الأخلاق الإسلامية والجينـوم من منظور اللاهوت العلمي

دراسات - الأخلاق الإسلامية والجينوم من منظور اللاهوت العملي

يعالج هذا المقال[1] مفهوم الأخلاق وصلته بالدين من منظور اللاهوت العملي (practical theology)، أي إنه سيرصد أبعاد التداخل بين مفهومي الأخلاق والدين على مستويين: المستوى النظري المتمثِّل بما بعد الأخلاق (meta-ethics) ومفاهيم مركزية أخرى، والمستوى التطبيقي الذي يرصد النقاشات الفعلية لأشكال الممارسة الصالحة أو المُبرَّرة أخلاقيًّا ودينيًّا. وقد اخترنا معالجة الموضوع من خلال مسألة حديثة ومعقَّدة هي "التجيين" (geneticization)، أي ظاهرة المقاربة الجينية للجسد الإنساني بما تشتمل عليه من تدخلات (التدخل الجيني).

يبدأ البحث في بيان مكثف لمفهوم الأخلاق الإسلامية، ثم يوضِّح الفرق بين التجيين (geneticization) والتدخل الجيني (genetic intervention)، ليحلِّل بعد ذلك المناقشات الخاصة بالتدخل الجيني في الخطاب الفقهي المعاصر، ثم يقدِّم مقاربة أخلاقية للجينوم من منظور ما يسميه "الأخلاق الموسّعة" (thick ethics).

  1. الأخلاق الإسلامية: المفهوم والإطار النظري

"و"الفعل الصالح" له مستويان: أنطولوجي (وجودي) وإبستيمولوجي (معرفي)، ويسعيان للإجابة عن سؤال من نحن؟ وكيف يجب أن نتصرف؟"

درَج الفكر الفلسفيُّ الإسلاميُّ الكلاسيكيُّ على تحديد الأخلاق بأنها حالٌ أو مَلَكَةٌ راسخةٌ في النَّفس هي التي تحركها إلى القيام بالأفعال الصادرة عن الجسد (مسكويه د.ت، 41؛ الماوردي 1981، 5؛ الغزالي 2004، 3: 53)، ومن ثَمَّ انصرف هذا النوع من الكتابات إلى وصف طبيعة النفس وملَكاتها وتعريف الفضيلة وتقسيماتها مقتفيًا أثر الكتابات الفلسفية اليونانية (Draz 2008, 2; WaIzer 1962, 236-252). ولكن مشكلة هذا التصور أنه يَقصر الأخلاق على مجال الفلسفة اليونانية، في حين أن المفهوم الحديث للأخلاق شهد تطورين: أولهما أنه تجاوز المفهوم الكلاسيكي نتيجة الانتقال إلى العلوم المعيارية (المنطق، والأبستيمولوجيا، والأنطولوجيا)، وهي العلوم التي تدرس السلوك الإنساني دراسة شاملة، ومن ثَمَّ فإن الحكم الأخلاقي بات يعتمد على نوعية المعارف المتجمعة ويستخرج منها المحصلة النهائية. وثانيهما أن إمكانية التقويم الأخلاقي ذاتها لم تعُد مسألة بدهية؛ نظرًا لتشعُّب المعارف وتوسُّعها وتعدُّديتها أيضًا، وهو الأمر الذي دفع إلى البحث في ما بعد الأخلاق (meta-ethics)، أي دراسة الأنظمة الأخلاقية من خارجها لفهم اختلافاتها وتشابهاتها وآليات اشتغالها (أركون 2007، 83-84).

وإذا اعتمدنا المفهوم التقليدي للأخلاق القاضي بأن الأخلاق فرعٌ من فروع الفلسفة (الحكمة العملية)، فإننا لن نجدها علمًا مستقلًّا ضمن التصنيفات الإسلامية الكلاسيكية للعلوم (النديم 2009)، كما أن الكتابات فيها ستكون محدودة؛ لأنها ستكون مرتهنة إلى نمط الكتابة الفلسفية وتطوراته في التاريخ الإسلامي (موسى 1953، 225؛ الجابري 2014، 9-10). والواقع أن النتاج العربي الإسلامي في مجال الأخلاق ضخمٌ؛ إذا ما تحررنا من الموروث الفلسفي اليوناني (Fakhry 1994)[2]. فالأخلاق تتناول الفعل الإنساني وغاياته، أو كيف يحيا الإنسان حياة صالحة، وبهذا المعنى هي أشمل من ثنائية الحلال والحرام أو الصواب والخطأ، ومن ثَمَّ فإن مفهوم الأخلاق مفهوم تركيبي؛ لأن العلوم التي تنشغل بالفعل الإنساني -على اختلاف مستوياته- متعدِّدة، وهذا ما يفسر -ولو جزئيًّا- لماذا لم يستقل حقل الأخلاق عن باقي العلوم الإسلامية المعروفة، فما نسميه اليوم "علم الأخلاق" يتداخل مع جملة علوم إسلامية أبرزها: الفقه وأصول الفقه والكلام والتصوف، إلى جانب جنس الآداب (كآداب الفقيه والمتفقه، والراوي والسامع، والطبيب، وغيرها).

و"الفعل الصالح" له مستويان: أنطولوجي (وجودي) وإبستيمولوجي (معرفي)، ويسعيان للإجابة عن سؤال من نحن؟ وكيف يجب أن نتصرف؟ وقد انشغل علم الكلام الإسلامي بهذا من خلال مناقشة محورين رئيسين: أولهما: الموقف من الفعل الإلهي والفعل الإنساني وما يتضمنه ذلك من مسائل الإرادة والمسؤولية (الجَبْر والاختيار) والعلاقة بين الأسباب ومسبَّباتها، والنجاة والسعادة. والمحور الثاني: التكليف والإلزام وما يتضمَّنه ذلك من الحديث عن مصادر هذا الإلزام وأول الواجبات على الإنسان المكلَّف، والأحكام الواجبة للأفعال وهل هي أحكام عقلية أو شرعية، وحقيقة وجود الخير والشر. وقد صاغ المتكلمون المسلمون هذا النقاش حول الوجودي والمعرفي على الشكل الآتي: هل الشرع (الوحي) مُثبِت للأحكام التقويمية أم مُبيِّن وكاشف فقط؟ لدينا هنا نظريتان رئيستان: الأولى الموضوعية الأخلاقية (ethical objectivism)، ومُفادها أن الأسس الأخلاقية لها وجود مستقل عن الإرادة الإلهية، ومن ثَمَّ فهي سابقة على وجود الأمر والنهي (الوحي)، والأمر والنهي من مقتضيات الحُسن والقُبح، أي إن الأمر يأتي تَبَعًا للحُسن والنهي يأتي تبعًا للقُبح، فوظيفة الوحي هنا كاشفة ومُبيِّنة فقط، وهذا مذهب المعتزلة. النظرية الثانية هي الذاتية الأخلاقية أو الإرادوية الأخلاقية (ethical voluntarism or Divine command theory)، وترى أن الحُسن والقبح تبَعٌ للإرادة الإلهية التي يحدِّدها الأمر والنهي، ومن ثَمَّ فلا وجود لأسس معيارية قبل ورود الوحي، فالأمر والنهي يُوجِدان الأسس المعيارية للحكم الأخلاقي، وهما من موجِبات الحسن والقبح، أي إن الأمر يجعل الشيء حسنًا والنهي يجعله قبيحًا، وهذا مذهب الأشاعرة (عبد الجبار ، 6: 1: 7-8؛ 6: 2: 323؛ والتفتازاني 1998، 4: 282-3، والتفتازاني د.ت، 1: 330-3، Hourani 1985, 57-66).

