عبد الله كويليام: شيخ الإسلام الأول والأخير للدولة العثمانية في بريطانيا ومؤسّس معهد ليفربول الإسلامي

عبدالله كويليام

مقدمة المترجم

على مدار ستة قرون متطاولة مرَّت الدولة العثمانية بالأطوار التي تمرُّ بها الدول والحضارات، حيث الميلاد والشبيبة والقوة ثم الضعف والتفسُّخ والانهيار، وطوال هذا التاريخ اتكأت الدولة العثمانية على المنطق الذي اتكأت عليه الدول الإسلامية القديمة، حيث السيف والقلم، أو رجال الجيش ورجال الإدارة والبيروقراطية هما الأساس الذي شكَّل منطقها الداخلي والخارجي.

وكثيرًا ما جمع السلاطين العثمانيون بين المهارة العسكرية والقيادة العامة للجيوش العثمانية على الساحة الأوروبية وحتى الآسيوية وفي الأقطار العربية، وبين الحنكة الإدارية والخبرة السياسية والدبلوماسية في التعامل مع الخصوم، وفي الوقت ذاته إدارة شؤون الدولة، من خلال الهيئة المعاونة التي كان مقرّها الباب العالي في إسطنبول، حيث وُجِدَ الصدر الأعظم أو رئيس الوزراء.

واستطاعت الإمبراطورية العثمانية أن تبلغ آفاقًا بعيدة في قارات العالم الثلاث، ولكن منذ عام 1683م، حيث الهزيمة أمام أسوار فيينا ثم الهزيمة أمام الروس في عام 1700م عند بحر آزوف شمال البحر الأسود، دخلت الدولة العثمانية مرحلة جديدة من مراحل التراجع على المستويين العسكري والسياسي، وأيضًا على المستوى البيروقراطي والإداري، وسيصبح الروس من الشمال والأوروبيون من الغرب هم الخطر الداهم الذي اتحد على تفكيك الدولة العثمانية، واستغلال ضعفها كلما سنحت الفرصة لهم، وكذلك الإبقاء عليها إذا كان في تفكيكها ضررٌ أكبر يجعل أحد المتصارعين ينقضّ على الغنيمة وحده.

المفكرون العثمانيون ونداء الإصلاح

والحقُّ أن هذا التراجع لم يكن خافيًا على كثير من مفكري واستراتيجيي الدولة العثمانية مبكرًا، ولا سيّما منذ القرن السادس عشر الميلادي، ولئن عرفَ تاريخُ الفكر السياسي الإسلامي مؤلفات مرايا الأمراء أو الآداب السلطانية التي كُتبت منذ القرنين الرابع والخامس الهجريَّيْن لتنوير الخلفاء والسلاطين، وتقديم "مانفيستو" يشرح بَلْه يُشرّح الأبعاد السياسية والأخلاقية أو الأخلاق السياسية التي يجب أن يتحلوا بها، فقد تأثَّر العثمانيون بهذا اللون واقتبسوه من السلاجقة والمغول والفرس والمماليك والعباسيين ومن سبقهم من الأمم السالفة.

ففي القرن السادس عشر الميلادي، كتب المؤرخُ مصطفى علي أفندي (ت1599م) "مفاخر النفائس في كفاية المجالس"، وقدَّمه إلى السلطان مراد الثالث (ت1595م)، واضعًا يده على بعض أسباب الفساد البيروقراطي في الحكومة، وبذخ الطبقة الحاكمة. وفي عصر السلطان مراد الرابع (ت1640م) سنرى أحد أقرب المستشارين إليه -مصطفى قوجي بك- يرفع إلى السلطان تقريرًا عاجلًا أطلق عليه "الرسائل"، تناول فيه حالة الدولة العثمانية الراهنة آنذاك، ووضعها الجيوسياسي والعالمي، وأسباب قوتها حتى عصر السلطان سليمان القانوني (ت1566م) وحالة التراجع التي لوحظت بعد وفاته وحتى عصر مخدومه السلطان مراد الرابع.

كشف قوجي بك في تلك الرسائل عن أربعة أسباب رئيسة لتأخُّر الدولة العثمانية، لخَّصها في: غياب مشاركة السلاطين في أعمال الديوان (الحكومة)، وابتعادهم عن قيادة الجيوش، وفي المقابل زيادة نفوذ ومسؤوليات الصدور العظام، ثم اتساع قوة ونفوذ الوزراء ورجال الحكومة وقادة وضباط الجيش مثل الإنكشارية وغيرهم، وتعارُض هذه المسؤوليات بين المصالح الخاصة والعامة، الأمر الذي أدّى إلى انتشار الرشوة والفساد المالي؛ وبسبب هذا الفساد المالي فرض الوزراء والولاة الضرائبَ المرهقة على الرعايا في أقطار الدولة العثمانية في البلقان والشام ومصر وغيرها، الأمر الذي أدّى إلى هجرة كثير من الفلاحين لأراضيهم، وفي نهاية المطاف أصرَّ قوجي بك على ضرورة تدخل السلطان العاجل لحسم هذه المسائل. ونظرًا لنباهة الرجل، ودقَّة ملاحظاته في وقت عصيب من عُمر الدولة العثمانية وتأخرها، سنرى بعض الباحثين يصفه بـ"باعث الإصلاحات التقليدية"[1].

على أن المحاولة الإصلاحية الأكثر عمقًا تمثَّلت في الرسالة التي ألَّفها المؤرخ الموسوعيُّ الشهير مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة (1608-1657م)، وكان من رجال الإدارة العثمانية الأكفاء، جوابًا منه عن أسئلة بعثها إليه السلطان محمد الرابع (1642-1693م)، وقد أسماها "دستور العمل في إصلاح الخلل"، حيث تطرق إلى الخلل المالي والإداري الذي أصاب الدولة، وقد تضمَّنت هذه الرسالة رؤية حاجي خليفة التاريخية للدولة العثمانية، وأسباب انحدارها، ويبدو أنه كان من المتأثرين بنظرية ابن خلدون في أطوار الدولة، فهي تمرُّ بمرحلة التطور السريع ثم الاستقرار والمجد، ثم مرحلة النكوص والتقهقر، وقد رأى حاجي خليفة أن الدولة العثمانية تعيش في طورها الأخير، لكن بفعل قواها الداخلية وتماسُك النظام العثماني وشرعيته فبإمكانها الثبات لعدَّة قرون على هذه المرحلة إذا قامت بإصلاحات جادة في شؤون الزراعة، وإصلاح نظام الضرائب، وإبعاد الموظفين المرتشين، وضرورة إصلاح الجيش، وتخفيض مصروفات الدولة الزائدة عن الحاجة[2].

على السلطان أن يعتمد على هيئة من الرجال الثقات تُراقب الرعايا والموظفين كما تراقب الأعداء والمتربصين، وعلى السلطان أيضًا ألَّا يتردَّد في استخدام واستصدار القوانين التي تدعم سلطته أبدًا.

وفي السياق ذاته، تأتي محاولة حسين هزارفن (1601-1679م) في كتابه "تلخيص البيان في قوانين آل عثمان" بوصفها أولى المحاولات الجادة التي يُبدي فيها المثقف العثماني دوره تجاه مسار الدولة، وهو في هذا العمل يُسلّط الضوء على المشكلات ذاتها التي ذكرها قبله قُوجي بك وحاجي خليفة؛ بيد أن وضوحه وعباراته في هذا العمل كانت أشدَّ وأقسى في نقد المسؤولين عن التدهور، سواء كانوا سلاطين أم من الوزراء العظام، بالإضافة إلى تناوله عدم الانضباط العسكري لقيادات وأفرع الجيش مثل الإنكشارية والقابي قولي والسباهية وغيرهم، ونراه يُشدِّد على ضرورة إسناد المناصب في الولايات إلى الحكَّام الصالحين أصحاب الأيدي النظيفة. وبحسب حسين هزارفن، فإن على السلطان أن يعتمد على هيئة من الرجال الثقات تُراقب الرعايا والموظفين كما تراقب الأعداء والمتربصين، وعلى السلطان أيضًا ألَّا يتردَّد في استخدام واستصدار القوانين التي تدعم سلطته أبدًا، ثم يجب إعادة الاعتبار للشريعة والمسؤولية الأخلاقية والروحية المنوطة بشيخ الإسلام وهيئة العلماء التي كانت قد فَقَدت دورها السياسي[3].

كتب حسين هزارفن مؤلَّفه هذا في عام 1669م، في وقت يُجمع فيه معظم المؤرخين أن الدولة العثمانية كانت تعيش حالة من الانحطاط والتراجع، ولم يكن من الغريب أن تتوالى الرسائل والنصائح التي تحذّر من مغبّة الوضع القائم؛ فقد كتب من بعده ساري محمد باشا كتابه "نصائح الوزراء والأمراء"، ولئن لم يُضف هذا الكتاب الشيء الكثير على ما سبقه، فإنه جاء في وقت كانت تنتقل فيه الدولة العثمانية من الانحطاط الداخلي إلى الهزيمة العسكرية الكبيرة أمام أعدائها، فقد أدت هزيمة كارلوفيتز عام 1699م إلى خسارة الدولة العثمانية أراضي شاسعة من ضمنها ترانسلفانيا والمجر وسلوفانيا وكرواتيا على الجبهة الأوروبية، وأكَّدت هذه الهزيمة التي أظهرت عجز قوات الإنكشارية وتخلُّفها صحَّةَ توقعات المفكرين العثمانيين الذين ألحّوا على ضرورة مواجهة الانحدار والتدهور وإلَّا فإن العواقب كارثية[4].

ولئن اتفق الجميع على وجود الخلل، فقد كان سؤال ما هو الحلّ؟ وكيف العلاج؟ معضلة أخرى، لا سيما مع بداية القرن الثامن عشر، ويبدو أن قوة الأوروبيين والروس العسكرية دفعت السلاطين العثمانيين إلى إدراك أن وراءها قوة علمية كامنة وناهضة؛ ولهذا السبب شرع السلطان أحمد الثالث (1703-1730م) في فتح بعض الأبواب تجاه أوروبا، ومع الوقت أظهر السلطان أحمد الثالث والصدر الأعظم (رئيس الوزراء) داماد إبراهيم باشا ميلًا إلى تقليد الأوروبيين في بناء القصور وإقامة أول مطبعة من نوعها في الدولة العثمانية وأقطارها، تلك التي أنشأها إبراهيم متفرقة في إسطنبول، وكذلك إنشاء مدرسة للمدفعية بخلاف مدرسة الطوبجية القديمة، وقام بغير ذلك من الإصلاحات العسكرية والبحرية، لكن هذه المحاولات انتهت عام 1730م حين عزلَ الإنكشاريةُ -أقوى فرق الجيش العثماني وعموده- السلطانَ وقتلوا وزيره بعد تمرُّد دامٍ قاموا به[5]، وكان هؤلاء الإنكشارية منذ أواخر القرن السادس عشر من أكبر عوائق الإصلاح والفساد في الدولة، وفي الوقت ذاته اليد الباطشة التي كان يسيطر من خلالها السلاطين على الأوضاع العامة.

وتعود قوة الإنكشارية وتمرُّدها في الدولة العثمانية بجلاءٍ إلى القرن السابع عشر حين ثاروا على السلطان عثمان الثاني (ت1622م) وقتلوه لأنه أراد لجم تمرُّدهم، وإدخال بعض الإصلاحات بإيجاد فرقة عسكرية جديدة من أبناء الولايات الأخرى لإحداث توازن عسكري. لكن بعد قرنين على هذه المحاولات التي كانت تبوء كل مرة بالفشل بسبب تدخل الإنكشارية وانقلابهم لحفظ مصالحهم الخاصة في داخل بنية الدولة، قرَّر السلطان محمود الثاني في عام 1826م القضاء عليهم بالمدافع، مستلهمًا في ذلك تجربة محمد علي باشا في مصر حين قضى على قوات المماليك وقادتهم في مذبحة القلعة سنة 1811م، وبهذا فتح الطريق أمام السلاطين العثمانيين لإدخال الإصلاحات العسكرية والإدارية الملائمة في جسد الدولة المترهل، وكانت الدولة منذ الربع الأول من القرن الثامن عشر قد شرعت في إرسال سفراء ومبعوثين عثمانيين دائمين في أوروبا بغرض نقل تجارب الإصلاح والتعرف على أسباب تقدُّم هذه الدول.

ولقد تركَّزت الإصلاحات العثمانية في عدَّة ميادين، أهمها المؤسسات المالية والتعليمية وتسخيرها لخدمة التنظيمات العسكرية، ومنذ منتصف القرن السابع عشر رأينا اعتماد بعض السلاطين العثمانيين على مستشارين فرنسيين، فقد اعتمد السلطان محمود الأول (1730-1754م) على المستشار الفرنسي للشؤون العسكرية الكونت دي بونفال (1675-1747م)، وشرع بعض السلاطين اللاحقين في استلهام النموذج الغربي استلهامًا تامًّا؛ حتى إن وصايا المبعوثين والسفراء العثمانيين في تلك الدول كانت تنادي بضرورة السير على دربهم في الإصلاحات الحكومية والعسكرية، بل وضرورة فتح الباب واسعًا أمام الخبراء والمستشارين العسكريين والتعليميين الأوروبيين لتطوير المؤسسات العثمانية، ما دامت هذه الدول متقدمة في كل شيء!

يخبرنا الدكتور قيس جواد العزاوي في كتابه المهم الذي يناقش هذه المسألة بعُمق "الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط" أن "غزو التحديث لم يقف عند حدّ، فقد هبّت رياح التغريب على الإمبراطورية العثمانية في أعلى مراتبها، فالسلاطين ومن حولهم قد ربطوا مصيرهم بالعلاقة مع أوروبا، بضرورة الإصلاح على النمط الأوروبي"[6]. هذا التحديث الذي انطلق دون تعقُّل أو بصيرة فكرية ثقافية نتج عنه ظهور جيل جديد مؤمن كليًّا بالغرب، ومحتقر في الوقت ذاته للدولة العثمانية التي نشأ فيها، وتنعَّم بخيراتها في ظلال طبقتها الأرستقراطية فقط، بل وأمسى يتهم مقدسات دينه وثقافته بأسباب تخلُّفه الحضاري.

ومع ارتقاء السلطان عبد المجيد الأول للسلطنة في عام 1839م، وهو في سِن السادسة عشرة بعد وفاة والده محمود الثاني الذي فتح الباب أمام الإصلاحات الأوروبية، أصدر وزيره الأعظم مصطفى رشيد باشا -سفير الدولة العثمانية السابق في لندن وباريس- على لسان سُلطانه اليافع ما عُرف باسم "خط كلخانه"، حيث تضمَّن إصلاحات مالية وضريبية، وإقرار المساواة في الحقوق والواجبات بين رعايا الدولة العثمانية دون تمييز ديني أو مذهبي أو عِرقي، ويؤكد الدكتور خالد زيادة أن هذه الإصلاحات أو التنظيمات كانت بتأثيرٍ وضغطٍ من القوى الأوروبية[7].

"العثمانيون الجدد" واستراتيجية السلطان عبد الحميد الثاني

في الفترة نفسها راح بعض المبتعثين العثمانيين إلى فرنسا والمتأثرين بأفكار أشهر فلاسفتها ومفكريها مثل مونتسكيو وروسّو، وعلى رأسهم إبراهيم شناسي (1826-1871م) وتلميذه الشهير نامق كمال (1840-1888م) وزمرة أخرى، راحوا يعلنون التململ من الأوضاع الثقافية والسياسية في البلاد، ورغم الإصلاحات والتنظيمات التي شرع السلطان عبد المجيد الأول في تنفيذها منذ عام 1839م وإصلاحاته لعام 1856م، فإن هذه الإجراءات كلها "لم تكن كافية بنظر مجموعة من الشباب الذين تأثروا بعمقٍ بصورة أوروبا الليبرالية وشعاراتها وآدابها"[8].

كل هذه الأسباب الآنفة كانت مهيئةً لنشأة تيار ثقافي جديد مؤمن تمامًا بالفكر الغربي وتوجهاته السياسية والثقافية، ففي عام 1865م تأسست جمعية "العثمانيون الجدد" (Yeni Osmanlılar) التي شاع تسميتها في الأقطار العربية باسم "تركيا الفتاة" نقلًا عن التسمية الأوروبية (Jon Türk). وقد نشأت هذه الجمعية على يد محمد بك ونامق كمال ورفيق بك ورشاد بك وغيرهم، وكانوا في أغلبهم أبناء باشوات وأغنياء ينتمون إلى طبقة اجتماعية رفيعة نالت تعليمها الثانوي والجامعي في أوروبا، وعادوا إلى الدولة العثمانية لاحقًا وهم مؤمنون إيمانًا كاملًا بأن الإصلاح يعني الأخذ بمجمل الحداثة الغربية ومنظومتها الفكرية مثل الليبرالية والقومية. وقد تزعّم هذا التيار الشاعر والأديب والصحفي نامق كمال[9]، حتى عُرف بين أقرانه بأنه "رسول الحرية والوطنية"، ومن أوائل الداعين إلى القومية التركية، مستلهمًا إياها من الشاعر والصحفي إبراهيم شناسي، وأيضًا من فترة المنفى الاختياري في باريس ولندن، حيث وقف بكل قوته أمام الدولة العثمانية بشكلها التقليدي، وكان من الدعاة إلى وضع دستور للبلاد وافتتاح برلمان أو مجلس تشريعي.

لقد رأت هذه المجموعة أن "أورَبة" الدولة العثمانية بصورة كلية هي الحلُّ الجذريُّ للإصلاحات المنشودة، ووضعوا لهذا الهدف خطة عملية من خلال التغيير من داخل الإدارة الحكومية العليا، وبلوغ أعلى المناصب فيها، وعزموا على إيصال نامق كمال إلى منصب وزارة الخارجية، وضياء باشا إلى منصب الصدارة العظمى، ثم تحولت الجمعية إلى حركة معارضة رسمية بانتماء سليمان باشا قائد المدرسة الحربية، ومصطفى فاضل باشا شقيق خديوي مصر إسماعيل، وكان مصطفى فاضل من الناقمين على الدولة العثمانية التي فوّتت عليه فرصة الخديوية لتأييدها إسماعيل على حسابه[10].

وعلى الرغم من التضييق والتشرذم الذي تعرضت له هذه المجموعة في أواخر عصر السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861م) وأوائل عصر السلطان عبد العزيز (1861-1876م)، فإنها استطاعت بعد بضع سنوات إيصال العديد من الأسماء المهمة مثل مدحت باشا إلى منصب الصدارة العظمى "رئاسة الوزراء"، وهو الذي اشتُهر بـ"أبي الدستور" و"أبي الأحرار"، وأحد أهم وأشد المتحمسين للإصلاح وهيكلة الدولة على الطريقة الأوروبية، وكذلك حسين عوني باشا الذي تقلد هو الآخر منصب الصدارة العظمى، وكان لهذين الرجلين يَدٌ مباشرة في خلع واغتيال السلطان عبد العزيز سنة 1875م، ودور أهم في ارتقاء ابن أخيه السلطان عبد الحميد الثاني الذي سايرَهم في بداية الأمر حتى تمكَّن من إقصائهم فيما بعد[11].

لقد أدرك السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م) خطورة أهداف جمعية الشبان العثمانيين "تركيا الفتاة"؛ لأنه انتسب إليها في بداية شبابه، ورأى دعوتها التي نادت علانيةً بفصل الدين عن الدولة، بل بإقصاء الدين كلية عن الحياة العامة والمجتمع، وكان عبد الحميد كما يقول المؤرخ أحمد آق قوندوز: "يؤثرُ الإعجاب بجدِّه محمود الثاني ورشيد باشا، وظنه بأن السيرة الغربية لأبيه عبد المجيد الأول وأخيه الكبير مراد (الخامس) أضرت بالدولة والأمة"[12].

فرضت هذه المجموعة ذات التوجهات الغربية نفوذَها على الدولة في بداية حكم عبد الحميد الثاني -وكان منزوع القوة والصلاحيات مدة عام ونصف- فرضت ما عُرف بالمشروطية أو "الديمقراطية" على الطريقة الأوروبية، وأنشؤوا لهذا الغرض البرلمان العثماني برعاية مدحت باشا وأعضاء جمعية "العثمانيون الجدد" (تركيا الفتاة)، وكانت أكبر الكوارث التي وقعوا فيها بزعامة مدحت باشا ومجلسه توريط الدولة العثمانية في حرب لم يكن العثمانيون مستعدين لها ضد روسيا رغم اعتراض السلطان على هذه الحرب، وكان من نتائج الهزيمة بلوغ القوات الروسية إلى ضواحي إسطنبول[13].

