة حديثًا مثل أمريكا)، وثانيًا بدأ يبرز الوعي بأهمية أخذ حجة تحضير الآخر وسيلةً للهيمنة على البلدان واستعمارها، باعتبار أن الدول الغربية بصفتها دولًا توسعية تستطيع تحديد حضارتها الخاصة بها و"تصديرها" إلى الآخرين غير المتحضرين. وفي هذا الإطار، تطورت ونشأت علوم إنسانية واجتماعية عديدة مثل الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وفيما بعد علم الاجتماع، والنظرة الحديثة لعلم التاريخ. فقد وُلِدَ مفهوم "حضارة" في سياق ثقافي أوروبي نتج عن روح عصر الأنواع (العقل) المتحفزة والتوَّاقة لمعرفة الآخر والمختلف. من هنا برز تعريف آخر للحضارة باعتبار احتوائها على قسمَيْن أساسيَّيْن: أولًا رؤية عالمية واضحة يمكن أن تكون عبارة عن مجموعة من الأنظمة الثقافية والأيديولوجية، وثانيًا باعتبارها نظامًا سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا متناسقًا. وهذا ما كان متوفرًا في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على عكس بقية العالم، فقد شكَّلت أوروبا مصطلح "حضارة" استنادًا إلى خصوصياتها وسياقاتها، وحاولت فرضَهُ على بقية العالم (مستعمراتها). وهذه ممارسة إثنو-مركزية أوروبية بامتياز. فعلى كل المجتمعات غير الأوروبية أن تتبع النموذج الأوروبي[16]. وقد حاول عدد من المفكرين الغربيين مقاومة الصور النمطية التحقيرية المُنتجة تجاه الآخر، مثل جاك غودي (Jack Goody) الذي سعى كتابه "الشرق في الغرب" لنقض مجموعة من الصور النمطية (stereotype) عن الشرق "الساكن" "المتخلف"، منكرًا القول بأن الشرق يتميز ببنية تمنعه من التطور، أي إن الأمر حتميٌّ، فـ"غالبًا ما كان صعود الغرب مرتبطًا في أذهان الغربيين بامتلاك نزعة عقلية ليست متاحةً للعقليين"[17]. لقد حاول غودي أن يبرز أن خاصية العقلانية لم تكن حكرًا على الغرب، ومن خلال عمل علمي صارم موثَّق مطبَّق على آسيا -وخاصةً الهند- بيَّن الكاتب أن التجارة والاقتصاد القائم على "علم المحاسبة" و"مسك الدفاتر" وآليات تناقل المعلومة في مجال العمل والإنتاج وانعكاسات ذلك على الأسرة في أواخر العصر الوسيط لم تكن تختلف كثيرًا عن أوروبا.

تتموضع الأخلاق في عقدة تشابكات بين المصلحة والفضيلة وتحقيق المنافع خاصةً الاقتصادية والسياسية. حيث تمنع الأخلاق -إن طُبقت- من تحقيق مصالح فاعلين اجتماعيين كثيرين؛ ولهذا تُتجاهل أو يجري تسفيهها من قِبَل أصحاب النفوذ. وليس من قبيل الصدفة استهدافها من قِبَل التيار الشعبوي. فالشعبوية تعتمد على الصور النمطية والوصم الاجتماعي وتشكيل الروايات الجاهزة التي تتناقض وجوديًّا مع الأخلاق، ونقض السرديات الراسخة من قبيل الأوروبي "المتحضر" والشرقي "الهمجي" وعجز غير الأوروبي عن التفكير[18]. كما وقفت الأخلاق حاجزًا أمام تسليع المرض والمتاجرة بالألم، وسعت إلى تأسيس أخلاق طبية، وهذا ما تمحور حوله عمل المؤرخ الأمريكي تيموثي سنايدر (Timothy Snyder)، حيث مثَّلت الأخلاق السياسية عقب أخيل (Achilles' heel) ومكمن صراعات ونزاعات متوارية بين الأنماط الحضارية الغربية. فلو رسخنا معطى الأخلاق السياسية، فكيف لأوروبا وأمريكا وروسيا أن تشرعن مصالحها وتمأسس توقها إلى منافع الثروة[19]؟