ولا بدَّ من توضيح أن الحسن والقبح يَرِدان على ثلاثة معانٍ: أولها كون الشيء ملائمًا للطبع أو مُنافرًا، وكون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، وهذان المعنيان مما لا خلاف في كونهما عقليَّيْن، ولكن الخلاف يدور حول المعنى الثالث الذي هو كون الفعل مستحقًّا للمدح أو الذَّم عند الله تعالى (الثواب والعقاب)، أي إن ثمة تمييزًا بين تَعَقُّل المعارف وإدراكها وهو ما يحصل بالعقل عند الجميع، وبين الوجوب والتكليف هل يَصدر عن العقل أم السمع؟ وفي هذا الأخير يقع الخلاف (الرازي 1997، 1: 123؛ والشهرستاني 2009، 363؛ والتفتازاني 1998، 4: 282، القرافي 1973، 88).

يندرج النقاش السابق ضمن ما بعد الأخلاق (meta-ethics) ومصادر الأحكام المعيارية، ورغم أن التيار الرئيس تاريخيًّا هو أشعريّ، فإن تطور النقاشات الكلامية والفقهية أدى إلى بلورة نظرية مقاصد الشريعة التي بُنيت على مبدأ تعليل الأوامر والنواهي وأنها ليست اعتباطية، فـ"أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة، ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة" (القرافي د.ت، 2: 126)، أي المصلحة التي ينبني عليها ثواب وعقاب، وهي المصالح الأخروية والمصالح المشتركة بين الدنيا والآخرة، وهي لا تُعرف إلا من خلال الأمر والنهي (العز 1991، 1: 5، 10)، وقد أمكن بناء هذه النظرية التي أسَّسها أشاعرة من خلال استقراء الأحكام الفقهية المختلفة ومعرفة عِللها أو مقاصدها، وردها إلى معانٍ كلية تنتظمها جميعًا. فالمصلحة هنا لا يقررها العقل وإنما الشرع الذي وحده يوجب ويحرم عند الأشاعرة بخلاف المعتزلة الذين يقولون بالتكليف العقلي، وقد عرفنا هذه المقاصد من خلال استقراء عِلل الأوامر والنواهي المختلفة بعد تشكُّل واكتمال المذاهب الفقهية في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. 

وقد أخذت تلك النقاشات الكلامية صورتها المنهجية التفصيلية من خلال علم أصول الفقه الذي يعالج الأحكام المعيارية، ومصادرها، وآليات استنباطها، وهو علمٌ يجمع في مسائله بين النقلي (الوحي) والعقلي، وثمة اختلافات بين مذاهب الأصوليين بين موسّع ومضيّق، ولكن نظرية مقاصد الشريعة جاءت لتبرز الفلسفة الكلية للشريعة وتقدِّم تسويغًا عقليًّا لمنظومة الأحكام المعيارية التي قدَّمها فقهاء المذاهب، ولتخرج المكلَّف عن أهوائه ورغباته النفسية بحيث يخضع للإرادة الإلهية ظاهرًا وباطنًا (الشاطبي 1997، 2: 289).

  1. التجيين (geneticization) والتدخل الجيني (genetic intervention

كيف يمكن للإطار النظري والمفهومي السابق أن يشتغل في حقل التطبيق على موضوع كالجينوم مثلًا؟ ولماذا الجينات تحديدًا؟ موضوع الجينات موضوع مرتبط بمنجزات الحداثة من جهة، ويتسم بالتركيب بشكل يتناسب مع تعقيدات مفهومي الأخلاق والدين وفق المنظور الجديد للاهوت العملي من جهة ثانية، وينتمي إلى حقل الدراسات متعدِّدة التخصُّصات (interdisciplinary) من جهة ثالثة، فموضوع الجينات يتصل اليوم بمجالات الفلسفة الأخلاقية، والأخلاقيات الطبية، والبيولوجيا، واجتماعيات الطب، والفقه الإسلامي.

ويمكن الحديث هنا عن ثلاثة مستويات: التجيين، والتدخل الجيني، والتحسين الجيني. "التجيين" هو المفهوم الأشمل والمركزي بينها، وينضوي تحته أنواع مختلفة من التدخل الجيني، بعضها علاجي بقصد المداواة، وبعضها تحسيني بقصد التطوير (improvement or increase). فالتجيين (geneticization) أو تصيير الجسد جينًا مفهومٌ حديثٌ يُستعمل في الأدبيات العلمية لشرح تقنيات التفاعل بين الطب والوراثة والمجتمع والثقافة، وهي تقنيات متشابكة وغير محسوسة، خصوصًا أن الانخراط في هذا المسار يتزايد بعمق، سواءٌ في المجتمعات الغربية أم في بعض دول الخليج العربية. وينطوي التجيين على تحديد هوية الأفراد بحسب رموز الحمض النووي الخاص بهم (DNA)، وباستخدام لغة جديدة لوصف حياة الإنسان وسلوكه بواسطة مفردات جينية عبارة عن رموز ومخططات وخرائط جينية (blueprints, traits, dispositions, genetic mapping)، كما ينطوي التجيين على المقاربة التقنية الجينية (gentechnological approach) لمفاهيم المرض والصحة والجسد (Ten Have 2001, 4: 295).

التدخل الجيني (genetic intervention)
                                    التدخل الجيني (genetic intervention) 

أما التدخل الجيني فيشمل جميع الأعمال التي تخضع لها الجينات البشرية بما يشمل عمليات التشخيص والعلاج والتحسين (enhancement) والأغراض البحثية أيضًا، والتدخل الجيني يحصل في نوعين من الخلايا: الخلايا التناسلية حيث يكون التدخل -غالبًا- في شخص لم يوجد بعدُ ولم تستقر صفاته الوراثية، إما بحذف صفة غير مرغوبة أو بإضافة صفة مرغوبة؛ والخلايا الجسدية حيث يكون التدخل هنا في شخص موجود بالفعل وقد استقرت صفاته كالمولود حديثًا[3].

وربما تكون الممارسة الأكثر إشكالًا في التدخل الجيني هي التدخل التحسيني (genetic enhancement) الذي يُحيل إلى أي تغيير بيولوجي لشخصٍ ما يَزيد من الفرص التي تؤدي إلى حياة طيبة (Savulescu, Sandberg, and Kahane2011, 7). والتحسين الجيني هو جزء من تحسين الطبيعة البشرية (human enhancement) الذي تنشغل به مجالات معرفية متعدِّدة كأخلاق المعالجة الجينية، وأخلاق المنشطات، وأخلاق الشيخوخة، وغيرها.

  1. التدخل الجيني في الخطاب الفقهي المعاصر

"تفاعلت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية إيجابيًّا مع أبحاث الجينات عبر توصيفها بأنها "جزء من تعرُّف الإنسان على نفسه واستكناه سُنَّة الله في خلقه" وأدخلته بذلك ضمن فروض الكفاية التي يجب على الدول أو المؤسسات أن تنهض بها، ومن حيث النظرة الكلية يمكن للهندسة الوراثية أن تُستعمل في الخير والشر، فالاستخدام المشروع لها يقتصر على منع الأمراض أو علاجها أو التخفيف من أذاها، ويُستَثنى من هذا الخلايا الجنسية (germ cells)؛ لِما فيها من إشكالات تتصل بالأنساب."