ورغم الاتفاقية المهينة والمُذِلَّة التي وقعتها الدولة أمام روسيا المنتصرة في حرب 1878م، لم يقنع مدحت باشا وفريقه بالهزيمة الكبيرة المالية والعسكرية وخسارتها الفادحة في البلقان وتحمل الدولة العثمانية التكاليف المالية لهذه الحرب كاملة وتعويض الروس عنها، بل راح مجلس المبعوثين "البرلمان" يناقش تشكيلَ إنشاء دول مستقلة مثل أرمينيا وبونتس (شمال تركيا) وكردستان. وأمام هذه الكوارث العسكرية والسياسية، أصدر السلطان عبد الحميد الثاني قراره بحلِّ مجلس المبعوثين في فبراير 1878م[14].

ساء الإنجليز هذا القرار، وانطلقوا يحرضون رجال جمعية "العثمانيون الجدد" -وكانوا من أشد المقربين من الإنجليز والمدعومين منهم- وعلى رأسهم علي سعاوي وعزيز بك وغيرهم ضد السلطان عبد الحميد، ومن ثَمَّ قررت هذه المجموعة بعدما أصدر السلطان عبد الحميد مراسيمه بإقصاء زعيمهم مدحت باشا إلى المنفى، وإلغاء البرلمان الذي ورط الدولة في الحرب الروسية وفي مناقشة تفكيك أجزاء من الدولة العثمانية في الأناضول تحت دعوى "الاستقلال"، قرروا الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وخلعه، في الواقعة التي عُرفت آنذاك بواقعة "علي سعاوي" أو "اقتحام قصر جراغان"، وهي أحداث جرت بتحريض السفير البريطاني في إستانبول اللورد إليوت وماري البريطانية زوجة علي سعاوي كما يقول آق قوندوز[15].

 اتجهت هذه المجموعة بقيادة سعاوي إلى قصر جراغان، وهو مقر سكن السلطان السابق مراد الخامس المخلوع، وحاولوا خلع السلطان عبد الحميد وتنصيب مراد الخامس الذي اشتهر بالضعف الشديد، والخلل العقلي، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل ليقظة عبد الحميد ورجال أمنه، وقُتل في هذه الحادثة 23 متمردًا على رأسهم علي سعاوي وجُرح منهم 15 شخصًا وحوكم الكثيرون منهم في المجلس العرفي العسكري، ولم يصدر بحقِّ أحد منهم حكم الإعدام.

كان القضاء على هذه المجموعة سببًا مهمًّا في استقرار الأوضاع الداخلية في الدولة العثمانية في قبضة السلطان عبد الحميد الثاني طوال العقود الثلاثة التالية، وأدَّت إلى زيادة تركيزه على الحفاظ على الأمن الداخلي بإنشاء جهاز المخابرات أو الجورنالجية للقضاء على أي انقلاب عسكري محتمل، لا سيما وقد تعرض عمه عبد العزيز وأخوه مراد الخامس إلى هذا الخلع، فضلًا عن محاولتين تعرض هو إليهما.

على المستوى الخارجي، كان لفشل هذه المحاولة الانقلابية أثره في زيادة العداء بين السلطان عبد الحميد الثاني وبين الإنجليز الذين قربوا مجموعة "العثمانيون الجدد" ودعموهم بالتخطيط والرعاية. لكن في مقابل الضعف المالي والعسكري الذي كانت تعانيه الدولة العثمانية بعد هزيمتها أمام الروس في عام 1876م، تمكَّنت إنجلترا من استغلال هذا الضعف وإنشاء قاعدة عسكرية في قبرص التي احلتها فعليًّا فيما بعد، ثم مصر في عام 1882م، ثم السودان في عام 1899م، ونفوذها الذي كان يتزايد يومًا بعد آخر في الجزيرة العربية. ولم يكن الاحتلال الفرنسي يقلُّ خطورة عن الاحتلال الإنجليزي، فقد احتلَّ الفرنسيون تونس في عام 1881م بعد احتلالهم الجزائر وأجزاء واسعة من المغرب ومناطق وسط إفريقيا وغربها.

الأخطر من ذلك أن هذه الدول المحتلة -وعلى رأسها الإنجليز والفرنسيون والهولنديون والروس والأسبان وغيرهم- كانوا يعملون على خلخلة الأواصر الثقافية والتاريخية والدينية والسياسية بين الشعوب الإسلامية بل وحتى غير الإسلامية التي كانت تدين بالتبعية السياسية للخلافة العثمانية؛ من خلال بعث القوميات ودعمها بهدف شرذمة الدولة العثمانية وتقسيمها تحت مسمَّى حق استقلال هذه الدول، كما فعلوا في دعمهم لحركات العصيان والتمرد في بلغاريا والجبل الأسود واليونان وصربيا وكثير من مناطق البلقان، ودعمهم بالاتفاق مع الروس تمرُّد الأرمن وانشقاقهم في شرق الأناضول منذ عام 1890م[16].

مقاومة السلطان عبد الحميد ومشروع "الجامعة الإسلامية"

وأمام هذه الهجمة الأوروبية الروسية المتزامنة على أراضي الدولة العثمانية في البلقان وشرق الأناضول والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حاول السلطان عبد الحميد الثاني أن يجد حلًّا عمليًّا لمواجهة هذا الانهيار، ومقاومة مشروع "الرجل المريض" الذي وضعوا خطوطه العريضة للتخلُّص من الدولة العثمانية. والحقُّ أن السلطان عبد الحميد سار وفق استراتيجية واضحة المعالم، فقد حاول البحث عن حليفٍ قويٍّ بين الدول الأوروبية ليدخل معه في شراكة سياسية واقتصادية وعسكرية متكاملة، وقد وجد هذه الشراكة مع الألمان الذي احتلوا مناطق مهمة من فرنسا في حرب عام 1870م، وكانوا مختلفين بصورة عميقة مع السياسة الإمبريالية للإنجليز والفرنسيين؛ ولهذا السبب تطورت العلاقات الدبلوماسية العثمانية الألمانية، ومن أجل إصلاح الجيش العثماني جاءت أول هيئة عسكرية ألمانية إلى الدولة العثمانية في عام 1883م، ثم تطورت العلاقات بصورة أسرع وأوثق حتى زار الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني إسطنبول والتقى بالسلطان عبد الحميد في عام 1888م[17].

وبدأ مشروع سكة حديد برلين-بغداد يلوح في الأفق، وهو المشروع التجاري الضخم الذي شعر معه الإنجليز بخطورة ما يحدث على نفوذهم السياسي والاستعماري الصاعد في الخليج العربي، فعملوا جاهدين على إضعاف الدولة العثمانية داخليًّا وخارجيًّا، وكان السبيل لتحقيق هذا الهدف إعادة دعم وإحياء حركة "العثمانيون الجدد" المعروفة باسم "تركيا الفتاة" منذ عام 1890م، وهي الحركة التي ستلتفُّ حولها كلُّ التيارات والتنظيمات الليبرالية والعلمانية والمطالبين بإعادة المشروطية أو الحياة الدستورية على الطريقة الأوروبية من جديد، ثم حركات التحرُّر الجهوي من غير المسلمين في بلغاريا ومقدونيا وأرمينيا وغيرها.

وأمام هذه الأخطار الداخلية والخارجية، وبعدما تمكَّن السلطان عبد الحميد الثاني من القضاء على مراكز القوى التابعة للغرب في المناصب العليا، وشعوره العميق بخطورة هذا التيار في المناصب الوسيطة والدنيا في الإدارة والجيش العثماني، واشتعال شرارة القوميات بين العرب والأكراد والأرمن والأتراك والبلغار وغيرهم، اهتدى إلى أن الدولة العثمانية عليها أن تتخذ وسيلة دفاعية وهجومية في الوقت نفسِه بإمكانيات الأمة الإسلامية كلها؛ لأنها بأوضاعها الداخلية والخارجية أضعف من أن تواجه مشاريع الأوروبيين والروس وحدها، وهو يذكر هذه الحقيقة في مذكراته قائلًا: "يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان. يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة. ووقتها لم يحن بعدُ لكنه سيأتي. سيأتي اليوم الذي يتحد فيه كل المؤمنين وينهضون فيه نهضة واحدة ويقومون قومة رجل واحد وفيه يحطمون رقبة الكفار"[18].

ومن أجل تحقيق هذا الهدف الذي يضمُّ أعراق الأمة المسلمة كافةً في إفريقيا وآسيا وأوروبا، من الصين إلى غرب إفريقيا، ومن وسط روسيا إلى وسط إفريقيا، بل إلى الأقليات المسلمة في الغرب وما وراء البحار في أستراليا ونيوزلندا وجنوب إفريقيا وغيرها، عمل على عدَّة محاور: أولها استقطاب كبار علماء المسلمين من الفقهاء والمصلحين مثل جمال الدين الأفغاني[19] الذي كان رأس الحربة في فكرة الجامعة الإسلامية ومقاومة الاحتلال الغربي، والنهوض بالشعوب والمجتمعات الإسلامية، ومن المتصوفة كأبي الهدى الصيادي وزعماء الحركة السنوسية والشاذلية وحركات التصوف في وسط آسيا والهند، وأيضًا رجال الحركات القومية المؤمنين بالدولة العثمانية مثل مصطفى كامل المصري وخير الدين التونسي وغيرهم.

ثم نشر هذه الفكرة بين عموم المسلمين، وخلاصتها التفاف جميع المسلمين بمن فيهم الذين أمسوا رعايا الدول الأوروبية والروسية والصينية المحتلة حول الدولة العثمانية والخليفة العثماني، وقد عمل السلطان عبد الحميد الثاني جهده في التقارب مع إيران وطمأنه جمال الدين الأفغاني بأنه سيكون الوسيط لحلِّ المشكلات بين الدولتين، وكان عبد الحميد يتأسف لعدم وجود آلية للتواصل الدبلوماسي والسياسي لحلِّ الخلافات بين السُّنة والشيعة، وأن الأهم في اللحظة الراهنة تلك في أواخر القرن التاسع عشر أن يتحد العالم الإسلامي في مواجهة الاحتلال الغربي، لا سيما الإنجليزي والروسي؛ لأنه الخطر الماحق[20].

شيخ الإسلام وليام هنري كويليام ودوره في استراتيجية السلطان عبد الحميد

وكان عبد الحميد يرى أن اتحاد المسلمين في بقاع العالم الإسلامي كافَّة كفيلٌ بسحقِ مشروعهم الاستعماري، وقتها سيمتلك الخليفة الشرعي الحقَّ في إعلان الجهاد وردع الأعداء، والدفاع عن بقاء الدولة العثمانية واستمراريتها[21]. لكن الجامعة الإسلامية من ناحية الفكرة والممارسة لم تكن تيارًا واحدًا، وإنما كانت مدارس وتوجهات "بينها من عوامل الاختلاف والتمايز أحيانًا الشيء الكثير بل والخطير"[22]، كما يقول الدكتور محمد عمارة[23]. ولكن من حيث الأهداف العامة التي التفَّت حولها كلُّ هذه المدارس والتوجهات سنجد أنها كلها كانت تبغي الخلاص من الاحتلال الأجنبي، والقضاء على التخلُّف الفكري والثقافي، وترنو إلى التقدُّم الصناعي والعلمي والعسكري، ولئن وجد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني من يُعينونه على تأييد هذه الفكرة ونشرها في بلاد الهند والأقطار العربية كما رأينا، فقد ظل غرب العالم الإسلامي الناطق باللاتينية -لا سيما الإنجليزية، وفي ظل هيمنة الإمبراطورية البريطانية على العالم- نقطة الضعف في مشروعه هذا، حتى تبدَّد ذلك بظهور وليام هنري كويليام (1856-1932م) المحامي البريطاني النشط، والمهتدي إلى الإسلام، والمتحمّس لنشر أفكاره، والدعوة إليه، بل والدفاع عن الدولة العثمانية كحجر الزاوية في ملء الفراغ في أوروبا الغربية والعالم الناطق بالإنجليزية في إفريقيا وأستراليا وجنوب إفريقيا ونيوزلندا، وأيضًا المسلمين الخاضعين للاحتلال البريطاني في الهند والبنجاب وغيرها.

وبسبب الدور الكبير الذي قام به كويليام في هذا الميدان، لاقى الرجل دعمًا كبيرًا من السلطان عبد الحميد الثاني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر حتى خلع السلطان في عام 1909م، وكان كويليام إحدى أهم أدوات عبد الحميد الناجحة في هذا المشروع، وفي الدعوة إلى الإسلام في بريطانيا، حيث استطاع إنشاء معهد ليفربول الإسلامي الذي أصبح أهمَّ قاعدة للمسلمين في أوروبا الغربية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بل والمارين بمدينة ليفربول، كما أنشأ مجلتين الأولى باسم "العالم الإسلامي" والثانية باسم "الهلال"، تمكَّن من نشرهما لا في بريطانيا فحسب، بل وفي الهند وفي أراضي الدولة العثمانية وإفريقيا ونيوزلندا وأستراليا وجنوب إفريقيا.

أدرك السلطان عبد الحميد الثاني أن كويليام يمكن أن يكون أداة قوية في الدعوة إلى الإسلام في الغرب، ويمكن من خلاله أيضًا تحقيق الأهداف الأساسية لفكرة الجامعة الإسلامية.

لم يكن كويليام مجرَّد ناشط في الدعوة إلى الإسلام دون علم، فقد ثبت مكوثه في المغرب والجزائر ست سنوات يتلقى التعليم الشرعي فيها، حتى قررت جامعة القرويين في المغرب أن تمنحه لقب الدكتوراه الفخرية، وشرع يكتب ويفتي ويكثّف نشاطه الفكري والدعوي، ويدحض الشبهات التي كانت توجّه للإسلام والتي تصمه بأنه دين متخلف ومتأخر عن ركب المدنية والعلم مِن قِبل المفكرين والمستشرقين الغربيين، هذه الشبهات التي باتت مُسلَّمة من المُسلَّمات في العالم الغربي. ولهذه الجهود الكبيرة، ولما أدرك السلطان عبد الحميد الثاني أن كويليام يمكن أن يكون أداة قوية في الدعوة إلى الإسلام في الغرب، ويمكن من خلاله أيضًا تحقيق الأهداف الأساسية لفكرة الجامعة الإسلامية؛ أصدر قرارًا بتعيينه في منصب "شيخ الإسلام" في الجزر البريطانية وممثِّل السلطان العثماني في العديد من المراسم والاحتفالات والمناسبات العامة في أوروبا وإفريقيا في عام 1893م.

ونحن نعلم أن منصب شيخ الإسلام في الدولة العثمانية يعود إلى عام 828هـ/1425م، وقد بدأ مع قاضي بورصة الشيخ شمس الدين الفناري في ذلك الحين، كما كان يُمنح إلى المفتي الأكبر في السلطنة وأكبر علمائها، وبمرور الزمن أصبح شيخ الإسلام منصبًا يجمع بين النفوذ العلمي والسياسي في السلطنة العثمانية[24]، وربما أراد السلطان عبد الحميد الثاني من خلال رمزية هذا المنصب وأهميته التاريخية والدينية أن يغرسه في قلب العالم الغربي لتكوين نفوذ ديني وسياسي يمكن أن يستفيد منه في مقاومة النفوذ الغربي المتنامي في العالم الإسلامي.

أهمية دراسة آيدِن بيرام وعملنا في الترجمة

ونظرًا لتاريخ شيخ الإسلام عبد الله كويليام الحافل، ودوره إبان عهد السلطان عبد الحميد الثاني، واضطراره لتغيير اسمه والتخلُّص من تاريخه القديم في مدينة ليفربول عقب خلع السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909م، ثم انتقاله إلى لندن حيث انخرط يؤيد التجمعات الإسلامية الوليدة في هذه المدينة الكبيرة عاصمة البريطانيين وحتى وفاته في عام 1932م، كان لزامًا علينا أن نعكف على ترجمة الدراسة التي كتبها الأستاذ الدكتور آيدين بيرام (Aydın Bayram) أستاذ المذاهب الإسلامية والعقائد في كلية الإلهيات بجامعة أرتفين بتركيا.

وتأتي دراسة بيرام الموسومة بـ"عبد الله كويليام: شيخ الإسلام الأول والأخير للدولة العثمانية في بريطانيا ومؤسس معهد ليفربول الإسلامي" لتمدّنا بسيرة هذا الرجل ومسيرته قبل إسلامه وبعده، وانتمائه إلى الجامعة الإسلامية فكرًا قبل أن ينتمي إليها سلوكًا وممارسة، ليكون في خدمة السلطان عبد الحميد الثاني والدولة العثمانية، فضلًا عن الأدوار التي قام بها لنشر الإسلام عن طريق إنشاء معهد ليفربول الإسلامي الذي أصبح أهمَّ مراكز الإشعاع والدعوة في قلب الإمبراطورية البريطانية، فبفضل هذا المعهد دخل مئات الإنجليز إلى الإسلام من الطبقات كافَّة، لا سيما النبلاء والمثقفين وبعض أساتذة الجامعات، وأيضًا العديد من سيدات المجتمع في ليفربول وما حولها.

على أن الأدوار التي قام بها كويليام من خلال مجلتي "العالم الإسلامي" و"الهلال"، وكتابه المهم الذي بعنوان "اعتقاد الإسلام"، قد بلغت الآفاق، وقدَّمت مادة غنيَّة ومهمَّة للغاية ودعمًا منهجيًّا للمسلمين الجدد الذين استفادوا من الحجج القوية التي كان يردُّ فيها كويليام على شبهات المستشرقين والسياسيين الاستعماريين الذين دأبوا على اتهام الإسلام، فضلًا عن تقنياته الحجاجية والخطابية في دعوة غير المسلمين.

 كان كويليام يعمل جاهدًا على ربط هؤلاء المسلمين الجدد بالدولة العثمانية، ويدافع عن مشروع الوحدة الإسلامية وشرعية الخلافة العثمانية أمام شرعيات أخرى كانت تهدِّد مقامها، مثل الحركة المهدية في السودان التي ادَّعى زعيمها محمد أحمد (1843-1885م) المهدية، ومن بعده خليفته عبد الله التعايشي (1846-1899م)، ورغم انتقاد كويليام للمهدية كفكرة تهدِّد مقام الخلافة ومن ثَمَّ تفكِّك نسيج الأمة، ووحدتها وعدم مطابقتها لما جاءت به الآثار النبوية بخصوص المهدي وسماته وزمنه، فإنه دافع عن الحركة في مواجهة الاحتلال البريطاني، وأصدر في سبيل ذلك فتوى جريئة في هذا المقام، تسبَّبت في انتقاد الإنجليز ومَن شايعوهم من بعض علماء الهند الذين اتهموه بالجهل وعدم معرفة الدين.

تناولت ورقة آيدين بيرام أيضًا دور عبد الله كويليام في القارة الإفريقية وارتباطه بالحركات الصوفية في ليبيا والمغرب مثل الشاذلية والسنوسية والتيجانية وغيرها، كما تناول أدواره كممثّل للسلطان عبد الحميد في افتتاح بعض أهم مساجد نيجيريا، ومشاركته في بعض المراسم في فرنسا كإمامته لجنازة الصحفي أحمد فارس باعتباره الممثل الشخصي للسلطان عبد الحميد.

تناولت الورقة كذلك الطورَ الأخير من حياة عبد الله كويليام بعد عام 1909م، فقد تقمَّص شخصية بريطانية مسلمة كانت قد توفيت في عام 1912م، وهي شخصية هنري دو ليون أو هارون دو ليون، وتارة كان يلقب نفسه مصطفى دو ليون؛ ليُخفي نفسه عن أنظار الأمن الإنجليزي الذي كان يترصَّد كل متعاطف مع الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، كما غيَّر كويليام مقر سكنه وبدأ نشاطًا جديدًا في العاصمة البريطانية لندن متعاونًا مع شخصيات أسلمت حديثًا كان لها دور في تأسيس "الجمعية الإسلامية البريطانية". ووقف آيدن بيرام كذلك مع بعض التُّهَم التي وُصِمَ بها كويليام في ذمته المهنية كمحامٍ متلاعب، أو في ذمته المالية أثناء إدارته لمعهد ليفربول الإسلامية، كما اتُّهِمَ في عقيدته بأنه ممن دعا إلى الاندماج بين الأديان فضلًا عن جهله بالإسلام، واستطاع آيدن أن يفكِّك كل هذه التُّهَم ويكشف مصادرها وفق منهجية موضوعية سليمة.

تميزت دراسة الدكتور آيدن بالجمع بين المصادر التركية ووثائق الأرشيف العثماني التي تنوَّعت بين تقارير كان يبعثها قناصل الدولة العثمانية في مدينة ليفربول عن كويليام ومعهد ليفربول ونشاطه العام، وبين المراسلات التي كان يبعثها شيخ الإسلام عبد الله كويليام بنفسه إلى إسطنبول، سواء إلى شيخ الإسلام فيها للاستشارة الفقهية والدينية في مسائل كانت تستشكل عليه، أو إلى السلطان وقصر يلدز مباشرةً لنصحهم وإخبارهم بمستجدات مهمة تناولت بعض الشخصيات الأرمنية التي كانت تهدِّد أمن الدولة العثمانية.

