ما بعد الإسلام السياسي أوهام الأيديولوجيا ووقائع السوسيولوجيا
الملخّص
لا يناقش أحد في أن تحليل ظاهرة الإسلام السياسي قد تجاذبتها مقاربات متنوعة، بل متضاربة من حيث المناهج التي تناولتها ومن حيث الخلفيات الأيديولوجية التي قاربتها، وغالبيتها اتهم بالانحياز ونقص الموضوعية؛ ذلك أن كتابة التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري لحركات الإسلام السياسي في الوطن العربي ومقاربة تطورها، يحتاج بالحد الأدنى إلى مستويين من المعالجة التحليلية والمنهجية:
الأول: يتمثل بتغليب المقاربة الدينامية للظاهرة الإسلامية الحركية، ودراستها بعين متحررة من الإستاتيكية الجامدة التي تقرأ اللحظة أو الحدث بمعزلٍ عن سياقاته التاريخية والفكرية والاجتماعية؛ بحيث يمكن لهذه المقاربة أن تقدم فهمًا أعمق للمسارات والتطورات والتحولات التي تعرضت وتتعرض لها هذه الحركات والتنظيمات.
والثاني: يتمثل بتحرير المقاربة التحليلية للظاهرة الإسلامية الحركية من التنميط المسبق، والذي أدى إلى تناولها كظاهرة مفصولة عن سياقات التطور الاجتماعي والإنساني والسياسي؛ ذلك أنه من الصعب فصل الموروث الثقافي بالعموم عن البيئة الاجتماعية، وبالتالي يصبح من الضرورة منهجيًّا الاجتهادُ في تقديم مقاربات مركبة لظاهرة الإسلام السياسي تأخذ بعين الاعتبار تعاملها مع الواقع الاجتماعي والسياسي.
تناقش هذه الدراسة أطروحة "فشل الإسلام السياسي" التي تأسس على منصتها ما يعرف بـ"ما بعد الإسلام السياسي" كمفهوم ومصطلح ومرحلة. ومما لا شك فيه أن مصطلح الـ"ما بعد" ككل مصطلح "ما بعدي" يتسم بالغموض والسيولة الشديدة من حيث التعريف، وهو يئول إلى انتهاء صلاحية تفسيرات معينة دون النجاح في تأسيس غيرها، أو إلى تحولات عميقة داخلَ ظاهرة فكرية واجتماعية تُنبئ بتطورها نحوَ حصول تحولات مغايرة لأصول تكوينها، بما يعني أن ما قبل لن يكون شبيهًا بما بعد، أما أوجه العلاقة والشبه بين المرحلتين فتبقى نسبيةً وملتبسة إلى حد بعيد.