لا يمكن للأخلاق أن تؤسس للظلم، ومن ثَمَّ لا يمكن للحرب أن تكون عادلة ولا للقتل أن يكون ذا منفعة

تضرب الأخلاق كلَّ مقومات الممارسات السياسية الظالمة، من قبيل العنصرية والتصنيفات العِرقية، والفردانية بما تشتمل عليه من أنانية وأهواء ونزوات بعيدًا عن كل مصلحة عامَّة، والتقسيمات الطبقية واللغوية والأدبية (أدب رفيع، أدب وضيع)، وشرعنة الظلم الاقتصادي وتوزيع الثروة اللامتساوي بل المجحف وإعادة الإنتاج الدائمة للتفاوت الاجتماعي واحتكار النفاذ إلى مراكز القوة والنفوذ، والممارسات القاسية للمؤسسات راسخة القدم في الدولة القومية ذات السيادة، هذه المؤسسة التي تتنافى أهدافها ومنطلقاتها ومآلاتها مع كل النُّظُم الأخلاقية. وهذا ما انتبه له وائل حلاق، فلا يمكن للدولة القومية ذات السيادة أن تتوافق مع نظرة الإسلام للسيادة، باعتبار أن الهدف الأساسي للإسلام هو إنتاج الكائن الأخلاقي مقابل الهدف السيادي حصرًا للدولة القومية ذات السيادة، حيث السكان مجرَّد أرقام. وهذا هو معنى عبارة "الدولة المستحيلة"[20]. كما تُزيل الأخلاق كل متركزات صناعة "الآخر" المختلف، ومن ثَمَّ شرعنة ظلمه. وترتكز سيرورة الظلم على مرحلية أساسية وأهمها تشكيل عدو عبر استراتيجيات الوصم (Stigmatization)، ويعتمد هذا الوصم على الانتقائية التاريخية وتجاهل السياقات[21].

تؤسس ثنائية تاريخ/أخلاق ستارًا واقيًا تجاه الانتقائية التاريخية، ومن ثَمَّ احتمال صنع الوصم، ومن ثَمَّ الظلم. كما تسعى ثنائية تاريخ/أخلاق إلى الاعتراف بالموروث الإنساني عمومًا وعدم نكرانه وتجنُّب كل مركزية إثنية، وكشف وتعرية كل أشكال الإذلال وممارساته، سواء الاجتماعية أو على مستوى "باثولوجيا العلاقات الدولية" وفق عبارة برتران بديع (Bertrand Badie)[22]. شكلت معضلة الإذلال انسدادًا صلبًا في العلاقات الإنسانية بسبب اعتماد دول ومصالح عليها، فالاستعمار والهيئات الدولية المتنفذة وطبيعة فكر الحداثة ونمط العيش الاستهلاكي، كلها مرتكزات أساسية لإعادة إنتاج الإذلال.

برزت في خضمِّ هذه الصراعات المصلحية/الإبستيمولوجية نظريات مقاومة للتيار الأخلاقي بدون إعلان العداء له، من قبيل مفهوم "الحرب العادلة" و"أخلاقيات الحرب". وقد وُظِّفت في هذا السياق ثنائية تاريخ/أخلاق لا لتأسيس الفضيلة وإنما لشرعنة الحرب، أي توظيف الزخم الأخلاقي وعدم رفضه، مع المحافظة على نفس مصالح أصحاب النفوذ. وفي هذا السياق، تدافع الأخلاق عن مصلحة الإنسان رغم السعي إلى حشرها -أي الأخلاق- في أتون صراعات دولية ومصلحية لا تعير اهتمامًا لحقٍّ أو فضيلة أو واجب. ولهذا لا يمكن للأخلاق أن تؤسس للظلم، ومن ثَمَّ لا يمكن للحرب أن تكون عادلة ولا للقتل أن يكون ذا منفعة[23].