 كما اتكأ آيدين على السيرة الذاتية التي كتبها الأكاديمي البريطاني وأستاذ الأديان المقارنة رون جيفز، والصادرة في عام 2010م بعنوان "الإسلام في بريطانيا الفيكتورية: حياة عبد الله كويليام وأوقاته"[25]، التي نأمل تُترجم وتُقدَّم إلى قراء العربية في وقت قريب لأهميتها ورصانة محتواها، وقلة المعروض -بحسب ما تتبعناه- عن شيخ الإسلام عبد الله كويليام في المكتبة العربية.

وبعدُ، فقد حرصتُ على ترجمة هذه الدراسة ملتزمًا بما خطَّه مؤلفها آيدن بيرام دون النقل الحرفي الذي يخلُّ بالمعنى، ويُضعف المبنى، وما كان من إضافة استدعاها النصّ للتوضيح وضعته بين قوسين، وما كان من إضافتي في الهوامش أعقبته بكلمة (المترجم)، وأرجو أن يغفر لي القارئ أية زلَّة وقعتُ فيها دون قصد مني؛ إذ الكمال لله وحده، كما أرحب بتصحيح أي خطأ وقعت فيه وإرساله على الإيميل الشخصي المذكور في الأسفل.

 وبعدُ، فإني أشكر مركز نهوض للدراسات والبحوث على هذا التعاون الأول والمثمر إن شاء الله وكل العاملين فيه، وعلى رأسهم الأخ الدكتور محمد الشامري، كما أشكر أخي العزيز الدكتور أحمد محمود إبراهيم الذي حرص على أن يخرج هذا العمل إلى النور، والله تعالى نسأله أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يجعله من العمل الصالح الباقي.

المترجم


ملخَّص

تتناول هذه الدراسة السيرة الذاتية المختصرة لوليام هنري كويليام، وهو محامٍ ومفكّر متنوّر من الطبقة الوسطى الإنجليزية اعتنق الإسلام في بريطانيا إبان الحقبة الفيكتورية[26]، كما نتناول في تضاعيفها إسلامه، والفعاليات المحلية والدولية التي قام بها تحت مسمَّى الدعوة إلى الإسلام وتمثيله. والحقُّ أن كويليام الذي كان له النصيب الأوفى في اعتناق العديد من الإنجليز للإسلام من خلال المسجد والمعهد الإسلامي الذي أنشأه في مدينة ليفربول، ليشكِّل سابقة لافتة في تجسيد الإسلام في بيئة مسيحية لم تكن تتصوَّر أن يأتي الإسلامُ إلى عقر دارها، ومن ثَمَّ كيفية توجيه هذا الدين وتأثيره في محيطه الجديد والمناوئ.

ولقد بدأ مجتمع المسلمين الجدد الصغير عددًا بزعامة كويليام وأصدقائه في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين انطلاقًا من مركزهم الناشئ "معهد ليفربول"، حيث تنوعت أنشطتهم المحلية والإقليمية، واستطاعوا بنجاح كبير لفتَ أنظار المسلمين في جميع أنحاء العالم آنذاك. وبفرمان من السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م) حمل كويليام لقب "شيخ الإسلام" في الجزر البريطانية لأول وآخر مرة!

ومما يلفت النظر أن عبد الله كويليام حاول تفسير الإسلام في إطار عِرقي وثقافي خالفَ فيه البعض، وقد جرّت عليه هذه المحاولات انتقادات كثيرة؛ فمِن فئة اتهمته بأنه مُبتدع ضال، إلى أخرى عدَّته جاسوسًا يعمل عامدًا على تشويه الإسلام، وبين هؤلاء وأولئك تنتهي هذه الدراسة بالوقوف والتأمُّل في حقيقة هذه الادعاءات.

المقدمة

شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي من الشخصيات الإنجليزية المهمة التي ذُكِرت بكثرة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر؛ ذلك أن الرجل كان مُشيدًا بفضائل الدولة العثمانية وثقافتها، مغرمًا بها قولًا وعملًا، ومن غرامه بالدولة العثمانية كان يلبس على الدوام الملابس القريبة الشكل والهيئة من العثمانيين حينذاك؛ فكان يحرصُ على وضع الطربوش فوق رأسه، مثقلة بزّته بالنياشين والميداليات التي أهداها إليه السلطان عبد الحميد الثاني.

كان كويليام يعيشُ في إنجلترا إبان الحقبة الفيكتورية، ولا سيما في مدينته ليفربول التي تمتَّع فيها بشخصية مركَّبة متعدِّدة الجوانب والمواهب، فبينما انكبَّ على مسلكه في المحاماة، كنتَ تراه مهتمًّا بعلوم الأحياء والطبيعة وغيرها من الأنشطة العلمية الأخرى، ثم إنه ما فتئ يعتنق الإسلام إلا ويعكفُ على كتابه الأول "اعتقاد الإسلام" (the Faith of Islâm) بحماسة كبيرة، وقد لاقى هذا الكتاب انتشارًا واسعًا في إنجلترا وخارجها، وتُرجم إلى العديد من اللغات الأخرى. ولئن نجح كويليام بنشاطه الكبير، وأسلوبه الدعوي الجاذب في اعتناق الكثير من الإنجليز للإسلام، فقد نجح الرجل أيضًا في تأسيس معهد ليفربول الإسلامي، وإنشاء صحيفة أسبوعية، ومجلتين أكاديميتين باسم "الهلال" و"العالم الإسلامي"، وتمكَّنت هاتان المجلتان من بلوغ الآفاق، وذيوع الانتشار، فكان يقرؤهما آلاف من المسلمين حول العالم. والحقُّ أن هذه الجهود الكبيرة التي قام بها كويليام بالتعريف بالإسلام لم تَغِب عن ناظري السلطان عبد الحميد الثاني الذي قرر تشريف عبد الله كويليام وتكليفه بلقب "شيخ الإسلام"، وبهذه الصفة الجديدة جذب كويليام إليه أنظار المسلمين من الهند إلى إفريقيا، وأمسى نموذجًا يُحتذى به، ولا سيما للأقلية المسلمة التي كانت تعيش في أستراليا ونيوزلندا.

 وفيما عدا رسالة الماجستير التي كُتبت في جامعة مرمرة بإسطنبول في عام 2009م، والتي تناولت حياة عبد الله كويليام[27]، فإننا لا نكاد نجد عملًا أكاديميًّا رصينًا يتناول سيرة هذا الرجل في المصنَّفات التركية الأخرى. وحين كنتُ عاكفًا على كتابة هذه الدراسة، نُشرت مقالة بعنوان "عبد الله كويليام وجمعية ليفربول الإسلامية"[28]. ورغم هذا الجهد، فلا أزال أرى أن تأثير الرجل على المستويين المحلي في بريطانيا والدولي ووظيفته الاستثنائية التي كلَّفه بها السلطان عبد الحميد الثاني "شيخ الإسلام" لم يُتناول بصورة مَرْضية؛ ولهذا هدفت دراستُنا إلى سَبْرِ أفكار شيخ الإسلام عبد الله كويليام وأعماله في إطار هذه الوظيفة الخطرة التي تقلَّدها، وكيفية استغلاله لها؛ وكذا دوره المرموق والمهم في إطار سياسة "الجامعة الإسلامية" التي انتهجتها الدولة العثمانية أملًا في تخليص الأمة الإسلامية الواقعة تحت براثن الاحتلال آنئذ.

وإنه ليحدونا الأمل أن تكون هذه الدراسة إضافة مهمة للمؤلفات والببليوغرافيا الأكاديمية التركية؛ ذلك أننا اعتمدنا على المصادر الأوَّليَّة التي خطَّها عبد الله كويليام بيديه مثل كتابه "اعتقاد الإسلام" ومقالاته المنشورة في "الهلال" و"العالم الإسلامي"، كما رجعنا إلى الكتاب الذي نشره رون جيفيز في إنجلترا عام 2010م عن سيرة حياته[29]، ثم اعتمادنا ودراستنا المكثفة للوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني بمقر رئاسة الوزراء التركية.

  1. قصة حياة عبد الله كويليام وإسلامه

وُلِدَ كويليام لعائلة على قدر من النباهة والاحترام في مدينة ليفربول[30]، وفي مدارس تلك المدينة ومحيطها تمكَّن من إتمام تعليمه الأوَّلي بنجاح، واستطاع الحصول على العديد من شهادات التقدير. وبينما كان لا يزال في السابعة عشرة من عُمره وبسبب صعوبات مالية واجهته حينذاك، التحقَ بمكتب محاماة كمبتدئ على أول سُلَّم هذه الوظيفة. ولكي يتمكَّن من مواجهة أعباء دراسته، عمل في عام 1873م في شركة "سميث ووليام راديكلف" مدَّة خمس سنوات، كما عمل في الوقت ذاته -لكي يكفي حاجاته المعيشية هذه المرة- مراسلًا للعديد من وسائل الإعلام والصحف المحلية آنذاك مثل: (The Porcupine) و(Good Templar) و(Liverpool Albion). وكان نجاحه في هذه الوظائف التي تقلدها سببًا في دعوته إلى استكمال تحصيله دراسة القانون لدى شركته "ويليام راديكلف"، ولاحقًا في مدارس عِمادة بلدية ليفربول، ثم تمكَّن أخيرًا -في عام 1878م- من التخرج والحصول على لقب "محامٍ"، بيد أنه استمر في أداء عمله مراسلًا ومحررًا في العديد من وسائل الإعلام[31].

من الناحية الأخلاقية والدينية، ارتبطت عائلة ويليام بحركة الاعتدال (Temperance)، وهي مجموعة من المؤمنين المسيحيين ممن حرّموا على أنفسهم معاقرة الخمور[32]، وقد ارتبطت هذه الحركة بالكنيسة الميثودية ويسليان[33] (wesleyan methodist church). وقد شارك ويليام في اجتماعات أعضاء حركة الاعتدال في سِنّ مبكّرة وهو لما يزل في السابعة من عمره، وفيها شاهد جدَّه خطيبًا مفوّهًا، منافحًا عن ميزات الامتناع عن معاقرة الخمور للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وقد أثّرت هذه اللقاءات في نفسه أيما تأثير، واعترف في بعض مؤلفاته أنه لم يشرب الخمر قطُّ بناءً على وعد كان قد قطعه أمام الملأ في أحد تلك الاجتماعات[34]. وليس ثمة شكٌّ لدينا أن مثل هذه الخصيصة تُعَدُّ من أوضح الدلالات على أنه كان شخصية فريدة في بيئته المحلية المسيحية قبل إسلامه حينذاك.

وفي سنوات دراسته الجامعية في مدينة ليفربول وضواحيها، انخرطَ بدور نشط في حركة الاعتدال تلك، وواجه على المستويين الفكري والعملي ظاهرة معاقرة الخمور والكحول في المدينة، كما تحمّل عبء مهمة إرشاد الجماهير وتوعيتهم في هذا الميدان، وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر أدان ويليام ووقفَ بشدَّة أمام دعم كنائس الأغلبية في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب استمرار التفرقة العنصرية ونظام العبودية الذي كان لا يزال ساريًا منذ القرن السابق، ونراه أيضًا مدافعًا عن حقوق الطبقة العاملة، وبفضل ذلك تمكَّن من الوصول إلى قيادة العديد من الغُرف التجارية. وسرعان ما أصبح ويليام ملء السمع والبصر في مجال الحقوق والقانون، حتى إنه كان يترافع عن ما بين 30 إلى 40 قضية أسبوعيًّا، بعضها كانت قضايا جنائية معقَّدة[35].

وفي تلك الأثناء كانت المذاهب الداروينية والوضعية تلقى رواجًا واسعًا، وتأثيرًا كبيرًا بين الطبقة الوسطى المثقفة في بريطانيا. وقد جادلت تلك المذاهب بأن المعرفة العلمية -سواء كان مصدرها الإنسان أم الطبيعة- ليس للدين تأثير فيها ألبتَّة. والحقُّ أن كويليام لم ينجذب مطلقًا إلى هذه التيارات الفكرية، بل على النقيض من ذلك فإننا عند إمعان النظر في خطاباته ومقالاته -ولا سيما بعد إسلامه- سنلحظُ إيمانه العميق بأن الإسلام قادر على تقديم الحلول الناجعة للأزمات الإنسانية المعاصرة، ولهذا السبب سنكتشفُ السرَّ الكامن وراء اعتناقه الإسلام حين يقول: "إن تعاليم القرآن الكريم تدعم بصورة قاطعة المكتشفات العلمية الحديثة؛ وإذا نحن نظرنا إليها من زاوية أخرى فسنجد أن المكتشفات العلمية ومعرفتنا المحدودة عن الخالق جلَّ شأنه في هذا الكون الفسيح والمعقَّد لتزيد من رهبة الإنسان ووجله أمام هذا الإله العظيم"[36].

ستوفّر الرحلات التي قام بها كويليام إلى الجزائر والمغرب في عام 1882م الفرصة السانحة له للتعرف على الإسلام من قُرب، فبناء على توصية الطبيب المعالج الذي نصحه بالاستجمام والراحة في جبل طارق[37]، أحبَّ كويليام في الوقت نفسه أن يزور العدوة الأخرى، مدينة طنجة المغربية في الجنوب، ومن ثَمَّ ركب العبّارة، وبينما هو على متنها لاحظ مجموعة من الحجّاج المغاربة ينقلون الماء بالدِّلاء من البحر إلى متن العبّارة، ثم يأخذون في الوضوء والصلاة في طمأنينة وخشوع لم يعكّر صفوها لا اضطرابات السفينة وتقلّبها ولا ضربات الرياح المتتابعة، وقد لفتت هذه الحالة الإيمانية انتباه كويليام؛ إذ أراد أن يقف بصورة مفصّلة على ما كانوا يقومون به، وهذا الدين الذي يجعلهم خاشعين متبتلين؛ ولعله السبب نراه يُصاحب في مدينة طنجة رجلًا مُسلمًا كان مُلمًّا بالإنجليزية، وبينما هم في إحدى الليالي جالسين على قهوة من قهاوي المدينة انضمَّ إليهم يهودي، فاستغلَّ المتحدث المسلم هذا الحضور ثم ما فتئ يقول:

"دعوني أخبركم بالمزية التي تعكس خصائص الأديان الثلاثة التي نمثّلها نحن الحاضرين جميعًا: نعلمُ أن الأنبياء رُسل جاؤوا بتبليغ الرسالات والشرائع التي أنزلها الله لإسعاد البشرية، ولقد جاء آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام ومَن جاء بعدهم من الأنبياء لتحقيق هذه الغاية العظيمة، وقبل أن يصبح الناس يهودًا ومسيحيين ثم مسلمين، كانوا أُمَّة واحدة، وحين جاء المسيح عليه السلام لتجديد هذه الرسالات، وتحقيق الخير للإنسانية اتّبعه بطبيعة الحال أولئك الذين افترقوا عن اليهودية؛ إذ إن المسيحية في زمن عيسى عليه السلام كانت الطريق الصحيح، وهي الأكثر جدَّة وتصديقًا للرسالات السابقة، وفيما بعدُ جاء محمد صلى الله عليه وسلم هاديًا ومبشرًّا للإنسانية كلها إلى صراط الله المستقيم، وكما افترقَ المسيحيون من قبلُ عن اليهودية والأديان التي سبقتها، فقد قام من أسلموا بالأمر عينه حين فارقوا أديانهم القديمة؛ ولئن أخذت المسيحية عن حقّ طريقًا مفارقًا لليهودية أقرب لمقصود الوحي ومراميه؛ فكذلك فعل الإسلام؛ ذلك أن رسالته أقرب عهدًا بالسماء من اليهودية والمسيحية، وهو الوحي الإلهي الخاتم والمهيمن إلى يوم القيامة"[38].

كان -كويليام- مُدركًا أن ثمة صورة مشوَّهة ترسَّخت عن الإسلام بين الإنجليز من قِبَل أيديولوجيين ومستشرقين مناهضين لهذا الدين منذ قرون، ومن ثَمَّ علم أنه من العبث أن يدعوَ إلى الإسلام بين هؤلاء القوم بطريقة تقليدية تنفّرهم أكثر مما تقرّبهم إليه.

كويليام المستمع بإنصات إلى حجج صديقه المسلم كان يجدُ في قرارة نفسه منطقية لهذا الطرح: أنه لا يتعارض مع معتقداته التي آمنَ بها، ولا شكَّ أن هذا الحجاج العقلي والمقارن بين الأديان الثلاثة دفعه إلى الاعتكاف على مُطالعة تفسير للقرآن الكريم، وأيضًا كتاب المؤرخ البريطاني توماس كارليل "الأبطال"[39]، وحينما عاد إلى إنجلترا أمسى تفكيره مثقلًا أكثر بالوسيلة الناجعة التي يجب أن ينتشر بها هذا الدين بين الغربيين. لقد كان مُدركًا أن ثمة صورة مشوَّهة ترسَّخت عن الإسلام بين الإنجليز من قِبَل أيديولوجيين ومستشرقين مناهضين لهذا الدين منذ قرون، ومن ثَمَّ علم أنه من العبث أن يدعوَ إلى الإسلام بين هؤلاء القوم بطريقة تقليدية تنفّرهم أكثر مما تقرّبهم إليه[40].

ولهذا نراه يتخذ مسلكًا آخر؛ فمن خلال عضويته في "جمعية المدافعين عن حظر الكحوليات" وحرصه على حضور اجتماعاتها الدورية، كان يتناول بصورة تدريجية فطِنة الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام من خلال آخر الإحصائيات العلمية أو التركيز على النقاط المثيرة للإعجاب في هؤلاء القوم. فعلى سبيل المثال، في أحد اجتماعاتهم عام 1887م، وفي محاضرة ألقاها بعنوان "التعصُّب والمتعصِّبون"، تكلَّم كويليام في ثنايا حديثه عن مخترع القوة البخارية "ستيفنسون"، والرائد الحقوقي والبرلماني "ويلبرفورس"[41]، وهما من أكثر الغربيين هجومًا للعبودية والتمسُّك بها، وواجها في سبيل دعوتهما تلك التحديات بثبات وقوة، ثم إنهما أضافا بمنجزاتهم العلمية للإنسانية الكثير، وانطلاقًا من سيرة هذين الرجلين استغلَّ الحديثَ ليُعرج بالكلام عن الميزات والإصلاحات الكبرى التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل اثني عشر قرنًا خلت[42].

وفي ندوته تلك جذب كويليام أنظار الصحفيين ببلاغته وقوة حجته، وقد أراد استغلال حضورهم لكي ينشروا خطابه بتمامه، وأعلن أنه لن يسمح بإعطاء الإذن لأي صحفي ما لم ينشر حديثه كاملًا غير منقوص، وبالفعل وافقت بعض الصحف على شرطه، بيد أن كثيرًا من قساوسة ليفربول الذين رأوا في دعوته وحديثه خطرًا ماثلًا يهدِّد نفوذ المسيحية في عقر دارها، وخوفًا من هجران الناس دينهم، أرغموا معظم الصحف على نشر مجرد مُلخَّص مُخلّ لخطاب كويليام حُذف منه عمدًا كل ما ذكره عن محمد صلى الله عليه وسلم[43].

على أن هؤلاء الصحفيين الذين انتهكوا اتفاقهم مع كويليام، نسوا أنهم أمام محامٍ مخضرم قلَّما خسر قضية من قبل؛ ولهذا أرسل إليهم تحذيرًا شديد اللهجة يخبرهم فيه أنهم يجب أن يكونوا على يقينٍ تامٍّ بأنه سيقوم ببدء الإجراءات القانونية ضدهم إذا لم ينشروا خطابه كاملًا دون إخلال أو اختصار وفقًا لاتفاقهم؛ وأمام هذا الوعيد نشرت الصحف خطابه كاملًا، وعُدَّ خطابه والأخبار التي تناولته تدشينًا رسميًّا للدعوة إلى الإسلام في بريطانيا على يد كويليام.

وفي تلك المحاضرة أيضًا التي ألقاها في 17 يونيو 1887م بعنوان "التعصُّب والمتعصِّبون"، أعلنَ على الملأ رسميًّا إسلامه ليُصبح اسمه الجديد عبد الله[44]، حتى إنه ذكر أنه في اليوم السابق لهذا المؤتمر لم يكن أحدٌ غيره قد اعتنق الإسلام قطُّ أو وُلِدَ ونشأ مسلمًا في بريطانيا، وكان جم علي هاملتون[45] (Djem Ali Hamilton) وإليزابيث موراي كاتس (Elizabeth Murray Cates) -التي تسمّت لاحقًا باسم فاطمة- من أكثر الحاضرين طرحًا للأسئلة حول الإسلام. والحقُّ أن قوة حجج كويليام وأسلوبه الدعويّ الذكيّ المتماشي مع هذه البيئة الغربية كان لهما الفضل في جعلهما أول المهتدين[46].