الفتاوى هي الحقل التطبيقي الذي يُفتَرض به أن يعكس التصورات اللاهوتية والأخلاقية بصيغة أحكام معيارية تخاطب سلوك المؤمن، ويتوجه نظر الفقيه إلى بحث الوسائل المستعملة ومناقشة الغايات بناءً على تصور محدد لأمرين: التقنيات الوراثية وقدرتها على إحداث التغيير، ومراد الشارع (lawgiver or divine will)؛ فالفقيه يكشف عن حكم الشارع بالاجتهاد. فكيف جرت مناقشة موضوع الجينات في الفتاوى الفقهية المعاصرة؟ سأختار ثلاث مؤسسات رئيسة تصدت لهذا الموضوع هي: مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة الذي يضمُّ فقهاء ممثّلين لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، ويجمع بين الأعضاء الممثِّلين لدولهم والخبراء الذين يجري تعيينهم من قِبَل المجمع نفسه وينتمون إلى تخصُّصات مختلفة. والمؤسسة الثانية هي المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقره في مكة، والثالثة هي المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ومقرها الكويت وتضمُّ نخبة عربية من الفقهاء والأطباء. سأبدأ بتوضيح الأحكام الصادرة عن المؤسسات السابقة ثم بيان مداخلها المنهجية وتعليلاتها (justifications)، وتحليلها في ضوء الإطار النظري الذي شرحته في المدخل النظري لهذا المقال.

تفاعلت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية إيجابيًّا مع أبحاث الجينات عبر توصيفها بأنها "جزء من تعرُّف الإنسان على نفسه واستكناه سُنَّة الله في خلقه" وأدخلته بذلك ضمن فروض الكفاية التي يجب على الدول أو المؤسسات أن تنهض بها، ومن حيث النظرة الكلية يمكن للهندسة الوراثية أن تُستعمل في الخير والشر، فالاستخدام المشروع لها يقتصر على منع الأمراض أو علاجها أو التخفيف من أذاها، ويُستَثنى من هذا الخلايا الجنسية (germ cells)؛ لِما فيها من إشكالات تتصل بالأنساب. ويُحظَر شرعًا استخدامها لأغراض التجربة والاستطلاع أو إنتاج كائن جديد من الأجناس المختلفة أو التحسين أو التدخل في شخصية إنسان آخر. والقاعدة العامة هنا هي -بحسب بيان المنظمة- أنه لا يجوز للبحوث الجينية وتطبيقاتها أن تتجاوز الالتزام "بأحكام الشريعة الإسلامية واحترام حقوق الإنسان التي يعترف بها الإسلام ولا أن تنتقص من الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية"[4]. أما المجمع الفقهي الإسلامي في مكة فقد اتخذ موقفًا مشابهًا ولكنه أكثر تحفظًا؛ إذ رأى أنه لا يجوز إجراء أي بحث أو القيام بأية معالجة أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلا للضرورة، وبعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج ورعاية أحكام الشريعة"[5]. وقد أكَّد مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة ما قررته المنظمة الإسلامية من حيث تقييمها للهندسة الوراثية، وأجاز فحص الخلايا الجنسية ولكنه حظر علاجها في صورته الراهنة؛ لأنها لا تراعي الأحكام الشرعية، أما بخصوص الخلايا الجسدية فقد أجاز التدخل العلاجي فيها بشروط، منها: ألَّا يؤدي إلى ضرر أعظم، وأن يغلب على الظن مصلحة الشفاء أو تخفيف الآلام، وأن يتعذر وجود البديل، ولكنه حظر التدخل الجيني التحسيني؛ لأنه تدخلٌ في أصل الخلقة وتغيير لها، وفيه امتهانٌ لكرامة الإنسان كما أنه لا تدعو إليه ضرورة أو حاجة معتبرة شرعًا[6].

إن ما يَشغل المفتين في معالجة استخدامات التقنية الجينية هو البحث عن الإرادة الإلهية المتمثلة في الأوامر والنواهي كما سبق توضيحه، خصوصًا في المجتمعات الإسلامية التي تولي أهمية كبيرة لمسألة الحلال والحرام التي تجسد إرادة الشارع من جهة، ويتولاها الفقيه أو المفتي من جهة أخرى، ولكن يتمثَّل الإشكال هنا في غياب نصٍّ من الشارع يكشف عن إرادته، ما يعني أنه على المفتي أن يجتهد في تحديدها عبر البحث في المصادر الفقهية (Islamic law sources) عن نظائر للمسألة التي يُراد معرفة حكمها، فإن وُجد نظيرٌ لها أخذت حكمَهُ وهذا يُسمَّى التخريج أو الإلحاق. فإذا كانت المسألة جديدة ولم يوجد لها نظير في التراث الفقهي، يلجأ المفتي إلى القواعد العامة التي حدَّدتها المذاهب الفقهية تاريخيًّا بعد دراسة نصوص الوحي واستقراء الأوامر والنواهي التي تجسد إرادة الشارع (al-Khatib legal opinion 2017).

وبعد تأمُّل فتاوى الجينات يمكن ردُّها إلى مدخلين رئيسين: أولهما مبحث التداوي الذي فصَّل فيه الفقهاء قديمًا، وهنا يضع المفتون المعاصرون القيود والشروط اللازمة لتحقيق الأنماط الحديثة لهذا العلاج كأن يكون تحققه غالبًا على الظن، وألَّا يؤدي إلى ضرر أعظم وغير ذلك، وثانيهما قاعدة المصلحة المرسلة التي بحثها علماء أصول الفقه (legal theorists). وإذا كانت المصلحة هي ما يعتبره الشارع كذلك، أي إنها تَبَعٌ للأمر والنهي وتوجَد به، ففي حالة عدم وجود نصٍّ خاصٍّ من الشارع يحدِّد موقفَهُ من هذه المنفعة/المصلحة، تُعتبر مُرسَلة -أي مطلقة- لم يَرِد نصٌّ باعتبارها ولا بإلغائها، وفي هذه الحالة يُبنى حكم خاص لها عبر إدراجها تحت النصوص العامة للشريعة؛ لأن العقل لا يحكم مستقلًّا كما هو مذهب التيار الرئيس كما سبق، ولكن هذا الاجتهاد محكومٌ بتصور محدد للجينوم سيؤثر في كيفية تقدير منافعه ومضاره على مستويين: المستوى الأول: التأثيرات النفسية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بالفرد والمجتمع والنَّسْل الإنساني عامة (وهو ما سُمي التجيين)، والمستوى الثاني: تأثيرات استخدام هذه التقنية في الأحكام الشرعية المستقرة في الفقه الإسلامي، والتي تتصل بجزئيات عديدة كأحكام التداوي والمرض وحُرمة الإنسان والحقوق والولاية والنَّسَب وغيرها، ولكنها ترجع جميعًا إلى مبدأين كُليَّيْن: حفظ النَّسْل وحفظ النَّفْس[7]. ويبدو أن الفقيه يقف أمام ثلاث قواعد كبرى: أولاها أن الأصل في الأشياء الإباحة وهذا ينطبق على التقنية الجينية. وثانيتها أن الأصل في النفس والنسل الحفظُ والصونُ وهو ما يؤدي إلى التحفُّظ في التعامل مع المستجدات التي تؤثر فيهما؛ لأنها في هذه الحالة لن تمسَّ النفس والنسل فقط بل ستمسُّ كذلك منظومة الأحكام الفقهية المتشابكة المرتبطة بهما. والقاعدة الثالثة هي جلب المنافع ودرء المفاسد وهو ما تَعِد به أبحاث الجينوم، فالفقيه يتحرك بين هذه القواعد بناءً على تصوره واستيعابه للجينوم الذي أوضحنا أن له ثلاثة مستويات (التجيين، والتدخل الجيني، والتدخل التحسيني)، وبناءً على معرفته بالتراث الفقهي وتقديره للمنافع والمفاسد؛ لأنه في محصلة الأمر يبحث عن الإرادة الإلهية التي تستوعب كل تصرفات الإنسان (الحكم التكليفي)، لا عن مجرد المنفعة العقلية؛ لأن "الإقدام على ما هو نافع لا يُعفي من التقيد بالحكم الشرعي؛ لئلا يزول الضرر المادي على حساب لحوق الضرر المعنوي بالتحلُّل من معيار الحلال والحرام" (أبو غدة 2000، 574).

