نازلة الحرية في الفقه الإصلاحي العربي وحُكمها
الملخّص
اعتنى الإصلاحيون الأوائل من العرب – الذين كان أغلبهم في البداية فقهاء أو لهم معرفة عميقة بالفقه – بنازلة الحرية، وحاولوا بيان الحكم الشرعي فيها؛ الشيء الذي جعل معظم المنجز المعرفي العربي في هذا الموضوع منجزًا فقهيًّا، تأصيليًّا، يتعلق ببيان فقه الحرية، وباستعمال كافة الأدلة الشرعية وخاصة أدلة الكتاب، والسنَّة، والمصلحة… إلخ.
لكن المشكلة – وهذه فرضيتنا – أن المنهج الفقهي الذي اعتمده فقهاء الإصلاح لم يساعد بما يكفي على إطلاق الحرية ودعم نزعات التحرر، ووجدناه في أحسن الأحوال يؤسس لأحكام فقهية تعادل أحكام الاستبداد، وتنافسها، ولا تتجاوزها، الشيء الذي يقتضي – إذا رمنا حسم سؤال الحرية في الوطن العربي – تجديد المنهج الأصولي (المرجع المعرفي)، بدل الاشتغال بمخرجاته الفقهية، وهو ما سيمكن – في نظرنا – من بناء أخلاقية الحريات المحدثة على أسس جديدة، ومتينة.
استنادًا إلى هذه الفرضية، سنقسم عملنا في هذا البحث إلى ثلاثة محاور أساسية، وهي:
– مفهوم الحرية في المجال العربي الحديث: سندرس خلاله عناصر الدلالة الحديثة للحرية انطلاقًا من مصادر الفكر الإصلاحي الحديث، وباستحضار السياق التاريخي والثقافي لتولد هذه العناصر؛ذلكأن الطلب على هذا النوع من الحرية في بداية العصر الحديث كان طلبًا تاريخيًّا، ارتبط بتحولات بنيوية مست البنى السياسية والاجتماعية.. للواقع العربي.
-حكم الحرية في فقه الإصلاح وأدلته: إن الحرية بمدلولها الجديد، وحين تخلُّقها التاريخي فرضت نفسها على أنظار فقهاء الإصلاح ومفكريه، باعتبارها إحدى النوازل المستجدة، التي تتطلب نظرًا شرعيًّا تَخْليقيًّا، ومن ثم، سنحاول في هذا المحور استدعاء أهم أحكام الحرية التي ذاعت وانتشرت في الفترة الإصلاحية، وسنعمل على بيان أصولها الاستدلالية.
– فقه الحرية: أزمة أحكام أم أزمة منهج: إن الأزمة التي عانى منها فقه الحرية، والتضييق الذي مورس على الحريات العامة من منطلق الفقه، سواء في عصر النهضة أو بعده، ترجع أسبابهما – وبحسب فرضية البحث – إلى المنهج الأصولي، الذي يتيح للفقيه توليد أحكام تحررية استنادًا إلى أدلة جزئية، ويتيح في الآن نفسه استمرار أحكام استبدادية، أو توليد أحكام جبرية.
ويتيح لنا هذا المحور فرصةً حقيقيةً لاختبار الفرضية الرئيسة لهذا البحث، والاستدلال على الجذر الأصولي لعقم فقه الحرية في المجال العربي، وتفسير العودة المتكررة لفقه الاستبداد، دون أن ننسى الإشارة إلى الحل المنهجي الممكن لهذه المعضلة.