  1. تأسيس معهد ليفربول الإسلامي

سنقف في هذا القسم مع أول مؤسسة ممثِّلة للإسلام في الأراضي البريطانية في القرن التاسع عشر، كما سنتناول بتمعُّن الأنشطة والفعاليات التي أسهمت فيها هذه المؤسسة المحلية، وكيف مثَّلت المسلمين والمهتدين الجدد في وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

تأسَّس معهد ليفربول الإسلامي في عام 1889م، في واحدة من أكثر المدن والموانئ البريطانية ازدحامًا وحيوية إبان عصر الثورة الصناعية، هنالك في الشمال الغربي من إنجلترا حيث زاوية المثلث التجاري[47] بين قارات أوروبا وأمريكا وإفريقيا فُتح هذا المعهد ليصبح بوابة بريطانيا على البلدان الإسلامية التي كانت تستعمرها، وفي الوقت الراهن وعلى الرغم من تبدُّل اسم هذا المعهد إلى مجتمع عبد الله كويليام (Abdullah Quilliam Society)[48]، فإننا نلاحظ أن تأثيره لا يكاد يُقارن بدوره العالمي السالف الذي كان ينهضُ به "معهد ليفربول الإسلامي"، ويبدو من الجلي أن السبب في ذلك يعود إلى مؤسِّسه ويليام هنري كويليام (1856-1932م)، هذا المحامي الفذّ الذي تمتَّع بشخصية كاريزمية قادمة من الطبقة الوسطى الإنجليزية؛ إذ شهد المعهد في عصره قمَّة نجاحه وازدهاره وانتقال تأثيره من المحلية إلى العالمية.

وطبقًا لمؤلف سيرته رون جيفز، فبحلول شهر يوليو 1887م كان كويليام قد أسهم هو وثلاثة من الأعضاء الآخرين في إنشاء المؤسسات الأولى التي ستمثِّل الإسلام في بريطانيا، وهي: "معهد ليفربول الإسلامي" و"اتحاد المسلمين البريطانيين"، ومع هذا وبرغم الجدل الدائر بين الباحثين حول ما إذا كانت المؤسسات الإسلامية الأولى على الأراضي البريطانية كانت في ليفربول أم في لندن، فإن جيفيز يؤكد أن أول مؤسسة إسلامية فتحت أبوابها للعامَّة، ونشطت في الدعوة إلى الإسلام كانت في مدينة ليفربول، أما مسجد ووكينغ (Woking Mosque) الواقع في واحدة من أحياء جنوب لندن فإنه افتتح رسميًّا في عام 1889م[49].

ونظرًا لارتفاع أعداد المتردِّدين والأعضاء على معهد ليفربول الإسلامي إلى 12 عضوًا، فقد اضطروا إلى الانتقال من قاعة فيرون (Vernon Hall) إلى مكان آخر أرحب في 8 بروغام تيراس (Brougham Terrace). وفي عام 1889م، قرَّر كويليام أن يجمع خطاباته التي كان يرسلها إلى سيدة تُدعى فاطمة موراي قبل إسلامها يستعرضُ فيها حججه وبراهينه في دعوتها إلى الإسلام، وذلك في كتاب مستقل تحت عنوان "اعتقاد الإسلام"[50]، واستطاع على نفقته الخاصة طباعة 2000 نسخة ونشرها، ثم في العام التالي طبع 3000 نسخة أخرى، وبفضل هذا الكتاب وتوزيعه تمكَّن كويليام وأصدقاؤه من المسلمين الجدد أن يُسمعوا أصواتهم لشرائح أوسع من المجتمع الإنجليزي، وبفضل ذلك بلغ عدد المعتنقين للإسلام في تلك المرحلة 50 شخصًا، كما نفدت جميع نُسخ الكتاب نظرًا للإقبال الكبير عليه.

وفي تلك الأثناء، شُرع في التحضير لـ"مسرحية محمد" (Play Mahomed)[51] التي كان من المقرر عرضها في إنجلترا وفرنسا، والتي بدأت في الوقت ذاته تستجلبُ ردود فعل ساخطة للمسلمين في بريطانيا ومستعمراتها، ولم يُرد كويليام وأصدقاؤه أن يقفوا دون ردة فعل حقيقية، فأرسلوا بهذا الخصوص رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء البريطاني كتبها مساعد كويليام رفيع الدين أحمد، ولقيت هذه الرسالة صدًى واسعًا في الصحافة؛ حتى إن واحدة من أشهر الصحف البريطانية وأقواها نفوذًا -وهي التايمز- حرصت على نشرها كاملةً.

تطرقت الرسالة التي كتبها كويليام وأصدقاؤه إلى خطورة امتهان مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المسرحية، وهو مقام مقدَّس لملايين المسلمين، ومن شأن هذه الإهانة أن تُشعل جمرة الغضب في نفوس الأغلبية المسلمة التي تقع تحت الاستعمار البريطاني، ولا سيما في شبه القارة الهندية[52]، ومن جانبها أخذت الحكومة ما جاء في رسالة كويليام وصحبه على محمل الجدّ، وقررت في نهاية المطاف حظرَ عرض المسرحية.

 وسنجد وثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني، وهي رسالة كتبها رفيع الدين أحمد مساعد كويليام بتاريخ 24 أكتوبر 1890م إلى السلطان عبد الحميد الثاني يستعرضُ فيها حيثيات هذه القضية وتداعياتها، ومن جهته قابل السلطان عبد الحميد منع عرض المسرحية المذكورة بارتياح كبير، وأعرب من خلال السفارة العثمانية في لندن عن امتنانه لجهودهم التي بذلوها في سبيل تحقيق ذلك[53].

وبفضل جهودهم اللافتة المذكورة، جذبَ معهدُ ليفربول الإسلامي أنظارَ العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين رفيعي المستوى من أرجاء العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، عقب زيارة المندوب الشخصي للسلطان العثماني حقّي بك إلى المعرض الذي أُقيم في مدينة شيكاغو الأمريكية وفي طريق عودته استقبله في مدينة ليفربول كلٌّ من كويليام ولطفي بك قنصل الدولة العثمانية في المحطة المركزية، وفي ليفربول أيضًا جرى تقديمه إلى الأتراك المقيمين، واصطحابه في زيارة إلى المسجد الذي كان يشرف عليه كويليام[54]. ومما لا شكَّ فيه أنه عقب هذه الزيارات المتكررة والتقارير التي كانت تُرفع إلى مقامه، كان من المحتمل أن السلطان عبد الحميد الثاني بدأ يشكِّل قناعة إيجابية حول كويليام، حيث سيقرّر -في سابقة هي الأولى- تعيينه عام 1893م في منصب "شيخ إسلام" الدولة العثمانية على الأراضي البريطانية.

وبمرور الوقت أضحى معهد ليفربول الإسلامي مركزًا ورمزًا للمسلمين في بريطانيا، ولم يعُد مجرَّد ملتقى لاستقبال الدبلوماسيين والشخصيات شديدة الأهمية فقط، بل وأيضًا البحّارة والجنود المسلمين المتوقفين للترانزيت وأخذ قسط من الراحة في المدينة، وبالإضافة إلى كونه موضعًا كان يتجمع فيه الناس للعبادة والصلاة، فقد أمسى فوق ذلك مركزًا اجتماعيًّا متشعّب التخصصات والخدمات، مثل تقديم المأوى والطعام والاجتماعات وإقامة المؤتمرات العلمية.

ولقد لاقت حفلات الزفاف والجنازات التي كانت تُقام في معهد ليفربول الإسلامي اهتمامًا واسعًا لدى وسائل الإعلام المحلية والوطنية، ويكشف جيفز -ممعنًا في سرد تلك التفاصيل- أن عقود الزواج التي كانت حصرًا على طبقة النخبة والأرستقراطية البريطانية في المعهد أصبحت فيما بعد تتم بين رجال المسلمين الهنود والآسيويين وبين الفتيات البريطانيات[55].

على أننا سنكتفي -خلافًا لجيفز- بعدَّة أمثلة فقط في هذا السياق: المثال الأول هو مقال منشور في صحيفة ليفربول ديلي بوست، بتاريخ 27 ديسمبر 1892م، تحت عنوان "كيف قضى المسلمون المحليون عُطلة عيد الميلاد"، يقول: في كنيسة المسلمين بمدينة ليفربول (the Islam Church)، استضاف السيد كويليام بكرمه السنوي المعهود على الإفطار حوالي 250 من الأطفال الفقراء واليافعين، وعقب الإفطار انخرط العديدُ من الرجال والنساء في تلاوة الأشعار المحفوظة والأغاني والأهازيج، ومن الملاحظ طوال اليوم استغراقهم في الترفيه والاستمتاع بوجباتهم، أما في العَشاء فسترى مدى السرور البادي على 400 إلى 500 إنسان فقير، وفرحتهم بالطعام واحتساء الشاي، وبعد تناول العشاء أُقيم حفل موسيقيّ وعرض شرائح أشرفَ عليه السيد كويليام بنفسه. وقد نُشر هذا الخبر بتمامه في العدد الأول من مجلة الهلال (the Crescent) التي كان يُصدرها معهد ليفربول الإسلامي[56].

أما المثال الثاني فهو مراسم الزواج الاستثنائية التي جذبت أنظار المجتمع البريطاني، وحرصت كلٌّ من صحيفتي ليفربول كوريير (Liverpool Courier) وصنداي كرونيكل (Sunday Chronicle) على تغطيتها، فوفقًا للخبر أُقيم عَقد الزواج الرسمي في لندن لطبيب هندي مسلم مع عروسه البريطانية التي تنحدر من أسرة أرستقراطية ثريَّة، وكانت العروس قد اعتنقت الإسلام من قريب، ثم شرع الجميع في عقد النكاح وفقًا للشريعة الإسلامية في جامع ليفربول، ولقد أصدقَ الطبيب الهنديُّ عروسَهُ البريطانية ألفَ جُنيه إسترليني مهرًا، كما شرطت عليه العروس ألَّا يتزوَّج عليها أخرى، ثم كُتب هذا الشرط في عقد النكاح باللغتين الإنجليزية والهندية كيما يفهمه العريس، وقد أشرف كويليام على مراسم الزواج بنفسه، فكان بمثابة المأذون في ذلك العقد[57].

والمثال الثالث والأخير، الذي نتبيَّن من خلاله حجم الثقل الإسلامي ودرجته في بريطانيا في ذلك الحين، يتمثَّل في مراسم جنازة الأرستقراطي الإنجليزي المسلم والبارون الثالث لمنطقة ألدرلي (Alderley) في ديسمبر من عام 1903م، فقد نُظمت في معهد ليفربول الإسلامي جنازة اللورد هنري إدوارد جون ستانلي الذي سمَّى نفسه عبد الرحمن بعد إسلامه، وكان من بين الحاضرين في العزاء رئيس كُتَّاب "باشكاتب" السفارة العثمانية في لندن حمدي بك؛ ولهذا جذبت وفاة اللورد ستانلي اهتمام وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها، وتناولت الحديث عن السرعة اللافتة في أعداد المتحولين البريطانيين إلى الإسلام بالإضافة إلى مكانتهم الاجتماعية البارزة[58].

واعتبارًا من عام 1891م، وبسبب هذا النشاط الكبير، والمراسم والشعائر الدينية التي كانت تُقام علنًا في المعهد، وفتح أبوابه لكافة طبقات المجتمع الإنجليزي ومن غير الإنجليز؛ فقد واجهوا اعتراضًا شديدًا في المقابل من المجتمع المحلي، وبلغ الحال ببعض ردود الأفعال إلى التطرف في الأقوال وربما الأفعال[59]، بيد أن كويليام -استلهامًا من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في السنوات الأولى من عُمر الإسلام ومواجهتهم للمشكلات والأذى الذي تعرضوا له بالصبر والحكمة والموعظة الحسنة- قد برع حقيقةً في تبيين هذه الشعائر وكُنهها ومقاصدها، كما أبدى مهارة كبيرة في تصريحاته الدقيقة التي كان يقدِّمها للصحافة المحلية.

وفي إبريل 1891م دُعي كويليام وابنه روبرت أحمد إلى إسطنبول، واستضيفا في قصر يلدز مقر السلطان العثماني أكثر من شهر. ولئن امتنع كويليام عن نيل الرُّتب والنياشين الفخرية العثمانية التي قُدّمت إليه، فقد حصل ابنُه على رُتبة بِك (BEY) وعُيّن في الوقت نفسِه رائدًا لإحدى كتائب النخبة العسكرية العثمانية، والذي كان يُسمى بفوج "أرطغرُل"[60].

والحقُّ أن معهد ليفربول الإسلامي كان مدينًا في إنشائه وتقديم خدماته وأنشطته للتبرعات المالية السخيَّة التي كان يقدِّمها مسلمو الدولة العثمانية وأقطارها ومسلمو الهند، كما أسهم مسلمو بورما وسيراليون بجهد كبير في هذا الجانب[61]. ووفقًا للإحصائيات التي قدَّمها الباحث أمجد محسن الدجاني، فقد تمكَّن كويليام من الحصول على مبلغ 40 ألف روبية من تبرعات أحد مراكز المسلمين في الهند في الفترة ما بين عامي 1890-1892م، وبفضل هذه التبرعات تمكَّن كويليام من إنشاء شركة الهلال للطباعة والنشر[62]، فطُبعت 20 ألف نسخة من كتاب "اعتقاد الإسلام" ووزِّعت، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في ارتفاع أعداد المتحولين إلى الإسلام التي بلغت حينذاك 83 مهتديًا إنجليزيًّا[63]. بل وأهم مِن ذلك، فبفضل هذه المطبعة نجح مسلمو مدينة ليفربول في إسماع أصواتهم لدول وشعوب ما وراء البحار من خلال وسيلتين مهمتين: "الهلال" و"العالم الإسلامي"، وقد شُرع في طباعتهما ونشرهما منذ عام 1893م واستمرتا تؤديان بنجاح كبير مهمتهما حتى أُعلن عن توقفهما قسرًا في عام 1908م. ولئن كانت الأولى تُطبع في ثماني صفحات بصورة أسبوعية، وقُدِّمت كصحيفة محلية، فإن الثانية التي تكوَّنت من 32 صحفة كانت تُطبع شهريًّا كمجلة دولية أكثر أكاديمية من صاحبتها، وبتعبير آخر بينما كانت "الهلال" بمثابة السِّجل الأسبوعي للإسلام في إنجلترا، كانت "العالم الإسلامي" -في الناحية الأخرى- مخصَّصة أكثر للاهتمام بالإسلام على صعيده العالمي[64].

ومن اللافت أن كلتا المجلتين كانتا شديدة الرواج والطلب من قِبَل المسلمين الذين رغبوا في تطوير وسائل فعَّالة لمكافحة الدعاية السوداء التي كانت تنالُ من الإسلام، فضلًا عن الدعوة إليه في البلدان التي كانوا يعيشون فيها، ولا سيما في الدول التي كانت تُعَدُّ الدعامة الرئيسة للإمبراطورية البريطانية، مثل أستراليا ونيوزيلاندا وجنوب إفريقيا[65]، كما أُرسلت بالبريد إلى أصحاب المعالي والمناصب الإدارية والمثقفين المسلمين ذوي المكانة العليا في بلدان إسلامية أخرى بدءًا من الدولة العثمانية مرورًا بمصر وأفغانستان والهند ووصولًا إلى إندونيسيا في أقصى المشرق.

كما دأب كويليام على إرسال مجلة "العالم الإسلامي" إلى ما يقارب 200 مدينة حول العالم، وعمل على مبادلتها مع مُحرّري ما لا يقلّ عن 100 مجلة ثنائية اللغة[66]. وكان لنجاحه اللافت في كلٍّ من ميداني الدعوة والإرشاد الإسلامي في إنجلترا، وتحرير مجلتي "الهلال" و"العالم الإسلامي" وطباعتهما سببٌ في شهرته العالمية، وأمام هذه الشخصية الكاريزمية كان من الصعب على المسلمين القادمين لزيارة إنجلترا أو المرور بها ألَّا يتوقفوا في مدينة ليفربول لمقابلة كويليام والتعرُّف إليه.

وفي عام 1893م، وأثناء زيارته مدينة فاس بالمغرب، قرَّر السلطان المغربي آنذاك أن يقلّده لقب "عالِم فَخريّ"[67] من جامعة القرويين، وهي واحدة من أقدم جامعات العالم. وبالرغم من عدم وجود طبقة رجال الدين على الطريقة المسيحية أو تسلسل هرمي لاهوتي في الإسلام، فإن لقب "عالم" جعل كويليام ذا شأن وحيثية دينية في نظر الجميع[68]، ومن ثَمَّ سنراه يحرص على استخدم هذا اللقب في فتاويه ومؤلَّفاته فيما بعد، ولا سيما أن مدارس/جامعات فاس كانت تمتلك علاقات علمية ودينية وثيقة مع الجامعات الإسلامية المعروفة مثل الأزهر؛ ولهذا كان يُعترف بهذه المدارس/الجامعات مصدرًا مرجعيًّا دينيًّا في أرجاء العالم الإسلامي.

ولئن كان الحدث التاريخي الأبرز لدى كويليام قد تجسَّد في تتويجه من قِبَل السلطان عبد الحميد الثاني في منصب "شيخ الإسلام"[69] لبريطانيا وجُزرها، فإنه وبهذه الصفة والوظيفة الجديدة مثَّل السلطان في عام 1894م في افتتاح مسجد لاغوس في غرب إفريقيا، ونتيجة لجهوده في خدمة الإسلام قدَّم كويليام (للتاجر ورجل الأعمال النيجيريّ صاحب الخيرات) محمد شيتّا[70] لقب "بك" منحةً من السلطان عبد الحميد الثاني[71]. وعقب تقلُّده هذه الوظيفة، وبُغية التعرف إلى مسلميها وتكوين علاقات وطيدة معهم، حرص كويليام على السفر والسياحة في إفريقيا، حيث قُدّمت إليه الهدايا بصفته شيخًا للإسلام، كما نُظّمت على شرفه تبرعات كثيرة خُصِّصت لمعهد ليفربول الإسلامي. وعلاوة على ذلك، كان لاعتراف أمير أفغانستان عبد الرحمن خان[72] بكويليام "شيخًا للإسلام" دفعة كبرى في تعزيز دوره كممثل للمسلمين ورعاية مصالحهم في بريطانيا[73]. وإنه لمن اللافت حقًّا عدم تمكُّن أحد غيره تسنُّم منصب الممثل الرسمي للمسلمين ومصالحهم في بريطانيا -التي تبلغ الأقلية المسلمة فيها قرابة ثلاثة ملايين في يومنا هذا[74]- بَلْه أن تعترف به الحكومة البريطانية، وفوق هذه المنزلة الكبرى التي حظي بها كويليام فقد عيَّنه شاه الفُرس في عام 1899م في منصب "سفير فارس"، وقد أسهم ذلك من الناحية الدبلوماسية في كثافة نشاطه الدعوي والخيري في مدينة ليفربول.

في إبَّان تلك السنوات التي كانت مثمرة للغاية، توسَّعت مساحة معهد ليفربول الإسلامي عن طريق شراء العديد من الكُتل والعمائر المحيطة بالمبنى الرئيس، وبدلًا من المسجد الصغير في صورته القديمة تحوَّل المعهدُ إلى مجمّعٍ متكاملٍ يحوي قاعة للمؤتمرات، وأخرى للمناسبات الخاصَّة، ومدرسة للبنين والبنات، وملعبًا وحديقة، بالإضافة إلى مختبرات، ومنزل للإمام، ونُزل مخصَّص للمسلمين القادمين إلى المدينة، وموضعين للوضوء واحد للسيدات وآخر للرجال، وكذلك مطبعة، وقد زُيّن هذا المجمّع الكبير بديكورات وتُحَفٍ كثيرة أُحضرت من قصر يلدز في إسطنبول هدية مِن السلطان عبد الحميد الثاني، فضلًا عن الهدايا الأخرى التي أرسلها أمير أفغانستان عبد الرحمن خان، ومن ثَمَّ افتتح المجمّع في شكله الجديد في 4 ديسمبر 1895م بحضور السفير العثماني كامل بك والقنصل العام العثماني في مدينة ليفربول أحمد كويليام بك ابن كويليام، وغيرهم من الشخصيات المهمة البريطانية التي تحوَّلت إلى الإسلام حديثًا[75].

عند النظر في الصور الموضَّحة أدناه، سنرى مقترح تصميم الشكل الخارجي للمعهد كما في الصورة رقم (1)، ولكن بعد البحث الذي قطعناه في هذا المضمار، واعتمادًا على الفيلم الوثائقي الذي أعدَّته قناة (BBC) البريطانية، سنجد أن الشكل النهائي الذي صُمّم به هذا المجمّع لم يحوِ قبةً أو مئذنةً كما كان في المقترح المبدئي، وأيضًا غُيّر شكل الأقواس التي وُضعت في الرسم الأوليّ وجُعلت مُسطَّحة الإطارات على النوافذ والأبواب، وهذا ما بدا عند اكتمال البناء والافتتاح[76]. ومع ذلك، فإننا سنجد في الصورة رقم (2) -التي تُبيِّن شكل المعهد من الداخل- تأثيرَ العمارة والفن الإسلامي، حيث يظهر فيها البيانو الذي يمثّل عنصرًا من عناصر الثقافة الغربية.