وقد انتبه عدد من المؤرخين الغربيين إلى خطورة توظيف مقتطفات تاريخية لوصم بقية الحضارات وتصنيفها تحقيريًّا، وقد سعوا إلى توظيف التاريخ لفهم طبيعة الحاضر والشكل المحتمل للمستقبل بطريق أكثر حياديةً. فقد أرجع إيان موريس (Ian Morris) -في أهم أعماله- هيمنة الغرب لسبب جغرافي، متجنبًا كل التصنيفات العرقية أو الدينية واللغوية، ومتخلصًا من موروث أوروبي عميق رسَّخ تفوق الغرب العِرقي والديني واللغوي، فقد انحاز إيان موريس إلى الطبيعة مقابل البيولوجيا[24]. ولكن ظل هنا الموروث الأخلاقي غائبًا عن مقاربة إيان موريس رغم أهمية عمله. وقد اشتغل جارد دايموند (Jared Diamond) في هذا السياق نفسه، وقدَّم أطروحته حول تفوق الغرب اليوم، وأرجع هذا التفوق إلى موقع أوروبا المتميز الذي سمح لها باحتكار الأسلحة الناجعة لاشتمالها على مواد طبيعية متنوعة، وخاصةً الفولاذ، وقد مكَّن هذا الموقع الجغرافي نفسُه الجسد الأوروبي من اكتساب مناعة قوية تجاه جراثيم كثيرة، وهذا ما تسبَّب حقيقةً في المجزرة الجرثومية التي تعرض لها السكان المحليون للقارة التي ستُسمَّى فيما بعد بالقارة الأمريكية[25]. لم يُشر دايموند قطّ إلى دور الموروث الأخلاقي في نشأة الحضارات أو تطورها. وقد واصل دايموند مشروعه مع انحياز طفيف للظروف الثقافية لتطور الحضارات أو انهيارها من قبيل التنظيمات الاجتماعية والأسرية ودور الثقافة في المحافظة على البيئة[26].

إيان موريس وجارد دايموند
                               إيان موريس (Ian Morris) - جارد دايموند (Jared Diamond)

تحتاج الممارسة الأخلاقية البنَّاءة إلى مفهوم "التنوع" والحفاظ على كل "مشترك" إنساني. ويسعى هذا المشترك الأخلاقي عمومًا إلى تحقيق الأمان والاستئمان الضروري للوجود البشري، وتأسيس العلاقات التواثقية بين البشر لا التعاقدية فقط[27]. وقد حرص طه عبد الرحمن على مركزة مفهوم الأخلاق في كل خطوات مشروعه الفكري عبر إخراج مفهوم الأخلاق من "نطاق تعامل الناس بعضهم مع بعض" إلى فضاء وحرية الأخلاق كمرتكز للمشترك المجتمعي ككل[28]. فعبر تقعيد مصطلح "التواثق" ونحته، لا يمكن لنا تمتين الأواصر العائلية والاجتماعية فقط، بل والتنظير لطبيعة العلاقات الدولية والحضارية[29]. ولهذا تقف الأخلاق حائط صدّ متين أمام ممارسات سياسية عديدة، فأفكار سامية من قبيل الحرية والفضيلة والعدل والعدالة والحق والحقيقة يمكن أن تتحوَّل من دون الأخلاق إلى وسائل ناجعة للظلم والهيمنة، وفي المقابل تتحوَّل هذه الأفكار عبر الأخلاق إلى مؤسسات عقلانية اجتماعية مُحقِّقة للحرية وكافلة لها.