يمكن لنا أن نورد على الفتاوى الفقهية المؤسسية السابقة ثلاث ملحوظات:

أولاها: غياب البُعْد الكلامي في النقاش؛ رغم أن التدخل الجيني التحسيني (enhancement) على وجه الخصوص يتصل بمبدأ الخلق وكيفياته ويتصل بمسائل القدر الإلهي والحرية الإنسانية وهو ما لم تتم مناقشته، فالتدخل التحسيني يخضع لاختيارات تفضيلية من البشر، ما يعني أننا أمام سؤال كلامي (theological).

ثانيتها: أن النظرة إلى التقنية الوراثية التي حكمت تصورات هؤلاء المفتين هي نظرة أداتية محضة، وأن التقنية يمكن أن تُستَعمل في الخير والشر؛ ولذلك جرى التركيز على مبدأ "الاستعمالات النافعة" ونبذ "الاستعمالات الضارة"، ولكن التقنية الوراثية تُحيل إلى شبكة من الإمكانات المتصلة بالتغيرات والتأثيرات التي يَصعب الفصل بين بعضها وبعض أو السيطرة على جزء منها دون تحمل تَبِعاته ونتائجه، فإباحة الفحص الجيني مثلًا لا معنى لها من دون قبول ما ينبني على هذا الفحص مثلًا، والاستخدام النافع للتقنية الجينية لا يمكن من دون تحمُّل تَبِعات النتائج العرَضية التي قد تثير إشكالات نفسية واجتماعية وهكذا، أي إن المسافة التي تفصل بين الوسائل والعواقب قد تَضيق وتتعقَّد ويدخل فيها أطراف عدَّة لا يعدو صاحب الجين نفسه أن يكون طرفًا من بين أطراف في عملية التجيين (geneticization)، وهو المستوى الذي لم يحظَ بالاهتمام اللائق به من قِبل تلك المؤسسات (al-khatib 2018, 175-178).

ثالثتها: أن مداخل النظر الفقهي السابق تدور حول العلاج والمصالح/المنافع، وهما مفهومان تحفُّ بهما تعقيدات في السياق الحديث لتطور الطب ووظيفته، فلم يَعد الطب يدور على "الصحة والمرض"، بل تحوَّل إلى "تحسين مستوى الحياة" ( See: M. Veatch, 2012, pp 146-147) والتحكُّم بها والسيطرة عليها، وإعادة صياغتها (الهَنْدَسة الوراثية) وفق شروط جديدة أملتها ظروف الحداثة ومعاييرها وفلسفتها حول الإنسان والحياة، أي إن العلاج لم يَعد مفهومًا بسيطًا كما قد توحي به تلك الفتاوى، وإنما بات يخضع لمؤثرات ثقافية واجتماعية خصوصًا مع ظاهرة التجيين، بالإضافة إلى أنه لا بدَّ من ملاحظة أن النفع أو الضرر يتجاوز الاعتبارات المادية إلى الاعتبارات المعنوية التي يمكن لهذه التدخلات أن تُلحقها بالشخصية الإنسانية من الناحيتَيْن النفسية والعقلية لجهة إدراك الذات وصلتها ووعيها بالجسد، ولجهة مسؤوليتها الأخلاقية الفردية والاجتماعية المترتبة على التدخل التحسيني.

  1. الجينوم والأخلاق الموسّعة (thick ethics)

ولكن كيف يمكن لنا أن نعيد صياغة الموقف الأخلاقي من الجينوم بناءً على الإطار النظري الذي قدَّمناه لمفهوم الأخلاق بوصفها نظرية في الفعل الإنساني متعدِّدة التخصُّصات (interdisciplinary)؟ سيكون ذلك من خلال تركيب أربعة مكونات هي: الكلام والفلسفة والفقه وأصول الفقه؛ لبناء موقف أخلاقي موسع (thick ethics) من عملية التجيين، هذا الموقف الموسع سيساعدنا على إدراج المكانة الأخلاقية (moral status) للإنسان في الكون كجزء من النقاش؛ إذ الجينوم يتصل بسؤالين مركزيَّيْن: من أنا؟ وماذا أريد؟ وسيساعدنا على إدراك التداخل بين البُعدين الفقهي العملي (practical) والكلامي النظري (theological)، فأحدهما لا ينفكُّ عن الآخر، وهو ما يتمثَّل اليوم فيما يُسمَّى باللاهوت العملي (practical theology)، كما أن التدخل الجيني (genetic interventions) لا يجري تقييمه بالنظر إلى أنه مجرد فعل أو ممارسة هي محلّ تساؤل بحيث نوازن فيها بين منافع ومضار آنية وفردية، ولكنه فعلٌ مركَّب يُقوَّم بناءً على دوافعه أو بواعثه وغاياته وآثاره على الفرد والجماعة والنوع الإنساني (species) ككُلّ.

    1. التجيين والأخلاق الكلامية (theological ethics)

أهملت النقاشات الفقهية السابقة مناقشة الجانب الكلامي (theological aspect) لأبحاث الجين (genetics research)، وقد تأخر تفاعل اللاهوتيين المسيحيين (Christian religious ethicists) مع التحديات التي فرضها الجين وتطبيقاته على اللاهوت المسيحي التقليدي نحو عقدين ونصف العقد (Chapman 1998, 297). وقد دارت النقاشات اللاهوتية المسيحية في هذا السياق حول الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني بما يشمل طرح وجهات نظر تستند إلى نظرية التطور (evolutionary perspective)، والسؤال عن تكوين الإنسان وما إذا كان مجموعَ أجزائه (sum of its parts) أو يشتمل على أبعاد ميتافيزيقية (transcendent dimension)، وثنائية الجسد والنفس، وتوصيف البشر بأنهم كائنات بيولوجية ثقافية (biocultural creatures)، والتناقض بين فرديتنا وطبيعتنا الاجتماعية، ودور الجين في صياغة الطبيعة والسلوك، وممارسة دور الإله (playing God) ونقد التوجُّه الذي سُمي الذاتية الجينية (genetic essentialism)، أو أسطورة الجين (gene myth) لتأكيد فكرة الإبداع الإنساني (human creativity)، والمسؤولية الأخلاقية (moral responsibility)، والحرية (Chapman 1998, 296-299; Peters 1997; Peters 1998).