1

الشكل الخارجي الذي اقترح لإنشاء المسجد وفقًا لسجلات مدينة ليفربول[77]

2

الشكل الداخلي لمعهد ليفربول الإسلامي[78]

في عام 1896م، تأسست دار المدينة المنورة للأطفال (Medina Home for Children)، ووفقًا للمعلومات الواردة في مجلة "الهلال" التي أسَّسها كويليام، فقد لوحظ أن حوالي 2000 طفل غير شرعي كانوا يولدون كل عام في مدينة ليفربول، ثاني أكبر مدينة في الإمبراطورية البريطانية، وهؤلاء الأطفال الذين تُركوا وحدهم مع أمهاتهم كانوا -فوق ذلك- لا يتلقّون الغذاء والرعاية الصحية المناسبة، ولا التعليم الجيد، فضلًا عن القيم الأخلاقية الضرورية، وبُغية مواجهة مرض عُضال في المجتمع قرَّر كويليام وأصدقاؤه إنشاء هذه الدار في 4 شارع شيل في ليفربول، بوصفها مؤسسة خيرية للأطفال والأمهات المعيلات[79].

كانت السنوات العشر الأخيرة في القرن التاسع عشر فترة الصعود الذهبي لمعهد ليفربول الإسلامي كمؤسسة مزدهرة في المجتمع الغربي، وذلك بسبب الأدوار المهمة التي قام بها شيخ الإسلام كويليام، فمن جهة كان ذا بصمة قوية في مجالات الخطابة والكتابة والأنشطة الأخرى الفاعلة على المستويين المحلي والوطني، ومن جهة أخرى كان الممثِّل الرسمي اللامع للدولة العثمانية على الساحة الدولية، ومع ذلك كانت إحدى المشاكل اللافتة التي واجهت معهد ليفربول الإسلامي في تلك السنوات تتمثَّل في قلَّة ذات اليد، وصعوبة تدبير الأموال لتوفير الطعام والمأوى لمسلمي المدينة والمارين بها، ولأجل تحقيق ذلك اعتمدت المداخيل على عمل كويليام في المحاماة وعلى عائدات طباعة وبيع الكُتب، ومما يلفت النظر أن معظم المعتنقين الجدد للإسلام حينذاك كانوا من كبار السن ذوي معدلات الوفاة العالية[80].

  1. إسهامات شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي في مشروع "الجامعة الإسلامية"

كانت الصحافة الإنجليزية لا تفتُر في هجومها على شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي، فقد صرحوا مرارًا أنه كان عميلًا دوليًّا نشِطًا في خدمة مشروع السلطان عبد الحميد الثاني الرامي إلى الوحدة والجامعة الإسلامية. وفي المقابل، دافع كويليام عن نفسه بأنه لم يتلقَّ ولو قرشًا واحدًا من الدولة العثمانية[81]، ورغم ذلك فإنه كان من المؤمنين بقضية الجامعة الإسلامية، ومن أشرس المدافعين عن مشروعها في مواجهة أصحاب التطلُّعات القومية والانفصالية[82].

والحقُّ أن قبول كويليام واعترافه بالسلطان عبد الحميد الثاني أميرًا للمؤمنين، وخليفة شرعيًّا للمسلمين لا يجعله في نظرنا عميلًا كما اتهمته الصحافة البريطانية، وإنما من الأليق وصفه بأنه كان شخصًا عاديًّا من سواد المسلمين الذين آمنوا بوحدة الأُمَّة والدفاع عنها، وبالنظر إلى حجم دراستنا هذه وغايتها فلن نتعرض لقضية "الجامعة الإسلامية" بالتفصيل في هذا المقام، ولكن من المفيد تناولها بإيجاز كونها ذات صلة بموضوعنا.

كانت الدولة العثمانية في أخريات عهدها تموج بتيارات قومية نشطة تحوَّلت بمرور الزمن إلى تيارات عنصرية وعدوانية وحتى إمبريالية (كالسلافية الجديدة والجرمانية الجديدة)، وحتى يؤخّر السلطان عبد الحميد الثاني شرذمة الدولة العثمانية وتفكيكها، سنراه يعمل على وضع استراتيجية مضادة يمكن وصفها بـ"سياسة التعويق"[83] من خلال مشروع "الجامعة الإسلامية"[84]؛ ذلك أن الخليفة عبد الحميد الثاني حاول بشكل أساسي ربط المسلمين في جميع أنحاء العالم بالخلافة وتقوية ولائهم لها، وبثّ الأمل في المجتمعات الإسلامية المفكّكة وغير القادرة والمحتلّة من الغرب، من خلال تشكيل "المجتمع المتخيَّل"[85] أو "الهُوية العُليا للإسلام" التي يمثّلها مشروع "الجامعة الإسلامية" التي كان يرعاه عبد الحميد بنفسه.

وعلى الرغم من أن المسلمين وصفوا هذا المشروع بـالاتحاد الإسلامي (ittihâd-ı İslâm)، فقد أطلق عليه الغربيون اسم "الجامعة الإسلامية أو الإسلاموية" (panislamizm)[86]. في هذا السياق، يسرد أحد الباحثين الغربيين حالة الخوف والقلق التي وُجدت في الغرب عند ظهور مصطلح "الجامعة الإسلامية" على النحو التالي قائلًا: "كان الحُجَّاج المنتمون للطرق الصوفية (من مؤيدي النقشبندية في القوقاز إلى السنوسية في إفريقيا) قد نُظموا بصورة سرية ورُبطوا بشبكة قصر يلدِز بإسطنبول، وكانوا حين يلتقون بباقي الحُجاج في رحاب مكة ينقلون إليهم مضامين هذه الأيديولوجية الجديدة وأفكارها وأنشطتها، وكذلك ضرورة "الجهاد"[87] في سبيلها، ويخبرون إخوانهم القادمين من كل فجّ عميق أن "الجامعة الإسلامية" تكاد تكون الكلمة الوحيدة التي تخرج من فم السلطان. ولكن للحق كان السلطان عبد الحميد الثاني يستخدم مفهوم الجهاد خدعةً ضد الدول الاستعمارية"[88].

وقد تطرق السلطان عبد الحميد إلى هذا الأمر في مذكراته قائلًا: "طالما بقيت الوحدة الإسلامية، فإن إنجلترا وفرنسا وروسيا وهولندا سيصبحون كأنهم في قبضة يدي؛ ذلك أن المسلمين الذين أمسوا رعايا لتلك الدول كان يكفيهم كلمة واحدة من الخليفة لإطلاق شراره "الجهاد"؛ الأمر الذي يعني كارثة مدمّرة لهؤلاء المسيحيين"[89].

ومهما يكن من أمرٍ، فبدءًا من القرن الثامن عشر ومع تسلُّط الإمبراطوريات الإمبريالية الغربية على أراضي الإسلام، ولا سيما سيطرة الإنجليز على شبه القارة الهندية، وصعود نادر شاه[90] الشيعي في إيران، وحكم سلالة الأشراف العلويين في المغرب؛ فقد كان لتجمُّع هذه العناصر في فضاء الواقع السياسي آنذاك دور كبير في التقاء الحركات الصوفية وتضامنها والتفافها حول الدولة العثمانية[91]؛ ذلك أن العلاقة الوثيقة التي ربطت السلطان عبد الحميد الثاني بكبار شيوخ الطرق الصوفية في آسيا وإفريقيا، واستضافته المستمرة لهم في قصر يلدز، وانتماءه فوق ذلك إلى الطريقة القادرية، كل ذلك كان له تأثيره الكبير في إنشاء ما يمكن وصفه باتحاد الروابط والطرق الصوفية[92].

ومن ثَمَّ كانت رباطات الصوفية وزواياهم بمثابة حجر الزاوية في سياسة السلطان عبد الحميد الثاني الرامية إلى انبعاث "الجامعة الإسلامية"، فمِن خلالها كُوّنت شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تمكّنت من التواصل وتمتين العلائق خاصّة مع المنتمين للمذهب الحنفي في أصقاع العالم كافَّة، كما استطاع السلطان عبد الحميد الثاني -من خلال شبكة العلاقات هذه فضلًا عن الممثلين "السريين" له- أن يمدَّ نفوذه إلى تركستان والهند وإفريقيا واليابان والصين، بل وأن يمنح الخلافة العثمانية هُوية عالمية[93] متجاوزة لما تحت يدَي سُلطانه السياسي[94].

على سبيل المثال، كان علي رضا أفندي الداغستاني وحافظ حسن أفندي البورصوي قد أُرسلا إلى مدرسة دار العلوم الحميدية التي أُنشئت في الصين عام 1907م، وهنالك درّسا لأكثر من مئة تلميذ، وفي الوقت ذاته كانا يعملان على التعريف بالخلافة العثمانية ومآثرها وجهودها الكبيرة حول العالم[95]. أما عبد الرشيد إبراهيم أفندي القازاني[96] الأصل، فقد كان من النشطين في مجال الدعوة إلى الإسلام ونشره في اليابان والشرق الأقصى الآسيوي، وفي الوقت عينه من خَدَمة الخلافة العثمانية المخلصين لها[97].

والحقُّ الذي لا مراء فيه أن شيوخ الصوفية قدَّموا خدمات جليلة للدولة العثمانية إبَّان حقبة السلطان عبد الحميد الثاني من خلال تأثيرهم في العديد من العرقيات والإثنيات الإسلامية المختلفة في سبيل تحقيق مشروع "الجامعة الإسلامية"، فعلى سبيل المثال كان لشيخ الطريقة الأوزبكية سليمان أفندي البخاري والشيخ أبي الهدى (الصيّادي) اعتبار وتقدير كبير لدى مسلمي الهند، حتى إنهما قاما بزيارات متكررة إلى ذلك البلد، وشاركا في العديد من الأنشطة التي كانت توثّق علاقة الهنود بالخلاقة بالعثمانية هُوياتيًّا وشعوريًّا[98].

وسنرى في هذه الحقبة العديد من الجهود الكبيرة التي عكفَ عليها السلطان عبد الحميد الثاني في إطار مشروع "الجامعة الإسلامية"، فقد أشرف على إصدار صحيفتين سُخرتا تمامًا لهذا المشروع: الأولى صدرت في إسطنبول باللغة الأوردية تحت اسم (Peyk-iİslâm)، والثانية صدرت في لندن باللغتين الفارسية والعربية تحت عنوان (el-Gayret)[99]. ولا يجب أن ننسى في هذا السياق دور شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي الذي كان الأداة الفاعلة للسلطان عبد الحميد الثاني في التواصل مع المسلمين في جميع أنحاء العالم، وخاصةً أولئك الذين كانوا تحت سلطة الاحتلال البريطاني؛ اعتمادًا على نشاطه الكبير، وقدرته الفائقة في التواصل مع وسائل الإعلام والنشر الناطقة باللغة الإنجليزية؛ ولهذا سنرى تكليف السلطان عبد الحميد الثاني لشيخ الإسلام كويليام لكي يُصبح ممثله الشخصيَّ في العديد من المناسبات في القارة الإفريقية[100]، والتقاءه بمشايخ الطرق الصوفية في هذه القارة، ولا سيما الشيخ محمد السنوسي، كل ذلك كان يدعمُ نهج عبد الحميد الثاني بوضوحٍ لا ريبة فيه[101].

ووفقًا للباحث أمجد الدجاني، وكما ذُكر في القسم السابق، كانت المطبوعات التي صدرت تحت إشراف "معهد ليفربول الإسلامي" مثل صحيفتي "الهلال" و"العالم الإسلامي" والحرص على إرسالهما إلى البلدان الإسلامية والأجنبية فيما وراء البحار دليلًا لا مشاحّة فيه على الدور الرائد لكويليام في سياسة السلطان عبد الحميد الثاني العالمية لترسيخ مشروع "الجامعة الإسلامية" ونشره[102].

ولقد تجلَّى ولاء كويليام للخليفة العثماني من خلال نُصرته ودفاعه عن الدولة العثمانية ضد السياسة العسكرية الإنجليزية المعادية، وتقديمه معلومات مهمة عن تحركات الجماعات الأرمنية العاملة والناشطة في لندن آنذاك[103]، بل تخطَّى دوره إلى مواجهة حملات التضليل والتشويه التي كانت تقوم بها هذه اللوبيات الأرمنية.

وعلاوة على ذلك، انتقد شيخ الإسلام كويليام الاستراتيجية الإنجليزية العسكرية في مواجهة الحركة المهدية التي كانت قد ظهرت إبَّان ذلك في السودان، وخاصةً استخدام الجيش الإنجليزي للعساكر المصريين في تلك المواجهة، وقد أصدر على إثر ذلك هذه الفتوى التي جاء فيها:

 "إن رفعَ مسلمٍ صحيح العقيدةِ سلاحه ضد أخيه المسلم الذي لم يخرج على طاعة الخلافة وولي الأمر الشرعي لهو مخالفة لأمر الله ولأحكام الشريعة الغراء التي أمرنا بها رسولنا الأكرم. وإنني لأحذّر أيَّ مسلم يمدُّ يد العون أو يقدِّم ولو كِسرة خبز أو رشفة ماء فضلًا عما فوقها من المساعدات والعون لهؤلاء الأعداء الذين يقاتلون المجاهدين في السودان؛ ذلك أن نُصرة الكافر تعني إنكار صحيح الإيمان ومن ثَمَّ الخروج من الملَّة، فلا يستحقُّ عندها من يفعل ذلك أن يحمل شرف الإسلام، بل ويمسي عندئذ غير جديرٍ بحمل هذا اللقب الجليل. حرَّره ووقَّع عليه شيخ الإسلام في الجزر البريطانية و.هـ. عبد الله كويليام في المسجد الشريف بمدينة ليفربول في يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر شوال لعام 1313هـ (27 مارس 1896م)"[104].

ومما سبق يمكن القول إن منصب "شيخ الإسلام" في الجزر البريطانية كان يخوّل لصاحبه نفس التأثير ورمزية الوظيفة التي كان يملكها شيخ الإسلام في الأراضي العثمانية[105]. ورغم ذلك ووفقًا للوثائق التي وقفنا عليها في الأرشيف العثماني، فقد لجأ كويليام في بعض الأوقات إلى المشيخة في إسطنبول للإجابة عن الفتاوى والمسائل التي لم يتمكَّن من إبداء الرأي الصحيح فيها. فعلى سبيل المثل، وضمن نازلة الحركة المهدية في السودان التي أشرنا إليها أعلاه، وبناءً على ردود الأفعال الرافضة التي تلقَّاها كويليام على فتواه الآنفة من المسلمين المصريين والهنود[106]، فقد أرسل إلى شيخ الإسلام في إسطنبول محمد جمال الدين أفندي[107] سؤالًا جاء فيه: "ما هو الرأي الشرعي الذي تقولون به فضيلتكم في الحركة التي ظهرت أخيرًا في السودان؛ أهؤلاء قوم ضالون بُغاة أم هم مدافعون عن العرض، مجاهدون للأعداء؛ حتى يمكننا قطع الرأي فيهم أمام المستفسرين ومن غُمّ عليهم أمرهم؟"[108]. ومن خلال هذا السؤال سيتضح لنا أن شيخ الإسلام كويليام لم يكن يجد حرجًا في الرجوع إلى المشيخة والمفتي في إسطنبول لاستجلاء الرأي في القضايا والمسائل الشائكة ضمن إطار تراتُبي (هيراركي) تنظيمي محدد.

وبالرجوع إلى وثائق الأرشيف العثماني، وفي أعقاب قمع الحركة المهدية في السودان، عقد كويليام في 2 إبريل 1899م اجتماعًا في معهد ليفربول الإسلامي تناول فيه حادثة مقتل قائد الحركة المهدية الشيخ محمد أحمد بن عبد الله من قِبل الإنجليز[109]، وفي الوقت نفسِه انتقاده لخليفته أمير السودان عبد الله (التعايشي) ادّعاءه المهدية؛ ذلك أن كويليام في ذلك الجمع استحضر الروايات النبوية المتعلقة بمسألة المهديّ وتوقيت ظهوره، وبالنظر إليها أعلن أن أحمد بن عبد الله لم يكن المهدي الحقيقي التي أشارت إليه روايات السُّنة الصحيحة، ورغم ذلك صبَّ جام غضبه على المعاملة الوحشية التي تعرضت لها جثته مِن قِبَل الإنجليز الذين استخرجوها وعرضوها لأنواعٍ قميئةٍ من التنكيل، ولم يكتفوا بذلك بل قطعوا رأسه وأحضروه إلى إنجلترا لعرضه في أحد متاحفهم، وبسبب هذه الهمجية أرسل كويليام اعتراضًا شديد اللهجة إلى البرلمان الإنجليزي.

وفي الجلسة ذاتها انتقد كويليام بشدَّة إعلان الشيخ عبد الله التعايشي نفسه خليفة، بل ودافع عن شرعية الخليفة العثماني بقوله: "خليفة الإسلام، وعاهل الدولة العليَّة العثمانية ذو الشان، أمير المؤمنين السُّلطان الغازي عبد الحميد خان عزَّ شأنه"[110].

لقد أعلن كويليام على الدوام انتماءه واعتزازه بمقام السلطنة العثمانية، وولاءه التام للخليفة الذي طالما اعتبره القائد الأوحد الجامع لشتات الأمة الإسلامية، وتجلَّى ذلك في مقالاته وخطبه ومواقفه وفي سياق تمثيله للمسلمين في إنجلترا باعتباره "شيخ الإسلام" المـعيَّن من قِبَل هذا الخليفة، وكذا في طريقة هندامه وهيئته التي كان يحرص على الظهور بها أمام الكافَّة، فقد أصبحت الأوسمة والنياشين العثمانية لا تُفارقه كما نرى في الصورة أدناه، ففي عام 1902م لفت عبد الله كويليام وابنه انتباه وسائل الإعلام البريطانية بسبب هيئتهما وملابسهما التي ظهرا بها أثناء حضورهما احتفالات تتويجٍ كان قد دعاهما إليها رئيس بلدية مدينة ليفربول، وفي ذلك الحفل بدا كويليام كأنه أمير أو ضابط عسكري ذو رُتبة رفيعة، بينما كان ابنه في زيِّ العساكر الأتراك العثمانيين.

3

إحدى الصور التي التُقطت لشيخ الإسلام في الجزر البريطانية عبد الله كويليام أفندي[111]

وفي عام 1904م كتب يسخر بلهجة شديدة النقمة والغضب من الجنود البريطانيين الذين شاركوا في معركة جدبالي وأبادوا فيها مسلمي الصومال بالقتل وسفك الدماء، يقول:

"أيا رِعاع أمير السلام اصرخوا هتافًا وافرحوا!

وأيها الإنجليز لترتفع أصواتكم النكرة عاليًا... إن صيحة تعطُّشكم للقتل والدماء لا تُقارَع، وإن وصفكم بـ"السفَّاحين" لقمين!

اهتفوا وصيحوا صيحات النصر والظفر أيها المؤمنون بالمسيح، يا مَن حرَّفتم كتابكم واتهمتم الإسلام بأنه دين الدجَّال!

أيا شياطين الجحيم اهتفوا وارقصوا طربًا؛ فقد أمسى القتل والنهب لكم حِرفة وعادة!

ارفعوا أصواتكم إلى عنان السماء وردِّدوا: في اليوم الحادي عشر من عام 1904م من عصر المسيحية المظفر، رقص ثلاثة آلاف ومئتا جنديّ يلبسون الكاكي على جثث ألف ومئتي مسلم صومالي كل ذنبهم أنهم دافعوا عن ديارهم وأوطانهم"[112].

ونظرًا لهذه الأحداث المتتابعة، سنلاحظه حتى عام 1905م يتناول بشكل مُكثَّف في مقالاته ومحاضراته أسباب تغيُّر السياسة الحكومية البريطانية تجاه حليفتها التقليدية الدولة العثمانية، ويرصد أسباب هذا التغيير الاستراتيجي وأشكاله وما يجب إزاءه. فعلى سبيل المثال، حذَّر المسلمين المقيمين في بريطانيا من إعادة انتخاب رئيس الوزراء آنذاك آرثر بلفور ووزير الخارجية لورد لانسدون، وذلك بسبب إرسالهما أسطولًا حربيًّا بريطانيًّا لمحاربة الدولة العثمانية في بعض صراعات البلقان التي نشبت آنذاك، ولم يكتفِ بذلك بل أصدر في سبيل ذلك فتوى نشرها في مجلة "الهلال" جاء فيها: "أيها المؤمنون، في هذا الوقت العصيب يجب عليكم أن تنهضوا بأصواتكم العالية لتجعلوها رسالة قوية في وجه أولئك الذين استهانوا بدين الله ورسوله الكريم وخليفة المؤمنين، عليكم أن تلقّنوهم درسًا كبيرًا؛ لاحتقارهم وتكبّرهم وتعاليهم، ولتكن أصواتكم هي الدرس القاسي الذي يُخرسهم ويُقصيهم"[113].

