في العلمانية والعلمانوية في العالم العربي-الإسلاماتي: جريدة "نفير سورية" لبطرس البستاني

دراسات - في العلمانية والعلمانوية في العالم العربي-الإسلاماتي

يهدف هذا البحث إلى مناقشة مفهومَي العلمانية والعلمانوية مناقشة نقدية، وكذلك الصياغة الرائدة أو الأولى لهما في العالم العربي الإسلاماتي في «نفير سورية». وتتمثَّل الأطروحة التي يتبنَّاها البحث -في هذا الخصوص- في أن تلك الصياغة قد حصلت تحديدًا في «نفير سورية» (۱۸٦۰-۱۸٦۱م) لبطرس البستاني(۱). وينطلق البحث من إمكانية التمييز بين العلمانية secularity بوصفها مفهومًا وصفيًّا، وتحليليًّا، والعلمانوية secularism بوصفها مفهومًا معياريًّا وأيديولوجيًّا، ومن ضرورة هذا التمييز. 

ويستند البحث في هذا التمييز إلى الإطار المفاهيمي الذي يتبنَّاه ويطوِّره مركز الدراسات المتقدمة في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية «علمانيات متعدِّدة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات» في جامعة لايبزيغ. ووفقًا لهذا التمييز، فإن مفهوم العلمانية يُحيل إلى ما هو كائن، أو إلى التمايز المؤسسي والرمزي، في الواقع، وإلى التمييز النظري أو المعرفي في الفكر بين الديني وما يغايره، في حين يُحيل مفهوم العلمانوية إلى ما يجب أن يكون، ويتضمَّن موقفًا مؤيدًا لعلمنة الواقع أو تَعلْمُنه، ومُظهرًا لإيجابيات هذه العلمنة أو هذا التعلمن. وسنبيِّن لاحقًا أن التمييز بين المفهومَيْن  لا ينفي تداخلهما، ولا ينكر تجاور البُعْدين الوصفي/التحليلي والمعياري/الأيديولوجي في كلٍّ منهما، لكنه يُشير إلى أن البُعْد المعياري في مفهوم العلمانوية أكثر كثافةً من البُعْد المعياري في مفهوم «العلمانية».

ينقسم هذا البحث إلى قسمَيْن  رئيسَيْن: قسم نظري وتاريخي عام، وقسم خاص بنص البستاني المذكور. فالقسم الأول يتضمَّن تحليلًا مفاهيميًّا لمفاهيم العلمانية، والعلمانوية، والعلمنة/التعلمُن، وإبرازًا للتمايزات بينها والضرورات المعرفية والمنهجية للتمييز بينها في الثقافة العربية الإسلاماتية الحديثة والمعاصرة. كما يتناول ذلك القسم التحليل اللغوي والتاريخي للعلمانية والعلمانوية في الثقافة المذكورة، قبل «نفير سورية»/ بطرس البستاني. أما القسم الثاني من هذا البحث، فيركِّز اهتمامه على القيام بدراسة مفصَّلة للمفهوم أو التصور الإيجابي للعلمانية، الذي تضمَّنه «نفير سورية» وللموقف العلمانوي لدى البستاني بوصفه النص الرائد في هذا الخصوص.

تمييزات مفاهيمية: العلمانية، العلمانوية، العلمنة/التعلمن

قبل الحديث عن صياغة مفهوم العلمانية في «العالم العربي الإسلاماتي»(۲)، يبدو ضروريًّا أن نضبط معنى المفهوم والتمييز بينه وبين مفهومي العلمانوية والعلمنة/التعلمن. وتنبثق تلك الضرورة من ضبابية هذا المفهوم وتعريفاته المختلفة إلى حدِّ التناقض. ولعل القول بغموض مفهوم العلمانية والمفاهيم المتصلة به يمثِّل الفكرة الوحيدة التي يُجمع عليها ويُتفق في خصوصها بين كل الباحثين في هذه المسألة. فعلى سبيل المثال، يرى عبد الوهاب المسيري أن مصطلح العلمانية «من أكثر المصطلحات شيوعًا وإثارةً للفرقة»، وأنه أبعد ما يكون عن أن يكون «محدَّد المعاني والأبعاد والتضمينات»(۳). ويذهب محمد عابد الجابري إلى درجة القول: «ما من شعار من شعارات الفكر العربي الحديث كان -وما يزال- مدعاة للَّبْس وسوء التفاهم كشعار العلمانية»(٤). وعلى هذا الأساس، يبدو مسوغًا القول بأن «المسألة التعريفية هي أكبر مشكلة جديَّة يواجهها موضوع العلمانية في الشرق الأوسط اليوم»(٥).

وكما أشرت في المقدمة، فإني سأستند إلى الإطار المفاهيمي الذي يتبنَّاه ويطوِّره مركز الدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية «علمانيات متعدِّدة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات» في جامعة لايبزيغ(٦)، للتمييز بين ثلاثة مفاهيم أساسية في هذا الخصوص: العلمانية، والعلمانوية، والعلمنة/التعلمن.

تعني «العلمانية» secularity -بوصفها مفهومًا تحليليًّا- التمايز البنيوي (العملي أو الواقعي)، والتمييز البنيوي (النظري أو المعرفي) بين الدين أو الديني وما هو ليس بدين أو غير الديني. ويحتفظ هذا التعريف بأطروحة واحدة فقط من أطروحات نظرية العلمنة التقليدية الثلاث، وهي كما يُبيِّن خوسيه كازانوفا: ۱) أفول الدين أو المعتقدات والممارسات الدينية. ۲) خصخصة الدين وغيابه أو تغييبه عن المجال العام. ۳) التمايز بين المجالَيْن الديني وغير الديني (العلماني)(۷)

ويُشير مفهوم «العلمنة» أو «التعلمن» secularization إلى عملية التمايز التي تجري في الواقع بين الديني وغير الديني، أي إلى صيرورة تحقُّق العلمانية في الواقع. ومن المفيد التمييز هنا بين العلمنة والتعلمن(۸). فالحديث عن التعلمن يركِّز على نتيجة العلمنة وعلى سيرورتها الموضوعية وأسسها البنيوية الواقعية، أما الحديث عن العلمنة فيبرز فاعلية الذات الإنسانية وكونها عملية مقصودة ومرادة. وتعلمن الواقع لا يكون دائمًا نتيجة لعلمنة مقصودة أو رؤية علمانوية فاعلة. 

ويُحيل مفهوم «العلمانوية» secularism -بوصفه مفهومًا معياريًّا أو أيديولوجيًّا- إلى الموقف الأيديولوجي الذي يتبنَّى العلمانية ويدعو إليها ويُشيد بها، ويشدِّد على ضرورتها. وينبغي التشديد على بعض الأفكار المتعلِّقة بالتمييز بين المفاهيم المذكورة.

إن السمة التحليلية لمفاهيم العلمانية والعلمنة أو التعلمن تعني أنها مفاهيمُ وصفية تحاول أن تصف أو تُحلِّل ما هو كائن، مع السعي -قدر المستطاع- إلى تجنُّب الحديث عمَّا ينبغي أو يجب أن يكون. لكن القول بتلك السمة التحليلية الوصفية، ووضعها في مقابل السمة المعيارية الأيديولوجية، لا ينفي الإمكانية الدائمة لوجود بُعْدٍ معياريّ أيديولوجيّ في المفاهيم التحليلية. فتلك المفاهيم وثيقة الصلة بالحقل السياسي الأيديولوجي وبمفاهيم معيارية أخرى، مثل: الديمقراطية والحداثة والدين...إلخ. ولهذا ينبغي التشديد على أهمية التمييز بين المفاهيم التحليلية الوصفية والمعيارية الأيديولوجية من جهة، وعلى نسبية هذا التمييز من جهةٍ أخرى. والسمة المعيارية الملازمة لمفهوم «العلمانوية» أكثر وضوحًا وكثافةً؛ ولهذا يمكن القول بأن هذا المفهوم «مفهوم معياري كثيف»(۹) thick normative concept، أي إنه يتضمَّن بُعْدين أساسيَّيْن في الوقت نفسِه: بُعْد وصفي تحليلي غير معياري، وبُعْد معياري تقييمي.

ولا تتعلَّق العلمانية -بوصفها تمايزًا وتمييزًا- بالجانب السياسي فقط، بل تشمل كل ميادين الاجتماع الإنساني، كالزراعة والصناعة والاقتصاد والرياضة والكتابة والتعليم والتربية والعلوم...إلخ. وفي المقابل، غالبًا ما تتعلَّق النقاشات العربية الإسلاماتية بـ«العلمانية» من حيث علاقتها بالدولة أو السياسة أو السلطة الدينية، حصرًا أو خصوصًا، مع تبني موقفٍ أيديولوجيٍّ مؤيدٍ لها أو معارض. ومن أهم وأبرز التعريفات في هذا الخصوص: فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة، أو فصل الكنيسة عن الدولة، أو فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية. إن الانطلاق في تعريف العلمانية من رؤية أيديولوجية/معيارية أو جزئية، أو من خلال تعريفٍ جزئيٍّ لها، وإنكار أو جهل أو تجاهل الأبعاد الأخرى لتلك الظاهرة والظواهر الأخرى التي يتجسَّد فيها ذلك المفهوم، كل ذلك أفضى إلى شيوع سوء الفهم في كثيرٍ من النقاشات الدائرة في هذا الخصوص(۱۰).

وينبغي التشديد على عدم وجود تطابقٍ واقعيٍّ وضروريٍّ بين العلمانية والعلمانوية والعلمنة أو التعلمن.

ومن الواضح أن التمييز بين مفهومي العلمانية والعلمانوية لا يعني الفصل الكامل بينهما، ليس فقط بسبب وجود البُعْد المعياري في كليهما، بدرجات متفاوتة كما أشرتُ آنفًا، وإنما لأن مضمونهما الوصفي يتقاطع أيضًا. فالعلمانوية تتضمَّن بالضرورة تمييزًا بين الديني وغير الديني أو تتأسَّس على مثل هذا التمييز. وهذا التمييز بين الديني وغير الديني هو أحد مكونات مفهوم العلمانية كما أشرنا. وسيتناول بحثنا الحالي مفهومَي العلمانية العلمانوية عند بطرس البستاني. وينبغي التشديد على عدم وجود تطابقٍ واقعيٍّ وضروريٍّ بين العلمانية والعلمانوية والعلمنة أو التعلمن. فقد يكون هناك علمانية بوصفها تمييزًا معرفيًّا بين الديني وغير الديني، أو علمنة أو تعلمن من دون علمانوية. وقد يكون هناك تمايز عمليٌّ في الواقع من دون وجود تمييزٍ نظريّ أو معرفيّ. أو بالعكس، قد يكون هناك علمانوية من دون علمانية، أو تمييزٌ من دون وجود تمايز مطابق له.

وبعبارة أخرى، يمكن أن يُعلمَن الواقع أو يتعلمن بدرجات مختلفة من دون أن يرافقه تمييزٌ واضحٌ في المستوى المعرفي، ومن دون أن يرافقه وجود موقف أيديولوجي مؤيد أو معارض لهذه العلمنة أو ذاك التعلمن. وفي هذا الخصوص، ثمة أطروحة مهمَّة ترى أن «مشكلة العلمانية» في العالم العربي الإسلاماتي لا تكْمُن في مدى تعلمن نظامه السياسي، وإنما في مدى التقبل الأيديولوجي والشعبي لهذا التعلمن(۱۱). وعلى هذا الأساس، ينبغي عدم افتراض وجود تطابق ضروري بين العلمانية والعلمنة والعلمانوية. وفي هذا الإطار، ينبغي التمييز بين العلمانية بوصفها سمة إجرائية للنظام السياسي (الديمقراطي)، تتضمَّن المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، والعلمانوية بوصفها فلسفة أو رؤية أيديولوجية معرفية وأخلاقية وسياسية شاملة للعالم والوجود والإنسان، تكون في حالة تضادٍّ أو تناقض مع الرؤية الدينية. ويمكن اعتبار الصورة التي قدَّمها عبد الوهاب المسيري عن تلك «العلمانية الشاملة» نمطًا مثاليًّا لها، بالمعنى الفيبري للكلمة(۱۲).

ومن المهم الانتباه إلى أن المفهوم التحليلي للعلمانية لا يتناقض أو يتضاد مع الدين. فالعلمانية بهذا المعنى تُحيل إلى علاقة ما بين الديني وغير الديني. والمفهوم التحليلي يتضمَّن القول بوجود تمايز بين الطرفَيْن، وليس وجود فصل أو قطيعة أو إقصاء متبادل بينهما، كما يحصل في التعريفات الأيديولوجية الشائعة للعلمانية في المجال السياسي (فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة خصوصًا). والتمايز لا ينفي التداخل والتشابك والتقاطع ولا يتضمَّن القول بوجود تغاير كامل أو مطلق بين طرفيه. فمع مفهوم العلمانية نحن أمام ثنائية، لا مثنوية، ولا تتحوَّل تلك الثنائية إلى مثنوية يتناقض القطبان المكوِّنان لها إلا مع صيغة من صيغ العلمانوية. ويمكن للتمايز المذكور أن يتخذ صيغة الفصل أحيانًا، لكن هذه الصيغة ليست إلَّا إحدى الصيغ الممكنة للعلمانية. ومن هنا تأتي مشروعية الحديث عن أن العلمانيات متعدِّدة، كما هو حال العلمانويات(۱۳). ويمكن للعلمانية أن تكون جزءًا من الدين نفسِه. وعلى هذا الأساس، يمكن فهم الحديث عن أن المسيحية -من خلال قول «أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، مثلًا- تتضمَّن رؤية علمانية تُميِّز بين الديني وغير الديني. وكذلك الحال في خصوص الإسلام، فبالإضافة إلى التمييز بين الدين والدنيا، الموجود صراحةً أو ضمنًا في قصة أو حديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، نجد هذا التمييز حاضرًا بطريقة طريفة وبالغة الدلالة، حتى في الشعار الإسلامي أو الإسلاموي: «الإسلام دين ودولة». فهذا الشعار يتضمَّن تمييزًا واضحًا لا بين الدين والدولة فقط، بل بين الدين والإسلام أيضًا. فالإسلام بهذا المعنى يتضمَّن الدين وغير الدين أيضًا(۱٤).