يساعدنا التأريخ على فهم المرتكزات للظلم في الماضي، وعدم تكرارها في الحاضر والمستقبل، ومن ثَمَّ الإسهام في تشكيل الذوات الأخلاقية، سواء في المؤسسة العالِمة (الجامعة) أو في المجتمع. ونستخرج من جملة الدراسات التي اعتمدنا عليها أن الظلم تاريخيًّا يعتمد على مرتكزات أساسية، منها الإنتاج الحثيث والدائم للفكر الثنائي (خير/شر، قوي/ضعيف...)، فعلى المؤرخ (والإنسان عمومًا) السعي إلى التركيز على "الفكر الشبكي" وتجنُّب الفكر الثنائي أو الخطي من أجل فهم التحولات. وعلى الإنسان عمومًا أن يضع أيَّ مسألة تعترضه ضمن سياقاتها الحقيقية، خاصةً عبر إعلان الأسئلة التالية: "كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا"[30]. تُسهم هذه المنهجية في تعرية كل مصلحة، وتبيّن الهدف الحقيقي لكل حدث تاريخي. ومن ناحية أخرى، لقد أبرز لنا التأريخ السعي الحثيث لكل حضارة إلى السيطرة على منابع الثروة، وأهمها قوة العمل والآلات والمواد الخام، فمجمل الحروب والظلم قد وقعت لأجل هذه الأهداف، حيث إن "التجارة والحرب ظلتا بالضرورة مترادفتين"، ونصل هنا إلى استراتيجيات التبرير: الأيديولوجيا. فكل "نمط من أنماط الإنتاج ينطوي على جملة من التمايزات الجوهرية بين البشر... تضطلع الأيديولوجيات بمهمة تقنين هذه الفروق وتصنيفها لا فقط بوصفها جوانب غائية للعلاقات الاجتماعية، بل على اعتبار أنها متجذرة في جوهر الكون... ثمة إذن وجه اقتصادي وسياسي لتشكُّل منظومات الأفكار، ومنظومات الأفكار هذه لا تلبث لحظة إنتاجها أن تتحوَّل إلى أسلحة في صدام المصالح الاجتماعية"[31].

إن الظالم (فردًا كان أو دولة أو إمبراطورية أو مؤسسة) ينتج دائمًا صورًا نمطية ووصمًا اجتماعيًّا تحقيريًّا تجاه من يبتغي ظلمه، ويسعى دائمًا إلى تعريفه وتسميته ولا يترك له فرصة تعريف نفسه، وإنتاج صورة المظلوم دائمًا ما تكون نقيضًا لصاحب الصالح.

تُرجع دراسات تاريخية نشأة الرأسمالية إلى عدَّة أسباب، من أهمها السيطرة على البيئة المرضية (النظافة، التلقيحات، الأدوية...) وتوفر موارد الغذاء[32]. ولهذا تسعى الإمبراطوريات المهيمنة إلى اليوم لمنع منافسيها من تملُّك الدواء والغذاء. كما أشار أشيل مبيمبي إلى أن شبكات النفوذ تعتمد على: الثقافة، والدين، والبيولوجيا. وترتكز هذه المصالح في اشتغالها على: التفريق، والتصنيف، والترتيب، والمفاضلة. كما يعتمد الفعل الاستعماري على منطق ثلاثي: العِرق، والبيروقراطية، والتجارة. وترتكز المنافع على حيازة: الأرض، والسكان، والإقليم[33]. وقد بيَّن أنور عبد الملك في كتابه "الإبداع والمشروع الحضاري" أن "المحاور التكوينية الأربعة لكل وجود اجتماعي هي: إنتاج احتياجات العيش، وضرورة استمرار الجنس البشري بالتناسل، وتمركز كل مجتمع حول مركز للسلطة الاجتماعية، والعلاقة ببُعْد الزمان والتاريخ والتعالي"[34]. وقد أبرز مالك بن نبي أن الحضارة تتركَّب من: الإنسان، والتراب، والوقت، والفكرة الدينية. وتتكوَّن الثقافة من: الأخلاق، والتوجيه الفني والصناعي، والذوق الجمالي، والمنطق العملي[35].

خاتمة

ما الشكل الذي يمكن استخراجه من خلال خطاطة الظلم التاريخية هذه؟ وكيف تساعدنا هذه الخطاطة على تشكيل الذوات الأخلاقية في عصر "ما بعد الأخلاق"؟ إن الظالم (فردًا كان أو دولة أو إمبراطورية أو مؤسسة) ينتج دائمًا صورًا نمطية ووصمًا اجتماعيًّا تحقيريًّا تجاه من يبتغي ظلمه، ويسعى دائمًا إلى تعريفه وتسميته ولا يترك له فرصة تعريف نفسه، وإنتاج صورة المظلوم دائمًا ما تكون نقيضًا لصاحب الصالح (متحضر مقابل همجي مثلًا). ومن ثَمَّ ينتج الفاعل الاجتماعي هويةً مناقضةً لمنافسيه ومتعالية عليهم في سبيل تحقيق مصلحته. والهدف الأساسي هنا هو شرعنة الظلم وتبريره، ومن ثَمَّ الاستحواذ على منابع المواد الأوَّليَّة مما يسهل إنتاج الطاقة، وتشكيل الجيوش وتملُّك التكنولوجيا، أي التمكُّن من تبادل سريع للمعلومات، أي القدرة على الإقدام على الحرب بعد نسج الغطاء الأيديولوجي[36].