كان كويليام يطوف أرجاء إنجلترا بلا كلل أو ملل مشاركًا في العديد من الأنشطة والفاعليات، وبجوار هذا التمثيل في الداخل كان يشارك أيضًا في العديد من المناسبات في خارج البلاد بصفته "شيخ الإسلام"، فعلى سبيل المثال وفي عام 1908م حضر كويليام إلى باريس لمساعدة إمام السفارة العثمانية بها لتجهيز مراسم جنازة (أحد مشاهير الصحفيين المدافعين عن الدولة العثمانية) سليم فارس أفندي[114].

وفي العام نفسِه، وفي تقرير مجلة "الهلال" الصادر في 13 مايو 1908م، ذُكر أن كويليام وابنه الأكبر استدعاهما السلطان للقائه في إسطنبول، وقد أُشير في الخبر ذاته إلى أن مسألة سفر كويليام ستُبحث بإيجاز في خُطبة الجمعة القادمة، وقد حُدد يوم السفر من ليفربول في 31 مايو، أما تاريخ عودة الشيخ إلى البلاد فسيكون بعد ستة أسابيع تالية على الأرجح[115].

ولكن ما لم يكن في الحسبان أن هذه الخطة لم تسِر على الوجه الذي خُطط لها؛ فقد كانت إسطنبول تعيش في حالة من الغليان والتمرُّد والصراع السياسي ضد السلطان عبد الحميد الثاني الذي أُرغم في نهاية الأمر على التنازل عن صلاحياته وتسليمها إلى أعضاء جمعية تركيا الفتاة بعد عودة مجلس المبعوثين، ومع إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني من منصبه وإبقائه بشكل صوري قبل خلعه نهائيًّا في العام التالي ينتهي دور عبد الله كويليام بوصفه شيخًا للإسلام، وستصبح رحلته إلى إسطنبول في يونيو 1908م هي الأخيرة للمدينة التي لن يراها مرةً أخرى، وذلك بعد 32 عامًا[116] قضاها في منصب شيخ الإسلام للجزر البريطانية. وبالرغم من جهود المهتدين الجدد من أصدقاء كويليام لمنع إغلاق معهد ليفربول الإسلامي وجامع المدينة، فإن محاولاتهم باءت بالفشل، وستبقى المدينة بلا مساجد رسميًّا حتى وصول المهاجرين المسلمين القادمين من اليمن والصومال وجنوب شرق آسيا في خمسينيات القرن العشرين[117].

  1. هنري دو ليون (مصطفى هارون): الشخصية الغامضة لشيخ الإسلام عبد الله كويليام وأسباب انضمامه إلى جامع ووكينغ والجمعية الإسلامية البريطانية

اعتبارًا من عام 1908 وحتى تاريخ وفاته في عام 1932م، سيدخل كويليام الذي غيَّر هُويته ليُصبح اسمه الجديد هنري دي ليون (Henry de Léon) أو هارون دو ليون (Haroun de Léon) إلى ما يصفه مؤلف سيرته جيفز مرحلةَ "الشفق"، أي الغروب والنهاية، ومن اللافت أن الأسئلة التي أثيرت حول شخصية "ليون"، ذلك الرجل الغامض الذي دأب على الكتابة مع كويليام في العديد من صحف ليفربول ومجلاتها، لم يُتوصَّل إلى أجوبة شافية حول كُنهه حتى يومنا هذا، لكن بعد فحص العديد من الفرضيات والادعاءات المتعلقة بهذا الموضوع يقدِّم جيفز تفسيره حول هذا الأمر؛ فيرى أن كويليام أراد الاختباء خلف هذا الاسم الغامض ليتمكَّن من البقاء آمنًا في بريطانيا، ويظنُّ أن السبب الرئيس الذي دفعه إلى ذلك هو اتخاذه موقف التأييد للخليفة عبد الحميد الثاني حتى خلعه، بل بقي ولاؤه ثابتًا للدولة العثمانية حتى اشتعال الحرب العالمية الأولى عام 1914م[118]، وبعد هزيمة العثمانيين كانت الهوية الجديدة بمثابة المنقذ له من تنكيل الإنجليز ومتابعتهم، كما كانت سببًا آخر في استمرار نشاطه ودعوته للإسلام.

وعلاوة على ذلك، كان كويليام قد تولَّى الدفاع في قضية طلاق في عام 1907م رفعتها سيدة اسمها مارثا ماي بيترز ضد زوجها، وفيها ادَّعت خيانة زوجها لها، لكن الادعاء الملكي كشف بعضَ الشبهات المتعلقة بالأدلة المقدَّمة وكذا شكوكًا قوية حول الشهود؛ ولهذا بدأت الشائعات والأقاويل تنتشر حول تورط كويليام في هذه الجريرة[119]. وكان مما قيل أيضًا في تلك الأثناء إن بلالًا ابن شيخ الإسلام كويليام تورّط في عملية احتيال أثناء بيع مباني معهد ليفربول الإسلامي؛ الأمر الذي اضطر والده -من جملة أسباب أخرى- إلى عدم العودة إلى مدينة ليفربول مرة أخرى. لكن مما لا شكَّ فيه أن هذه الادعاءات لم تكن قاطعة أو قائمة على أدلة قوية، كما لا ينبغي تجاهل الأخبار الكاذبة، وحملات التشويه المتعمدة التي كانت تستهدف نشاطَ شيخ الإسلام وممثِّل الخليفة العثماني في الغرب الأوروبي.

إن الحقيقة الواضحة في كل هذا أن كويليام كان هو نفسه هنري (مصطفى) دو ليون؛ ففي وصيته التي كتبها في عام 1929م والتي فُتحت بناءً على طلبه عقب وفاته مباشرة في عام 1932م، جاء فيها: "أنا وليام هنري كويليام المعروف باسم هنري مصطفى دو ليون"[120].

والحقُّ أنه بعد التدقيق الشامل الذي قام به مؤلف سيرته جيفز، توصَّل إلى أن شيخ الإسلام عبد الله كويليام حين عاد من إسطنبول إلى بريطانيا في عام 1908م، بلغته معلومات تؤكد وفاة هنري دو ليون الشخصية الحقيقية في الفترة ما بين عامي 1908-1912م، ويبدو أن أرملة ليون السيدة إديث ميريام سبراي (Mrs. De Léon) تمكَّنت من الضغط على كويليام بصورة أو بأخرى لكي يتزوجها[121]، وهو ما قبله بالفعل، ومن خلال هذه الزيجة تقمَّص سيرة واسم زوجها الراحل[122]، وبموجب وصيّـته التي كتبها عرفنا أن إديث ميريام التي اشتُهرت باسم ماري كانت الزوجة الأخيرة لكويليام، وبفضل هذه الوصية أيضًا توصَّلنا إلى فكِّ كثير من مكامن الغموض التي لفَّت أسرار حياته في طورها الأخير.

4

صورتان تعودان إلى هنري مصطفى ليون، الصورة التي على اليمين يظهر فيها كويليام (قبل تغيير اسمه) متقلدًا الأوسمة والنايشين التي أهداها إليه السلطان عبد الحميد الثاني[123]

لكن مَن هو هنري دو ليون أو هارون مصطفى الحقيقي؟ ولماذا انتحل كويليام شخصيته بخلاف غيره؟ ذلك سؤال نفهمُ إجابته بيُسْر حين نعرف أن هذا الشخص كان ممن اعتنقوا الإسلام وانخرطوا في الأنشطة التي كان يُشرف عليها كويليام في مدينة ليفربول، وهو من هذا الجانب كان صديقًا مقربًا فيما يبدو من كويليام، حتى إنه كان من جملة المهام التي أشرف عليها في المعهد تقديمه سلسلة محاضرات عن تاريخ وجيولوجيا المانكس (Manx)[124]، وأيضًا سلسلة أخرى عن تاريخ الحضارة الإسلامية والتعريف بها.

وبسبب المؤهلات العلمية التي تمتَّع بها هنري دو ليون؛ إذ كان عارفًا بالعديد من اللغات، منخرطًا في المجال الأكاديمي بجدٍّ ونشاطٍ؛ تمكَّن كويليام من خلال تقمُّص شخصية دو ليون من فتح صفحة جديدة من حياته كمفكّر مرموق في لندن، ولئن لم ينجح في الاستمرار بإصدار صحيفتي "الهلال" و"العالم الإسلامي" ذات النَّفَس الإسلامي الواضح، فقد شرع في الوقت ذاته مع زوجته السيدة إديث ميريام -التي عملت معه محررة مشاركة- في إصدار مجلة جديدة بعنوان (The Philomath)، وكانت هذه المجلة الجديدة بمثابة النشرة الرسمية لرابطة "الجمعية الدولية لعلوم فقه اللغة والفنون الجميلة"، وفي عام 1917م بدأ كويليام في إصدار مجلة ثانية تحت عنوان (the Physologist)[125].

أيَّد كويليام مبادرة حركة الخلافة التي كان منشؤها في الهند، وكذلك قام بدور لافت في "الجمعية الأنغلو-عثمانية" التي أسَّسها اللورد هيدلي.

وتحت هذه الصفة الجديدة اسمًا ورسمًا، أضحى دو ليون (كويليام) من جملة الأعضاء الفاعلين في جمعية ووكينغ التي تكوَّنت من عدد من الأثرياء والأرستقراطيين اللندنيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا، مثل اللورد هيدلي ومارماديوك بيكثال وخالد شيلدريك وسير أرشيبالد هاميلتون وسير لورد برونتون وليدي إيفلين كوبالد وغيرهم[126]. وعلى الرغم من عدم استطاعته قيادة الأنشطة وإلقاء الخطب العلانية التي كان يقوم بها من قبل في ليفربول، فإنه آثَرَ أن يستمرَّ في دعم وحدة هذا المجتمع الجديد وترابطه عن طريق كتاباته وأنشطته وجهوده الضخمة في هذا الميدان. فعلى سبيل المثال، أيَّد كويليام مبادرة "حركة الخلافة"[127] التي كان منشؤها في الهند، وكذلك قام بدور لافت في "الجمعية الأنغلو-عثمانية" التي أسَّسها اللورد هيدلي[128].

على أن جمعية وجامع ووكينغ اللذين أنشأهما المستشرق لايتنر[129] لطلابه المسلمين تيسيرًا لهم في ممارسة شعائر دينهم، كانت العبادات والشعائر فيها تتمُّ وفق قواعد صارمة ظل معمولًا بها حتى بعد وفاته، وبسبب ذلك أسَّس اللورد هيدلي[130] في عام 1914م "مجتمع/الجمعية الإسلامية البريطانية" (British Muslim Society) ليتمكَّن من خلال هذا البديل من نشر الإسلام والدعوة إليه بصورة أكثر مرونة بعيدًا عن تلك القواعد الصارمة الموضوعة في جامع وجمعية ووكينغ. وفي هذه المؤسسة الجديدة عمل دو ليون (كويليام) مع السيد خوجه كمال الدين الهندي[131] نائبًا لرئيس الجمعية، وشرعا لهذا الغرض في إصدار مجلة الإسلام (The Islamic Review)[132].

ومن خلال الجمعية الإسلامية البريطانية، سعى كويليام هذا السُّني الحنفي أو المشتهر حينذاك بهنري دو ليون سعى جاهدًا إلى بناء علاقات وثيقة ملؤها التسامح والمودة وأخوة الإسلام مع المذاهب الأخرى في إنجلترا، لا سيما الشيعة وأتباع الأحمدية مثل القاديانية واللاهورية وغيرهم؛ ذلك أن قضية الإسلام الكبرى شغلت تفكيره حتى عن الاختلاف المذهبي العقدي. وفي نهاية المطاف، وبعد حياة حافلة لقي كويليام ربَّهُ في 28 إبريل 1932م، ودُفن في مقبرة بروكوود التابعة لمنطقة ووكينغ في لندن، وهي المقبرة ذاتها التي دُفن فيها لاحقًا زميلاه ومؤسِّسا الجمعية الإسلامية البريطانية اللورد هيدلي ومارمادوك بكتال[133].

  1. هل سعى كويليام إلى التوفيق بين الأديان والمعتقدات؟

من الأمور اللافتة أن معهد ليفربول الإسلامي -باعتباره أول جامع يُفتتح في بريطانيا تعدَّدت أغراضه الثقافية والمادية- كان محلَّ جدل وعرضة للعديد من الانتقادات، وبعبارة أخرى كان هذا المعهدُ جامِعًا تُمارَس فيه الشعائر الدينية، وفي الوقت ذاته ملتقى للأنشطة الاجتماعية والثقافية، ويبدو أن هذه الوظائف التي بدت متناقضة للبعض جعلتهم يتهمون كويليام بأنه أحد المُحرّفين لدين الإسلام.

ففي معهد ليفربول الإسلامي وبجانب الوظائف التقليدية للمسجد كالعبادة والتعليم الشرعي والأنشطة الدعوية والإرشاد، فإن الفعاليات الاجتماعية والملتقيات الثقافية مثل مراسم الزفاف والاجتماعات وأنشطة الترفيه وما إلى ذلك، التي أُريدَ من خلالها إحداث مواءمة بين الحياة اليومية الثقافية البريطانية وبين الإسلام، كانت سببًا في ظهور العديد من الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت إلى كويليام والمعهد.

فعلى سبيل المثال، كان تنظيم العديد من الأنشطة الترفيهية والمهرجانات السنوية في أيام أعياد الميلاد، وتنظيم دروس الخطابة والوعظ في أيام الأحد، وهي الإجازة الأسبوعية للمسيحيين، ثم فتح المجال للإنشاد الديني والترانيم الجماعية التي تخللتها الموسيقى كعزف البيانو بل واختلاط الرجال بالنساء في أثنائها، كل ذلك كان سببًا كافيًا لانتشار هذه الانتقادات وذيوعها.

وفي يناير من عام 1900م، أضاف كويليام نشاطًا جديدًا من جملة أنشطة المسجد التي أثارت الجدل، فقد أصبح بمقدور أعضاء المعهد وجماعة المسلمين الجدد أن يجتمعوا في قاعة المؤتمرات ويلعبوا الطاولة والورق (الكوتشينة) بهدف تعزيز العلاقات الاجتماعية والثقافية فيما بينهم، وخُصِّصت أيضًا دروس أسبوعية لتجويد وتفسير الآيات القرآنية التي كان يذكرها الإمام في خُطب وصلاة الجمعة[134].

تلك الممارسات والأنشطة التي بدت غريبة جعلت كويليام في مرمى سهام المنتقدين، فقد نقل شيخ من المدينة المنورة اسمه عبد الكريم مارات مشاهداته وانطباعاته عن معهد ليفربول الإسلامي عقب زيارته في مقالة له كتبها لمجلة إسلامية اسمها "ثمرات"، وخلاصة ما ختم به الشيخ عبد الكريم رسالته تلك أنه قطع بأن كويليام ومَن وحوله من المسلمين الجدد يجهلون أمور دينهم، وإذا كانوا صادقين في تعلُّم الإسلام فيمكنهم أن يرسلوا ثلاثة من طلبة العلم لديهم إلى المدينة المنورة لتلقي العلم الشرعي. بل إننا سنجد في اقتباس آخر اتهامًا صريحًا بأن كويليام كان عميلًا سريًّا، وأن بعض الذين غَشوا مجالسه كانوا من الشرطة السرية التي تواطأ معها كويليام، وكان يرسلهم إلى الدولة العثمانية بين وقت وآخر[135].

والحقُّ أن كويليام الذي اتُّهِمَ تارة بأنه مبتدع مُحرّف لدين الله، وتارة أخرى بأنه مُدلّس متلاعب بالإسلام، لا يستحقُّ في رأينا هذه الاتهامات التي وُجِّهت إليه، ومما يدعم وجهة نظرنا أيضًا أن جيفز مؤلِّف سيرته -الذي أجرى بحثة بدقَّة بالغة، وموضوعية أكاديمية يُحسد عليها- لم يأخذ هذه الادعاءات والانتقادات على محمل الجدّ.

ووفقًا للتحقيق الذي أجراه رئيس القنصلية العثمانية في ليفربول إسماعيل لطفي بك في عام 1891م، والذي جاء فيه: "إن الإنجليز ليسوا متسامحين ألبتة من الناحية الدينية، ولا ينظرون إلى الإسلام بحفاوة أو تقدير"[136]، ثم ما أعقبه من تعيين السلطان عبد الحميد لعبد الله كويليام "شيخ الإسلام"، فإنه ليبدو أمرًا غريبًا، ولا يتوافق مع الحقائق والتحديات على أرض الواقع البريطاني آنذاك.

وفي رأينا أنه ليس من العدل أن نتوقَّع من فئة قليلة من المسلمين الجدد أن يمارسوا شعائرهم وعباداتهم أو يتكلموا اللغة العربية بصورة مثالية. وعلاوة على ذلك، يجب أن يُنظر إلى وجود الكراسي داخل المسجد أو إلى أداء الأناشيد والأهازيج الدينية التي كان يتخللها عزف البيانو في صورتها الثقافية الحقيقية آنذاك وسط بيئة مسيحية غالبة؛ ذلك أن الحضارة الإسلامية قد تقبَّلت التنوع الثقافي والاجتماعي للشعوب والعرقيات الإسلامية كافَّة بتسامح كبير، وتمكَّنت بصورة لافتة من صهرِ هذا التنوع في بوتقة واحدة.

لقد ذكرنا من قبل أن كويليام قضى ست سنوات من عُمره في المغرب والجزائر لتحصيل العلم الشرعي، وفي عام 1893م منحته جامعة القرويين لقب أستاذ فخري، وأكثر من ذلك فإننا عند دراسة كتابه "اعتقاد الإسلام"، ومقالاته وبحوثه التي نشرها في الصحف والمجلات التي أنشأها مثل "العالم الإسلامي" و"الهلال"، ثم بالتأمل في أحاديثه وفتاويه، سنصل إلى قناعة مفادها أن كويليام كان يمتلك حصيلة معرفية إسلامية أصيلة لا غبار عليها، وإذا أخذنا في الاعتبار الظروف القاسية التي كان يعمل فيها كويليام في فم الأسد، بريطانيا العظمى التي كانت تحتلُّ كثيرًا من أقطار العالم الإسلامي، وقدرته وسط هذه الظروف على الدعوة إلى الإسلام، وهداية ما يقارب 600 شخص[137]، وسط رأي عام بريطاني متحفز ويحمل عداءً لا ريبة فيه نحو الإسلام، كل ذلك ليُعَدّ نجاحًا باهرًا، وإنجازًا لا غبار عليه لا يمكن -في اعتقادنا- لأولئك الذين تحاملوا عليه وانتقدوه أن يحلموا بتحقيقه ولو في خيالاتهم!

الخاتمة

رأينا من خلال بحثنا هذا كيف تمكَّن المحامي الناجح، والشخصية متعدِّدة المواهب ويليام هنري كويليام، وفي واحدة من أكثر المدن البحرية نشاطًا وحركة في الإمبراطورية البريطانية، والتي كانت إحدى أهم بوّاباتها على مستعمراتها في نهاية القرن التاسع عشر، من الدعوة إلى الإسلام، وكيف استطاعت جماعة المهتدين الجدد الصغيرة عددًا إنشاء معهد ليفربول الإسلامي، ذلك المعهد الذي تمكَّنوا بواسطته من الانطلاق إلى العالمية، وإيصال أصواتهم إلى آفاق بعيدة فيما وراء البحار، ولقد شكَّل معهدُ ليفربول الإسلامي -أول مؤسسة إسلامية متكاملة في بريطانيا- النموذجَ المثالي المُلهِم للمؤسسات الإسلامية المحلية والوطنية التي تم وسيتم إنشاؤها فيما بعد.

وقد هدف عبد الله كويليام وأصدقاؤه إلى تفكيك الصورة النمطية السلبية التي كانت سائدة حول المسلمين في العالم، وتغيير النظرة العنصرية التمييزية تجاههم، وقد تمكَّنوا من خلال مجلتي "الهلال" و"العالم الإسلامي" من إبلاغ أصواتهم ومقالاتهم إلى الأقليات المسلمة التي كانت تخضع لسلطة الإمبراطورية البريطانية، وتوعيتهم بالأنشطة التي كانوا يشرفون عليها في بريطانيا.

ووفقًا لما ذكره الباحث إريك جيرمان، فقد استطاعت الأقليات المسلمة التي كانت تعيش في المستعمرات البريطانية، خاصةً في أستراليا ونيوزلندا وجنوب إفريقيا، أن تُفنّد كثيرًا من الاتهامات والأكاذيب الموجّهة إليهم، فضلًا عن تمثيل الإسلام بصورة مشرفة في بلدانهم تلك؛ مدجّجين بأساليب ومنهجيات كويليام التي طالما انتهجها وبثّها في مقالاته وكتاباته[138].