ما سبب أو أسباب عدم شيوع التمييز في المبنى والمعنى بين العلمانية والعلمانوية في اللغة والثقافة العربية؟(۱٥) للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أن نأخذ في الحسبان مسألتَيْن: إحداهما تتعلَّق بالمبنى ومسألة النسبة والاشتقاق في اللغة العربية، والأخرى تخصُّ المعنى والبُعْد القدحي أو المعياري للكلمة. فمن الناحية الأولى (ناحية المبنى)، تبدو كلمة «علمانوية» مخالفة لقواعد الاشتقاق ولواحق النسب في اللغة العربية. وعلى هذا الأساس يجري استهجان استخدامها. فاللاحقة «ـوي/ـوية» تُستَعمل لاشتقاق صفة واسم نسبيَّيْن  حين يتعذر الاكتفاء بإضافة «ياء أو ياء وتاء مربوطة» لاشتقاق تلك الصفة (يد/يدوي/يدوية). أما ما ينبغي استعماله -وفقًا للقواعد المذكورة- للدلالة على معنى المبالغة، وكمقابلٍ للاحقة الإنجليزية والفرنسية «ism/ist»، فهو اللاحقة «ـاني/ـانية»(۱٦). ومن الناحية الثانية (ناحية المعنى)، يبدو البُعْد المعياري القدحي مهيمنًا وطاغيًا، إلى درجة تمنع استخدام الكلمات المضافة إليها تلك اللاحقة استخدامًا وصفيًّا أو تحليليًّا مفيدًا. 

فيما يتعلَّق بمسألة المبنى والاشتقاق، ينبغي الانتباه إلى الخصوصية اللغوية الاشتقاقية لكلمة «علمانية». فثمة خصوصية في هذه الكلمة من حيث كونها مشتقة اشتقاقًا غير مألوف من «عَلَم أو عالم». فالعَلَم كلمة غير متداولة أو معروفة في هذا الخصوص، والاشتقاق من العالم ترافق مع حذف غير مألوف للألف بعد العين. لكن الخصوصية الأهم تكْمُن في نهاية الكلمة، فهذه النهاية تتضمَّن مسبقًا اللاحقة المعبرة عن المبالغة «ـانية». ولا يبدو مستساغًا إضافة لاحقة أخرى مماثلة، بحيث تصبح الكلمة «علمانيانية». وإذا سُلِّم بوجوب التمييز بين المفهومَيْن   التحليلي والمعياري، المعبَّر عنهما بكلمتي secularity/secularism في اللغة الإنجليزية، بكلمتَيْن مختلفتَيْن في اللغة العربية، ووضع كلمة علمانية للتعبير عن مفهومٍ تحليليٍّ، وكمقابل لكلمة secularity الإنجليزية، وجب البحث عن لاحقة مختلفة للمفهوم المعياري أو الأيديولوجي المعبَّر عنه في اللغة الإنجليزية بكلمة secularism. ويبدو أن اللاحقة «ـوي/ـوية» هي البديل الوحيد المتداول والمعقول في هذا الخصوص، منذ ستينيات القرن العشرين على الأقل، حيث استعملها -بل ونظَّر لاستعمالها- ياسين الحافظ وعبد الله العروي وطيب تيزيني وآخرون.

وبخصوص مسألة المعنى والمعيارية القدحية، ينبغي التشديد من ناحية أولى على أن شيوع الاستعمال القدحي لا ينفي أو ينبغي ألَّا ينفي المعنى الوصفي الذي يتضمَّنه المفهوم. فكما أشرنا سابقًا، فمن المهم التمييز بين ظاهرة العلمانية أو العلمنة والأيديولوجية المتبنية أو المؤيدة لها. وكلمة الأيديولوجيا ذاتها يستعملها كثيرون بمعنًى سلبيٍّ قدحيًّا أو تحقيريًّا. لكن ينبغي عدم استخدام تلك الكلمات في ذلك المعنى القدحي السلبي. ولعل ضبط معاني تلك الكلمات عند استخدامها، والانشغال بإبراز المعنى الوصفي المقصود، وتوضيح ماهية البُعْد المعياري السلبي أو الإيجابي المقصود، يمكن أن يُسهم في تسويغٍ أكبر لاستخدام هذه الكلمات (العلمانوية، الإسلاموية/ الإسلامانية) واستساغة هذا الاستخدام.

فالتنوع اللغوي في المباني ضروريٌّ لإتاحة المجال لتعدُّد المعاني وإغنائها أو اغتنائها. وعلى هذا الأساس، أستخدم في هذا النص كلمة «الإسلاماتي» Islamicate للإحالة إلى الثقافة التي يكون حضور (إسلام) المسلمين فيها قويًّا وكبيرًا، لتمييزها من الإحالة إلى الإسلام بوصفه دينًا، كما هو الحال في كلمة «الإسلامي»، ومن التبني الأيديولوجي للإسلام، كما هو الحال في كلمة «إسلاموي». ويسمح مفهوم «الإسلاماتية» بالجمع -على سبيل المثال- بين العربي المسيحي (بطرس البستاني) والإيراني المسلم (جمال الدين الأفغاني)، تحت مظلة واحدة، هي مظلة «الثقافة العربية الإسلاماتية».

العلمانية والعلمانوية: في التحليل والتاريخ اللغوي والمفاهيمي في «الثقافات العربية الإسلاماتية»

في اللغة أو الثقافة العربية غالبًا ما تُستخدم كلمة واحدة «العلمانية» للإشارة إلى مفهومَي العلمانية والعلمانوية(۱۷). ولهذه الكلمة تاريخ طويل في اللغة والثقافة العربيتَيْن، حيث نجدها مستخدمة منذ القرن العاشر الميلادي على الأقل في سياقٍ عربيٍّ مسيحيٍّ للتمييز بين الكهنة العلمانيين والكهنة الرهبان، أو كما هو الحال في المسيحية الأوروبية بين رجال الدين العلمانيين ورجال الدين العاديين(۱۸). وظهرت الكلمة في القرن التاسع عشر في «قاموس فرنسي عربي»(۱۹)، وفي أول «قاموس عربي حديث»(۲۰). في القاموس الأول تُشير كلمة séculier إلى رجال الدين العلمانيين مقابل رجال الدين العاديين، أو إلى العلمانيين (Séculier Mundain, laïque) مقابل رجال الدين. بينما يذكر القاموس الثاني التمييز الأول فقط. وفي القرن التاسع عشر لم تُستخدم كلمة أو مصطلح «علمانية» للإشارة إلى أي موقف أيديولوجي يشيد أو يندِّد بالتمايز أو التمييز بين الديني وغير الديني. فاستخدام هذه الكلمة بمعناها المعاصر -بوصفها تحيل إلى مفهوم أيديولوجي(۲۱)- لم يحصل إلا في القرن العشرين. لكن عدم استخدام كلمة «علمانية» لهذا الغرض لا يعني أن مفهوم «العلمانوية» لم يكن موجودًا قبل ذلك. فالمفهوم الأيديولوجي كان حاضرًا بالفعل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فلذلك يجب التنبُّه والتنبيه إلى التمايز بين تاريخ الكلمات وتاريخ المفاهيم، أي فيما يخص العلمانية والتمايز بين تاريخ مفاهيم العلمانية والعلمانوية والعلمنة أو التعلمن في العالم العربي والإسلاماتي من جهة، وكلمة علمانية والكلمات الأخرى المرتبطة بها اشتقاقيًّا من جهةٍ أخرى.

إن صياغة مفهوم العلمانوية/العلمانية في «نفير سورية» تُمثل حالة نموذجية للاستقلال النسبي للمفهوم عن الكلمات التي تعبر عنه في سياقٍ تاريخيٍّ ما.

ولم يبدأ مفهوم العلمانوية بالتوازي مع استخدام كلمة العلمانوية، أو حتى كلمة العلمانية في العالم العربي الإسلاماتي. لقد كانت الكلمة موجودةً قبل صياغة المفهوم، وصِيغ المفهوم صياغة مستقلة عن تلك الكلمة. ولا شكَّ أن الكلمة التي نختارها للتعبير عن معنى أو مفهوم ما تؤثِّر دائمًا تأثيرًا جزئيًّا في ذلك المعنى أو المفهوم، وفي استقبال الآخرين له وفهمه. ومع ذلك، فإن الفصل النسبي الضروري بين المفاهيم وتاريخها وتحليلها من جهة، والكلمات المستخدمة للتعبير عنها من جهةٍ أخرى- أمرٌ ضروريٌّ. وعلى هذا الأساس، ينبغي للتاريخ والتحليل المفاهيمي ألَّا يستند استنادًا حصريًّا أو أساسيًّا إلى التاريخ أو التحليل اللغوي لكلمة ما(۲۲). إن صياغة مفهوم العلمانوية/العلمانية في «نفير سورية» تُمثل حالة نموذجية للاستقلال النسبي للمفهوم عن الكلمات التي تعبر عنه في سياقٍ تاريخيٍّ ما. فقد كان مفهوم العلمانية حاضرًا فيه حضورًا قويًّا من دون حضور تلك الكلمة (العلمانية)، بل إن ذلك المفهوم كان حاضرًا في نصِّ البستاني حتى من دون وجود كلمة خاصة تُعبِّر عنه(۲۳).

إن القول بأن البستاني هو رائد الصياغة التاريخية الأولى للمفهوم أو التصور الإيجابي الحديث والمعاصر للعلمانية، لا يتضمَّن نفيًا لوجود بوادر وإرهاصاتٍ لصياغة هذا المفهوم في نصوص عربية سابقة على نصِّ «نفير سورية». لكن البستاني كان أول من قدَّم خطابًا علمانويًّا واضحًا يدعو إلى الفصل بين السلطتَيْن  الدينية أو الروحية والسياسية أو المدنية، ويحاول التنظير لتلك الدعوة وتسويغها. وباستثناء نص أحمد فارس الشدياق «الساق على الساق»(۲٤)، فلم تتضمَّن النصوص العربية التي سبقت نص البستاني أيَّ  دعوة صريحة إلى مثل ذلك الفصل. فعلى سبيل المثال، لا نجد في نصوص رفاعة الطهطاوي (۱۸۰۱-۱۸۷۳م) وخير الدين التونسي (۱۸۱۰-۱۸۹۰م) تلك الدعوة العلمانوية للفصل المذكور. فمثل هؤلاء الكتَّاب «حاولوا بمفاهيم إسلامية تبرير تبني المؤسسات الغربية، معتبرين أن ذلك التبني عودة إلى روح الإسلام الحقيقية، وليس إدخال شيء جديد عليه»(۲٥).

في نص الشدياق «الساق على الساق»، نجد بوادرَ أو إرهاصاتٍ حقيقيةً للعلمانية في نصوص المثقفين العرب قبل «نفير سورية». لقد كان أحمد فارس الشدياق مواطنًا مارونيًّا اعتنق البروتستانتية، ثم اعتنق الإسلام فيما بعد. وكان انتقاده الشديد للكنيسة (المارونية) مرتبطًا ارتباطًا أساسيًّا ووثيقًا بوفاة شقيقه أسعد شدياق الذي حرمته الكنيسة وتعرَّض للتعذيب والاعتقال لمدَّة ست سنوات حتى وفاته عام ۱۸۳۰م؛ لأنه تحوَّل إلى البروتستانتية. وشدَّد الشدياق في مهاجمته للكنيسة المارونية على أن الكنيسة (المارونية) لا سلطة لها ولا حق لها في التدخل في مثل هذه الحالات، وأن المسيح نفسه اعترف بالسلطة المدنية (سلطة قيصر)، واحترم استقلالها عن الدولة/السلطة الدينية وتفوقها عليها. واستندت حجته إلى قول يسوع المشهور: «أعط لقيصر ما لقيصر وما لله لله» (متَّى ۲۲:۲۱). لقد كان الشدياق يركِّز على مهاجمة الكنيسة (المارونية) أكثر من تركيزه على تطوير العلمانية والترويج لها. وقد استند في انتقاداته الشديدة واللاذعة لها إلى أطروحة أن رجال الدين ليس لهم فيما فعله أخوه سلطانٌ دينيّ ولا مدنّي أو لا سياسيّ(۲٦). وهكذا نجد لدى الشدياق تمييزًا واضحًا بين ما هو مدني وما هو ديني. وهذا التمييز هو أحد البُعْدين الأساسيَّيْن لمفهوم العلمانية، كما أشرنا آنفًا. لكن هذه العلمانية لم تتحوَّل عند الشدياق إلى علمانوية واضحة المعالم والأُسس، بحيث تتضمَّن دعوةً واضحةً إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي أو مدني.

غلاف نفير سورية

مع «نفير سورية» خصوصًا أو تحديدًا، نجد أول صيغة صريحة لتلك الدعوة العلمانوية للفصل بين الديني والمدني، ولمحاولة تسويغها وإظهار ضرورتها وإيجابياتها الكثيرة والكبيرة. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من الإسهام التأسيسي والمهم لنصوص البستاني عمومًا ولنص «نفير سورية» خصوصًا في تقديم أول صياغة علمانوية للعلمانية في العالم العربي الإسلاماتي، فإن العديد من الباحثين ما زالوا يتجاهلون هذا الإسهام أو لا ينتبهون إليه بالقدر الكافي. فعلى سبيل المثال، في فصلٍ من كتاب يتناول «أصول العلمانية/العلمانوية العربية»(۲۷)، لم يذكر عزام التميمي البستاني مطلقًا، كما أن الكتاب الموسوم بـ«الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط» لم يرد فيه اسم البستاني إلا مرة واحدة فقط، للإشارة إلى قاموس «محيط المحيط». وفي دراسة عامة للعلمانية/العلمانوية والعلمنة في العالم العربي، اقتصر الباحث في سطرين ونصف السطر على الإشارة إلى أن البستاني قد انتقد الكنيسة، كما فعل الشدياق، وعلى الزعم -مع نازك سابا يارد(۲۸)- بتماثل موقفي البستاني والشدياق، من حيث كون كليهما قد «سعى إلى فصل السلطة الروحية عن السلطة الزمنية للكنيسة، وليس عن سلطة السلطان العثماني»(۲۹). ويحاجج هذا البحث بأن إسهام البستاني في الصياغة المعرفية والأيديولوجية للعلمانية والعلمانوية العربية كان إسهامًا رائدًا وتأسيسيًّا، ونقطة تحوُّل مهمَّة في هذا الشأن.