التعديل الجيني

ومن منظور علم الكلام الإسلامي (Islamic theology) يمكن لنا أن نناقش التجيين من مدخلين رئيسين يتصل كلاهما بمفهوم الأخلاق وهما: مفهوم الإنسان والطبيعة الإنسانية، والفعل الإنساني وعلاقته بالفعل الإلهي.

      1. مفهوم الإنسان والطبيعة الإنسانية

يمكننا أن نميز بين ثلاثة تصورات للإنسان: أولها التصور اليوناني الذي بنى على فكرة "قوى النفس" وأن النفس هي الفاعل الحقيقي فيما يَصدر عن الجسد من خلال ثلاث قوى تحرّك الجسد الذي هو -في ذاته- جمادٌ، وهي: قوة الشهوة، وقوة الغضب، وقوة العقل، وعن هذه القوى تتولد ثلاث فضائل كبرى هي: العفة والشجاعة والحكمة، ومن ضبط القوة العقلية للقوتين الشهوية والغضبية يحصل التوازن في النفس وتتولد فضيلة رابعة هي العدالة. وقد تأسس علم الأخلاق اليوناني على هذا التصور؛ لأنه علمٌ يبحث في سياسة أو تدبير النفس بعد معرفتها ومعرفة كيفية صدور الأفعال عنها (مسكويه د.ت. 23-24، حاجي خليفة 1941، 1: 13-14)، ثم جاء علم التصوف الإسلامي وبنى على هذا التصور أطروحته في تزكية النفس وترقيتها. والتصور الثاني هو الذي قدَّمته التقنية الجينية التي نقلت المركزية من النفس إلى الجسد حتى ظهر سؤال: هل نحن مجموع جيناتنا؟ (Kaye 1992, 77-84). والتصور الثالث يشير إلى القناعة التي تزايدت حول أن الإنسان أكثر من مجرد تجمُّع جينات، وهو التصور الذي ساد بعد مشروع الجينوم والذي كشف عن أن ثمة عوامل بيئية وعوامل فردية متعلقة بنمط الحياة وعوامل ثقافية متعلقة بالتربية والتعليم تُسهم في تنشيط جينات بعينها أو عدمه.

لا يمكن للاهوت عامة والإسلامي خاصة أن يُسقط الأبعاد الروحية والميتافيزيقية من تصوره للإنسان، وهو ما ينبغي أن يُستحضَر أيضًا في بناء المواقف العملية ومناقشة الحجج الأخلاقية لأي تدخل جيني، فهل الإنسان مشروع إلهي مكتمل ومُنجَز أم أنه قابل للتطور (ongoing creation) وفق التدخلات الإنسانية نفسها؟ الذي تشير إليه النصوص الإسلامية أن الإنسان مكتمل وفي أحسن تقويم، ومن ثَمَّ يكتسب مفهوم {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] أهمية هنا خارج المفهوم التقليدي؛ نظرًا لاشتماله على ما هو معنوي ومادي، ويُحيل مفهوم "الطبيعة البشرية" إلى أن ما سواه هو المصنّع، فالطبيعة التي خلقها الله هي المهندس الرئيس.

      1. الفعل الإلهي والفعل الإنساني

"التحسين يهدِّد المفهوم المستقر لما هو طبيعي (natural) الذي يتم الرجوع إليه والقياس عليه، وهذا الطبيعي لا يختلف ثقافيًّا أو فرديًّا؛ رغم التنوع الكبير الموجود بين البشر."

المدخل الثاني لمناقشة التجيين كلاميًّا هو ما يمكن أن تثيره تطورات أبحاث الجينوم من توهم ممارسة دور الإله في عملية الخلق، فالتدخل التحسيني (genetic enhancement) لا يعني بحال من الأحوال القدرة على الخلق وإنما هو من خلق الله (an extension of God's activity)، وهنا لا بدَّ من بيان أن الإرادة الإلهية نوعان: إرادة تتعلق بالأمر وهي أن يريد الله تعالى من المكلَّف فعلَ ما أمره به، وهي الإرادة الدينية وتتضمَّن محبَّة الله للمكلف ورضاه عنه إن امتثل للأمر الإلهي؛ وإرادة الخلق وهي الإرادة الكونية القدَرَية التي تشمل جميع الحوادث (الأفعال)، وهي أن يريد ما يفعله هو سبحانه وتعالى، فلا شيء في الوجود يقع على خلاف إرادته الكونية، ولكنه قد يقع على خلاف إرادته الدينية الملازمة للأمر والنهي (ابن تيمية 1995، 8: 131؛ ابن تيمية 1986، 3: 156).

وفي الوقت الذي يتحدث فيه القرآن عن الله الخالق لا ينفي إمكانية قيام الإنسان بـ"تغيير خلق الله" الذي يمكن أن يقع بالإرادة الكونية (إرادة الخلْق) لا الإرادة الدينية (إرادة الأمر والنهي)، وقد اختلف المفسرون حول المراد بـ"تغيير خلق الله"، فجعل بعضهم معيار التغيير هو النفع والضرر؛ فالتغيير النافع حسنٌ، والتغيير الضار قبيحٌ (ابن عطية 2001، 2: 115). ولكن "تغيير خلق الله" يشمل نوعين: التغيير المادي في الهيئة والطبيعة، والتغيير المعنوي عبر تنقُّل الإنسان بين الإيمان والكفر مثلًا، ولا شكَّ أن التغيير محل النقاش هو المادي، وهو يحيل إلى تغيير الطبيعة الذي يكون بالخروج بها عن خصائصها المستقرة وسُننها البيولوجية الطبيعية، وهو بهذا لا يشمل التغيير الجزئي الذي يعيد العضو أو الجسد إلى طبيعته التي تتمثَّل في أمرين: الشكل (العين أو الصورة) والوظيفة (الوصف أو الفعالية) التي خُلق لها أو اختصَّت به، وأي خروج بالعضو عن صورته أو وظيفته المقدَّرة له هو خروج عن الطبيعة. فالتدخل التحسيني غير مُبرَّر أخلاقيًّا؛ لأمرين: أولهما أنه تدخل سلبي يستند إلى اختيارات وتفضيلات فردية وثقافية تمسُّ النوع الإنساني وتوازنه (الهندسة الطبيعية)؛ فقرار التغيير لا يستند إلى مرجعية عقلية أو شرعية في تحديد ما هو أحسن أو أقبح، وإنما إلى أهواء شخصية وتحيزات ثقافية أو اجتماعية، كما أنه يستلزم -بالضرورة- حكمًا سلبيًّا تجاه صيغة طبيعية محددة من خلْق الله يرغب عنها إلى صيغة أخرى يرغب فيها. والأمر الثاني أن التحسين يهدِّد المفهوم المستقر لما هو طبيعي (natural) الذي يتم الرجوع إليه والقياس عليه، وهذا الطبيعي لا يختلف ثقافيًّا أو فرديًّا؛ رغم التنوع الكبير الموجود بين البشر، وهنا يصبح مفهوم العلاج في التدخل العلاجي هو إعادة ما هو خارج عن الطبيعي إلى طبيعته المفترضة، ومفهوم الوقاية في التدخل الوقائي هو توقي ما سيؤدي إلى الخروج عن ما هو طبيعي مستقر في مثله زمانًا ومكانًا وسِنًّا.

