في سؤال النهضة: مقاربة تحليلية نقدية لتطور التفكير النهضوي

الأزهر إسلام نهضة

الملخص

ظلَّ  سؤال النهضة هاجسًا مرافقًا للوعي العربي الإسلامي، ومحايثًا لمختلف مستويات تفكيره منذ حدوث الصدمة الأولى مع الغرب في القرن التاسع عشر؛ إذ كان ولا يزال السؤال الإشكالي المحوري الذي تضافرت الجهود وتجادلت في محاولة الإجابة عنه.
وليس من المبالغة أن نقول: يمكن اختزالُ الناتج الفكري العربي بأكمله وبمختلف تياراته واتجاهاته في كونه مجرَّد حاشية على هذا السؤال، حاشية تقاربه وتُعيد صياغته، أو حاشية تروم أن تكون متنًا يقدِّم إجابةً عنه، بل يصحُّ القولُ أيضًا: إن انقسام الوعي العربي النهضوي إلى تياراتٍ  متباينة  يعكسُ  الانقسامَ  والتبايُنَ في الإجابة عن هذا السؤال تحديدًا.

ومن الملاحَظ أن مؤرخي الفكر العربي الحديث والمعاصر لديهم نزوعٌ  نحو اختزال التنظيرات والمشاريع النهضوية العربية -على تنوُّعها- إلى ثلاثة تياراتٍ أساسية: تيار التأصيل، وتيار التحديث، وتيار التوفيق، أو غير هذا وذاك من العناوين والتسميات المتقاربة.

غير أننا في هذا البحث لن نأخذَ بهذا التصنيف؛ لأننا لا نرى أن ثمَّة تيارًا توفيقيًّا مستقلًّا  بذاته؛ حيث نعتقد ألَّا  وجودَ إلَّا  لتياريْن  اثنيْن فقط، هما: التأصيل، والتحديث. أما التوفيقية فليست كيانًا  مستقلًّا  بذاته كتيارٍ ثالثٍ  ينضاف إلى ما سبق؛ بل هي تيارٌ محايثٌ لما سبق. وإذا كان لا بدَّ من تحديده بوسْمِه تيارًا مستقلًا، فلا بدَّ من تعداده تيارين اثنين لا تيارًا واحدًا؛ حيث إن النزعة التأصيلية قد أنتجت تيارًا توفيقيًّا خاصًّا بها مختلفًا عن توفيقية التحديث؛ لذا اختلافًا مع هذه الثلاثية الشائعة نقترح ثنائيةً ستثمر موقفَيْن  توفيقيَّيْن، فيكون حاصل تيارات الفكر النهضوي أربعة تياراتٍ لا ثلاثة إذا عددنا توفيقيتَي التأصيل والتحديث.

والملحوظة الثانية هي أنه رغم تعدُّد التيارات والإجابات وتنوُّع الأطروحات النهضوية، ما زال الوضع العربي إلى اليوم -سواء من الناحية الثقافية أو من الناحية المجتمعية- مختلًّا  مأزومًا، ومن ثَمَّ ما زال سؤال النهوض يعبِّر عن مطلبٍ لا عن ما صدق واقعي منظور.

فما السبب؟ هل يرجع الفشل إلى خللٍ في تلك الإجابات، على اختلافها وتعدُّدها، أو أن سؤال النهضة لا يتطلَّب أجوبةً نظريةً فقط، بل يتطلَّب أيضًا أفعالًا  منظورةً وممارسةً تغييريةً واقعيةً، ومن ثَمَّ فالمسؤولية ليست ملقاةً على مفكِّر النهضة (أي القيادة الفكرية)، بل على الحاكم العربي (أي القيادة السياسية)؟

 لكن هل يصحُّ اختزالُ  عجْزِ الفعل النهضوي في مجرَّد خللٍ اعتور عملية تطبيق الإجابة النظرية، وليس اختلالًا  في الرؤية الفكرية ذاتها التي أنتجت تلك النظرية؟ وما مصير سؤال النهوض بعد كل هذا الرصيد من المحاولات والمقاربات التي فكَّرت فيه؟

للجواب عن هذه الاستفهامات سنبدأ -أولًا- بتحليل صيرورة ألفاظ سؤال النهضة، وبحثِ دلالاتها. ثم ننتقل إلى استعراض تيارات الفكر النهضوي بقصْدِ ضبْطِ محدَّدات نمطها في التفكير. لنختم ببيان حاجة فكر النهضة إلى مختبرٍ مجتمعيّ.