العلمانية والعلمانوية في «نفير سورية» لبطرس البستاني

«نفير سورية» عبارة عن نشرة دورية أو جريدة(۳۰) أو سلسلة من المقالات (أحد عشر مقالًا)(۳۱) نُشرت بين سبتمبر/أيلول من عام ۱۸٦۰م وأبريل/نيسان من عام ۱۸٦۱م، أي بعد حدث «الفتنة» أو الحرب الأهلية الطائفية التي اندلعت عام ۱۸٦۰م فيما يُسمَّى حاليًّا لبنان (وسوريا) مباشرة(۳۲). وكانت الأعداد أو النشرات الثلاث الأُوَل موسومة بـ«نفير سورية»، ثم أصبحت تصدر مع العدد الثالث تحت عنوان: «نفير سورية» أو «الوطنية»(۳۳). وإذا كان مضمون المقالات يُبيِّن بوضوح سبب كتابتها وارتباطها بالحرب المذكورة، فليس واضحًا سبب توقف البستاني عن كتابتها لاحقًا، لكن يمكن تفسير ذلك بعاملين: الأول أنه «أوقف نشرها بعد استتاب الراحة في هذه البلاد وخلود الناس إلى السكينة»(۳٤)، والثاني هو أن البستاني تابع نشر أفكاره وتنفيذها في جرائد ونصوص ومشاريع لاحقة أخرى يمكن اعتبارها استمرارًا ﻟـ«نفير سورية» بصيغٍ أخرى(۳٥). ولم يعلن البستاني عن نفسه بوصفه كاتب تلك المقالات وقت صدورها، بل صدرت بتوقيع «من محب للوطن»، وكانت موجهة تحديدًا إلى من خاطبهم البستاني دائمًا في المقالات بـ«يا أبناء الوطن». لكن ليس هناك أيُّ  شكٍّ في نسبة «نفير سورية» للبستاني الذي أعلن لاحقًا عام ۱۸٦۹م في «محيط المحيط» أنه كاتب تلك المقالات(۳٦).

العلمانية في «نفير سورية» لبطرس البستاني

يُشير جنس هانسن إلى أن البستاني قام في «نفير سورية» بتصنيف وتقسيم العالم إلى مفاهيم متضادة، لكنه يقتصر على إيراد أمثلة تُعبِّر عن التضاد الثنائي أو الثنائيات المتضادة: ماض وحاضر، مجرمون وضحايا، حرب أهلية ومجتمع مدني...إلخ(۳۷). وبالرغم من الحضور القوي لمثل تلك الثنائيات المتضادة، فإننا نعتقد أنه من الضروري التشديد على أن العالم (المفاهيمي) في «نفير سورية» ليس مجرد ثنائيات، بل نجد تقابُلات ثلاثية ورباعية أيضًا؛ وتلك التقابُلات الثنائية متمايزة المكونات، من دون أن يكون بينها تضاد أو تناقض قد يصل إلى تحويلها إلى مثنويات. وبعبارة أخرى، إن العالم المفاهيمي الذي قدَّمه البستاني لا يقتصر على تلك الرؤية الثنائية ولا يتمحور حولها فقط. ومن جهة أخرى، كل الأمثلة التي قدَّمها جنسن ليست دائمًا ثنائيات معيارية تُحيل دائمًا إلى مثنويات معيارية يتنافر قطباها ويُقصي كلٌّ منهما الآخر. ﻓـ«نفير سورية» يتضمن عددًا مهمًّا من الثنائيات الوصفية أو التحليلية، التي لا تتخذ صيغة أو مضمون المثنويات. 

ولعل التمايز ثلاثي الأطراف الذي سنتناوله لاحقًا بين الديني والمدني والأدبي، هو أحد أبرز الأمثلة التي تُبيِّن أن العالم (المفاهيمي) لدى البستاني ليس ثنائيًّا فقط، ولا مثنويًّا بالضرورة. ومع أخذ هاتين المسألتَيْن في الحسبان، يمكن القول بالحضور القوي للتقابُلات الثنائية وغير الثنائية والمتمايزة بطرق مختلفة في كثيرٍ من السياقات والمسائل التي تناولها البستاني في «نفير سورية». وتُعرَض هذه التقابُلات عرضًا وصفيًّا أو تحليليًّا فقط في بعض الأحيان، وتكون حينها مجرد ثنائيات وصفية أو تحليلية، لكن ليس من النادر أن يترافق ذلك العرض مع تقييم وبُعْد معياري صريح وواضح يتضمَّن إشادة بطرفٍ من طرفي أو أطراف التقابل وإبراز إيجابياته أو ضرورته من جهة، وإدانة ما هو مضاد له وإبراز سلبياته من جهة أخرى. ومع حضور البُعْد المعياري في الثنائية، تتحوَّل الثنائية إلى مثنوية، والتقابل إلى تراتب.

لكن البُعْد المعياري يتخذ أحيانًا صيغةً مختلفةً لا تقوم على المفاضلة بين طرفي الثنائية، بل على ضرورة التمييز والتمايز بين طرفيها وإبراز إيجابياته من جهة، والتشديد على سلبيات الخلط أو المزج أو انعدام التمييز أو التمايز بينهما من جهة أخرى. وسنقصر اهتمامنا فيما يلي -من جهةٍ أولى- على مفهوم العلمانية الحاضر في «نفير سورية»، من خلال حضور التمييز الوصفي أو التحليلي بين الديني وغير الديني، وعلى مفهوم العلمانوية المتجسِّد في الرؤية الأيديولوجية لهذا التمييز، أو ذلك التمايز، وبحث مدى تحوُّله إلى مثنوية تتضمَّن تراتبًا ومفاضلة بين طرفيه أو أطرافه.

تظهر العلمانية في «نفير سورية» بصيغة تمييز متكرِّر بين ما هو ديني أو روحي من جهة، وبين ما هو مدني أو أخلاقي أو سياسي من جهة أخرى. أما العلمانوية فتتجلَّى في الدعوة إلى الفصل بين هذين الجانبين، خصوصًا عندما يتجسدان في سلطتَيْن: سلطة دينية أو روحية من جهة، وسلطة مدنية أو سياسية من جهة أخرى. ويمكن القول بأن البستاني قد اقتصر في النشرات الست الأُوَل على عرض التمييز أو التمايز العلماني بين الديني وغير الديني، وبدأت الرؤية العلمانوية لهذا التمييز في النشرة السابعة تحديدًا أو خصوصًا، حيث ظهرت بوضوح الدعوة إلى تبني هذا التمييز أو التمايز وعدم الخلط أو الدمج بين طرفيه. وسأعرض فيما يلي بعض الأمثلة على حضور العلمانية والعلمانوية في «نفير سورية».

بطرس البستاني

نجد في «نفير سورية» تمييزًا مستمرًّا ومستقرًّا بين الديني والأدبي والمدني. ففي النشرة الثالثة، يُميِّز البستاني بين «الواجبات الدينية والأدبية والمدنية»، حيث يرى أنه ينبغي ﻟـ«القادرين الغادرين والذين بيدهم زمام الأمور»(۳۸) -وفقًا لتلك الواجبات- أن يبادروا على الفور لمساعدة ضحايا الحرب الأهلية وتزويدهم بما يحتاجون إليه بكل الوسائل الممكنة. وفي النشرتَيْن  الرابعة والسابعة، يميز بين «الحقوق المدنية والأدبية والدينية»، بوصفها من الحقوق التي ينبغي ﻟ«أهل الوطن» أن يتمتعوا بها في الوطن(۳۹). ونجد التمييز نفسه بين أنواع الواجبات الثلاثة في النشرة أو «الوطنية السادسة»، حيث يتحدَّث البستاني عن «التهاون بالواجبات الدينية والأدبية والمدنية»(٤۰)، بوصفه من الآثار السلبية للحرب الأهلية. كما يُميِّز في «الوطنية الخامسة» بين «المصالح والصوالح الدينية والأدبية والمدنية» التي عطلتها تلك الحرب(٤۱)، ويُشير في «الوطنية السابعة» إلى ثلاثة أنواع من الحكمة: دينية وأدبية ومدنية(٤۲).

من الملاحظ أن التمييز بين الديني والمدني والأدبي في عالم البستاني (المفاهيمي) لا ينحل في السياقات التي أشرنا إليها إلى تقابلٍ ثنائيٍّ، ولا يتخذ صيغةً مثنويةً يتناقض طرفاها ويتنابذان. فثمَّ تداخل بين أطرافه، والتمايز الذي تُعرَّف العلمانية به لا يتضمَّن فصلًا أو تراتبًا بين طرفيه. ومع أخذ ذلك في الحسبان، ينبغي الإشارة إلى أن هذا التمييز أو أحد العناصر المكونة له يتداخل أحيانًا مع تمييزات ثنائية أخرى حاضرة بقوة في «نفير سورية»، أو يقتصر عليها. ومن أهم التمييزات في هذا الشأن التمييز بين الديني والمدني. ففي الوطنية الخامسة، يتحدَّث البستاني عن «أغراض مدنية ودينية»(٤۳). و«الغرض» هو مصطلح نحته البستاني هنا للإشارة إلى التحيُّز أو التوجُّه الطائفي، الذي كان هدفًا لانتقادات شديدة في «نفير سورية». وفي النشرة التاسعة، يميِّز البستاني بين «الصوالح الدينية والمدنية»(٤٤).

كما يميِّز البستاني في مواضع مختلفة من «نفير سورية» بين الشرع والعرف، وبين الدين والسياسة(٤٥). إن تمييز البستاني بين الدين والدنيا(٤٦) هو امتدادٌ واستحضارٌ لتمييز قديم في الثقافة العربية الإسلامية(٤۷). فقد ميَّز الغزالي في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد» بين «نظام الدين» و«نظام الدنيا». وميَّز الماوردي في كتابه «أدب الدين والدنيا» بين «أدب الدين» و«أدب الدنيا»، كما هو واضح حتى في عنوان الكتاب(٤۸). ويمكن النظر إلى التمييز بين الدين والدنيا على أنه أحد تجسيدات أو إرهاصات العلمانية الموجودة في تلك الثقافة، قبل قيام الحداثة والعلمانية الغربية، والتأثر اللاحق لتلك الثقافة بهما. وهذه هي الأطروحة الرئيسة للباحث روشين عباسي في بحث مهم في هذا الشأن صدر حديثًا بعنوان: «هل ميَّز المسلمون الأوائل بين الديني والعلماني؟ ثنائية دين-دنيا في الفكر الإسلامي في العصور الوسطى»(٤۹).

وفي التمييز أو التقابل الثلاثي بين الديني والمدني والأدبي، ينبغي لفت الانتباه إلى الأهمية الخاصة لمفهومي «الأدب/الأدبي» و«المدنية/المدني». ففيما يخص التقابل بين الديني والأدبي، ينبغي التشديد على أنه بالرغم من أن التقابل بين الديني والمدني هو التقابل الأهم في الرؤية العلمانوية التي تضمنتها «نفير سورية» التي سنعرضها ونناقشها لاحقًا، فإن التقابل بين الأدبي والديني ذو أهمية خاصة في حضور العلمانية في الثقافة العربية الإسلامية منذ قيام تلك الثقافة تقريبًا. وقد رأى أرماندو سالفاتوري -الباحث المهم في علم اجتماع الدين والثقافة الإسلامية- أن «التمييز الناعم» soft distinction بين الأدب والدين/الشريعة/الحديث هو «أم التمييزات» بين «الديني وغير الديني» في الثقافة العربية الإسلامية(٥۰). ويمكن تكثيف أطروحة سلفاتوري أو خلاصة بحثه في قوله: «يوفر الأدب مظلة سردية ومعيارية لشبكة منتشرة من المفاهيم والممارسات والمؤسسات التي حُدِّدت على أنها حاملة محتملة لروح العلمانية، للتمييز في تاريخ ما قبل الاستعمار الإسلامي»(٥۱). ويسمي سلفاتوري هذه العلمانية بـ«المدنية العلمانية»(٥۲).

أما فيما يخص التمييز بين الديني والمدني، فيمكن القول بأنه «الأب الحديث» للتمييز بين الديني والعلماني في الثقافة العربية الإسلاماتية. ويرى ألبرت حوراني أن فكرة «المدنية» «قد دخلت العالم الإسلامي خصوصًا بواسطة الأفغاني»(٥۳). لكن ينبغي التشديد على الحضور القوي والمبكِّر لمفردة ومفهوم المدني/المدنية منذ بواكير عصر النهضة، حتى قبل نصوص الأفغاني. وبالإضافة إلى حضور التمييز بين الديني والمدني في نصوص الشدياق -كما أشرنا سابقًا- فإن هذا التمييز هو أحد أبرز وأهم التمييزات «العلمانية» بين الديني وغير الديني في «نفير سورية». والمثير للانتباه فيما يخص مفردة/مفهوم المدني أنها يمكن أن تُستخدم للتعبير عما هو ديني أو إسلامي في سياق، وهو ما يبدو واضحًا -على سبيل المثال- في الحديث عن «الدولة المدنية» بوصفها دولة إسلامية. لكن يمكن استخدام المفردة/المفهوم مرادفًا لمفهوم العلماني أو أحد مكوناته أو أبعاده في سياقات أخرى. وهذا هو الحال عمومًا أو غالبًا في «نفير سورية». وعلى هذا الأساس، أتفق جزئيًّا مع عزيز العظمة في أن تعبير «مدني» كان يُستخدم للإشارة إلى ما أصبح يُنظر إليه لاحقًا على أنه «علماني»(٥٤)، بحيث يمكن القول بأن كلمة «العلمانية» قد حلَّت محلَّ كلمة «المدنية» تحديدًا أو خصوصًا. وجزئية الاتفاق المذكور ناتجة عن أن مفهوم المدنية ليس متخارجًا مع مفهوم الديني ونفيًا له (فقط)، بل هو متداخلٌ معه أيضًا. ويكون هذا التداخل واضحًا حينما يكون هناك مساواة بين مفهومَي الديني والإسلامي. وربما كان ذلك المعنى الواسع والمزدوج و«الضبابي» لمفهوم المدنية هو أحد الأسباب التي جعلته ذا دلالات إيجابية لدى كثيرٍ من المتدينين وغير المتدينين «الإسلاميين» و«العلمانيين» على حدٍّ سواء: بطرس البستاني، جمال الدين الأفغاني، فرح أنطون، محمد عبده، فرنسيس المراش، رشيد رضا، على سبيل المثال. وسنُبيِّن فيما يلي مركزية فكرة المدني/المدنية/التمدن لدى البستاني خلال عرضنا للرؤية العلمانوية للبستاني الحاضرة في «نفير سورية».