    1. التجيين والنظر الفقهي المنظومي

لاحظنا فيما سبق أنه هيمن على الفتاوى الفقهية تصورٌ أداتيٌّ للتقنية الجينية، وأن مداخل النظر الفقهي انحصرت في اثنين: التداوي وثنائية المنافع والمفاسد، ولكن "الأخلاق الموسعة" التي تتضمَّن الوصل بين الكلامي والفقهي تهدف كذلك إلى تخليق الفقه (ethicization of fiqh) عبر أمرين: الأول هو الانتقال من التعليل الفقهي (legal reasoning) إلى التعليل الأخلاقي (ethical reasoningوالثاني هو الوصل بين التراث الفقهي الضخم مع إدراك سياقاته التاريخية (historical settings) وبين النقاشات الأخلاقية الحديثة. ومقاربة التراث الفقهي تتم بمنهج يتسم بثلاث خصائص: الربط بين مختلف أجزائه ومكوناته، وتتبُّع عِلل الأحكام الفقهية المختلفة، والربط بين الفروع الفقهية والأصول النظرية للفقه.

يتصل التدخل الجيني بمنظومة من المفاهيم المركزية التي ناقشها الفقه الإسلامي تاريخيًّا من خلال تطبيقات عديدة متفرقة، وهي: بداية الحياة، وحرمة الجسد، ومنظومة الحقوق، وحفظ النفس، وحفظ النسل (al-Khatib 2018, 186-198). فالتدخل الجيني يمكن أن يحصل للبويضة الملقحة والجنين والجسد، فإذا ما أُجري على البويضة الملقحة والجنين فإن هذا يتصل بالتقييم الأخلاقي لبداية الحياة وهل حياتهما مُحترمة أم لا، وقد ذهب عدد من المفتين المعاصرين إلى أن البويضة الملقحة لا حرمة لها؛ لأنها ليست جنينًا [8]، وهذا التعليل يدور على حرمة ما هو جنين فقط وأن الجنين لا يكون إلا في الرحم، وهو تعليل ظاهريّ أو نصيّ، فالحياة لا تُقوَّم بالمكان أو بوصفٍ خارجٍ عن ماهيتها، كل ما في الأمر أن التراث الفقهي لم يتصور -بحكم إمكاناته التاريخية- وجود بويضة ملقحة خارج الرحم، ولكن المعرفة الحديثة تخبرنا بأن الحياة تبدأ من البويضة الملقحة، والأمر نفسُه يسري على مسألة الجنين الذي أثبت له كثيرٌ من الفقهاء حياة اعتبارية (الرملي 1984، 8: 442؛ ابن الجوزي 1981، 374؛ ابن عابدين 1992، 3: 176؛ الشبراملسي 1984، 6: 182). أما التدخل في الجسد فيثير سؤال حرمة "الآدمية" التي تختلف عن "الحياة الآدمية"، فالآدمية هي إضفاء قيمة على الجسد الإنساني بغض النظر عن كونه حيًّا أو ميتًا؛ ولذلك بحث الفقهاء الأقدمون مفهوم "الانعقاد" أي بداية تشكُّل الجسد، ومفهوم "التخليق" أي ظهور صورة آدمي في الجنين، وحرموا التمثيل بالجثث وكل أشكال الإساءة لها؛ وذلك لأن الآدمية مصاحبة لخلق الإنسان في كل مراحله (ابن مفلح 1997، 7: 74؛ النووي 1991، 9: 370؛ الحطاب 1992، 3: 353).

والتدخل الجيني يمسُّ مقصدين كبيرين من مقاصد الشريعة: حفظ النفس وحفظ النسل، فحفظ النفس يشمل جانب الوجود بحفظ ما يقيم أركانها على أكمل وجه، وجانب العدم بِدَرْء أي اختلال عنها سواءٌ كان واقعًا أم متوقَّعًا (الشاطبي 1997، 2: 18)، ويشمل النفسَ الحقيقية والنفس الاعتبارية، ما يعني أن التدخل الجيني محكوم بهذا المبدأ، ويَسري عليه مفهوم حفظ الطبيعة البشرية كما شرحناه قبلُ. أما حفظ النسل فيتداخل مع حفظ النفس من جهة أنها تشتمل على الحفظ من جانب الجزئي بما يشمل النفس الفردية، ومن جانب الكلي بما يشمل النوع الإنساني، ويدخل في هذا التدخلات الجينية في الخلايا التناسلية، أي إننا نحمل مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة بالحفاظ على طبيعتها البشرية من جهة وصيانتها من الأمراض والعلل التي تُخل بالطبيعة البشرية من جهة أخرى، وبألَّا نتسلط عليها بأن نفرض عليها تفضيلاتنا وخياراتنا الثقافية أو الفردية من جهة ثالثة. يضاف إلى هذا مسألة مركزية في الإسلام وهي النَّسَب، فقد يحافظ التدخل الجيني على الطبيعة البشرية ولكنه لا يراعي حفظ النَّسَب، وهو واجب شرعي ينبني عليه أحكام فقهية عديدة.

بقي أن عملية الخَلق ترتبط بمنظومة حقوق لا بدَّ من مراعاتها، وتشتمل على حقوق دينية ودنيوية: الحق الأول: حق الجنين من حيث إنه نفسٌ مستقلةٌ بحياة مستقلة وإن كان غير منفصل عن أُمِّه (ابن رجب 1998، 2: 225-251)، والتدخل الجيني هو تصرفٌ في جسده من دون إذنه، ولمَّا كان حصول الإذن منه غير ممكن اشترطنا إذنَ وليِّه ولكن إذن الولي مشروطٌ بأن يكون لمصلحة الجنين بما يحفظ له طبيعته البشرية. الحق الثاني: حق الوالدين في الولد، وهو بأي حال لا يعني ملكيته وهو ما يقيد تصرفاتهما فيه بما هو لمصلحته. الحق الثالث: حق الله؛ لأن الإنسان خلقٌ إلهيٌّ والإنسان مؤتَمَنٌ على نفسه وليس مطلق اليد في التصرف فيها.  