ولقد أفرغ كويليام وجميع أفراد أسرته جهدهم في إنشاء معهد ليفربول الإسلامي ثم العمل على استمراره وإنجاحه بكل السُّبل المتاحة؛ فلم يكن يتردَّد في استخدام أرباح مهنة المحاماة، وبيع الكُتب لهذا الغرض النبيل. وعلى الرغم من التخرّصات والأكاذيب التي ادَّعت فسادَه المالي، فإن مؤلِّف سيرته جيفز، ثم أبحاثنا التي أجريناها في هذا الشأن تنفي مثل هذه التُّهَم بصورة قاطعة، ولقد تبيَّن لنا أن مصدر هذه الأكاذيب كان منشؤه من الهند، ورأينا أن الحق على العكس من ذلك؛ فقد تعرَّضَ كويليام نفسه إلى عمليات احتيال حين قام نفرٌ من الهنود بسرقة أُجرة مجلاته بل تعدّى احتيالهم إلى جمع التبرعات من المتعاطفين معه بحجَّة دعم جهوده في الدعوة إلى الإسلام، واستمرار عمل مجلاته ومعهد ليفربول الإسلامي، وإن أغلب هذه التبرعات والأموال لم تصل إلى كويليام قطّ!

وليس من المستبعد لدينا أن إدارة الهند البريطانية كانت تقف خلف الشائعات التي اتهمت كويليام بالفساد المالي؛ لتشويه صورته، وتقليل تأثير فتاويه في مسلمي الهند، فكما ذكرنا آنفًا كان كثير من علماء الهند -بدعمٍ من الحكومة البريطانية فيما يبدو- قد رفضوا وفنَّدوا فتوى كويليام المتعلّقة بقضية السودان التي أفتى فيها بوجوب محاربة الإنجليز، وعدم نُصرتهم على إخوانهم المسلمين السودانيين بأي صورة كانت.

ولا يجب علينا في هذا السياق أن نتجاهل حصول عبد الله كويليام على لقب "شيخ الإسلام في بريطانيا وجزرها"؛ فقد كان نهجًا غير اعتيادي قام به السلطان العثماني في جعل كويليام الممثل الشرعي للمسلمين في تلك الأقطار؛ الأمر الذي أكسبه صفة اعتبارية ورمزية مؤثرة بلا شكّ، وكان لتمثيله الخليفة عبد الحميد الثاني في العديد من المناسبات المختلفة في إفريقيا وأوروبا -كما مرَّ بنا سابقًا- سبب آخر في إضفاء مزيد من الأهمية على منصبه في الساحة السياسية الدولية.

ولقد وقف شيخ الإسلام كويليام موقفًا صلبًا من الحركات القومية التي كانت قد بدأت في الانتشار آنذاك، والتي عملت على تقسيم الأقطار الإسلامية وشرذمتها، وتأكيده على أن خلاص الأُمَّة ونجاتها مما يُحاك لها يعتمد حصرًا على وحدتها وتلاحمها وضرورة "مواجهة القومية" والتحذير من خطرها.

كان كويليام أيضًا من المؤمنين والمنادين بتوافق العلم الحديث مع الإسلام وعدم التعارض بينهما ألبتة، وقد عبَّر عن هذه القناعة مرارًا في كثير من كتاباته ومحاضراته، وهو التأكيد الذي كان ولا يزال يردُّ الشبهة عن الإسلام في هذه المسألة الدقيقة.

ثم إننا رأينا كيف تغيَّرت حالة عبد الله كويليام بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، فقد انقلب رأسًا على عقب حين اضطر إلى ترك منصبه في رئاسة معهد وجامع ليفربول الإسلامي ومشيخة الإسلام في الجزيرة البريطانية، ليذهب متخفيًا إلى العيش تحت ستار اسم مستعار حتى نهاية عُمره، بعدما أمضى اثنين وثلاثين عامًا في خدمة الإسلام في مدينته ليفربول، مغلوبًا على أمره في المقام بلندن، وفيها انضمَّ إلى جمعية ووكينغ الإسلامية؛ ليظلَّ حتى آخر لحظة من عُمره جُنديًا وفيًّا لقضية الإسلام في الغرب الأوروبي.

 


المصادر

Akıncı, Barbaros, William Henry Quilliam ve Liverpool Islam Cemiyeti, VAKANÜVIS- Uluslararası Tarih Araştırmaları Dergisi/ International Journal of Historical Researches, Yıl/Vol. 1, Sayı/No. 2 Güz/Fall 2016.

Armağan, Mustafa, Abdülhamid’in Kurtlarla Dansı 2, Timaş Yay., İstanbul, 2009.

Başbakanlık Osmanlı Arşivi (BOA.)

BOA., Y.PRK.EŞA.12/28.

BOA.TFR.I.M.25/2452

BOA.Y.PRK. MŞ, 6/41

Bayram, Aydın, Sunni Muslim Religious Life in Britain: With Special focus on Religious Practices, Religious Authority, and Intra-faith relations, Lulu Publishing, London, 2014.

Çiftçi, Muhammed Recai, Mühtedî Abdullah Henry Quilliam'ın 'Dîn-i Islâm' Adlı Eserinin ve Makalelerinin Kelâmî Açıdan Değerlendirilmesi, (Yüksek Lisans Tezi) Marmara Üniversitesi Sosyal Bilimler Enstitüsü, İstanbul, 2009.

Dabağyan, Levon Panos, Osmanlı'da Şer Hareketleri ve Abdülhamid Han, IQ Kültür Sanat Yayıncılık, İstanbul, 2005.

Dajani, Amjad Muhsen S., The Islamic World, 1893-1908, Victorian Periodicals Review, Vol. 47: 3, Fall 2014, pp. 454-475.

Deringil, Selim, Osmanlı İmparatorluğu’nda ‘Geleneğin İcadı’, ‘Muhayyel Cemaat’ (‘Tasarımlanmış Topluluk’) ve Panislamism, Toplum ve Bilim, 1991, c. 54, S. 55.

Geaves, Ron, Islam in Victorian age: The Life and Times of Abdullah Quilliam, Kube Publishing, Markfield, 2010.

Georgeon, François, Sultan Abdülhamid (Abdülhamid II, le sultan calife), çev. Ali Berktay, İletişim Yay., İstanbul, 2012.

Germain, Eric, Southern Hemisphere Diasporic Communities in the Building of International Muslim Public Opinion at the Turn of the Twentieth Century, Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, Vol. 27/1, 2007, pp. 126-138.

Gilham, Jamie, Britain’s First Muslim Peer of the Realm, Journal of Muslim Minority Affairs, 2013: v. 33, no 1, pp. 93-110.

Gilliat-Ray, S., Muslims in Britain, An Introduction, Cambridge, Cambridge University Press., Cambridge, 2010.

Kılınç, Arzu, II. Abdülhamid ve Çin Müslümanları, Devr -i Hamid Sultan II. Abdülhamid: c. 1, Erciyes Üniversitesi Yayınları no 184/2011, ss. 265-279.

Koloğlu, Orhan, Abdülhamit Gerçeği, Gür Yayınları, İstanbul, 1987.

Mardin, Yusuf, Abdülhak Hamid’in Londrası, Türkiye İş Bankası Yay. İstanbul, 1976.

O. Sykes et al./A city profile of Liverpool, Cities 35(2013) 299-318.

Osmanoğlu, Ayşe, Babam Abdülhamid, Timaş Yayınları, İstanbul, 2013.

Özcan, Azmi, Sultan II. Abdülhamid ve Hindistan Müslümanları, Devr -i Hamid Sultan II. Abdülhamid: c.1, Erciyes Üniversitesi Yayınları no 184/2011, ss. 283-295.

Quilliam, Abdullah, Half a century of Islam in England, (Şeyhu’l-İslâm Abdullah Quilliam tarafından Mısır’da Genç Müslüman Birliği Merkezinde 2 Ağustos 1928’de vermiş olduğu konferans.) Bknz. www.abdullahquilliam.com (20 Temmuz 2016).

Quilliam, W. Henry, Fanatics and Fanaticism: a lecture, At the Vernon Temperance Hall, Liverpool, T.Dobb & Co., Printers, 229, Brow nlow Hill, 1890.

Quilliam, W.H., The Faith of Islam: An Explanatory Sketch of the Principal Fundamental Tenets of the Moslem Religion, Willmer Brothers & Company Ltd., Liverpool, 1892.

Sırma, İhsan Süreyya,

 II. Abdulhamid’in İslâm Birliği Siyaseti, Beyan Yay., İstanbul, 1990.

Sultan Abdulhamid, Siyasi Hatıratım, Dergah Yay., İstanbul, 1984.

The Crescent, 708, 7 December 1898. The Crescent, v.1, n.1, 1893.

The Crescent, v.17, n.421, 1901. http://www.abdullahquilliam.org (20 Eylül 2016). http://www.abdullahquilliam.com (10.05.2016).

 


الهوامش

[1] ÖMER FARUK AKÜN, ''Koçi Bey'', İslam Anisklopidesi, Cilt 26, s.143-145.

[2] قيس العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة في عوامل الانحطاط، (بيروت: الدار العالمية للعلوم، الطبعة الثانية، 2002م)، ص39.

[3] خالد زيادة، المسلمون والحداثة الأوروبية، الكتاب الأول، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017م)، ص54.

[4] المرجع السابق، ص55.

[5] خالد زيادة، مقدمة تحقيق كتاب التنظيمات الجديدة في الدولة العثمانية، ص8.

[6] قيس العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة في عوامل الانحطاط، ص46.

[7] خالد زيادة، المسلمون والحداثة الأوروبية، ص223-224.

[8] المرجع السابق، ص224.

[9] محمد نامق كمال (1840-1888م): أديب ومحامٍ ورجل دولة، تقلد العديد من الوظائف الحكومية في قلم الترجمة في القصر العثماني وفي غاليبولي وقبرص ورودس وكريت، نشأ أديبًا محبًّا للأدب الفارسي والعربي، ولما تعرف إلى إبراهيم شناسي أحد أهم الأدباء والصحفيين العثمانيين التغريبيين أحبَّ الأدب الغربي، وآمن بضرورة الحرية والإصلاح وإقامة دستور وبرلمان للبلاد، وانضمَّ إلى جمعية "العثمانيون الجدد"، وبعد ارتقاء السلطان عبد الحميد الثاني نفاه إلى رودس ثم عفى عنه وعيَّنه فيها متصرفًا، ثم نقله إلى منصب متصرف جزيرة كريت التي لقي ربَّه فيها عام 1888م عن 48 عامًا، ونُقل جثمانه إلى غاليبولي التي أوصى أن يُدفن فيها.

[10] الدولة العثمانية المجهولة، ص424.

[11] المرجع السابق، ص425.

[12] المرجع السابق، ص427.

[13] محمد روحي، أسباب الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة، عني بتصحيحها: السيد حسين وصفي رضا، (القاهرة: مكتبة المنار، 1326هـ/1908م)، ص80-82.

[14] الدولة العثمانية المجهولة، ص427-428.

[15] آق قوندوز، المرجع السابق، ص429.

[16] Süleyman Kocabaş, Jün Türkler Nerede Yanıldı?, Valan Yayınları, istanbuL,1991. s. 29-30.

[17] Durdu Mehmet BURAK, "OSMANLı DEVLETİ'NDE JÖN TÜRK HAREKETİNİN BAŞLAMASı VE ETKİLERİ", OTAM dergesi, sayı: 14, s.295.

[18] مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، ترجمة: محمد حرب، (دمشق: دار القلم، الطبعة الثالثة، 1991م)، ص24.

[19] انقلب السلطان عبد الحميد على الشيخ جمال الدين الأفغاني فيما بعد، ووقع في يده وثائق تؤكد تخابره مع الإنجليز لنزع الخلافة من الأتراك وإعطائها للعرب، وهذه القضية وحيثياتها تناولها سيد هادي خسروشاهي في الجزء الأول من تحقيقه للأعمال الكاملة للأفغاني. انظر: الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، إعداد وتقديم: سيد هادي خسرو شاهي، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى، 2002م)، ج1، ص81-84. وقد دافع عنه الدكتور محمد عمارة في كتابه "جمال الدين الأفغاني المفترى عليه". ولكن إثبات الدكتور عبد النعيم حسنين وهو أستاذ متخصص في اللغة الفارسية، وقد مكث في طهران عامين، وعثر في قرية أسد أباد قريبًا من همدان على كتاب "حقيقة جمال الدين الأفغاني" لابن أخي جمال الدين الأفغاني، لطف الله الأسدبادي، والتي تؤكد أن الرجل كان شيعيًّا جعفريًّا إيرانيًّا وليس أفغانيًّا، يعني أن تشكُّك السلطان عبد الحميد في مخططاته كان وراءه حقيقة ما، وربما كان السبب الذي أودى بحياته في نهاية المطاف. وبين المؤيدين لإصلاحية الأفغاني وهم كثر، وعمالته وهم قلة، يبقى تاريخ الرجل مثيرًا في تاريخ القرن التاسع عشر. انظر: لطف الله الأسدبادي، حقيقة جمال الدين الأفغاني، ترجمة: عبد النعيم حسنين، (مصر-المنصورة: دار الوفاء للطباعة النشر، الطبعة الأولى، 1986م)، ص11، وما بعدها.

[20] مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، ص24.

[21] ذكرت الأميرة عائشة ابنة السلطان عبد الحميد الثاني ذلك الأمر تحديدًا في مذكراتها. انظر:

Ayşe Osmanoğlu, Babam Abdülhamid, Timaş Yayınları, İstanbul, 2013, s. 231

[22] محمد عمارة، جمال الدين الأفغاني المفترى عليه، (القاهرة: دار الشروق، الطبعة الأولى، 1984م)، ص174.

[23] الجامعة الإسلامية: كان تيارًا عريضًا بالفعل، ونتفق مع الدكتور عمارة في وصفه ذلك، فإذا كان الأفغاني أحد رؤوس الحربة في هذا المشروع، فإنه كان يختلف مع السلطان عبد الحميد الثاني في آليات تطبيقه على أرض الواقع، وعلى رأسها إنشاء خديويات أو حكم غير مركزي فيدرالي في جسد الدولة العثمانية، وأيضًا بعث النظام البرلماني حتى يعبِّر الناس عن أنفسهم وآرائهم. على أننا لن نتناول فكرة الجامعة الإسلامية بالتفصيل في هذا المقام، ولعلنا نفرد لها دراسة مفصّلة لاحقًا إن شاء الله.

[24] MEHMET İPŞİRLİ, "ŞEYHÜLİSLÂM Osmanlýlar’da ilmiye teþkilâtýnýn baþýndaki âlimin unvaný", islamansiklopedisi.

[25] Ron Geaves, Islam in Victorian Britain The Life and Times of Abdullah Quilliam, Kube Publishing Limited, Leicestershire, united kingdom 2010.

[26] العصر الفيكتوري هو العصر الذي يرجع إلى فترة حكم الملكة فيكتوريا الأولى، من 20 يونيو 1837م حتى وفاتها في 22 يناير 1901م. (المترجم)

[27] Bk. Muhammed Recai Çiftçi, Muhtedî Abdullah Henry Quilliam'ın 'Dîn-i Islâm' Adlı Eserinin ve Makalelerinin Kelâmî Açıdan Değerlendirilmesi, (Yüksek Lisans Tezi) Marmara Üniversitesi Sosyal Bilimler Enstitüsü, İstanbul, 2009.

[28] Bk. Akıncı, Barbaros, William Henry Quilliam ve Liverpool İslâm Cemiyeti, VAKANÜVIS Uluslararası Tarih Araştırmaları Dergisi/ International Journal of Historical Researches, Yıl/Vol. 1, Sayı/No. 2, Güz/Fall 2016.

[29] Geaves, Ron,Islam in Victorian age: The Life and Times of Abdullah Quilliam, Markfield, Kube, 2010.

[30] وُلِدَ وليام هنري كويليام في إبريل من عام 1856م، في 10 شارع إيليوت بمدينة ليفربول الإنجليزية. (المترجم)

[31] Geaves, a.g.e., s. 24

[32] نشأت حركة الاعتدال في إبان القرن التاسع عشر في الدول الإسكندنافية والناطقة بالإنجليزية، ولا سيما التي تدين بالبروتستانتية، ودعت إلى الاعتدال في المعاملات، والامتناع التام عن شرب الخمور. (المترجم)

[33] الكنيسة الميثودية أو المنهاجية: طائفة مسيحية ظهرت في القرن الثامن عشر في المملكة المتحدة وانتشرت في بريطانيا ولها وجود في العديد من دول العالم اليوم. (المترجم)

[34] Geaves,s. 26.

[35] Ae., s. 31.

[36] Ae., s. 39.

[37] إذا كان جيفز في كتابه قد ادَّعى أنه لم يعثر عن أي سجل مَرضي لكويليام، فإننا نرى بجلاء من ترجمة محمد أسد لكتاب "دين الإسلام" إلى التركية العثمانية، ولا سيما في فصل "السيرة الذاتية للمؤلف"، أن كويليام كان قد أُصيب بمرض جعله طريح الفراش قرابة العام، ومن ثَمَّ نصحه طبيبه بالذهاب إلى الاستجمام والراحة في جنوب إسبانيا.

bk. Çiftçi, a.g.e.; Krş. Gilliat-Ray, S., Muslims in Britain, An Introduction, Cambridge, Cambridge University Press., Cambridge, 2010, s. 39.

[38] Quilliam, Abdullah, Half a century of Islam in England, (Şeyhu’l-İslâm Abdullah Quilliam tarafından Mısır’da Genç Müslüman Birliği Merkezinde 2 Ağustos 1928’de vermiş o lduğu konferans.) Bk. www.abdullahquilliam.com (20 Temmuz 2016).

[39] توماس كارلايل (1795-1881م): فيلسوف ومؤرخ بريطاني مشهور. من أشهر الكتَّاب الذين عُرفوا بتفسير التاريخ والانبعاثات الحضارية على أساس جهود الأبطال، فهو يؤكِّد أن تقدُّم الأُمم انعكاس وتطور للهمَّة العالية لدى بطل يظهر في تلك الأُمَّة. كما عُرف عن كارلايل موقفه الإيجابي المنصف من الدين الإسلامي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يعدُّه من أبرز الأبطال في التاريخ، وقد خصّص له ثاني فصول كتابه "الأبطال". (المترجم)

[40] Quilliam, Abdullah, Half a century of Islam in England.

[41] ويليام ويلبرفورس (1759-1833م): سياسي وبرلماني بريطاني وحقوقي، وأحد أشهر المدافعين عن حركة إلغاء الرق. (المترجم)

[42] Quilliam, W. Henry, Fanatics and Fanaticism: a lecture, At the Vernon Temperance Hall, Liverpool, T.Dobb & Co., Printers, 229, Brownlow Hill, 1890.

[43] Quilliam, Abdullah, Half a century of Islam in England.

[44] Geaves, a.g.e., s. 69

[45] طبقًا لما ذكره جم علي هاملتون، فقد كان كويليام يتلقى ردود فعل عنيفة حين كان يتناول أوجه قصور القيم الأخلاقية في المجتمع المسيحي، ورغم ذلك كان معظم الناس يأتون للاستماع إلى ندوات هذا المحامي الشهير الذي نال شهرته من نجاحه الكبير في كسب معظم قضاياه أمام المحاكم، وفي السنوات الأولى التي تلت إنشاء المسجد والنُّزل اللذين أشرف على بنائهما في عام 1887م، كانت قاعة المؤتمرات تغصُّ بالقادمين الغاضبين، وكان على كويليام أن ينتظر ساعة كاملة بسبب الضجيج وصيحات الاستهجان والغضب قبل أن يبدأ حديثه قائلًا: أنا الآن صاحب الحق في الكلام بعدما أبديتم غضبكم واستهجانكم. فتهدأ القاعة وكأن على رؤوسهم الطير، ثم يأخذ في الشرح والخطاب العذب الذي يجذب الألباب، ويُسكت الخصوم، وفي نهاية المحاضرات كنتَ ترى هؤلاء الغاضبين من قبلُ يأتون مصافحين كويليام، معبّرين عن رضاهم، بل إن بعضهم كان يعلن اعتناقه للإسلام على الملأ.

Bk. Geaves, a.g.e., s. 61-2

[46] Quilliam, Half a century of Islam in England.

على الرغم من ادّعاء كويليام أنه أولُ من أسلم من الإنجليز؛ فإن اللورد ستانلي من ألدرلي (Lord Stanley of Alderley) الذي كان يعمل دبلوماسيًّا في السفارة البريطانية في إسطنبول سبقه في اعتناق الإسلام عام 1859م، وكان ممن غشي مسجد ليفربول أيضًا.

bk. Jamie Gilham, Britain’s First Muslim Peer of the Realm, Journal of Muslim Minority Affairs, 2013: v. 33, no 1, 93-110, s. 97.

[47] O. Sykes et al./A city profile of Liverpool, Cities 35(2013) 299 -318, s. 308.

[49] Geaves, a.g.e., s. 3 ve 69.

[50] Türkçe tercüme Arap harfli baskısı için bk. Dîn-i İslâm ve İslâmiyet’in Başlıca Kavaid-i Esâsiyye-i i'tikâdiyyesi Hakkında Ma'lûmât-ı Mücmele (trc. Mahmûd Es'ad Seydişehrî), İzmir, 1314.

