الخطاب الديني وصراع المرجعيات في تونس
الملخّص
كان الشأن الديني في خمسينيات القرن الماضي مُهملًا يوشك ألَّا يُذكر نهائيًّا رغم ما يتوفَّر عليه من رموزٍ ومواقفَ ومؤسساتٍ لم تتمكَّن من التصدِّي لتغييب فعل عناصرها عن حراك المشهد الوطني.
اليوم وبعد ستة عقود انقلب الوضع بصورة كاملة؛ إذ غدا حضور العنصر الديني بارزًا بصورة مركزية تركيبية لا تخطئه العين ولا يتخطاه أيُّ توجه أو نشاط رغم تشظِّي المؤسسات والفعاليات والمشاريع والبرامج الخاصة به.
كيف حصل هذا الانقلاب الهائل؟ وكيف يمكن أن نفسر هذه المفارقة التونسية المعاصرة في المجال الديني؟ وعلى أيِّ أساس تبيِّن النُّخب التونسية التحديثية هذا التحوّل المذهل وهي التي ظلت تعمل بكل ما أوتيت من نفوذٍ وجهدٍ في المجال السياسي والاجتماعي والمؤسسي ومنذ فترة ما قبل الاستقلال على الاستئثار بالسلطة ثم المثابرة على إقامة نظام لائكيٍّ في تونس؟
لذلك وسعيًا إلى تفسير حدوث هذا الانقلاب الهائل وغير المتوقَّع، فما سنعمل على تناوله في هذا البحث يتركَّز أساسًا على هذين الجانين:
١- طبيعة "الخطاب الديني في تونس" وإلى أي حدٍّ كان فعلًا خطابًا "دينيًّا" ؟
٢- الحفر في إمكان وجود علاقة ارتباطية بين ذلك الخطاب وبين ما أصبحت تشهده الحياة التونسية من تحوّلٍ صار بمقتضاه الشأن الديني مركزيًّا رغم كل جهود التهميش والاستئصال.
إن غايتنا من هذا البحث هي دراسة هذه المفارقة الكبرى التي يجسِّدها سؤال: لماذا لم تتمكَّن الدولة التحديثية رغم طبيعتها السلطوية الشاملة واستتباعها الكامل لما بقي من "مؤسسة دينية" أن تنجح في سياستها "اللائكية" التحديثية، وأن تمكِّن لفكرها الوضعي أن يكون فاعلًا حقيقيًّا في الحياة العامة.