الإسلام والديمقراطية: ما هو السؤال الحقيقي؟
مقدمة المترجم
يوجِّه الكاتب نقدًا للمقولة الغربية الشائعة عن "استثنائية المجتمعات الإسلامية وفرادتها"، وعدم قابليتها للتأقلم مع الحداثة والديمقراطية، وهي رؤية متأثرة بالاستشراق الكلاسيكي ونابعة – وَفْقَ رأيه – من تصوُّر ساكنٍ وجامدٍ للثقافة يجعل الإسلام من خلاله مسؤولًا مباشرًا عن نشأة التطرُّف.
وبقدر ما يوجِّه "بيات" نقدًا عميقًا لهذه الرؤية، فإنه عمل بالتوازي على نقد رؤى إسلامية توفيقية تحاول الإقناع بالإسلام الديمقراطي من خلال التوسُّل بالنصوص المقدَّسة للإقناع بوجاهة هذا الطرح الجديد.
عمل الكاتب على بيان نسبية هذه المقولات والتقليل من وجاهتها من خلال الاعتماد على المقاربة السوسيولوجية عمومًا والسوسيولوجية الدينية على وجه الخصوص، فرأى أنَّ تركيبة المجتمعات (وخصوصًا الإسلامية الحديثة) ليست سوى ثمرة مساراتٍ معقَّدة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وليست نابعةً من تأثير الدين فحسب، فالاستبداد مثلًا ليس نابعًا من الطبيعة التسلُّطية للإسلام. بل إن الدين ذاته لا يتحدَّد معناه – في الواقع الاجتماعي طبعًا – إلا من خلال مواقع الفاعلين الاجتماعيين وصراعاتهم. فالفاعل الاجتماعي هو الذي يحول الدين إلى شامل أو خاصٍّ، إلى ديمقراطيٍّ أو سلطويٍّ …إلخ. وعلى هذا الأساس، فإن مقولة التوافق بين الإسلام والديمقراطية ليست فرضيةً فلسفية، بل هي نضال سياسيٌّ ملخَّصه الصراع بين موازين القوى، أو بالأحرى بين الفاعلين الاجتماعيين، ولا علاقة للنصوص بها.
من هذا الباب ولج الكاتب إلى تحليل مراحل التطور ومسارات التغير التي عرفتها حركات الإسلام السياسي، فوجدها تتوزَّع إلى مرحلتين: الإسلاموية (Islamism)، وما بعد الإسلاموية (Post-Islamism).
وقف الكاتب عند عوامل تشكُّل المرحلة الأولى من الناحية السوسيولوجية على وجه الخصوص، وركَّز على ولادة حركة سياسية نابعة من مسارات التهميش الاقتصادية والسياسية والثقافية، فضلًا عن الاجتماعية، مترافقة مع الإخفاق الذي عرفته فلسفتا الحداثة الرأسمالية والاشتراكية في بلدان العالم الإسلامي، مما أدَّى إلى نشأة أيديولوجيا جذرية وصلبة تسعى إلى القطع التامِّ مع السائد، متوسلةً بلغة دينية شعبية مبسطة وتسلُّط اجتماعيٍّ ثقيل الوطأة على غير الملتزمين دينيًّا. وقد يكون الأهم من كل هذا التحليل هو إيجازه لعوامل النشأة والتوسُّع في معادلة هي: الفرصة والقمع، من خلال تمكين أبناء الطبقة الوسطى من فرصة التعلُّم، وقمعهم سياسيًّا وفكريًّا. ورغم استبعاده لفكرة مماثلة هذه الظاهرة لظاهرة لاهوت التحرُّر في أمريكا اللاتينية، فقد أبرز أسباب فشل "الإسلاموية" وحصره في عدم القدرة على الذهاب بعيدًا في مشروع أسلمةٍ باهظ الكلفة، أدَّى إلى تحولاتٍ داخلية في كيان الحركات الإسلاموية. وهو ما ولَّد ظاهرة "ما بعد الإسلاموية" بوصفها مراجعةً للمسار الأول، فرفض اعتبارها مرحلةً تاريخية أو مجرَّد حالة، ووسمها بكونها مشروعًا قام على التخلّي عن بعض المبادئ الأساسية/الأصلية مقابل إعادة بناء الذات والقبول باتباع سياساتٍ براغماتية غايتها القصوى استبدال الدمج بين التدين والمسؤولية (الإسلاموية) بالدمج بين التدين والحقوق وبين الإيمان والحرية.
وينهي الكاتب مقاله بالتنبيه إلى أن ظهور "ما بعد الإسلاموية" ليس نهايةً لـ"الإسلاموية"، بل من الممكن أن نجد الظاهرتيْن تتعايشان معًا في واقع الحركات الدينية الإسلامية وحتى من خلال الحياة الاجتماعية السائدة. والمهم هو أنهما يعبران عن مساريْن مختلفيْن نوعيًّا، فنحن نشهد عملياتٍ للأسلمة وما بعد الأسلمة في العالم العربي خصوصًا بعد أحداث انتفاضات العالم العربي خلال عام 2011 وما بعدها إلى اليوم.