العلمانوية في «نفير سورية» لبطرس البستاني

لا يقتصر البستاني في «نفير سورية» على التمييز بين الديني وغير الديني فحسب، بل يتبنَّى حيالها موقفًا معياريًّا صريحًا وقويًّا، يتمثل في الأهمية القصوى للتمييز بين الطرفَيْن، خصوصًا حين يتجسدان في سلطتَيْن أو قوتَيْن سياسيتَيْن. والجدير بالذكر هنا أن النشرات الأولى قد تضمَّنت معظم التمييزات المختلفة بين الديني وغير الديني، دون تبنٍّ لموقف صريح مؤيد لها أو مشيد بها. كما أن البستاني لم يستخدم مفردة «سياسة» أو «سياسي» في النشرات الأربع الأُوَل، واستخدمها مرة واحدة فقط في كلٍّ من النشرتَيْن الخامسة والسادسة، قبل أن يعطيها اهتمامًا كبيرًا ويتبنَّى موقفًا علمانويًّا معياريًّا حيالها في النشرات اللاحقة. فبدءًا من النشرة السابعة، يظهر الموقف العلمانوي للبستاني في «نفير سورية» ظهورًا صريحًا ومباشرًا، ففي تلك النشرة يكتب البستاني:

«ومن طالع تواريخ الملل والشعوب يظهر له جليًّا ما يلتحق بالناس والأديان نفسها من الأضرار، من تعرضها لأمور السياسة ومزجها الأمور الدينية بالأمور المدنية، والحال أنه يوجد بينهما طبعًا بَون عظيم. وكم كان لهذا المزج الذي ينبغي أن يكون غير جائز ديانة ولا سياسة في الخراب الحالي (ما) الله يعلم وأنتم تعلمون، ومحب الوطن إذا لم يكن في زمرة المغفلين، فهو أيضًا يعلم»(٥٥).

ويمتزج الوصف في هذا النص بالتقييم، ويتداخل ويتشابك «ما هو كائن» مع «ما يجب أن يكون»، بحيث يتأسس الطرف الثاني على الطرف الأول، ويتضمنه صراحة أو ضمنًا، أو يؤسس الطرف الأول للطرف الثاني، ويُفْضي إليه بالضرورة. فمن ناحية أولى، يقدم البستاني الضرورة الضمنية للتمييز في صيغة معرفة وصفية ﻟ«تواريخ الملل والشعوب». ﻓ«المعرفة الحقة» لهذه التواريخ تبيِّن الآثار السلبية للمزج أو عدم التمايز بين الأمور الدينية والأمور المدنية، في حين أن الاختلاف بينهما -كما يؤكد البستاني- كبيرٌ جدًّا. لكن البستاني لا يكتفي هنا بهذا الحكم المعياري، الذي قد يكون ضمنيًّا إلى حدٍّ ما، بل ينتقل من الحديث عمَّا كان ويكون في «تواريخ الملل والشعوب» إلى ما ينبغي أن يكون أو لا يكون جائزًا ديانةً وسياسةً. فانعدام التمايز والتمييز بين الأمور الدينية والسياسية ينبغي ألا يكون جائزًا من المنظورين الديني والسياسي معًا، وليس من منظور أحدهما فقط. كما أن الضرر الذي يبيِّن الضرورة العملية لهذا التمايز أو التمييز يصيب «الناس والأديان»، يصيب السياسة والدين معًا. والوطني غير الغافل أو غير المغفَّل ينبغي أن يعرف ذلك أو يكون عارفًا به بالضرورة. وسأعود إلى تناول هذه النقطة لاحقًا.

وفي السياق نفسه، وفي سياقات أخرى، يشدِّد البستاني على ضرورة معاملة جميع الناس على قدم المساواة وتزويدهم بكامل حقوقهم بغض النظر عن انتماءاتهم. وتتضمَّن هذه الدعوة تمييزًا بين القوانين والمراسيم، أو بين الأحكام الخاصة بأشخاص بعينهم أو مذاهب أو فئة بعينها، والأحكام التي تنظر إلى «الحقوق الدينية والمدنية والأدبية» نظرةً مبدئيةً، «لا باعتبار انتسابها إلى شخص أو فئة مخصوصة»(٥٦). هذا التمييز بين الانتماءات (الدينية أو المذهبية أو الطائفية) من جهة، وحقوق المواطنين، أو ما يُسمَّى بلغة البستاني «أبناء أو أهل الوطن»، هو أساس ضروريٌّ من أُسس المطالبة العلمانوية بضرورة المساواة الديمقراطية -القانونية والسياسية والأخلاقية- بين الناس في الوطن الواحد، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية المختلفة. ويتضمن «نفير سورية» عرضًا متكررًا لهذا التمييز، وتشديدًا ملحًّا وقويًّا على أهميته وضرورته أيضًا.

وازدادت في النشرة التاسعة قوة الدعوة العلمانوية في «نفير سورية»، وبدأ التعبير عنها بمفردة «الفصل» الذي يجب أن يحدث، أو «الحد الفاصل» الذي ينبغي إقامته بين الأديان والمدنيات، إذا كان هناك أمل وإرادة في صلاح أو نجاح كلا الطرفين. ففي تلك النشرة يكتب البستاني:

«وما دام قومنا لا يُميزون بين الأديان التي يجب أن تكون بين العبد وخالقه، والمدنيات التي هي بين الإنسان وابن وطنه، أو بينه وبين حكومته، والتي عليها تبنى حالات الهيئة الاجتماعية والنسابة السياسية، ولا يضعون حدًّا فاصلًا بين هذين المبدأين الممتازين طبعًا وديانة، فلا يؤمل نجاحهم في أحدهما ولا فيهما جميعًا كما لا يخفى»(٥۷).

من الضروري التذكير بالتمييز بين مفهومي العلمانية والعلمانوية، من حيث إن المفهوم التحليلي للعلمانية يُحيل إلى التمييز أو التمايز بين الديني وغير الديني، في حين أن العلمانوية -بوصفها رؤية أيديولوجية محبذة للعلمانية وراغبة فيها ومدافعة عنها- تتحدث غالبًا بلغة الفصل، أو إقامة الحدود الفاصلة (فصلًا مطلقًا) بين الديني وغير الديني. وعلى هذا الأساس، نجد أن التعريفات (العلمانوية) السائدة للعلمانية (في العالم العربي الإسلاماتي) هي: فصل الدين أو الكنيسة أو السلطة الدينية أو السيادة عن الدولة أو السياسة أو السلطة السياسية. ولا شكَّ أن الفصل هو شكل من أشكال التمايز، لكن هذا الشكل لا يحصل إلا في إطار الخطاب الأيديولوجي -كما هو حال الخطاب الأيديولوجي العلمانوي في العالم العربي الإسلاماتي (غالبًا)- أو نتيجة لعلمنة المجال السياسي إثر صراع عنيف بين السلطة السياسية والسلطة الدينية -كما هو حال العلمانية في فرنسا حاليًّا، وتركيا الأتاتوركية سابقًا- أو في إطار سلطة أيديولوجية استبدادية وشمولية، كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي ومعظم الدول الشيوعية سابقًا، وكما هو الحال في الصين وكوريا الشمالية حاليًّا. وغالبًا ما يكون هذا الفصل نتيجةً لوجود نظرة سلبية إلى الدين ولتجنيب الدولة والمجتمع مخاطره الفعلية أو المزعومة في المجال العام، فتكون العلمانية حينها حماية للدولة من الدين، وسعيًا مستمرًّا إلى إقصاء كل حضور له من المجال العام. وهذا هو حال العلمانية الفرنسية مثلًا.

لكن ذلك الفصل -خصوصًا حين يكون جزئيًّا- يمكن أن يهدف إلى حماية الدين والمتدينين من تدخل الدولة فيهم وهيمنتها عليهم، وحدِّها من حرياتهم وحقوقهم. وهذا هو حال العلمانية الأمريكية مثلًا. وسنبيِّن لاحقًا أنه بالرغم من استخدام البستاني «لغة الفصل»، فإن خطابه العلمانوي لم يكن معاديًا للدين مطلقًا. ولفهم لغة الفصل، ينبغي أخذ السياق التاريخي الذي كتب فيه البستاني وردَّ عليه في «نفير سورية». والفصل الذي طالب به البستاني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع الدموي العنيف الذي دار آنذاك، واتخذ صيغة الحرب الأهلية أو الفتنة الدينية الطائفية(٥۸). وقد أدرك البستاني المخاطر المحيطة بعملية الفصل، ولهذا أبدى مرونة في حديثه عن إمكانية حصول إجراءاته بالتدريج، وليس دفعة واحدة، ورأى ضرورة أخذ السياق التاريخي في الحسبان عند تنفيذ تلك الإجراءات. فذلك التنفيذ «موقوف على طبيعة المكان والزمان ومزاج الأمور والأحوال وعلى رأي وإرادة من لهم حق الحكم في كذا مواد ومنوط بحكمتهم وهمتهم ودرايتهم»(٥۹).

ويبلغ الخطاب العلمانوي في «نفير سورية» ذروته في النشرة العاشرة تحديدًا، حيث نجد أقوى وأوضح صيغة للدعوة العلمانوية. وفي هذه النشرة لا يكتفي البستاني بالحديث عن «ضرورة وضع حاجز بين الرئاسة أي السلطة الروحية، والسياسة أي السلطة المدنية»(٦۰)، بل يحاول تفسير تلك الضرورة، ليس بالمنطق البراغماتي العملي أو المصلحي فحسب، بل بالتنظير لطبيعة كل من المجالين (الدين والسياسة)، وللاختلافات الماهوية القائمة بينهما أيضًا. ويتكثف التسويغ النظري الذي يُقدِّمه البستاني في تنظيره الأيديولوجي للعلمانية -الذي تبنَّاه كثيرون من دعاة العلمانية لاحقًا- في قوله: «الرئاسة تتعلق ذاتًا وطبعًا بأمور داخلية ثابتة لا تتغيَّر بتغيُّر الأزمان والأحوال، بخلاف السياسة فإنها تتعلَّق بأمور خارجية غير ثابتة وقابلة للتغيُّر والإصلاح حسب المكان والزمان والأحوال، فتباينا وتنافيا، ومن ثَمَّ كان التوفيق بينهما في شخص واحد مستصعبًا أو ضربًا من المحال»(٦۱)

ويتوسع البستاني في هذه النشرة في عرض الأضرار والسلبيات، التي يمكن أن تنتج عن المزج أو عدم الفصل بين السلطتَيْن  الدينية أو الروحية والمدنية أو السياسية، ويؤسس هذا العرض على تنظيره للاختلاف الماهوي أو الجوهري بينهما إلى درجة القول بأن: «المزج بين هاتين السلطتين الممتازتين طبعًا والمتضادتين في متعلقاتهما وموضوعهما من شأنه أن يُحدث خللًا بيِّنًا وضررًا واضحًا في الأحكام والأديان، حتى لا نبالغ إذا قلنا إنه يستحيل معه وجود التمدُّن وحياته ونموه»(٦۲).

«التمدُّن» مفهوم محوري في «نفير سورية» وهو حاضر في كل النشرات بكثافة كبيرة كمًّا، وأهمية كبيرة كيفًا. ولم يكتفِ البستاني بذلك، بل خصَّص نشرته الأخيرة (الحادية عشرة) الموسومة بـ«في التمدُّن» لتوضيح رؤيته لهذا المفهوم. وتبدو أهمية التمدُّن بالنسبة إلى مسألة العلمانية/العلمانوية في «نفير سورية» جليَّة؛ لكونه المعيار الأهم الذي اختاره البستاني لتقييم مدى ضرورة العلمانية، بوصفها فصلًا بين السلطتَيْن  الدينية والسياسية. وكما بيَّنا، فإن البستاني لم يجد مبالغةً في الذهاب إلى أقصى نقطة يمكن الوصول إليها في هذا الخصوص، حين رأى أن «وجود التمدُّن وحياته ونموه» مشروط بالضرورة بحصول العلمنة في المجال السياسي. 

إن العلاقة الوثيقة بين مفهومي «التمدُّن» و«المدنية» لدى البستاني، وذهابه إلى الحد الأقصى في التشديد على أهمية التمدُّن والفصل بين المدني والسياسي، كل ذلك (وغيره)، والحديث عن رؤيته الأيديولوجية العلمانوية، قد يعطي الانطباع بأن علمانوية البستاني تتبنَّى خطابًا معاديًا أو مناهضًا للدين. والاعتقاد بأن العلمانية معادية للدين بالضرورة شائع بحقٍّ حينًا، وبدون حقٍّ أحيانًا أخرى في الثقافة العربية الإسلاماتية، عند الحديث لا عن العلمانوية فحسب، بل عن العلمانية أيضًا. وتقدِّم نصوص بعض العلمانويين العرب مسوِّغًا جزئيًّا لمثل هذا الاعتقاد(٦۳). كما أن الترابط الوثيق في النظريات التقليدية للعلمنة، والتحديث بين التمايز بين الديني وغير الديني، والتحديث أو الحداثة والديمقراطية وأفول الدين وانحساره وتضاؤل أو انعدام حضوره أو أهميته، يُعزِّز الاعتقاد والانطباع المذكورين.

