الشريعة والتاريخ والأخلاق المراجعات التجديدية للداخل الثقافي: نموذجا "إقبال" و"حلَّاق"
الملخّص
يمكن مقاربة موضوع "الشريعة في القرن الحادي والعشرين" من زاوِيَتَيْ نظرٍ مختلفتَيْن تمثِّلان مفارقةً دالَّة. تحيل الأولى على ما تميزت به هذه الألفية الثالثة منذ انطلاقها من أحداثٍ للعنف المسلح الذي تجاوز مناطق الصراع القديمة في "الشرق الأوسط" ليصيب العواصم الغربية باسم الإسلام والجهاد والشريعة وعلاقات المسلمين بالآخرين المختلفين. وتهتمُّ الزاوية الثانية بما أُنجز في المستوى التنظيري والفكري في الزمن المُمتد بين القرن العشرين وبين العقدين الأوَّلين من القرن الحادي والعشرين بخصوص موضوع الشريعة. في هذا المستوى نتوقَّف عند الجهود العلمية للمُفكرَيْن: "محمد إقبال" (ت: ١٩٣٨) و"وائل حلَّاق" (و: ١٩٥٥) في مقاربتهما المفهومية للشريعة، كلٌّ وفق منهجيته وخطابه لما لهما من دلالاتٍ تجديدية مميزة.
لم يعتمد محمد إقبال من جهته فهمًا تقديسيًّا للشريعة كما استحضرها "المنهج الفقهي" عندما جعلها أولويةً في كل مشروعٍ إصلاحيٍّ أو نهضويٍّ. كان "إقبال" بذلك يعتبر الشريعة نموذجًا حضاريًّا ليس للاستعادة والتكرار، بل للتمثُّل والاعتبار بما يحوِّلها إلى بوابةٍ للتطوُّر.
في التوجُّه التجديدي ذاته، يتساءل "وائل حلَّاق" عن معنى "استعادة الشريعة" أو تطبيقها، رافضًا اعتبارها مجرَّد حزمة من القوانين والأحكام غير الموصولة بالأسس الاجتماعية والأخلاقية التي صاغت نمطًا للحياة كاملًا ومتكاملًا.
على هذا يكون نموذجا "إقبال" و"حلَّاق" في مراجعتهما لموضوع الشريعة في اتجاهٍ مناقضٍ لما انتهى إليه الواقع السياسي والدولي بخصوص عالم المسلمين من عنف وصدام. لقد أكَّدا بذلك أن الشريعة موضوعُ رهانٍ مستقبليٍّ مرتبط بسيرورة المساعي العلمية والأكاديمية. وهو رهان مُؤذِنٌ بإمكانيات تقليص حالة العنف في عالم المسلمين، بما يتيح انبثاق روحٍ للتجديد تمكِّن من مرجعية دينية تجعل المسلم قادرًا – ضمن الدائرة الفكرية العالمية – على بحث عقائده وخطوطه الفكرية من جديد.