 تمكِّننا العبرة التاريخية أيضًا من الاستشراف والوعي بأهمية تملُّك المُصنفين تحقيريًّا في هذا العالم لوسائل إنتاج غذائهم ودوائهم ووسائل عيشهم الحيوية اليومية. إلى جانب أهمية الاهتمام بالشأن الثقافي والحضاري وإعطاء الأولوية للعلوم الإنسانية والاجتماعية وفي مقدمتها علم التاريخ. حيث يموضع علم التاريخ الإنسان زمنيًّا وتاريخيًّا وحضاريًّا وثقافيًّا ويعطيه معنًى لوجوده الجماعي والفكري مع القدرة على الاستفادة من الماضي وحيازة الفكرة، ومن ثَمَّ الإسهام الفعَّال في إنتاج الذوات الأخلاقية ذات الخصال الفاضلة والجمالية والخيّرة، دون إهمال المنطق العملي، أي الجهد الذي يجب بذله لتأسيس الحضارة.

المراجع

 إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، بيروت: دار الآداب، الطبعة الرابعة، 2014م.

أرسطو طاليس، علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمة: أحمد لطفي السيد، القاهرة: دار الكتب المصرية، 1924م، الجزء الأول.

أرنست كاسيرر، مقال في الإنسان: مدخل إلى فلسفة الحضارة الإنسانية، ترجمة: إحسان عباس، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع/دار الروافد الثقافية ناشرون، 2020م.

إريك وولف، أوروبا ومن لا تاريخ لهم، ترجمة: فاضل جتكر، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2004م.

أشيل مبيمبي، الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية، ترجمة: نادرة السنوسي، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م.

 أشيل مبيمبي، نقد العقل الزنجي، ترجمة: طواهري ميلود، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2018م.

إعجاز أحمد، في النظرية: طبقات، أمم، آداب، ترجمة: ثائر ديب، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2019م.

ألبرت هيرشمان، النوازع والمصالح: حجج سياسية للرأسمالية قبل انتصارها، ترجمة: سعيد أبو زينة، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م.

ألفن توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ترجمة: عصام الشيخ قاسم، بنغازي: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، 1990م.

ألفين توفلير، تحول السلطة، لبنى الريدي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1996م؛ بناء حضارة جديدة، ترجمة: سعد زهران، القاهرة: مركز المحروسة، 1996م.

أمبرتو إيكو، دروس في الأخلاق، ترجمة: سعيد بنكراد، المغرب: المركز الثقافي العربي، 2010م.

أميا كومار باغتشي، العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، ترجمة: عمر سليم التل، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019م.

أنور عبد الملك، الإبداع والمشروع الحضاري، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012م.

إيان موريس، لماذا يهيمن الغرب اليوم؟ أنماط التاريخ وما تكشفه لنا عن المستقبل، ترجمة: روان القصاص، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018م.

باروخ سبينوزا، علم الأخلاق، ترجمة: جلال الدين سعيد، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2009م.

برانكو ميلانوفيتش، الذين يملكون والذين لا يملكون: تاريخ مختصر وخاص للامساواة العالمية، ترجمة: وليد أبو بكر، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م.

برتران بديع، زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية، ترجمة: جان ماجد جبور، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2015م.

بروس مازليس، الحضارة ومضامينها، ترجمة: عبد النور خراقي، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 2014م.

بول كنيدي، الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، ترجمة: محمد عبد القادر، غازي مسعود، عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1993م.

بيير روزانفالون، قرن من الشعبوية: التاريخ والنظرية والنقد، ترجمة: محمد الرحموني، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2022م.