[51] كتب هذه المسرحية الأديب الفرنسي الشهير فولتير في عام 1736م، وعُرضت للمرة الأولى في مدينة ليل الفرنسية في عام 1742م، واشتهرت أيضًا باسم "مسرحية التعصُّب"، وفي هذه المسرحية ذات الفصول الخمسة يهاجم فولتير الإسلام في شخص النبي عليه الصلاة والسلام، حيث يُظهره قاتلًا لمعارضيه، منتقمًا منهم. ويؤكد العديد من الدارسين لفولتير -من خلال رسائله التي كتبها فيما بعد- أنه قصد من هذه المسرحية مواجهة الفاشية والاضطهاد الذي كانت ترتكبه الكنيسة الكاثوليكية باسم المسيح، ويؤكدون أن رأيه الذي كتبه في أخريات حياته عن الإسلام ونبيِّه بأنه دين حكيم ومستقيم وعفيف وإنساني يؤكِّد ذلك المقصد. لكن هذا المسوّغ لا يعفي لا فولتير ولا المدافعين عنه بأن يصور الإسلام ونبيَّه بهذه الصورة الكاذبة الخاطئة. (المترجم)

انظر الأرشيف العثماني الذي سيشار إليه فيما بعد بـ (BOA)، وثيقة Y.PRK.EŞA.12/28.

[52] Geaves, a.g.e., s. 70.

[53]BOA., Y.PRK.EŞA.12/28

[54] Geaves, a.g.e., s. 72.

[55] Ae., s. 151-4.

[56] The Crescent, v.1, n.1, 1893, s. 4-5

[57] The Crescent, v.1, n.1, 1893, s. 6-7.

[58] Geaves, a.g.e., s. 118; Mardin, Yusuf, Abdülhak Hamid’in Londrası, Türkiye İş Bankası Yay., İstanbul, 1976, s. 288-291; Ayrıca bk: Armağan, Mustafa, Abdülhamid’in Kurtlarla Dansı 2, Timaş Yay., İstanbul, 2009, s. 206.

[59] Geaves, a.g.e., s. 71.

[60] Ae., s. 72.

[61] بلغ أحد هذه التبرعات ألف جنيه إسترليني، استخدم كويليام 400 جنيه إسترليني منها لشراء قطعة أرض بجوار شارع بروغهام تراس في ليفربول من أجل نقل وتوسيع المقر الجديد لمعهد ليفربول الإسلامي. انظر:

Geaves, a.g.e., s. 73.

[62] Dajani, Amjad Muhsen S., The Islamic World, 1893-1908, Victorian Periodic als Review, Vol. 47: 3, Fall 2014, pp. 454-475, s. 454.

[63] Geaves, a.g.e., s. 73.

[64] Dajani, a.g.m., s. 454.

[65] Germain,Eric, Southern Hemisphere Diasporic Communities in the Building of International Muslim PubLİE Opinion at the Turn of the Twentieth Century, Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, Vol. 27/1, 2007, pp. 126-138. s. 129.

[66] Dajani, a.g.m., s. 463 ve 465.

[67] Geaves, a.g.e., s. 74.

[68] Dajani, a.g.m., s. 455.

[69] لم نستطع العثور في الأرشيف العثماني التابع لرئاسة الوزراء على أية وثيقة تُدلل على هذا التعيين، ولكن بطريق غير مباشرة استطعنا أن نجد في الوثيقة رقم 121 في أرشيف دائرة رئيس الكُتَّاب (Baş Kitabet Dairesi 121 numaralı) ما يُدلل على منحه نيشانًا عثمانيًّا من الدرجة الرابعة. للاطلاع على هذه الوثيقة المنشورة، انظر:

Şeker, Mehmet, ‚Sultan Abdülhamid’in İngiltere’ye Atadığı Şeyhülislâm‛, Derin Tarih Dergisi, Sayı: 2, İstanbul, 2012, ss. 22–24); Quilliam’ın Yıldız Sarayı’nda ağırlanması ve oğlunun Liverpool Başşehbenderliğine tayini (bk: BOA. Y.A.RES.1320/5/14); ve Abdullah Quilliam’ın ‘şeyhülislâm’ unvanını kullandığı antetli evraktan (bk: BOA.TFR.I.M.25/2452) anlamaktayız.

[70] محمد شيتا بك (1824-1895م): كان تاجرًا وأحد مشاهير رجال الأعمال المسلمين الأفارقة في لاغوس بنيجيريا ومنطقة دلتا النيجر، وأحد أبرز المساهمين في بناء جامع لاغوس المركزي وجامع "شيتا بك"، كما كان له إسهام ضخم في بناء الجوامع والمدارس الإسلامية في سيراليون وغرب إفريقيا، حمل لقب "سيريكي مسلمي لاغوس" أي زعيم مسلمي لاغوس، ونظرًا لجهوده الكبيرة في خدمة الإسلام قرَّر السلطان عبد الحميد الثاني منحه لقب "بك" على يد ممثله شيخ الإسلام لبريطانيا وجزرها عبد الله كويليام عند افتتاح الجامع في عام 1894م. (المترجم)

[71] Quilliam, A. The Crescent, 708, 7 December 1898.

[72] عبد الرحمن خان (1844-1901م): أمير أفغانستان في الفترة ما بين عامي 1880-1901م، اتسعت مملكته إلى حدود الهند وشرقي إيران، كان شديدًا على مناوئيه، مدعومًا من الإنجليز في أوقات كثيرة، ومن الروس في أوقات أخرى. (المترجم)

[73] Geaves, a.g.e., s. 75.

[74] Bayram, Aydın, Sunni Muslim Religious Life in Britain: With Special focus on Religious Practices, Religious Authority, and Intra-faith relations, Lulu Publishing, London, 2014.

[75] Geaves, a.g.e., s. 77-8.

[76] http://www.abdullahquilliam.org/bbc -great-british-İslâm/ (20 Eylül 2016).

[79] The Crescent, v. 17, n. 421, 1901, s. 88.

[80] Geaves, a.g.e., s. 116.

[81] Ae., s. 207; The Crescent, No. 565, 11th November 1903.

[82]‚Anti-nationalist pan-islamic propaganda‛ Dajani, a.g.m., s. 460.

[83] Sırma, İhsan Süreyya, II. Abdulhamid’in İslâm Birliği Siyaseti, Beyan Yay., İstanbul, 1990, s. 45.

[84] طبقًا للباحث أورخان قول أوغلو، فإن مصطلح الجامعة الإسلامية (panislamizm) اخترعه الأوروبيون في الأساس، بيد أنهم نسوا كيف ظهر هذا المصطلح مع مرور الزمن، وقد استغلَّ السلطان عبد الحميد الثاني هذا المفهوم لصالحه أفضل استغلال؛ إذ لم يكن لديه في واقع الحال مثل هؤلاء العملاء والجواسيس على الساحة الدولية. بينما يرى الباحث عزمي أوزجان أن الدول الأوروبية -وفي القلب منها بريطانيا- عملت على شيطنة فكرة "الجامعة الإسلامية" كما لو أنها تهدد الإنسانية جمعاء، وذلك بهدف إضفاء المشروعية على احتلالهم لدول العالم الإسلامي. (المترجم)

Bk. Koloğlu, Orhan, Abdülhamit Ger- çeği, Gür Yayınları, İstanbul, 1987. s. 93. Bk. Özcan, Azmi, Sultan II. Abdülhamid ve Hindistan Müslümanları, Devr-i Hamid Sultan II. Abdülhamid: c.1, Erciyes Üniversitesi Yayınları no 184/2011, ss. 283-295, s. 287.

[85] Deringil, Selim, Osmanlı İmparatorluğu’nda ‘Geleneğin İcadı’, ‘Muhayyel Cemmat’ (‘Tasarımlanmış Topluluk’) ve Panislamism, Toplum ve Bilim, 1991, c. 54, S. 55, ss. 47-64.

[86] كتب المؤلف المصطلح وفقًا للغة التركية المعاصرة كما هو موضح أعلاه، ولم يذكر أصله الإنجليزي (pan- Islamism). (المترجم)

[87] Georgeon, François,Sultan Abdülhamid (Abdülhamid II, le sultan calife), çev. Ali Berktay, İletişim Yay., İstanbul, 2012, s. 285-6.

[88] كان السلطان عبد الحميد يخبر ابنته أن "الجهاد" تهديد باللسان وليس بالجسم والبنان.

انظر مذكرات الأميرة عائشة عثمان أوغلي:

Ayşe Osmanoğlu, Babam Abdülhamid, Timaş Yayınları, İstanbul, 2013, s. 231.

[89] Sultan Abdulhamid, Siyasi Hatıratım, Dergah Yay., İstanbul, 1984, s. 178.

[90] مؤسس الأسرة الأفشارية التي قامت على أنقاض الدولة الصفوية في إيران، استمرت ما بين عامي 1736-1796م، ومن بعدهم ظهرت الأسرة القاجارية واستمرت حتى بداية القرن العشرين. (المترجم)

[91] Dabağyan, Levon Panos, Osmanlı'da Şer Hareketleri ve Abdülhamid Han, IQ Kültür Sanat Yayıncılık, İstanbul, 2005, s. 191.

[92] Dabağyan, a.g.e., s. 192.

[93] يذكرنا هذا المشروع بفكرة الفتوة التي أعاد إحياءها الخليفة العباسي الناصر لدين الله (577-623هـ)، وهي حركة أخلاقية صوفية كانت تتزيّا بزيّ محدد ولها ممارسات أخلاقية منها: نصرة الضعيف، والدفاع عنه، واحترام شيوخها، ومن خلالها تمكَّن الخليفة الناصر من بعث نفوذه السياسي والروحي في الهند وآسيا الوسطى وإيران والأناضول وحتى مصر. انظر: محمد شعبان أيوب، رحلة الخلافة العباسية، مجلد آخر أيام العباسيين. (المترجم)

[94] Sırma, a.g.e., s. 46.

[95] Kılınç, Arzu, II. Abdülhamid ve Çin Müslümanları, Devr-i Hamid Sultan II. Abdülhamid: c.1, Erciyes Üniversitesi Yayınları, no 184/2011, ss. 265 -279, s. 276

[96] تقع مدينة قازان في جمهورية روسيا. (المترجم)

[97] Kılınç, Arzu, a.g.m., s. 273.

[98] Özcan, Azmi, a.g.m., s. 290.

[99] Ae., s. 289.

[100] Quilliam, A. The Crescent, 708, 7 December 1898.

[101] Geaves, a.g.e., s. 75.

[102] Dajani, a.g.m., s. 460.

[103] في الوثيقة رقم (TFR.I.M.25/2452) في الأرشيف العثماني نجد مراسلة بين كويليام بوصفه شيخ الإسلام في إنجلترا وبين حلمي باشا المفتش العام في مدينة سلانيك يخبره فيها أن الشخص المدعو "بريلسفورد" الذي كان يُسهّل سفر الأرمن ممن شاركوا في التمرد ضد الدولة العثمانية إلى روسيا من خلال جوازات سفر مزورة تمكَّنت السلطات أخيرًا من القبض عليه وإلقائه في السجن، وقد دعم رسالته بالعديد من قصاصات الصحف التي تؤيد صحة هذا الخبر.

[104] لقراءة فتاوى عبد الله كويليام وكتاباته في أثناء تقلُّده المشيخة، انظر:

BOA.Y.PRK. MŞ, 6/41 Ve Osmanlı İdaresinde Sudan, ss. 235-241

ولئن نقلنا نصَّ هذه الفتوى من كتاب جيفز المحرر باللغة الإنجليزية، فقد نُشرت في مجلة "العالم الإسلامي" التي كان يصدرها كويليام، في العدد رقم 37 الصادر في شهر مايو لعام 1896م. انظر:

Geaves, a.g.e., s. 173-4.

[105] Bk. Mehmet İpşirli ‘Şeyhülislâm’ DİA, c. 39; s. 96.

[106] أرسل بعض المسلمين الهنود العديد من الرسائل إلى كويليام داعين إياه لعدم التدخل في القضايا السياسية وإبداء الرأي فيها. انظر:

 Dajani, a.g.m., s. 459.

[107] محمد جمال الدين أفندي: وُلِدَ في إسطنبول عام 1848م لأسرة علمية، فوالده كان من كبار الفقهاء الذين تولوا قضاء العسكر وقضاء البلقان، ترقى جمال الدين أفندي في التعليم الديني حتى بلغ رتبة القضاء في إسطنبول ثم قضاء العسكر في الأناضول ثم قضاء الرومللي، تولَّى منصب "شيخ الإسلام" مرتين الأولى بين عامي 1891-1909م، ثم تقلد المنصب ذاته لمدة عامين بين 1912-1913م، ليصبح ثالث أطول مشايخ الإسلام في الدولة العثمانية بمجموع 18 عامًا تقريبًا، نُفي إلى الإسكندرية بسبب اعتراضه على سياسة الاتحاد والترقي، ولقي ربَّهُ بها عام 1917م، وقد أُحضر جثمانه إلى إسطنبول ودُفن بها. (المترجم)

[108] Osmanlı İdaresinde Sudan, s. 241.

[109] محمد أحمد بن عبد الله بن فحل الشهير بالمهدي (1843-1885م): الزعيم السوداني الصوفي الشهير الذي قاوم الاحتلال الإنجليزي المدعوم بالقوات المصرية، وقد تمكَّن من قتل الحاكم العام البريطاني للسودان الجنرال تشارلز جوردون في عام 1885م، وقد توفي في العام نفسه بحُمَّى التيفوئيد، وخلفه في حكم السودان وادعاء الخلافة عبد الله بن السيد محمد الشهير بعبد الله التعايشي. (المترجم)

[110] سنجد تفاصيل هذا الاجتماع من خلال التقرير رقم 55 المرسل من القنصلية العثمانية بمدينة ليفربول إلى وزارة الخارجية العثمانية بتاريخ 21 مارس 1899م. انظر:

BOA. YA.HUS.395/104.

[111] ‚In the service of the Sultan,‛ Wide World Magazine 17 (June 1906): 223.

وقد أخذنا هذه الصورة من دراسة الباحث أمجد الدجاني، انظر:

Dajani, a.g.m., s. 455.

[112] Geaves, a.g.e., s. 196.

[113] Ae., s. 104.

[114] Geaves, a.g.e., s. 129.

[115] Ae., s. 129.

[116] كذا في المتن وهذا غير صحيح؛ فقد عيّن السلطان عبد الحميد كوليام في منصب شيخ إسلام بريطانيا في عام 1893م، وانتهى دوره الرسمي مع انقلاب عام 1908م، لتكون المدة الكاملة التي قضاها كويليام في هذا المنصب هي 15 عامًا فقط وليس 32 عامًا. (المترجم)

[117] Ae., s. 130.

[118] كانت بريطانيا ودول الحلفاء -مثل فرنسا وروسيا وإيطاليا واليونان وغيرها- من أبرز المتحاربين مع دول المركز، وعلى رأسها ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية وبلغاريا، وكان من الطبيعي أن يتخفى كويليام عن الأنظار ويغيّر هويته خوفًا على نفسه من بطش الإنجليز الذين أعلنوا عداءهم للدولة العثمانية منذ اشتعال هذه الحرب. (المترجم)

[119] أحد الادعاءات التي انتشرت آنذاك هو أن مارثا ماري بيترز التي رفعت قضية الطلاق ضد زوجها كانت قد سافرت برفقة كويليام وابنه أحمد إلى إسطنبول. انظر:

Geaves, a.g.e., s. 255-6

[120] Çiftçi, a.g.t., s. 43.

[121] ربما علمت هذه السيدة أن كويليام شرع يستخدم اسم زوجها الراحل، فاستخدمت هذا الدليل المادي للضغط على كويليام كي يتزوجها، وهو ما رضخ له في نهاية الأمر. (المترجم)

[122] Geaves, a.g.e., s. 261.

[123] Ae., s. 199

[124] المانكس أو جزيرة المان: جزيرة بريطانية تُقدَّر مساحتها بثلاثة آلاف فدان، تقع في البحر الإيرلندي بين إنجلترا وإيرلندا، وهم شعب قديم طالما افتخر سكان مدينة ليفربول بالانتماء إليه أكثر من انتمائهم إلى التاج البريطاني. (المترجم)

[125] Ae., s. 268

[126] Ae., s. 269.

[127] نشأت "حركة الخلافة" في الفترة ما بين عامي 1919-1924م على يد مجموعة من كبار الشخصيات الهندية المسلمة بوصفها حركة سياسية منادية باستعادة مقام الخلافة العثمانية ودورها المؤثر بعدما تقلَّص دورها عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وتهميش دور الخلفاء من قِبَل حكومات الاحتلال المتعاقبة، ولكن الضربة الكبرى لهذه الحركة جاءت من مصطفى كمال أتاتورك حين أعلن إلغاء الخلافة العثمانية في مارس 1924م، الأمر الذي أدى إلى انهيار هذه الحركة التي عُرفت أيضًا باسم "الحركة الإسلامية الهندية"، ولا شكَّ أن هذه الحركة تُعَدُّ أقدم حركة سياسية إسلامية سبقت حتى ظهور جماعة الإخوان المسلمين في الدعوة إلى استعادة الخلافة من جديد. (المترجم)

[128] Ae., s. 273

[129] غوتيلب فيلهلم لايتنر: مستشرق مجري الأصل، يهودي الديانة، بريطاني الجنسية، تمكَّن منذ سِن مبكرة من تعلُّم العديد من اللغات بطلاقة مثل العربية والتركية والفارسية واليونانية ومعظم اللغات الأوروبية، وقام بعمل العديد من السياحات إلى المشرق، ولهذه الثقافة العالية شارك في العمل ضمن الحكومة البريطانية في الهند والبنجاب، كما انخرط في المجال الأكاديمي وأسَّس العديد من الجمعيات والمدارس والمجلات الأكاديمية، وكتب عن تاريخ الإسلام، كما أسَّس مسجد وجمعية شاه جهان وكينغ في عام 1889م كأحد المساجد الأولى في أوروبا الغربية في بريطانيا، وعمل في كينجز كولديج في لندن، توفي في مدينة بون عام 1899م. (المترجم)

[130] جورج رولاند ألان سون وين: سليل أسرة ملوك شمال ويلز، والشهير باللورد هيدلي من كبار نبلاء بريطانيا، وُلِدَ في لندن عام 1855م وتوفي بها عام 1935م، تخرج مهندسًا في جامعة كامبردج، وكان محبًّا للقراءة والاطلاع، عمل مهندسًا في الهند لسنوات، واطلع على الإسلام من قرب حتى أيقن أنه دين الحق، فأعلن إسلامه في عام 1913م وتسمَّى باسم رحمة الله فاروق هيدلي، أسس الجمعية الإسلامية البريطانية في العام التالي، وأصبح من أنشط الدعاة إلى الإسلام في الغرب، وجاب الأقطار الإسلامية، ورحَّبت به مصر بعد ثورة 1919م، توفي عن 80 عامًا. (المترجم)

[131] خوجة كمال الدين الهندي: أحد أكابر المسلمين الهنود الذين نبغوا في العلوم الشرعية والمحاماة، وحاز شهرة عريضة في بلاده، وقد آثر في ظل هذه الشهرة الواسعة والمال والثراء أن يتركها ويتجه إلى بريطانيا ليدعو إلى الإسلام، وقد نجح في مهمته، وتمكَّن من الإمامة في مسجد ووكينغ، وكان ممن أسلم على يديه اللورد هيدلي ومئات غيره، وكتب ما يقارب 100 مؤلَّف في التعريف بالإسلام والدعوة إليه، وقد اتُّهِمَ بالدعوة إلى الأحمدية والقاديانية، ولكن نفى عنه هذه التهمة العديد من المفكرين الكبار، منهم الشيخ محمد رشيد رضا، الذي كتب عنه مقالة بمناسبة وفاته عام 1932م في مجلة المنار. انظر: محمد رشيد رضا، الخوجة كمال الدين الهندي، عدد ذي الحجة 1351هـ، 33/138، 139. (المترجم)

[132] Geaves, a.g.e., s. 269.

[133] محمد مارمادوك بكتال (1875-1936م): كاتب وروائي وصحفي ومعلّم بريطاني، أعلن إسلامه وشرع في ترجمة معاني القرآن الكريم، وكان من المؤسسين الأوائل للجمعية الإسلامية البريطانية مع اللورد هيدلي، كما كان له دور نشط في الدعوة إلى الإسلام في بريطانيا. (المترجم)

[134] Ae., s. 123

[135] Akıncı, a.g.m., s. 10.

[136] Akıncı, a.g.m., s. 9.

[137] نقل تقرير في صحيفة الهلال في عدد 10 يناير 1906م أن حركة الدعوة والتبليغ التي بدأها كويليام في عام 1887م كانت قد أثمرت اعتناق 600 شخص للإسلام. انظر:

Çiftçi, a.g.t., s. 42.

[138] Germain, Eric, Southern Hemisphere Diasporic Communities in the Building of International Muslim Public Opinion at the Turn of the Twentieth Century, Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, Vol. 27/1, 2007, pp. 126-138.