ولتجنُّب الوصول إلى الانطباع والاعتقاد المذكورين، ينبغي التشديد على أن تبني البستاني لأطروحة الفصل بين الديني والمدني لم يترافق مع أيِّ  نظرة دونية أو سلبية للدين. بل على العكس من ذلك تمامًا، فقد تبنَّى البستاني رؤية جوهرانية إيجابية للدين، ورأى أنه شرطٌ لا غنى عنه للتمدُّن ووسيلةٌ ضروريةٌ من وسائله. ففي معرض حديثه في النشرة الحادية عشرة عن أخص وسائط التمدُّن وأهمها، ذكر البستاني «الديانة الصحيحة المنزلة من الله» في المرتبة الأولى، على أنها «أساس للتمدُّن الحقيقي»(٦٤). وفعل الأمر نفسه في النشرة السابعة، حيث رأى أن رجوع الأُلفة بين الناس، وتجاوز الأسباب التي أفضت إلى خسارتها خلال الحرب الأهلية، يتوقف على عدَّة أمور أخصها: «أولًا: أديان حيَّة منتبهة تنظر وتعلِّم بنيها أن ينظروا إلى من يخالفهم في أمر المذهب لا بعين الاحتقار والبغضة -كما هو الواقع إلا فيما ندر- بل بعين الاعتبار والمحبة، كأعضاء عائلة واحدة، أبوها الوطن، وأمها الأرض، وخالقها واحد هو الله، وجميع أعضائها من طين واحد، وقد تساووا في المصير إلى مآل واحد»(٦٥)

إن العلمانية عند البستاني وعلمانويته ليستا ضد الدين مطلقًا، بل يمكن القول بأن العلمانية/العلمانوية التي نظَّر لها البستاني ومارسها «علمانية دينية» بأكثر من معنى.

وفي تشخيصه لأسباب الحرب الأهلية والجرائم الكثيرة والكبيرة التي ارتكبت فيها، رأى البستاني أن «تلك الحروب القبيحة والارتكابات الفظيعة هي بنات شرعية لقلة الديانة والتمدُّن أو لعدمها وبأنه لا يؤمل نهوضهم من سقطتهم بل سيبقون في حالتهم المتأخرة أو يصلون إلى حالة أردأ منها إذا لم يصلحوا أحوالهم من هذا القبيل»(٦٦). وكان البستاني حريصًا على عدم توجيه أيِّ انتقاد لأيِّ  دين، مراعاةً لحساسيات المتدينين، واكتفى بتنزيه الديانة الصحيحة عن السلبيات؛ «لأن الديانة الصحيحة هي من الله الذي هو الحق»(٦۷). إن العلمانية عند البستاني وعلمانويته ليستا ضد الدين مطلقًا، بل يمكن القول بأن العلمانية/العلمانوية التي نظَّر لها البستاني ومارسها «علمانية دينية» بأكثر من معنى. فهي دينية؛ لأنها ترى الدين والعلمانية شرطَيْن   متلازمَيْن   وضروريَّيْن   للتمدُّن، ولأن البستاني رأى أن العلمانية ذاتها تتأسس على الدين، لا على مناقضته أو محاربته، ولأن هدفها الصريح والأساسي في هذا الشأن هو صالح الدين لا الإضرار به، وصالح المتدينين لا إقصاءهم.

وبهذا المعنى نشدِّد من جديد على أن العلمانية ليست مضادة للدين ومتخارجة معه بالضرورة، بل يمكن لها أن تتداخل وتتشابك معه، بل وتتأسس عليه أيضًا. وتأسُّس العلمانية والموقف العلمانوي عند البستاني على الدين كان تأسُّسًا عامًّا لماهية الديانة الصحيحة. ولم يحاول البستاني تأسيس تلك العلمانية على نصوص صريحة من هذا النص الديني أو ذاك. فنادرًا ما نجد إحالة صريحة أو حتى ضمنية على نصٍّ   دينيٍّ. وحتى عندما يكون هناك مثل تلك الإحالة، فإنها لا تكون بالضرورة إحالة على الإنجيل أو على أي نصٍّ  مسيحيٍّ  آخر، بل هناك إحالة على النصوص أو الأقوال الإسلامية أيضًا(٦۸).

وانطلاقًا مما سبق ذكره، وغيره مما سيأتي ذكره، ينبغي ألا نسارع إلى الحديث عن «علمانية/علمانوية مسيحية» أو «مسيحية العلمانية/العلمانوية» عند البستاني، كما فعل كثيرون. فقد ربط عبد اللطيف الطيباوي فكر البستاني في فترة كتابته «نفير سورية» بالنَّسَب الديني المسيحي للبستاني وبالبيئة الإنجيلية التي كان يعيش فيها بين المبشرين الأمريكيين بالرغم من إقراره باتخاذ البستاني مسافة من هذا النسب أو بابتعاد البستاني عن هذه البيئة في فترة كتابته ﻟ«نفير سورية»(٦۹). ومع إحالته على «نفير سورية» يرى ألبرت حوراني أن البستاني استمر في الكتابة -بمعنى من المعاني- بوصفه مسيحيًّا(۷۰). أما الحديث الأبرز عن مسيحية فكر البستاني وعلمانيته، فنجده لدى هشام شرابي الذي شدَّد على تلك المسيحية في كتابه «المثقفون العرب والغرب».

وليس ذلك مستغربًا إذا أخذنا في الحسبان أن شرابي ينطلق في تصنيفه لكل المثقفين العرب عمومًا على أساس نسبهم الديني بالدرجة الأولى: «المسيحيون المغتربون» مقابل «المسلمون العلمانيون» مثلًا  وخصوصًا. وفي ذلك السياق، تبنَّى شرابي أطروحةً مفادها أن «الطبيعة المميزة للمنطلق المسيحي في التراث العربي تكْمُن في التوجُّه العلماني»(۷۱). لكن ماذا عن «علمانوية المسلمين»؟ كيف يمكن الحديث عن التوجُّه العلماني بوصفه طبيعةً مميزةً للمنطلق المسيحي، والحديث في الوقت نفسِه عن «مسلمين علمانيين»؟ الإجابة عن مثل هذا السؤال نجدها في قول شرابي: «المسلم العلماني لا يمكنه أن يكون علمانيًّا بالقدر الذي كانه المسيحي المغترب»(۷۲). ووفقًا لهذا المنطق، فالمسيحي لا يمكن أن يكون إلا علمانويًّا، و«علمانوية المسلم» لا يمكن أن «ترقى» إلى «علمانوية المسيحي».

تتَّسم مقاربة شرابي بالأحادية الخارجية؛ لأنها تفسر النصوص بما هو خارج عنها، بمعطيات اجتماعية ونفسية مرتبطة بالنسب الديني، وتكون النصوص مجرد انعكاس لها وتعبير عنها.

على الرغم من المعرفة الغنية التي تقدِّمها مقاربة شرابي في كتابه المذكور، لكنها تعاني أحادية ثلاثية الأبعاد: دينية، ولا-جدلية، وخارجية. فمن جهة أولى: هي أحادية دينية؛ لأنها تتخذ تلك المقاربة من النسب الديني المعيار الأساسي الوحيد في تصنيف الفكر والمفكرين، من دون أن تأخذ في الحسبان الإمكانية الفعلية أو المبدئية لتجاوز الفكر للنسب اللا-إرادي تجاوزًا جزئيًّا ونسبيًّا على الأقل، من خلال انتسابه أو تبنِّيه الإرادي لأفكار وقيم وتوجهات مختلفة بل ومخالفة لتلك التي يؤسس لها نسبه. وهي أحادية لا-جدلية؛ لأنها تركِّز على عالم النسب الديني اللا-إرادي، من دون النظر لا في تأثير التبني الإرادي -المذكور آنفًا- في الفكر المرتبط بالنسب الإرادي، ولا في إمكانية وجود تأثيرات فكرية وقيمية وسياسية واقتصادية أخرى قد تفوق في أهميتها التأثيرية أهمية تأثير النسب الديني، ولا في تغيُّر طبيعة التأثير الأخير وتغيُّر مضمونه وحجمه، نتيجة تفاعله مع التأثيرات الأخرى. وتتَّسم مقاربة شرابي بالأحادية الخارجية؛ لأنها تفسر النصوص بما هو خارج عنها، بمعطيات اجتماعية ونفسية مرتبطة بالنسب الديني، وتكون النصوص مجرد انعكاس لها وتعبير عنها، من دون أن تتناول منطق تلك النصوص أو مضمونها من داخلها، بوصفها ذات استقلال نسبيٍّ وجزئيٍّ عنها.

فالنص معبِّر عن مسيحية المسيحي، بغض النظر عن مضمونه، وعمَّا يتبنَّاه كاتبه فيه. ولا يمكن لمن يقتصر على النسب الديني أو يركِّز عليه بالدرجة الأولى أن يفهم أو يُفسِّر كون التقارب بين بشارة (المسيحي) والجابري وغليون (المسلمين) في موضوع العلمانية أكبر من التقارب بين بشارة وطرابيشي (المسيحيَّيْن) في الموضوع نفسه. وتبدو علمانوية البستاني أقرب بكثير إلى علمانوية فؤاد زكريا (المسلم)، من قربها من علمانوية طرابيشي (المسيحي). في حين أن علمانوية طرابيشي «الصلبة» أقرب إلى علمانوية العظم والعظمة التي أشرنا إليها آنفًا. والأمر لا يتعلق بالمفكرين المعاصرين فقط. فحتى في «عصر النهضة العربية» كان هناك توجُّه مضاد للعلمانية لدى فئة من «العرب المسيحيين»، برز صوتها -على سبيل المثال- في جريدة/مجلة البشير الكاثوليكية الأسبوعية التي صدرت بين عامي (۱۸۷۰-۱۹٤۷م). ويُشير الباحث محمد الماغوط إلى ذلك بقوله: «كانت البشير مهتمة في الغالب بالسياسة الأوروبية، وبقضايا المذاهب الكاثوليكية في المنطقة، ودافعت عن الكنيسة الكاثوليكية ضد أي اعتداءات متصَوَّرة من قبل الدوريات الأخرى، مؤكدة حق البابا في السلطة الزمنية ورفض أي مزاعم بأن سلطة الكنيسة تقتصر على الأمور الروحية فقط»(۷۳).

وينبغي التشديد على أن علمانوية البستاني (وإرهاصات العلمانية عند الشدياق من قبله) ليست مرتبطةً ارتباطًا مباشرًا -على الأقل- باغتراب المسيحيين عن محيطهم الإسلامي كما يرى هشام شرابي، بل كانت مرتبطةً ارتباطًا مباشرًا ووثيقًا ومعلنًا بأحداث أو مشاكل حصلت بين المسيحيين (الموارنة/الكاثوليك والبروتستانت)، مثل حالة أسعد شدياق، وبحرب أهلية دينية أو طائفية كانت -في البداية خصوصًا- بين مسيحيين/موارنة ودروز تحديدًا. وإذا كان الشدياق قد ركَّز خطابه على رجال الدين المسيحيين/الموارنة تحديدًا، فإن البستاني نظر إلى الأمور من منظور أوسع وأكثر شمولًا، واستهلَّ التفكير في ماهية أو طبيعة الدين والسياسة/المدنية ليؤسس دعوته إلى الفصل بينهما نظريًّا، بناءً على الماهية المذكورة، وعمليًّا من خلال الآثار السلبية لعدم الفصل، والآثار الإيجابية للفصل.

وبعيدًا عن الرؤية الأحادية، وبغض النظر عن إعطاء الأولوية للنسب الديني، يمكن القول مع بطرس أبي مانع بأن توجُّه فكر البستاني كان «نحو العروبة (ثقافيًّا)، ونحو العثمانية (سياسيًّا)، وحتمًا نحو القومية السورية»(۷٤). وبالإضافة إلى الدعوة إلى الفصل بين السلطَتْين  الدينية والمدنية، يمكن القول بأن التوجُّه العلمانوي عند البستاني في «نفير سورية» يتجسد أيضًا -وخصوصًا- في توجُّهه القومي/الوطني الداعي إلى الوحدة والتآلف والتعاضد بين السوريين، بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والطائفية. والبستاني بهذه الدعوة كان يدعو إلى إعطاء الأولوية للرابطة الوطنية غير الدينية على حساب الروابط الدينية. وإذا استخدمنا لغة التمييز والتمايز التي عرَّفنا العلمانية بها، فيمكن القول بأن الوطنية التي نظَّر لها البستاني وبيَّن إيجابياتها وضرورتها ودعا إلى تبنيها، تتمايز في «نفير سورية» عن الولاءات أو الوحدات السياسية القائمة على الدين من جهة، وعلى الطائفة أو المذهب من جهة أخرى. فقد أشار البستاني إلى الاستحالة أو اللَّامعقولية العملية للحديث عن أمة إسلامية(۷٥)، أو أمة مسيحية/نصرانية(۷٦)، كما خصَّص معظم جهوده في الكتاب لإبراز مساوئ الطائفية والتعصُّب أو اللَّاتسامح الديني والمذهبي والطائفي للجماعات الدينية العضوية، الطائفية والمذهبية(۷۷). ولا تتعارض الوطنية مع الدين من وجهة نظر البستاني، بل كان حريصًا على تكرار مقولة «حب الوطن من الإيمان»، ووضعه شعارًا لمجلة الجنان (۱۸۷۰-۱۸۸٦م)(۷۸).