    1. البيولوجيا وسلطة الطب

ينحصر مجال الفقه في البحث عن حكم التدخل ووسائله عبر توسل منهج القياس على النظير أو منهج المصلحة، وهي منهجية تبحث عن إرادة الله في خصوص الحالة الجزئية ولكنها لا تساعد على تقويم الصورة الكلية للظاهرة وتعقيدات الفعل الإنساني الذي صارت تُسهم في تقويمه مجالات معرفية متعدِّدة، فالفقيه تعامل مع استخدامات التقنية دون أن يسائل التقنية نفسها بوصفها المظهر الأبرز لمبدأ التطور أو التقدُّم المستمر، وقد تَنبَّه بعض اللاهوتيين إلى أن "التكنولوجيا قوة، وهي قوة غير طبيعية" (Simmons 1983, 211)، أي إنها ليست مجرد وسيلة محايدة خاضعة لفعل الفرد واختياراته، بل تدخل فيها اعتبارات السوق والاعتبارات السياسية أيضًا. وفكرة التطور المستمر تفرض إشكالات عديدة أوسع من مجرد سؤال المنافع والمفاسد وفق منظور الفقيه كتلك الاعتبارات التي ناقشها الفيلسوف يورغان هابرماس مثلًا، ومنها أن تقدُّم التقنية البيولوجية تَجاوز حدود ما هو "علاجي" إلى ما هو "احترازي"، ولم يعد ثَمَّ وضوح بين "التدخل المشروع" و"غير المشروع"، خصوصًا مع نشوء "النسالة الليبرالية" التي لا تفرق بين العلاجي والتحسيني[9]. ومنها أن التقنية تجعل من الإنسان جسدًا، وثمة فرقٌ -بحسب هلموت بلسنر- بين أن يكون المرء جسدًا وأن يكون نفسًا لها جسد (بلسنر 1969، 9-10)؛ الأمر الذي سيؤثر في فهمه لذاته بوصفه مسؤولًا عن أفعاله، ومنها أن تطور التقنيات البيولوجية قد يهدِّد الوضوح الذي اتسمت به الطبيعة البشرية (النوعية) في تركيبتها وعلاقاتها، ونوعيتُها كامنة في أنها طبيعية ومتميزة عن غيرها، وتتساوى في ظروف تناسلها من دون تدخلات أو تحيزات اقتصادية أو ثقافية أو بيولوجية. وتتسم هذه التدخلات الوراثية بأنها فعل تسلُّط على الذات سيُمكِّن أهل الحاضر من التسلُّط على أهل المستقبل الذين سيكونون موضوعات، وسيكون الوجهُ الآخر لسلطة اليوم هو العبودية اللاحقة للأحياء تجاه الموتى (Habermas 2003, pp16-74)، صحيحٌ أن منهجية الفقيه تحتوي على آلية منهجية تُسمَّى "سد الذرائع"، أي منع الوسائل التي تُفضي إلى مخاطر أو أضرار، ولكنها ليست كافية لإدراك هذه الأبعاد وتقديم التعليلات (justifications) اللازمة كما تفعل "الأخلاق الموسعة" من خلال مكوّنها الفلسفي.

يثير التجيين ثلاثة إشكالات رئيسة تنشغل بها الفلسفة أيضًا: أولها أنها تقوّض مفهوم الاستقلالية، وهو ما يهدِّد أخلاقية الإنسان؛ لأن كل أفعال الإنسان مرتبطة بكونه كائنًا أخلاقيًّا، وإذا ما قُوِّضت استقلاليته فمعناهُ أن فعاليته قد قُوِّضت، وهذا سيُخل بأخلاقيته لجهة أن فعله لم يعُد حرًّا. وثانيها أنها ستؤثر في القدرة على فهم الذات/الهوية. وثالثها يتعلق بالموقف من الطبيعة ما قبل الشخصية (pre personal life) والكرامة الإنسانية (al-Khatib 2019, 179-186)، وكلُّ هذا يتصل بفهم الطبيعة البشرية، وهو مجالٌ ينتمي إلى مجال عمل الفيلسوف أيضًا.

يسعى العلم التجريبي إلى الدفع بالتطورات إلى أقصى غاية وتوسيع دائرة الممكن الذي يتحوَّل مع الزمن إلى موجود ثم يفسح المجال مجددًا إلى بروز ممكن آخر وهكذا، والفقه بمنهجيته القائمة يتعاطى مع هذه التغيرات والنتائج ويتكيف مع إكراهاتها، لكن يمكن لمفهوم الأخلاق الموسعة في جانبها الفلسفي أن تساعدنا على استباق التطورات من خلال مناقشة مبدأ التطور، والسماح للتفكير الأخلاقي بتَخَطي العلم، والعمل على تقييد حركته والحدِّ من محاولة الهيمنة والتحكُّم بالطبيعة الإنسانية، بدل الاكتفاء بدور ملاحقة العلم وإيجاد حلول ومخارج لما يُوجده بالفعل.

  1. خاتمة

تساعدنا هذه المقاربة (practical theology approach) على إدراك مفهوم مركَّب للدين هو نتاج تفاعل بين النص والواقع وبين التقليد والحداثة عبر حركة الجماعة العلمية بتخصُّصاتها المختلفة لتقديم إجابات عن الأسئلة التي تفرزها تطورات الواقع، فالدين مفهومٌ متحركٌ يُسهم فيه التراث (tradition) والخبرات والمعارف المتنوعة لمواجهة واقع يتسم بالتغيُّر والديناميكية، والدين مفهوم يتفاعل فيه عدَّة مكوِّنات: الفقه كمجال تطبيقي يركز على الفعل المحدد والجزئي، وأصول الفقه وعلم الكلام كمجالين نظريَّيْن يبحثان في الأحكام التقويمية ومصادرها النصية والعقلية، ويتداخل فيه الثقافي والاجتماعي بالتصورات والقناعات الدينية التي لم تعُد مجرد عقائد صلبة أو ساكنة (static). وبناءً على هذا المفهوم المركَّب للدين قام مفهوم الأخلاق الموسعة بتوسيع مفهومي الأخلاق والفقه معًا عبر مقاربة متعدِّدة التخصُّصات تدرك الجزئي من خلال الكليّ والكليّ من خلال الجزئيّ في حركة مزدوجة (double movement)، وتتعامل مع التراث الفقهي وفق مقاربة منظومية لا تهمل أبعاده التاريخية، وتتعامل مع الإنسان بمنطق تركيبي لا يجعل منه مجرد جسد أو مجموع جينات، ولكنه يحافظ على أبعاده الظاهرة والباطنة؛ بوصفه كونًا مصغَّرًا تنعكس فيه الإرادة الإلهية، ووفق هذا المنظور فالإنسان مؤتمَن على جسده لا مالك له، ومهمته الأخلاقية تتجلَّى في إيقاع إرادته على وفق الإرادة الإلهية التي يجتهد -باستمرار- في معرفتها عبر معرفة نامية وديناميكية بحيث تلتقي الإرادة الكونية بالإرادة الدينية في أفعاله.  