بيير كونيسا، صنع العدو: أو كيف تقتل بضمير مرتاح؟ ترجمة: نبيل عجان، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م.

تشارلز تيلي/ ليزلي وود، الحركات الاجتماعية (1768- 2012)، ترجمة: ربيع وهبة، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2020م.

تود سلون، حياة تالفة: أزمة النفس الحديثة، ترجمة: عبد الله بن سعيد الشهري، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م.

تيموثي سنايدر، الطريق إلى اللاحرية: روسيا وأوروبا وأمريكا، ترجمة: هيثم رشيد فرحت، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2022م.

جارد دايموند، أسلحة، جراثيم وفولاذ: مصائر المجتمعات البشرية، ترجمة: محمد الزواوي، عمان: الأهلية للنشر، 2008م.

جارد دياموند، الانهيار: كيف تحقق المجتمعات الإخفاق أو النجاح؟ ترجمة: مروان سعد الدين، الرياض: العبيكان، 2011م.

جاك غودي، الشرق في الغرب، ترجمة: محمد الخولي، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2008م.

جاك غودي، سرقة التاريخ، ترجمة: محمد محمود التوبة، الرياض: العبيكان للنشر، 2010م.

جون إيتيان، "ثقافة حسن الأداء وأخلاقيات المصلحة العامة"، مستقبليات: رؤى واستشراف، معهد تونس للترجمة، العدد 2، 2010م.

جون رولز، محاضرات في تاريخ فلسفة الأخلاق، تحرير: باربرا هرمان، ترجمة: ربيع وهبة، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2019م.

حميد دباشي، هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟، ترجمة: عماد الأحمد، ميلانو: منشورات المتوسط، 2016م.

دورية استشراف للدراسات المستقبلية، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عدد 6، عدد خاص في محور: استشراف تحولات العلوم والتكنولوجيا، بوابة العرب إلى المستقبل، 2021م.

دوني بلوندان، نوعان من البشر: تشريح العنصرية العادية، ترجمة: عاطف المولى، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2020م.

ديفيد فيشر، الأخلاقيات والحرب: هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين؟ ترجمة: عماد عواد، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 2014م، العدد 414.

زيجمونت باومان، سلسلة السيولة، ترجمة: حجاج أبو جبر، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2019م.

سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الاسلامية (مجموعة مؤلفين)، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م.

سيد أحمد كوجيلي، الصراع على تفسير الحرب والسلم: دراسات في منطق التحقيب العلمي في العلاقات الدولية، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م.

طه عبد الرحمن، المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية، الجزء الأول: المفاهيم الائتمانية، الكويت: مركز نهوض للدراسات والبحوث، 2021م.

طه عبد الرحمن، شرود ما بعد الدهرانية: النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2016م.

عبد الرزاق بلعقروز، الاتصاف بالتفلسف: التربية الفكرية ومسالك المنهج، الكويت: مركز نهوض للدراسات والبحوث، 2022م.

عبد القادر ملوك، من تعددية الأخلاق إلى أخلاق التعددية: ميلاري بوتنام، يورغن هابرماس، طه عبد الرحمن، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م.  

عبد الله إبراهيم، المركزية الغربية: إشكالية التكون والتمركز حول الذات، المغرب: المركز الثقافي العربي، 1997م.

عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، القاهرة: دار الشروق، 2002م.

غي ديران، البيوإتيقا: الطبيعة، المبادئ، الرهانات، ترجمة: ترجمة وتقديم : محمد جديدي، بيروت: مؤمنون بلا حدود/جداول، 2015م.

فرتسوا جوليان، جدل في الأخلاق، ترجمة: خديجة الكسوري بن حسين، عبد الحميد العذاري، محمد البحري، تونس: دار الجنوب للنشر، 2004م.

فيكتور كيرنان، سادة البشر: المواقف الأوروبية من الثقافات الأخرى في العصر الإمبريالي، ترجمة: معين الإمام، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2017م.

كاترين أودار، ما الليبرالية؟ الأخلاق، السياسة، المجتمع، ترجمة: سناء الصاروط، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2020م.

لي لاغرسبيتز، الثقة والأخلاق والعقل البشري، ترجمة: مصطفى سمير عبد الرحيم، بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م.

مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دمشق: دار الفكر، 2000م.

محمد شعبان صوان، معضلة قراءة التاريخ: لماذا نقرأ تاريخنا وكيف نتجنب القراءات المتحيزة؟ بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع/دار الروافد الثقافية ناشرون، 2020م.

ميشيل فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع: دروس ألقيت في الكوليج دي فرانس لسنة 1976م، ترجمة: الزواوي بغورة، بيروت: دار الطليعة، 2003م.

هوغ لاغرانج، نكران الثقافات، ترجمة: سليمان رياشي، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2016م.

هيرفريد مونكلر، الإمبراطوريات: منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة: عدنان عباس علي، أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008م.

وائل حلاق، إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمان، ترجمة: عمرو عثمان، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2020م.

وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسيادة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2015م.

Abdelhamid Hénia, Propriété et stratégies sociales à Tunis, 16e-19e siècles, Faculté des sciences humaines et sociale. Tunis – 1999.

Adrian Oldfield, «Moral Judgments in History», History and Theory, Vol. 20, No. 3 (Oct., 1981), pp. 260-277.

Alain Caillé, Christian Lazzeri, Michel Senellart (Sous la direction), Histoire raisonnée de la philosophie morale et politique. Le bonheur et l'utile, La Découverte, Paris, 2001, pp.15- 45.

Emma Shnur, « La morale et l'histoire », Le Débat, 1997/4, n° 96, pp. 159- 165.

Fr. Jodl, «Morals in History», International Journal of Ethics, The University of Chicago Press, Vol. 1, No. 2 (Jan., 1891), pp. 204-223

George Cotkin, «History's Moral Turn», Journal of the History of Ideas, University of Pennsylvania Press, Vol. 69, No. 2 (Apr., 2008), pp. 293-315 (23 pages).

Jean-Paul Sartre, « Morale et Histoire », Les Temps Modernes, 2005/4-5-6, n° 632-633-634, pp.268- 414.

Keith Jenkins, Ethical Responsibility and the Historian: On the Possible End of a History "Of a Certain Kind", History and Theory, Vol. 43, No. 4, Theme Issue 43: Historians and Ethics (Dec., 2004), pp.43- 60.

Review by: E. L. Jones, «Review World History and World Forecasting. Reviewed Works: Out of Control: Global Turmoil on the Eve of the Twenty-First Century by Zbiegniew Brzezinski; Preparing for the Twenty-First Century by Paul Kennedy», Journal of World History, Vol. 5, No. 1 (Spring, 1994), pp. 125-138.

Richard T. Vann, «Historians and Moral Evaluations», History and Theory, Vol. 43, No. 4, Theme Issue 43: Historians and Ethics (Dec., 2004), pp. 3-30.

الهوامش

[1] Abdelhamid Hénia, Propriété et stratégies sociales à Tunis, 16e-19e siècles, Faculté des sciences humaines et sociale. Tunis – 1999, p.9- 24.

[2] Fr. Jodl, «Morals in History», International Journal of Ethics, The University of Chicago Press, Vol. 1, No. 2 (Jan., 1891), pp. 204-223, p.218- 220.

[3] Adrian Oldfield, «Moral Judgments in History», History and Theory, Vol. 20, No. 3 (Oct., 1981), pp. 260-277, p.269- 272.

[4] بول كنيدي، الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، ترجمة: محمد عبد القادر، غازي مسعود، (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1993م)، ص403-428.

[5] ألفين توفلير، تحول السلطة، ترجمة: لبنى الريدي، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996م)؛ بناء حضارة جديدة، ترجمة: سعد زهران، (القاهرة: مركز المحروسة، 1996م)، ص6-21.

[6] جون إيتيان، "ثقافة حسن الأداء وأخلاقيات المصلحة العامة"، مستقبليات: رؤى واستشراف، معهد تونس للترجمة، العدد 2، 2010م، ص45-55.

[7] مجموعة مؤلفين، سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الاسلامية، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م)، المقدمة.

[8] عبد القادر ملوك، من تعددية الأخلاق إلى أخلاق التعددية: ميلاري بوتنام، يورغن هابرماس، طه عبد الرحمن، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م)، ص46-61.  