خاتمة

كتب البستاني نشرات «نفير سورية» كرد فعل مباشر على أحداث الحرب الأهلية أو الفتنة الطائفية الدينية التي حصلت في لبنان عام ۱۸٦۰م. وركَّز البستاني في تشخيصه لأسباب هذه الأحداث تركيزًا كاملًا تقريبًا على العوامل الداخلية الدينية لتلك الأحداث، ورأى أن تلك العوامل تتجسد خصوصًا في التعصُّب الديني والطائفي. ولمعالجة آثار تلك الحرب، وتجنُّب تكرارها، قام البستاني بالتمييز بين الديني أو الروحي والسياسي أو المدني، وحضَّ   على الفصل بينهما، وتجنُّب بناء الرابطة السياسية على الروابط والانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية. وعلى هذا الأساس، شدَّد على أن الوطنية العلمانية أو غير الدينية هي الحل أو هي جزء أساسيٌّ من هذا الحل، دون أن يتبنَّى أيَّ  نظرة سلبية حيال الدين بحد ذاته، بل رأى في التكامل والتفاعل الإيجابي بين الدين والعلمانية/الوطنية شرطًا ضروريًّا من شروط قيام التمدُّن ونموه واستمراره.

وبالرغم من أننا نجد بذور العلمانية بوصفها تمييزًا بين الديني وغير الديني لدى أحمد فارس شدياق، بل وفي الثقافة العربية الإسلاماتية منذ نشأتها، فإن البستاني كان أول من نظَّر لتلك العلمانية، واتخذ حيالها موقفًا علمانويًّا أيديولوجيًّا إيجابيًّا وواضحًا في الثقافة العربية الإسلاماتية الحديثة. وتضمَّن تنظير البستاني للعلمانية ودفاعه العلمانوي عنها حُججًا وأفكارًا ما زالت حاضرة في العالم العربي الإسلاماتي المعاصر. لكن الصيغة التي قدَّمها البستاني للعلمانية/العلمانوية تُمثِّل المفهوم أو التصور الإيجابي للعلمانية/العلمانوية، أما المفهوم أو التصور السلبي لهذه العلمانية/العلمانوية -بوصفها معاديةً أو منافيةً للدين- فقد تبلور وانتشر في وقت لاحق. وقدَّم جمال الدين الأفغاني في كتابه «الرد على الدهريين» الصياغة السلبية الأولى لمفهوم العلمانية/العلمانوية في الثقافة العربية الإسلاماتية الحديثة. ومن الضروري دراسة المضامين الوصفية والمعيارية لهاتين الصيغتَيْن/الإيجابية والسلبية، وأخذ حُجج المتبنين لهما في الحسبان لفهم مفهوم العلمانية/العلمانوية في الثقافة العربية الإسلاماتية المعاصرة بوصفه مفهومًا معياريًّا كثيفًا.


الهوامش

(۱) بطرس البستاني، نفير سورية (بيروت: دار فكر، ۱۹۹۰م).

(۲) في كتابه «مغامرة الإسلام» المهم، ميَّز مارشال هودجسون (۱۹۲۲-۱۹٦۸م) بين صفتي «إسلامي Islamic»، و«إسلاماتي Islamicate»، من حيث إن الصفة الأولى تُحيل إلى الدين، في حين تُحيل الصفة الثانية لا على الإسلام بوصفه دينًا مباشرةً، وإنما على الثقافة المرتبطة تاريخيًّا بالإسلام والمسلمين، حتى حين تكون موجودةً بين غير المسلمين.

Marshall G. S. Hodgson, The venture of Islam, conscience and history in a world civilization. Vol. 1. The classical age of Islam)Chicago: University of Chicago Press, 1974(, 56-59.

ونحن نعتمد هنا الكلمة المستخدمة في الترجمة العربية لكتاب هودجسون: مارشال هودجسون، مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية، المجلد الأول، العصر الكلاسيكي للإسلام، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ۲۰۲۰م).

(۳) عبد الوهاب المسيري، «مصطلح العلمانية»، في: عبد الوهاب المسيري وعزيز العظمة، العلمانية تحت المجهر، (بيروت، دمشق: دار الفكر، ۲۰۰۰م)، ص۱۱.

(٤) محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ۱۹۹۲م)، ص۱۰۲.

(٥) M. E. Ahrari, “Islam as a Source of Continuity and Change in the Middle East,” in Change and Continuity in the Middle East: Conflict Resolution and Prospects for Peace, ed. M. E. Ahrari (London: Palgrave Macmillan, 1996), 103.

(٦) أنهيت منذ فترة قصيرة كتابة بحث موسوم بـ«دراسة العلاقة بين العلمانية والإسلام» في مركز الدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، «علمانيات متعددة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات» في جامعة لايبزيغ الألمانية، لتقديمه في ندوة علمية دولية ينظمها مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان تحت عنوان: «الدراسات الإسلامية الأكاديمية: المحصول والمأمول والرهانات». ومن المقرر نشر البحث لاحقًا ضمن كتاب يتضمَّن الأبحاث المشاركة في تلك الندوة. للاطلاع على الإطار المفاهيمي للمركز أو المشروع المذكور وأبرز نتائجه الأولية، انظر:

Christoph Kleine, and Monika Wohlrab-Sahr, “Preliminary Findings and Outlook of the CASHSS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities’,” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities” 22, (Leipzig: Leipzig University, 2020).

(۷) خوسيه كازانوفا، الأديان العامة في العصر الحديث، ترجمة: قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، مراجعة: بولس وهبة، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ۲۰۰٥م)، ص۱۸.

(۸) التمييز بين العلمنة والتعلمن ممكنٌ بسهولة في اللغة العربية، حيث نجد صيغتَيْن لغويتَيْن مختلفتَيْن: إحداهما (العلمنة) تُحيل إلى طرفَيْن «معلمِن ومعلمَن»، في حين تُحيل الصيغة الأخرى (التعلمن) إلى طرف واحدٍ هو ذاته المعلمِن والمعلمَن في الوقت نفسِه. ولا نجد هذا التمييز اللغوي/المفهومي عادةً في اللغات الأجنبية (الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية)، حيث تُستخدم كلمة واحدة (secularization/secularisation, sécularisation, Säkularisierun) للإحالة إلى كلا المفهومين. ولهذا يصعب أحيانًا فهم معنى اللفظ الأجنبي؛ لأنه يتضمَّن مفهومَيْن أو تصوُّرين متمايزين. ونعتقد وجوب استثمار تميُّز اللغة العربية في هذا الخصوص، والتمييز لغويًّا بين المفهومَيْن، باستخدام الكلمتَيْن المشار إليهما.

(۹) كان برنارد ويليامز أول من نحت مصطلح «المفهوم الأخلاقي الكثيف» في كتابه «الأخلاق وحدود الفلسفة» عام ۱۹۸٥م، ورأى حينها أن ذلك المفهوم يحمل بعدًا معياريًّا واحدًا فقط، إما سلبيًّا أو إيجابيًّا. لكن عددًا كبيرًا من الباحثين في الفلسفة الأخلاقية يرون إمكانية اتسام المفاهيم المعيارية الكثيفة بـ«المرونة التقييمية» evaluative flexibility، التي تعني عند سايمون كيرشن -على سبيل المثال- إمكانية إحالة مفهوم كثيف إلى بعض التقييمات الإيجابية، في بعض المواقف والسياقات، وإلى بعض التقييمات السلبية أو الحيادية في مواقف وسياقات أخرى، دون أن يعني ذلك أننا نتعامل مع مفهومَيْن مختلفَيْن. انظر:

Bernard Williams, Ethics and the Limits of Philosophy (London and New York: Routledge, 2006. Simon Kirchin, Thick Evaluation (Oxford: Oxford University Press, 2017), 49-53.

(۱۰) سبق لي تناول ظاهرة سوء الفهم المتعلقة بمفهوم العلمانية في نصوص محمد عابد الجابري وحسن حنفي وجورج طرابيشي وعزيز العظمة وعبد الوهاب المسيري وغيرهم في بحثٍ موسومٍ بـ«في عدم التوافق بين الإسلام والتنوير/الحداثة: سوء الفهم المتعلق بالمفاهيم المعيارية الكثيفة»، وآمل أن يُنشر قريبًا ضمن كتاب يحمل -مؤقتًا على الأقل- العنوان التالي: المفاهيم المعيارية الكثيفة: العلمانية/العلمانوية، الإسلام/الدين، إصلاح الخطاب الديني.

(۱۱) تشدِّد الباحثة في الدراسات الإسلامية غوردون كرِمِر -وهي من متبنِّي تلك الأطروحة- على وجود تعلمن (سياسي) قوي في الواقع العربي الإسلاماتي، يتمثل -على سبيل المثال- في علمانية كل الحكومات العربية تقريبًا، منذ عمليات التحديث في القرن التاسع عشر. والاستثناء هنا يتمثل في ملك المغرب الذي يجمع بين السلطتَيْن  السياسية والدينية. فاستنادًا إلى القول بانحداره من سلالة الرسول، وقدرته على منح «البركة» الدينية، يمتلك ملك المغرب -إلى جانب سلطته السياسية- سلطة دينية، في المغرب على الأقل. وتشير كرِمِر إلى أنه من المهم الانتباه إلى أن «الحاكم العربي المعاصر الذي نُسبت إليه سلطة دينية لم يستخدمها لتطبيق الشريعة، بل لتكييفها مع شروط الحداثة، وهي سياسة أشاد بها على نطاق واسع نشطاء حقوق الإنسان العلمانيون». انظر:

Gudrun Krämer, “Secularity Contested: Religion, Identity and the Public Order in the Arab Middle East,” in Multiple Secularities Beyond the West: Religion and Modernity in the Global Age, eds., Marian Burchardt, Monika Wohlrab-Sahr, and Matthias Middell, (Boston: De Gruyter, 2015), 126.

(۱۲) عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، في مجلدين، (القاهرة: دار الشروق، ۲۰۰۲م).

(۱۳) للمزيد بخصوص «تعدد العلمانيات/العلمانويات»، يمكن الاطلاع على برنامج مشروع «علمانيات متعددة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات»، انظر على سبيل المثال:

Christoph Kleine, and Monika Wohlrab-Sahr, “Research Programme of the HCAS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities’,” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities” 1 (Leipzig: Leipzig University, 2016).

(۱٤) هذا ما نجده -على سبيل المثال- في حديث شِرمان جاكسون عن «العلماني الإسلامي»، في بحثٍ مهمٍّ يحمل العنوان ذاته:

Sherman Jackson, “The Islamic secular,” The American Journal of Islamic Social Sciences 34, no.2 (2017): 1-31.

(۱٥) يحصل التمييز بين هذين المفهومين غالبًا في سياق ترجمة النصوص المكتوبة باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية تحديدًا أو خصوصًا). انظر على سبيل المثال: الترجمة عن اللغة الفرنسية: محمد أركون، العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب (بيروت، لندن: دار الساقي، ط۳، ۱۹۹٦م)، ص۷٤. والترجمة عن اللغة الإنجليزية: صبا محمود، الاختلاف الديني في عصر علماني: تقرير حول الأقليات، ترجمة: كريم محمد، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ۲۰۱۸م). أما غياب التمييز أو تغييبه، فيحصل غالبًا حتى في النصوص التي تحاول توضيح دلالات المفهوم/المصطلح، وإزالة الالتباس في خصوص معانيه ودلالاته الأساسية والثانوية، الوصفية والمعيارية. ومن الاستثناءات المهمة في هذا الخصوص: محمد جمال باروت، «حول مفهوم العلمنة الإسلامية: مقاربة ممكنة» في: يثرب الجديدة: الحركات الإسلامية الراهنة، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، ۱۹۹٤م)، ص۲۲۹-۲٤٥.

(۱٦) كتب عبد الجليل الكور، أحد المعترضين بشدَّة على استعمال اللاحقة «وي/وية»، كمقابل للاحقة الإنجليزية والفرنسية 

"ism/ist"، يقول: «العربية فيها ثلاثُ لواحق للنسب، تُستعمل أُولاها (ـيُّ/ـيَّةٌ) لاحقة عادية في آخر كل اسم لاشتقاق صفة واسم نسبيَّيْن (شعبيٌّ/شعبيَّةٌ)، (علميٌّ/علميَّةٌ)، (إسلاميٌّ/إسلاميةٌ). وتُستعمل الثانية (ـويٌّ/ـويَّةٌ) لاحقة عادية لأسماء يتعذَّر النسب إليها باللاحقة الأُولى لاشتقاق صفة واسم نسبيَّين (يدويٌّ/يدويةٌ)، (شفويٌّ/شفويّةٌ)، (لُغويٌّ/لُغويّةٌ). وأما الثالثة (ـانيٌّ/ـانيّةٌ) فلاحقةٌ غير عادية؛ لأنها تزيد على الأُخريَيْن بحرفين ((ـانـ)ـيّ)، ممَّا يَجعلها تُستعمل للدِّلالة على معنى المُبالغة (شَعْبانيٌّ/شَعْبانيّةٌ)، (عِلْمانيٌّ/عِلْمانيّةٌ)، (إسلامانيٌّ/إسلامانيةٌ) على غرار (رُوحانيٌّ/رُوحانيّةٌ)، و(جسمانيٌّ/جسمانيّةٌ)، و(عقلانيٌّ/عقلانيّةٌ)، و(شخصانيٌّ/شخصانيّةٌ). انظر: عبد الجليل الكور، «شَعْبويْة» وشُركاؤُه: «عِلْمويْة» و«إسلاموَيْة» و«عَلْمانَويْة»، موقع هسبريس، ٦ يونيو ۲۰۱۳م.

