الشريعة والدولة في الشرق الأوسط المسلم الحديث
الملخّص
كانت العلاقة الدائمة بين العالم الإسلامي منذ نشأته وبين العالم المسيحي (الشرق والغرب) علاقةً سِمَتُها التلاقح الحضاري؛ السلمي تارةً والعسكري العنيف تارةً أخرى. ومنذ ما يزيد عن مائتي عام، دخل الجانبان في جولةٍ جديدة من التلاقح والصدام، فيما عُرف بالاستعمار الحديث.
بدأت الجيوش الأوروبية نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر في الزحف على أطراف العالم الإسلامي، حتى وصلت إلى قلبه في مصر والشام في منتصف وأواخر القرن التاسع عشر. إلا أنها كانت قد وصلت إلى قلب العالم الإسلامي في إسطنبول قبل ذلك، لكن ليست الجيوش العسكرية بل الفكرية.
لقد أدت القفزة الصناعية التي حدثت في أوروبا منتصفَ القرن الثامن عشر إلى اختلالٍ كبير في ميزان القوى بين أوروبا والعالم الإسلامي؛ مما فتح الباب على مصراعيه للتأثيرات الغربية على المجتمعات الإسلامية، فكان استجلابُ النظم والقوانين الأوروبية وتطعيم المجتمعات الإسلامية بها شيئًا فشيئًا أحد صور هذه التأثيرات. وهو ما تتناوله هذه الورقة.
ينظر المؤلف في لحظتين تاريخيتين مختلفتين يفصل بينهما مائة عام تقريبًا؛ لحظة بداية سيرورة استبدال المحاكم الأهلية والمدنية بالمحاكم الشرعية في مصر، ومن ثم في باقي الدول العربية، ولحظة عودة الشريعة إلى صادرة المسرح السياسي وانتشار دعوات تطبيق الشريعة. يقدّم المؤلف استبصارات دقيقة في هذه الورقة حول الكيفية التي استقبل بها مؤيدو الشريعة ومحبوها هذا الاستبدال، وكيف استطاعت الشريعة العودة إلى المسرح السياسي مرةً أخرى؟