المصادر
  • فخري، ماجد. 1978. الفكر الأخلاقي العربي (نصوص مختارة). بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع. حاجي خليفة. 1941. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. بغداد: مكتبة المثنى.
  • التفتازاني، سعد الدين. 1998. شرح المقاصد، تحقيق عبد الرحمن عميرة، تصدير صالح موسى شرف، بيروت: عالم الكتب.
  • التفتازاني، سعد الدين. د.ت. شرح التلويح على التوضيح. مصر: مطبعة صبيح.
  • عبد الجبار، أبو الحسن. د.ت. المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق محمود محمد قاسم، مراجعة إبراهيم مدكور، إشراف طه حسين، د. ن.
  • الشهرستاني، عبد الكريم. 2009. نهاية الإقدام في علم الكلام، تحقيق ألفريد جيوم، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.
  • الجندي، أحمد رجائي. 2000. الحادي عشر: رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة، ثبت كامل لأعمال ندوة: الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني- رؤية إسلامية (13-15/10/1998)، إشراف وتقديم عبد الرحمن العوضي. الكويت: سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
  • أبو غدة، عبد الستار. 2000. المواكبة الشرعية لمعطيات الهندسة الوراثية، في: الجندي، أحمد رجائي. 2000. الحادي عشر: رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة، ثبت كامل لأعمال ندوة: الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني- رؤية إسلامية (13-15/10/1998)، إشراف وتقديم عبد الرحمن العوضي. الكويت: سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
  • الأشقر، عمر،  وآخرون. 2001. دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة. عمان: دار النفائس.
  • الرملي، شمس الدين. 1984. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، بيروت: دار الفكر.
  • ابن الجوزي، أبو الفرج. 1981. أحكام النساء، تحقيق علي المحمدي. بيروت: منشورات الكتب العصرية.
  • ابن عابدين، محمد أمين. 1992. رد المحتار على الدر المختار، بيروت: دار الفكر.
  • الشبراملسي، نور الدين. 1984. حاشية على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي. بيروت: دار الفكر.
  • ابن رجب. 1998.  تقرير القواعد وتحرير الفوائد، تحقيق مشهور آل سلمان. السعودية: دار ابن عفان.
  • ابن عطية، أبو محمد عبد الحق. 2001. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. تحقيق عبد السلام عبد الشافي، بيروت: دار الكتب العلمية.
  • القرافي، أبو العباس شهاب الدين. 1973. شرح تنقيح الفصول. تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. بيروت: شركة الطباعة الفنية المتحدة.
  • القرافي، أبو العباس شهاب الدين. د.ت. أنوار البروق في أنواء الفروق. بيروت: دار عالم الكتب.
  • النووي، محيي الدين. 1991. روضة الطالبين وعمدة المفتين. تحقيق زهير الشاويش، بيروت: المكتب الإسلامي.
  • الحطاب، أبو عبد الله محمد. 1992. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل. بيروت: دار الفكر
  • الرازي، فخر الدين. 1997. المحصول. تحقيق طه العلواني، بيروت: مؤسسة الرسالة.
  • العز، ابن عبد السلام. 1991. قواعد الأحكام في مصالح الأنام. تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية.
  • الشاطبي، أبو إسحاق. 1997. الموافقات. تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان، السعودية: دار ابن عفان. 
  • ابن تيمية، تقي الدين. 1986. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية. تحقيق محمد رشاد سالم، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود.
  • ابن تيمية، تقي الدين. 1995. مجموع الفتاوى. تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف. 
  • ابن مفلح، محمد. 1997. المبدع في شرح المقنع، بيروت: دار الكتب العلمية.
  • الشاطبي، أبو إسحاق. 1997. الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق مشهور بن حسن سلمان، السعودية: دار ابن عفان.
  • بلسنر، هلموت . 1969. الإنسان بوصفه كائنًا حيًّا، ترجمة مجدي يوسف، مجلة فكر وفن، ألمانيا، عدد13.
  • الماوردي، أبو الحسن. 1986. أدب الدنيا والدين. بيروت: دار مكتبة الحياة.
  • الغزالي، أبو حامد. 2004. إحياء علوم الدين. بيروت: دار المعرفة.
  • مسكويه، أحمد بن محمد. د.ت. تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق. تحقيق ابن الخطيب. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.
  • النديم. 2009. الفهرست. تحقيق أيمن فؤاد سيد. لندن: مؤسسة الفرقان للتراث.
  • موسى، محمد يوسف. 1953. تاريخ الأخلاق. القاهرة: دار الكتاب العربي.
  • الجابري، محمد عابد. 2014. العقل الأخلاقي العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

 

Al-khatib, Mutaz. 2018. "Legal opinion." In The Encyclopedia of Islamic Bioethics, ed. Ayman Shabana, online edition, Oxford: Oxford University Press.

Al-Khatib, Mutaz. 2019. "The Ethical Limits of Genetic Intervention: Genethics in Philosophical and Fiqhi Discourses," in Islamic Ethics and the Genome Question, ed. Mohammad Ghaly, Leiden: Brill. Chapman, Audrey. 1998. "Ethics and Human Genetics," Society of Christian Ethics, 18: pp293-303. Peters, Ted. 1997. Playing God? Genetic Determinism and Human Freedom. New York: Routledge. Peters, Ted . ed. 1998. Genetics: Genes, Religion, and Society. Cleveland: The Pilgrim Press. Kaye, Howard L. 1992. "Are We the Sum of Our Genes?," Wilson Quarterly, 16: 2, pp. 77-84 Habermas, Jurgen. 2003. The Future of Human Nature. UK: Polity Press. Paul D. Simmons. 1983. Birth and Death: Bioethical Decision Making. Westminster press. Draz, M. A. 2008. the Moral World of the Quran, trans. by Danielle Robinson and Rebecca Masterton, London: New York: I.B.Tauris & Co Ltd. WaIzer, Richard. 1962. Greek into Arabic: Essays on Islamic Philosophy. Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press.  Schofield, Malcolm. 2013. "Cardinal Virtues: a contested Socratic inheritance," in Plato and the Stoics. ed. A. G. Long. Cambridge: Cambridge University Press.  
الهوامش

[1] هذه الدراسة المكثفة هي نسخة عربية من فصل نُشر باللغة الإنجليزية تحت عنوان:

Ethics and Religion: Applied Islamic Ethics and Geneticization. In International Handbook for Practical Theology. Germany: De Gruyter, 103-116, 2021.

كما أنني توسعت في دراسة الموضوع فيما بعد في دراسة مطولة نُشرت بعنوان "من المقاربة الفقهية إلى المقاربة الأخلاقية: الاجتهاد المعاصر نموذجًا"، مجلة الأخلاق الإسلامية، بريل، 3: (1-2)، 2019.

[2] يفرق ماجد فخري بين نوعين من الكتابات الخلقية: "الأدب الخلقي" الذي يجمع فيه واضعوه ذخيرة دبية ذات أدبية ذات طابع خلقي أو حِكَمي ككتابات ابن المقفع (ت142هـ/759م) والعامري (ت381هـ/992م)، و"الفكر الخلقي" الذي يتسم بالإضافة إلى سمة البلاغة بسمة التماسك العقلي أو البنية المنطقية، ككتابات المتكلمين والنصوص الخلقية الفلسفية (فخري، 1: 9-10).

[3] للمزيد حول الإشكالات الأخلاقية والفلسفية التي يثيرها الجينوم، انظر: الخطيب 2019، 51-57.

[4] عُقدت هذه الندوة تحت عنوان "الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري" في الكويت 13-15 أكتوبر 1998 (الجندي 2000، 1045-1049).

[5] المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الخامسة عشرة المنعقدة في مكة 31 أكتوبر 1998.

[6] مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الحادية والعشرون، الرياض، 18-22 نوفمبر 2013.

[7] ثمة مقاصد خمسة كبرى للشريعة تُسمَّى الضروريات، وهي: حفظ الدين، والنَّفْس، والعقل، والنَّسْل، والمال، وإليها ترجع منظومة الأحكام الفقهية.

[8] المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، الندوة الثالثة، بتاريخ 18-21 إبريل 1987. وانظر: الأشقر 2001، 1: 305-310. 

[9] يحيل مفهوم النسالة الليبرالية إلى مسألة تحسين النسل؛ الممارسة التي تعطي الأبوين الحقَّ في اتخاذ قرار التدخل في جينوم الجنين حسب ما يرونه مناسبًا.

 

الكلمات الدلالية