(۱۷) من المعروف أن النصف الثاني من القرن العشرين دار فيه جدال حاد بين الباحثين والمفكرين العرب حول ما إذا كانت كلمة علمانية مشتقة من عِلم أم عالم أو عَلَم. لكن حصل لاحقًا شبه إجماع على أن «الاشتقاق اللغوي الصحيح هو من عَلم/عالم، وليس من علم، بكسر العين». فعلى سبيل المثال، كان عزيز العظمة من بين الباحثين الذين اعتقدوا أن الكلمة مشتقَّة من عِلم، بكسر العين. انظر: عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ۱۹۹۲م)، ص۱۷-۱۸. لكن الترجمة أو النسخة الإنجليزية من كتابه الصادرة حديثًا لا تتضمَّن الفقرتَيْن اللَّتين يتبنَّى فيهما العظمة ذلك الرأي. أما في النسخة العربية، وخلال لقاء شخصيٍّ معه على هامش أحد المؤتمرات، فقد أشار العظمة إلى تغيُّر رأيه في هذا الخصوص. انظر:

Aziz al-Azmeh, Secularism in the Arab World: Contexts, Ideas and Consequences, trans. David Bond (Edinburgh: Edinburgh University Press/Aga Khan University Institute for the Study of Muslim Civilisations, 2020),7-8.

ولم يقتصر ذلك الخلاف على النصوص العربية، فقد ظهر أيضًا في النصوص الإنجليزية. انظر على سبيل المثال:

 Ahrari, “Islam as a Source,” 113, n 24.

وعلى الرغم من أن المناقشات حول فتح عين العلمانية أو كسرها قد أصبحت -أو يجب أن تكون قد أصبحت فعليًّا- من الماضي، فإن عزمي بشارة في نصوصه عن «الدين والعلمانية...» قد أعاد إثارة المسألة من جديد، من خلال قوله بأن الأمر قد «حُسِم لصالح كسر العين، وبأنه لا فائدة من تغيير حركة العين فتحًا في هذه الحالة». انظر: عزمي بشارة، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، الجزء الثاني المجلد الأول، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ۲۰۱٥م)، ص۷۹. ومن الضروري الانتباه إلى أن بشارة يشدِّد على أن الخلاف حول فتح عين العلمانية أو كسرها ليس مهمًّا في رأيه، وأن اشتقاق اللفظ هو من العالَم وليس من العِلم. ومع ذلك، يرى أن العرب المعاصرين قد قالوا «عِلمانية (بكسر العين) ودرجت على الألسن، وبذلك حسم الأمر بالنسبة إلى اللفظ». انظر: المرجع نفسه، ص۷٥.

(۱۸) سايروس بن المقفع، كتاب مصباح العقل، تقديم وتحقيق: الأب سمير الخليل، «سلسلة التراث العربي المسيحي۱»، (القاهرة: مطبعة دار العالم العربي، ۱۹۷۸م)، ص۹٥. جورج طرابيشي، هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية، (بيروت: دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، ۲۰۰٦م)، ص۲۱۷.

(۱۹) Ellious Bocthor, Dictionnaire français-arabe, Tome 2 (Paris : Chez Firmin Didot Frères, 1828), 310.

(۲۰) بطرس البستاني، محيط المحيط، قاموس عصري مطول للغة العربية، تحقيق: محمد عثمان، ۹ مجلدات، (بيروت: المكتبة العلمية، ۲۰۰۹م)، مجلد ٦، باب العين، ص۲۸۹.

(۲۱) See al-Azmeh, Secularism in the Arab World, 7.

(۲۲) يرى فؤاد زكريا أن «الضجة على اشتقاق كلمة «علمانية» من علم أو عالم مبالغ فيها؛ لأن المعاني متشابكة». إن القول بضرورة عدم التركيز المبالغ فيه على التحليل اللغوي والتاريخي للكلمة في فهم المفهوم الذي تحيل إليه، لا يعني التقليل من أهمية ضبط معنى الكلمة واشتقاقها، خصوصًا عندما يتعلق بالتغيُّر في المبنى تغيرٌ مهمٌّ في المعنى. وعلى هذا الأساس، يمكن الاتفاق مع فؤاد زكريا على وجود تركيز مبالغ فيه في الفكر العربي على التحليل اللغوي والتاريخي للكلمة، لكن لا نتفق على حسم الخلاف بطريقة (كل المعاني مقبولة ومتشابكة). انظر: 

Fouad Zakariyya, Myth and Reality in the Contemporary Islamist Movement, translated with an introduction and Bibliography by Ibrahim M. Abu-Rabiʿ (London: Pluto Press, 2005), 14-15.

(۲۳) لا يتعلَّق الأمر بمفهوم العلمانية أو العلمانوية فحسب، بل يمتدُّ ليشمل عددًا كبيرًا من المفاهيم والأفكار. فعلى سبيل المثال، يمكن القول مع أسامة المقدسي وجنس هانسن -الذي يستند بدوره إلى أسامة المقدسي- بأن فكرة أو ظاهرة «(مناهضة) الطائفية» هي أحد الموضوعات الرئيسة ﻟ«نفير سورية»، بالرغم من أن النص لا يحتوي على أيِّ كلمة واضحة ومحدَّدة للإشارة إلى هذه الظاهرة. انظر:

Jens Hanssen, “Wataniyya as Antidote to Sectarianism,” in Butrus al-Bustani, The Clarion of Syria, translated, introduced and edited by Jens Hanssen and Hicham Safieddine, Foreword by Ussama Makdisi (Oakland: University of California Press, 2019), 60; Ussama Makdisi, Age of Coexistence: The Ecumenical Frame and the Making of the Modern Arab World (California: University of California Press, 2019).

(۲٤) أحمد فارس الشدياق، الساق على الساق فيما هو الفارياق، (باريس: بنجامين دوبرا، ۱۸٥٥م).

(۲٥) ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (۱۷۹۸-۱۹۳۹م)، ترجمة: كريم عزقول، (بيروت: دار النهار للنشر، د.ت)، ص۹۰.

(۲٦) الشدياق، الساق على الساق، مرجع سابق، ص۱۳٦-۱۳۷.

(۲۷) Azzam Tamimi, “The Origins of Arab Secularism,” in Islam and Secularism in the Middle East, eds. Azzam Tamimi and John Esposito (New York: New York University Press, 2000), 13-28.

(۲۸) Nazik Saba Yared, Secularism and the Arab World (1850-1939) ( London: Saqi Books, 2002),25.

(۲۹) Binbing Wu, “Secularism and Secularization in the Arab World,” Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia) 1, no.1 (2007), 58.

(۳۰) يصف جرجي زيدان «نفير سورية» بأنها «أول نشرة عربية ظهرت في سورية»، وأول «جريدة عربية غير رسمية بين قرَّاء اللغة العربية». انظر: جرجي زيدان، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الثاني، (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ۲۰۱۱م)، ص۳۹. أما إبراهيم عبده فيتحدث عنها بوصفها «أول صحيفة في الشام». انظر: إبراهيم عبده، أعلام الصحافة العربية، (القاهرة: مكتبة الآداب، ط۲، ۱۹٤۸م)، ص٤٥.

(۳۱) يذكر فيليب دي طرازي وإبراهيم عبده أن عدد أعداد أو مقالات «نفير سورية» قد بلغ ۱۳ مقالًا. لكن لا يوجد ما يدعم هذه المعلومة. انظر: فيليب دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية، الجزء الأول، (بيروت: المطبعة الأدبية، ۱۹۱۳م)، ص٦٤. وانظر: عبده، أعلام الصحافة العربية، ص٤٦.

(۳۲) يُشير جِنس هانسن وهشام صفي الدين إلى أن البستاني هو من نحت مصطلحي أو كلمتي «الحرب الأهلية» و«الوطن» باللغة العربية. انظر:

Jens Hanssen, and Hicham Safieddine, “Introduction. Translating Civil War,” in Butrus al-Bustani, The Clarion of Syria, 6, 10.

(۳۳) يوسف قزما خوري، رجل سابق عصره: المعلم بطرس البستاني، (عمان: المعهد الملكي للدراسات الدينية، ۱۹۹٥م)، ص٤۱.

(۳٤) دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية، ص٤٦.

(۳٥) تجدر الإشارة هنا إلى أن بطرس البستاني أصدر أو أسهم لاحقًا في إصدار ثلاث جرائد أو مجلات، تحمل الأسماء التالية على التوالي: الجنان (۱۸۷۰-۱۸۸٦م)، وكانت مجلة علمية وسياسية وأدبية وتاريخية نصف شهرية؛ والجنة (۱۸۷۰-۱۸۸٦م)، وكانت جريدة سياسية وأدبية، تصدر مرة أو مرتين أسبوعيًّا؛ والجنينة (۱۸۷۱-۱۸۷٥م)، وكانت جريدة سياسية شبه يومية.

(۳٦) Hanssen, and Safieddine, “Introduction,” 7.

(۳۷) Jens Hanssen, “Nafir Suriyya in Arab Historiography,” in Butrus al-Bustani, The Clarion of Syria, 37.

(۳۸) البستاني، نفير سورية، ص۱۹.

(۳۹) البستاني، نفير سورية، ص۲۲، ۳۸.

(٤۰) البستاني، نفير سورية، ص۳٤.

(٤۱) البستاني، نفير سورية، ص۲٥.

(٤۲) البستاني، نفير سورية، ص۳٦.

(٤۳) البستاني، نفير سورية، ص۲٦.

(٤٤) البستاني، نفير سورية، ص٥۲.

(٤٥) البستاني، نفير سورية، ص۳۰، ۳۸، ٥۲.

(٤٦) البستاني، نفير سورية، ص۲۷.

(٤۷) كتب الغزالي في هذا الشأن: «نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، فنظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن، وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقًا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرَّغ للعلم والعمل، وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة؟ فإذن: إن نظام الدنيا -أعني مقادير الحاجة- شرط الدين». انظر: أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق: عادل العوا، (بيروت: دار الأمانة، ۱۹٦۹م)، ص۲۱٤.

(٤۸) الماوردي، أدب الدين والدنيا، (بيروت: دار المنهاج، ۲۰۱۳م).

(٤۹) Rushain Abbasi, “Did Premodern Muslims Distinguish the Religious and Secular? The Dīn – Dunyā Binary in Medieval Islamic Thought,” Journal of Islamic Studies 31, no. 2 (2020).

(٥۰) Armando Salvatore, “Secularity through a ‘Soft Distinction’ in the Islamic Ecumene? Adab as a Counterpoint to Shari’a,” Historical Social Research 44, no. 3 (2019), 35-51. https://doi.org/hsr.44.2019.3.35-51; Armando Salvatore, “The Islamicate Adab Tradition vs. the Islamic Shariʿa, from Pre-Colonial to Colonial,” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities - Beyond the West, Beyond Modernities,” no. 3, (Leipzig: Leipzig University, 2018).

(٥۱) Salvatore, “Secularity through a ‘Soft Distinction’,” 38.

(٥۲) Salvatore, “The Islamicate Adab Tradition,” 14, 17.

(٥۳) حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة، مرجع سابق، ص۱٤٤.

(٥٤) العظمة، العلمانية من منظور مختلف، مرجع سابق، ص۱۷.

(٥٥) البستاني، نفير سورية، ص۳۸.

(٥٦) البستاني، نفير سورية، ص۳۸.

(٥۷) البستاني، نفير سورية، ص٤۹.

(٥۸) منذ دخول القوات المصرية بلاد الشام بقيادة إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا عام ۱۸۳۱م، حدث توتر وخلاف كبير بين الدروز الذين وقفوا مع العثمانيين ضد المصريين، والموارنة الذين أيدوا عمومًا الحكم المصري الذي استخدمهم لمحاربة الدروز وقمع انتفاضتهم عليه. ثم تصاعد هذا الخلاف بعد خروج الجيش المصري وتحوَّل إلى صراعٍ أنتج ثلاث حروب أهلية بين الطرفين، وكانت أحداث عام ۱۸٦۰م هي ذروة هذا الصراع وفصله الأخير في تلك الفترة. وقد كانت منطقة جبل لبنان هي بؤرة الصراع، وكان الدروز والموارنة الطرفين الأساسيَّيْن فيه، لكن الصراع امتدَّ لاحقًا إلى مناطق أخرى كدمشق خصوصًا، وشمل أطرافًا دينية أخرى كالمسلمين (الشيعة والسُّنة)، والمسيحيين (الأرثوذكس)، وراح ضحيته في جبل لبنان عشرة آلاف شخص على الأقل (معظمهم من المسيحيين/الموارنة). وقد انتهى الصراع حينها بتدخل أجنبي، وقررت اللجنة الدولية التي شُكِّلت آنذاك من خمس دول (بريطانيا وفرنسا وروسيا وبروسيا والنمسا) بالإضافة إلى الدولة العثمانية جعلَ جبل لبنان «متصرفية» يديرها متصرف تعيّنه الحكومة العثمانية ويرتبط بالباب العالي مباشرة، من دون أن يكون تابعًا لأيٍّ من الولاة أو الأمراء أو المسؤولين الآخرين. وقد استمر نظام المتصرفية إلى عام ۱۹۱۸م، وانتهى رسميًّا بإعلان قيام دولة لبنان الكبير عام ۱۹۲۰م. وبالرغم من السمة الطائفية الدينية لهذه الحرب وفقًا للأسماء المطلقة عليها، فإن العوامل الاقتصادية والسياسية، وتدخل القوى الخارجية وصراعها على هذه المنطقة وفيها، هو الأساس الأكبر لقيام تلك الصراعات الطائفية بين الأطراف المحلية، حيث كان يُوظَّف الانتماء الديني/الطائفي توظيفًا سياسيًّا سلبيًّا في أغلب الأحيان. ولم يكن البستاني في نصوصه عمومًا وفي نفير سورية خصوصًا واعيًا بالدور السلبي جدًّا للعامل الخارجي/الأجنبي. لمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، انظر: أسامة مقدسي، ثقافة الطائفية: الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني، ترجمة: ثائر ديب، (بيروت: دار الآداب، ۲۰۰٥م)، خاصةً الفصلين السابع والثامن، ص۱۹۷-۲٦۷.

(٥۹) البستاني، نفير سورية، ص٥۹.

(٦۰) البستاني، نفير سورية، ص٥۷.

(٦۱) البستاني، نفير سورية، ص٥۷.

(٦۲) البستاني، نفير سورية، ص٥۷.