[9] زيجمونت باومان، سلسلة السيولة، ترجمة: حجاج أبو جبر، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2019م).

[10] عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، (القاهرة: دار الشروق، 2002م)، ج1، ص112-125.

[11] لي لاغرسبيتز، الثقة والأخلاق والعقل البشري، ترجمة: مصطفى سمير عبد الرحيم، (بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م)، ص6-20.

[12] عبد الرزاق بلعقروز، الاتصاف بالتفلسف: التربية الفكرية ومسالك المنهج، (الكويت: مركز نهوض للدراسات والبحوث، 2022م)، ص199-262.

[13] أشيل مبيمبي، الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية، ترجمة: نادرة السنوسي، (بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م)، ص41-68.

[14] تود سلون، حياة تالفة: أزمة النفس الحديثة، ترجمة: عبد السلام بن سعيد الشهري، (بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م)، ص6-19.

[15] فيكتور كيرنان، سادة البشر: المواقف الأوروبية من الثقافات الأخرى في العصر الإمبريالي، ترجمة: معين الإمام، (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2017م)، ص97-120.

[16] بروس مازليس، الحضارة ومضامينها، ترجمة: عبد النور خراقي، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 2014م)، ص5-22.

[17] جاك غودي، الشرق في الغرب، ترجمة: محمد الخولي، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2008م)، ص29.

[18] حميد دباشي، هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟ ترجمة: عماد الأحمد، (ميلانو: منشورات المتوسط، 2016م)، ص159-168.

[19] تيموثي سنايدر، الطريق إلى اللاحرية: روسيا وأوروبا وأمريكا، ترجمة: هيثم رشيد فرحات، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2022م، ص7-35.

[20] وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسيادة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2015م)، 5-40.

[21] بيير كونيسا، صنع العدو: أو كيف تقتل بضمير مرتاح؟ ترجمة: نبيل عجان، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018م، ص97-120.

[22] برتران بديع، زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية، ترجمة: جان ماجد جبور، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2015م)، ص4-25.

[23] ديفيد فيشر، الأخلاقيات والحرب: هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين؟ ترجمة: عماد عواد، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 2014م، العدد 414)، ص174-190.

[24] إيان موريس، لماذا يهيمن الغرب اليوم؟ أنماط التاريخ وما تكشفه لنا عن المستقبل، ترجمة: روان القصاص، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018م)، ص721-829.

[25] جارد دايموند، أسلحة وجراثيم وفولاذ: مصائر المجتمعات البشرية، ترجمة: محمد الزواوي، (عمان: الأهلية للنشر، 2008م)، ص631-650.

[26] جارد دياموند، الانهيار: كيف تحقق المجتمعات الإخفاق أو النجاح؟ ترجمة: مروان سعد الدين، (الرياض: العبيكان، 2011م)، ص641-688.

[27] طه عبد الرحمن، المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية، الجزء الأول: المفاهيم الائتمانية، (الكويت: مركز نهوض للدراسات والبحوث، 2021م)، ص23-56.

[28] المرجع نفسه، ص16.

[29] المرجع نفسه، الجزء الثاني: المفاهيم العلمانية، ص303-347.

[30] تشارلز تيلي، ليزلي وود، الحركات الاجتماعية (1768-2012م)، ترجمة: ربيع وهبة، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2020م)، ص32.

[31] إريك وولف، أوروبا ومن لا تاريخ لهم، ترجمة: فاضل جتكر، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2004م)، ص544-546.

[32] أميا كومار باغتشي، العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، ترجمة: عمر سليم التل، (بيروت/الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019م)، ص83.

[33] أشيل مبيمبي، الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية، ترجمة: نادرة السنوسي، (بيروت/الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، 2021م)، ص17-53.

[34] أنور عبد الملك، الإبداع والمشروع الحضاري، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012م)، ص33.

[35] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، (دمشق: دار الفكر، 2000م).

[36] هيرفريد مونكلر، الإمبراطوريات: منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة: عدنان عباس علي، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008م)، ص19-91.