(٦۳) يمكن النظر إلى نصوص صادق جلال العظم في ستينيات القرن الماضي، ونصوص عزيز العظمة عن هذا الموضوع عمومًا، على أنها نموذج أو مثال معبِّر عن الرؤية العلمانوية التي تنتقص من الدين ازدراءً، وترى أنه في جوهره وتمثُّلاته في الفكر الديني عمومًا عاجز عن التفاعل الإيجابي مع الحداثة والديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان، أو ما يسميه العظم لاحقًا بـ«النموذج الإنساني العلماني». فالدين -وفقًا للعظم- «بطبيعة عقائده المحددة ثابت ساكن يعيش في الحقائق الأزلية وينظر إلى الوراء ليستلهم مهده، ولذلك كان التبرير الميتافيزيقي والغيبي للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة دائمًا وما يزال يُشكِّل أحصن قلعة ضد الذين يبذلون الجهود لتغيير الأوضاع تغييرًا ثوريًّا». انظر: صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، طبعة ثانية مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر، (بيروت: دار الطليعة، ۱۹۷۰م)، ص۲۳. وهذه النظرة العلمانوية السلبية للدين نجدها أيضًا في بعض كتبه الصادرة في الفترة ذاتها، ومنها: صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ط۱، ۱۹٦۸م، (بيروت: دار الطليعة، ط٤، ۱۹۷۰م)؛ الحب والحب العذري، ط۱، ۱۹٦۸م، (دمشق، بيروت، بغداد: دار المدى، ط۸، ۲۰۰۷م). وقد عبَّر العظمة عن رؤية علمانوية جوهرانية وسلبية للدين في نقاشه مع عبد الوهاب المسيري، حيث أقام مثنوية بين ما أسماه بـ«النظرة العلمانية العلمية والنظرة الدينية الخرافية». ويقيم العظمة في هذا الكتاب ثنائية مانوية بين العلمانية التي تستند إلى النظرة العلمية، وتأخذ ﺑ«الاعتبار العقلي»، وتؤثر الحرية والضمير الواعي العاقل، وتشدِّد على التجدد والترقِّي...إلخ من جهة، والخطاب الديني/الإسلامي الذي يستند إلى الاعتبار الإيماني والخرافي، ويقدِّم النقل على العقل، ويركن إلى الموروث الكتبي، ويحاول إعادة إحياء الماضي المتقادم الزائل من جهة أخرى». انظر: عزيز العظمة، «العلمانية في الخطاب العربي المعاصر»، في: عبد الوهاب المسيري وعزيز العظمة، العلمانية تحت المجهر، ص۱٥٦.

(٦٤) البستاني، نفير سورية، ص٦۸.

(٦٥) البستاني، نفير سورية، ص۳۷.

(٦٦) البستاني، نفير سورية، ص٤۹.

(٦۷) البستاني، نفير سورية، ص٤۳.

(٦۸) على سبيل المثال، هناك ذكر للقول الإسلامي المشهور: «كما تكونوا يُولَّى عليكم» بوصفه «(من) أحسن وأصدق ما قيل». البستاني، نفير سورية، ص٦۸.

(٦۹) Abdulatif Tibawi, “The American Missionaries in Beirut and Butrus al-Bustani,” St. Antony’s Papers 16 (1963):82-137. Cited in Hanssen, “Nafir Suriyya in Arab Historiography,” 37; Uta Zeuge-Buberl, The Mission of the American Board in Syria: Implications of a transcultural dialogue, Trans. Elizabeth Janik (Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2017), 173.

(۷۰) حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة، مرجع سابق، ص۱۲۹.

(۷۱) هشام شرابي، المثقفون العرب والغرب، (بيروت: دار النهار، ط۲، ۱۹۷۸م)، ص۳۰.

(۷۲) المرجع السابق، ص۳۳.

(۷۳) Mohammad Magout, “Secularity in the Syro-Lebanese Press in the 19th Century,” in Companion to the Study of Secularity. Edited by HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities.” Leipzig University, 2019, 10.

www.multiplesecularities.de/publications/companion/css_magout_syroleban…

(۷٤) Butrus Abu-Manneh, “The Christians between Ottomanism and Syrian Nationalism: The Ideas of Butrus al-Bustani,” International Journal of Middle East Studies 11, no. 3 (May 1980): 300.

(۷٥) كما فعل كثيرون، كالأفغاني على سبيل المثال، الذي رأى في الدين رابطة اجتماعية وسياسية، وأوصى المسلمين بالاعتصام بالرابطة الدينية التي يجتمع فيها التركي بالعربي والفارسي بالهندي والمصري بالمغربي. انظر: محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، الجزء الأول، (القاهرة: دار الفضيلة، ط۲، ۲۰۰٦م)، ص۳۲٤. والعلاقة الإشكالية بين الأمة الإسلامية والدولة الوطنية مسألة إشكالية مهمة لا مجال لمناقشتها في السياق الحالي.

(۷٦) البستاني، نفير سورية، ص٥۰.

(۷۷) انظر مثلًا: البستاني، نفير سورية، ص٤۸، ٦۰.

(۷۸) انظر: مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة السيدة اللويزة، «سيرة المعلم بطرس البستاني وأبرز منجزاته»، (ذوق مصبح، لبنان: مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة السيدة اللويزة، د.ت)، ص۱۳.


المراجع

العربية

  • محمد أركون، العلمنة والدين (الإسلام، المسيحية، الغرب)، (بيروت، لندن: دار الساقي، ط۳، ۱۹۹٦م)، ص۷٤.
  • محمد جمال باروت، يثرب الجديدة: الحركات الإسلامية الراهنة، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، ۱۹۹٤م).
  • بطرس البستاني، نفير سورية، (بيروت: دار فكر، ۱۹۹۰م).
  • بطرس البستاني، محيط المحيط: قاموس عصري مطول للغة العربية، تحقيق: محمد عثمان، (بيروت: المكتبة العلمية، ۲۰۰۹م).
  • عزمي بشارة، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، الجزء الثاني، المجلد الأول، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ۲۰۱٥م).
  • سايروس بن المقفع، كتاب مصباح العقل، تقديم وتحقيق: الأب سمير الخليل، «سلسلة التراث العربي المسيحي۱»، (القاهرة: مطبعة دار العالم العربي، ۱۹۷۸م).
  • محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ۱۹۹۲م).
  • ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (۱۷۹۸–۱۹۳۹م)، ترجمة: كريم عزقول، (بيروت: دار النهار للنشر، د.ت).
  •  يوسف قزما خوري، رجل سابق عصره: المعلم بطرس البستاني (۱۸۱۹-۱۸۸۳م) (عمان: المعهد الملكي للدراسات الدينية، ۱۹۹٥م).
  •  حسام الدين درويش، «في (عدم) التوافق بين الإسلام والتنوير/الحداثة: (سوء) الفهم المتعلق بالمفاهيم المعيارية الكثيفة»، في المفاهيم المعيارية الكثيفة: العلمانية/العلمانوية، الإسلام/الدين، إصلاح الخطاب الديني، (قيد التحضير للنشر).
  • فيليب دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية، الجزء الأول، (بيروت: المطبعة الأدبية، ۱۹۱۳م).
  • محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، الجزء الأول، (القاهرة: دار الفضيلة، ط۲، ۲۰۰٦م).
  • جرجي زيدان، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الثاني، (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ۲۰۱۱م).
  • أحمد فارس الشدياق، الساق على الساق فيما هو الفارياق، (باريس: بنجامين دوبرا، ۱۸٥٥م).
  • هشام شرابي، المثقفون العرب والغرب، (بيروت: دار النهار، ط۲، ۱۹۷۸م).
  • جورج طرابيشي، هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية، (بيروت: دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، ۲۰۰٦م).
  • إبراهيم عبده، أعلام الصحافة العربية، (القاهرة: مكتبة الآداب، ط۲، ۱۹٤۸م).
  • صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، طبعة ثانية مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر، (بيروت: دار الطليعة، ۱۹۷۰م).
  • صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ط۱، ۱۹٦۸، (بيروت: دار الطليعة، ط٤، ۱۹۷۰م).
  • صادق جلال العظم، الحب والحب العذري، ط۱، ۱۹٦۸م، (دمشق، بيروت، بغداد: دار المدى، ط۸، ۲۰۰۷م).
  • أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق: عادل العوا، (بيروت: دار الأمانة، ۱۹٦۹م).
  • عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ۱۹۹۲م).
  • خوسيه كازانوفا، الأديان العامة في العصر الحديث، ترجمة: قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، مراجعة: بولس وهبة، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ۲۰۰٥م).
  • عبد الجليل الكور، «شَعْبويْهِ» وشُركاؤُه: «عِلْمويْهِ» و«إسلاموَيْهِ» و«عَلْمانَويْه»، موقع هسبريس، ٦ يونيو ۲۰۱۳م.
  • الماوردي، أدب الدنيا والدين، (بيروت: دار المنهاج، ۲۰۱۳م).
  • صبا محمود، الاختلاف الديني في عصر علماني: تقرير حول الأقليات، ترجمة: كريم محمد، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ۲۰۱۸م). 
  • عبد الوهاب المسيري، عزيز العظمة، العلمانية تحت المجهر، (بيروت، دمشق: دار الفكر، ۲۰۰۰م).
  • عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، في مجلدين، (القاهرة: دار الشروق، ۲۰۰۲م).
  • أسامة مقدسي، ثقافة الطائفية: الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني، ترجمة: ثائر ديب، (بيروت: دار الآداب، ۲۰۰٥م).
  • مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة السيدة اللويزة ، «سيرة المعلم بطرس البستاني وأبرز منجزاته»، (ذوق مصبح، لبنان: مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة السيدة اللويزة، د.ت).
  •  مارشال هودجسون، مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية، المجلد الأول، العصر الكلاسيكي للإسلام، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ۲۰۲۰م).


الإنجليزية

  •  Abbasi, Rushain. “Did Premodern Muslims Distinguish the Religious and Secular? The Dīn – Dunyā Binary in Medieval Islamic Thought.” Journal of Islamic Studies 31, no. 2 (2020): 1-42.
  • Abdulatif Tibawi, “The American Missionaries in Beirut and Butrus al-Bustani,” St. Antony’s Papers 16 (1963):137–82. 
  • Abu-Manneh, Butrus. “The Christians between Ottomanism and Syrian Nationalism: The Ideas of Butrus al-Bustani.” International Journal of Middle East Studies 11, no. 3 (May 1980): 287-304.
  • Ahrari, M. E. “Islam as a Source of Continuity and Change in the Middle East.” in Change and Continuity in the Middle East: Conflict Resolution and Prospects for Peace, edited by M. E. Ahrari (London: Palgrave Macmillan, 1996).
  • al-Azmeh, Aziz. Secularism in the Arab World: Contexts, Ideas and Consequences, translated by David Bond (Edinburgh: Edinburgh University Press/Aga Khan University Institute for the Study of Muslim Civilisations, 2020).
  • Bocthor, Ellious. Dictionnaire français-arabe, Tome 2 (Paris : Chez Firmin Didot Frères, 1828).
  • al-Bustani, Butrus. The Clarion of Syria, translated, introduced and edited by Jens Hanssen and Hicham Safieddine, Foreword by Ussama Makdisi (Oakland: University of California Press, 2019).
  • Hodgson, Marshall G. S. The venture of Islam, conscience and history in a world civilization. Vol. 1. The classical age of Islam (Chicago: University of Chicago Press, 1974).
  • Jackson, Sherman. “The Islamic secular.” The American Journal of Islamic Social Sciences 34, no. 2 (2017): 1-31.
  •  Kleine, Christoph and Monika Wohlrab-Sahr, “Preliminary Findings and Outlook of the CASHSS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities’.” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities” 22, (Leipzig: Leipzig University, 2020).
  • Kleine, Christoph and Monika Wohlrab-Sahr, “Research Programme of the HCAS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities’.” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities” 1 (Leipzig: Leipzig University, 2016).
  • Krämer, Gudrun. “Secularity Contested: Religion, Identity and the Public Order in the Arab Middle East.” in Multiple Secularities Beyond the West: Religion and Modernity in the Global Age, edited by Marian Burchardt, Monika Wohlrab-Sahr, and Matthias Middell, (Boston: De Gruyter, 2015).
  • Magout, Mohammad. “Secularity in the Syro-Lebanese Press in the 19th Century.” in Companion to the Study of Secularity. Edited by HCAS “Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities.” Leipzig University, 201. www.multiplesecularities.de/publications/companion/css_magout_syroleban…
  • Makdisi, Ussama. Age of Coexistence: The Ecumenical Frame and the Making of the Modern Arab World (California: University of California Press, 2019).
  • Nazik Saba Yared, Secularism and the Arab World (1850-1939) ( London: Saqi Books, 2002).
  • Salvatore, Armando. “Secularity through a ‘Soft Distinction’ in the Islamic Ecumene? Adab as a Counterpoint to Shari’a.” Historical Social Research 44, no. 3 (2019): 35-51. https://doi.org/hsr.44.2019.3.35-51.
  • Salvatore, Armando. “The Islamicate Adab Tradition vs. the Islamic Shariʿa, from Pre-Colonial to Colonial.” Working Paper Series of the HCAS “Multiple Secularities - Beyond the West, Beyond Modernities,” no. 3, (Leipzig: Leipzig University, 2018).
  • Tamimi, Azzam. “The Origins of Arab Secularism,” in Islam and Secularism in the Middle East, edited by Azzam Tamimi and John Esposito (New York: New York University Press, 2000), 13-28
  • Williams, Bernard. Ethics and the Limits of Philosophy (London and New York: Routledge, 2006. Simon Kirchin, Thick Evaluation (Oxford: Oxford University Press, 2017).
  • Wu, Binbing. “Secularism and Secularization in the Arab World.” Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia) 1, no. 1 (2007): 55-65.
  • Zakariyya, Fouad. Myth and Reality in the Contemporary Islamist Movement, translated with an introduction and Bibliography by Ibrahim M. Abu-Rabiʿ (London: Pluto Press, 2005).
  • Zeuge-Buberl, Uta. The Mission of the American Board in Syria: Implications of a transcultural dialogue, translated by Elizabeth Janik (Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2017).